الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الخامِسُ: من قواعِدِ الاستِدلالِ على مَسائِلِ الاعتِقادِ عندَ أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ: الإيمانُ بالنُّصوصِ على ظاهِرِها وردُّ التَّأويلِ

يُقصَد بظاهِرِ النُّصوصِ مَدلولُها المفهومُ بمقتضى الخِطابِ العربي، فالواجِبُ في نصوصِ الوَحيِ إجراؤُها على ظاهِرِها المتبادِرِ، واعتقادُ أنَّ هذا المعنى هو مرادُ المتكلِّمِ.
وصرفُ الكلامِ عن ظاهِرِه المتبادِرِ من غيرِ دَليلٍ يُوجِبُه: تحكُّمٌ غيرُ مَقبولٍ، سَبَبُه الجَهلُ أو الهوى، وهو أقرَبُ إلى التَّحريفِ مِنَ التَّأويلِ [115] يُنظر: ((القواعد المثلى)) لابن عثيمين (ص: 34)، ((علم العقيدة عند أهل السنة والجماعة)) لمحمد يسري (ص: 353)، ((منارات وعلامات في تنزيل أحاديث الفتن على الوقائع والحوادث)) لعبد الله العجيري (ص: 89). .
قال الشَّافعيُّ: (الأصلُ قرآنٌ أو سنَّةٌ، فإنْ لم يكن فقياسٌ عليهما، وإذا اتَّصَل الحديثُ عن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وصَحَّ الإسنادُ به، فهو سُنَّةٌ، والإجماعُ أكبَرُ من الخبرِ المنفَرِدِ، والحديثُ على ظاهِرِه، وإذا احتمَلَ المعانيَ فما أشبَهَ منها ظاهِرَ الأحاديثِ أَولاها به، وإذا تكافأَتِ الأحاديثُ فأصحُّها إسنادًا أَولاها) [116] يُنظر: ((آداب الشافعي ومناقبه)) لابن أبي حاتم (ص: 177). .
وقال ابنُ تَيميَّةَ: (لم يكُنْ في الصَّحابةِ مَن تأوَّلَ شيئًا من نصوصِه -أي: نُصوصِ الوَحْيِ- على خلافِ ما دلَّ عليه، لا فيما أخبَرَ به اللهُ عن أسمائِه وصِفاتِه، ولا فيما أخبَرَ به عمَّا بعد الموتِ) [117] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (13/252). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (إذا سُئِلَ عن تفسيرِ آيةٍ من كتابِ اللهِ تعالى أو سنَّةِ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فليس له أن يُخرِجَها عن ظاهِرِها بوجوهِ التَّأويلاتِ الفاسِدةِ الموافِقةِ نِحْلتَه وهَواه، ومَن فَعَل ذلك استحقَّ المنعَ من الإفتاءِ والحَجْرَ عليه، وهذا الذي ذكَرْناه هو الذي صرَّح به أئمَّةُ الإسلامِ قديمًا وحديثًا) [118] يُنظر: ((إعلام الموقعين)) (6/180). .
وقال ابنُ الوزيرِ: (النَّقصُ في الدِّينِ برَدِّ النُّصوصِ والظَّواهِرِ، وردِّ حقائقِها إلى المجازِ من غيرِ طَريقٍ قاطعةٍ تدُلُّ على ثبوتِ الموجِبِ للتَّأويلِ إلَّا مجرَّد التَّقليدِ لبَعضِ أهلِ الكلامِ في قواعدَ لم يتَّفِقوا عليها) [119] يُنظر: ((إيثار الحق)) (ص: 123). .
وقال ابنُ حَجَرٍ: (وقد توسَّع من تأخَّر عن القُرونِ الثَّلاثةِ الفاضِلةِ في غالبِ الأُمورِ التي أنكَرَها أئمَّةُ التَّابعينَ وأتباعُهم، ولم يقتَنِعوا بذلك حتى مَزَجوا مَسائِلَ الدِّيانةِ بكلامِ اليونانِ، وجعلوا كلامَ الفلاسفةِ أصلًا يردُّون إليه ما خالفَه مِن الآثارِ بالتَّأويلِ -ولو كان مُستَكرَهًا-، ثمَّ لم يكتفوا بذلك حتى زعَموا أنَّ الذي رتَّبوه هو أشرَفُ العُلومِ، وأَوْلاها بالتَّحصيلِ، وأنَّ من لم يستَعمِلْ ما اصطلحوا عليه فهو عامِّيٌّ جاهِلٌ فالسعيدُ من تمسَّك بما كان عليه السَّلَفُ، واجتنب ما أحدَثَه الخَلَفُ) [120] يُنظر: ((فتح الباري)) (13/253). .
ففي لزومِ الإيمانِ بالنُّصوصِ على ظاهِرِها المُرادِ، ودَفْعِ التَّأويلِ المتعَسِّف بغيرِ دليلٍ: مُوافَقةٌ لنُصوصِ الكِتابِ والسُّنَّةِ لَفظًا ومَعنًى، مع بُعدٍ عن التكلُّفِ في الدِّينِ، والقَولِ على اللهِ بغيرِ عِلمٍ، والافتراءِ على رَسولِه الأمينِ، فضلًا عمَّا في ذلك من مَصلحةِ سَدِّ بابِ الخُروجِ على العَقيدةِ ببِدْعةٍ مُحدَثةٍ، وسدِّ بابِ الخُروجِ على الشَّريعةِ، والاجتراءِ على الحُرُماتِ، والتهاوُنِ بالطَّاعاتِ، والوقوعِ في المنكَراتِ، بصَرْفِ ألفاظِ الوَعد والوَعيدِ عن حقيقتِها وظاهِرِها، ودعوى أنَّ كلَّ ذلك غيرُ مرادٍ.
قال ابنُ تَيميَّةَ: (لَفظُ "التَّأويلِ" فيه اشتراكٌ بين ما عناه اللهُ في القُرآنِ، وبين ما كان يُطلِقُه طوائفُ من السَّلَف، وبين اصطِلاحِ طوائفَ من المتأخِّرينِ، فبسَبَبِ الاشتراكِ في لَفظِ التَّأويل اعتقد كلُّ من فَهِمَ منه معنًى بلُغتِه أنَّ ذلك هو المذكورُ في القُرآنِ،... ويبَيِّنُ ذلك أنَّ الصَّحابةَ والتَّابعينَ لم يمتنِعْ أحدٌ منهم عن تفسيرِ آيةٍ من كتابِ اللهِ، ولا قال: هذه من المتشابِهِ الذي لا يُعلَمُ معناه، ولا قال قطُّ أحدٌ من سَلَفِ الأمَّةِ ولا من الأئمَّة المتبوعينَ: إنَّ في القُرآنِ آياتٍ لا يُعلَمُ معناها، ولا يَفهمُها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا أهلُ العِلمِ والإيمانِ جميعُهم، وإنَّما قد يَنفُون عِلمَ بعضِ ذلك عن بَعضِ النَّاس، وهذا لا رَيْبَ فيه) [121] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (13/284). .

انظر أيضا: