الموسوعة العقدية

المَطلَبُ العِشرونَ: مِن قواعِدِ صِفاتِ اللهِ: صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ لا حَصْرَ لها

صِفاتُ اللهِ عزَّ وجلَّ لا حَصْرَ لها؛ لأنَّ كلَّ اسمٍ يَتضَمَّنُ صفةً، وأسماءُ اللهِ لا حَصْرَ لها؛ فمنها ما استأثَرَ اللهُ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَه.
عن عبدِ اللهِ بنِ مَسعودٍ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((ما أصاب أحدًا قَطُّ هَمٌّ ولا حَزَنٌ، فقال: اللَّهُمَّ إنِّي عَبدُك، ابنُ عَبدِك، ابنُ أَمَتِك، ناصيتي بيَدِك، ماضٍ فيَّ حُكمُك، عَدلٌ فيَّ قضاؤك، أسألُك بكُلِّ اسمٍ هو لك، سَمَّيتَ به نَفْسَك، أو علَّمْتَه أحدًا من خَلْقِك، أو أنزَلْتَه في كتابِك، أو استأثَرْتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَك: أن تجعَلَ القُرآنَ رَبيعَ قَلبي، ونورَ صَدْري، وجَلاءَ حَزَني، وذَهابَ هَمِّي، إلَّا أذهَبَ اللهُ هَمَّه وحَزَنَه، وأبدَلَه مكانَه فَرَحًا، قال: فقيل: يا رسولَ اللهِ، ألا نتعَلَّمُها ؟ فقال: بلى، ينبغي لِمن سَمِعَها أن يتعَلَّمَها )) [1402] أخرجه أحمد (3712) واللفظ له، وابن حبان (972)، والحاكم (1877) صححه ابن حبان، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (1/150)، والصنعاني في ((الإنصاف في حقيقة الأولياء)) (102)، وصحح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (6/153)، والألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (199). .
قال ابنُ القَيِّمِ: (قَولُه: أو استأثَرْتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَك دَليلٌ على أنَّ أسماءَه أكثَرُ مِن تِسعةٍ وتِسعينَ، وأنَّ له أسماءً وصِفاتٍ استأثَرَ بها في عِلمِ الغَيبِ عِندَه لا يَعلَمُها غَيرُه، وعلى هذا فقَولُه: ((إنَّ للهِ تسعةً وتِسعينَ اسمًا مَن أحصاها دخل الجنَّةَ ))، لا ينفي أن يكونَ له غيرُها، والكلامُ جملةٌ واحِدةٌ، أي: له أسماءٌ مَوصوفةٌ بهذه الصِّفةِ، كما يُقالُ: لفُلانٍ مائةُ عَبدٍ أعَدَّهم للتِّجارةِ، وله مائةُ فَرَسٍ أعَدَّها للجِهادِ، وهذا قَولُ الجُمْهورِ، وخالَفَهم ابنُ حَزمٍ، فزَعَم أنَّ أسماءَه تَنحَصِرُ في هذا العَدَدِ) [1403] يُنظر: ((شفاء العليل)) (ص: 277). .
وقال أيضًا: (لله تعالى أسماءٌ وصِفاتٌ استأثَرَ بها في عِلمِ الغَيبِ عِندَه، لا يَعلَمُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ ولا نبيٌّ مُرسَلٌ، كما في الحديثِ الصَّحيحِ: ((أسألُك بكُلِّ اسمٍ هو لك، سَمَّيتَ به نَفْسَك، أو أنزَلْتَه في كتابِك، أو أستأثَرْتَ به في عِلمِ الغَيبِ عِندَك ))، فجعل أسماءَه ثلاثةَ أقسامٍ:
قِسمٌ: سَمَّى به نَفْسَه، فأظهَرَه لِمن شاء من ملائكَتِه أو غَيرِهم، ولم يُنزِلْ به كِتابَه.
وقِسمٌ: أَنزَلَ به كتابَه، فتعَرَّفَ به إلى عِبادِه.
وقِسمٌ: استأثَرَ به في عِلمِ غَيبِه، فلم يُطلِعْ عليه أحدًا مِن خَلْقِه؛ ولهذا قال: «استأثَرْتَ به» أي: انفرَدْتَ بعِلْمِه، وليس المرادُ انفرادَه بالتَّسمِّي به؛ لأنَّ هذا الانفرادَ ثابتٌ في الأسماءِ التي أَنزَلَ بها كِتابَه.
ومن هذا قَولُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في حديثِ الشَّفاعةِ: ((فيَفتَحُ عَلَيَّ مِن محامِدِه بما لا أُحسِنُه الآنَ)) [1404]  أخرجه البخاري (4712)، ومسلم (194) باختلاف يسير من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. ولفظ البخاري: ((ثم يفتح الله علي من محامده وحسن الثناء عليه شيئا لم يفتحه على أحد قبلي)) ، وتلك المحامِدُ هي بأسمائِه وصِفاتِه تبارك وتعالى. ومنه قَولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لا أُحصي ثَناءً عليك، أنت كما أثنَيتَ على نَفْسِك )) [1405] أخرجه مسلم (486) من حديثِ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عنها. [1406] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/ 293، 294). [1407] يُنظر: ((بدائع الفوائد)) (1/ 293(. .
وقال سُلَيمانُ بنُ عبدِ اللهِ آل الشَّيخِ: (اعلَمْ أنَّ الأسماءَ الحُسْنى لا تَدخُلُ تحتَ حَصرٍ، ولا تُحَدُّ بعَدَدٍ؛ فإنَّ للهِ تعالى أسماءً وصِفاتٍ استأثَرَ بها في عِلمِ الغَيبِ عِندَه، ولا يَعلَمُها مَلَكٌ مُقَرَّبٌ، ولا نَبيٌّ مُرسَلٌ) [1408] يُنظر: ((تيسير العزيز الحميد)) (ص: 559). .

انظر أيضا: