الموسوعة العقدية

المبحثُ الثَّاني: فضائِلُ أهْلِ البَيتِ في السُّنَّةِ

وردت عِدَّةُ أحاديثَ تُبَينُ فضائِلَ ومناقِبَ أهْلِ البَيتِ عُمومًا؛ منها:
1- عن واثِلةَ بنِ الأسقَعِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سمعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((إنَّ اللهَ اصطفى كِنانةَ مِن وَلَدِ إسماعيلَ، واصطفى قُرَيشًا مِن كنانةَ، واصطفى من قُرَيشٍ بني هاشِمٍ، واصطفاني من بني هاشِمٍ )) [2221] رواه مسلم (2276). .
قال ابنُ تَيميَّةَ: (إنَّ الذي عليه أهلُ السُّنَّةِ والجماعةِ اعتقادُ أنَّ جِنسَ العَرَبِ أفضَلُ مِن جِنسِ العَجَم؛ِ عِبْرانيِّهم وسُريانيِّهم، ورُوميِّهم وفُرْسيِّهم وغَيرِهم، وأنَّ قُرَيشًا أفضَلُ العَرَبِ، وأنَّ بني هاشمٍ أفضَلُ قُرَيشٍ، وأنَّ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أفضَلُ بني هاشمٍ، فهو أفضَلُ الخَلقِ نَفْسًا وأفضَلُهم نَسَبًا) [2222] يُنظر: ((اقتضاء الصراط المستقيم)) (1/419). .
 وقال الصَّنعانيُّ: (فيه جوازُ التحَدُّثِ بتشريفِ النَّسَبِ، وهو من التحدُّثِ بنِعمةِ اللهِ، واصطفاءُ اللهِ لهذه القبائِلِ بأن جعل إليها أمرَ النَّاس،ِ وجعلَها أهلَ صِفاتِ الخَيرِ مِنَ الكَرَمِ والشَّجاعةِ والنَّجدةِ وعُلُوِّ الهِمَّةِ) [2223] يُنظر: ((التنوير شرح الجامع الصغير)) (3/ 268). .
2- عن زيدِ بنِ أرقَمَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قام رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يومًا خطيبًا فينا بماءٍ يُدعَى خُمًّا بين مكَّةَ والمدينةِ، فحَمِدَ اللهَ وأثنى عليه وذَكَّر ووَعَظ، ثُمَّ قال: ((أمَّا بَعْدُ، ألا أيُّها النَّاسُ إنَّما أنا بَشَرٌ يُوشِكُ أن يأتيَني رسولُ رَبِّي عزَّ وجَلَّ، وإني تارِكٌ فيكم ثَقَلَينِ: أوَّلُهما كتابُ اللهِ عزَّ وجَلَّ فيه الهُدى والنُّورُ، فخُذوا بكتابِ اللهِ واستَمسِكوا به ))، فحَثَّ على كتابِ اللهِ ورغَّب فيه، وقال: ((وأهلُ بيتي: أذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي، أذكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي)) [2224] رواه مسلم (2408). .
 قال الطِّيبي: (قولُه: ((أُذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بيتي)) أي: أحَذِّرُكم اللهَ في شأنِ أهلِ بيتي، وأقولُ لكم: اتَّقوا اللهَ، ولا تؤذوهم، فاحفَظوهم، فالتذكيرُ بمعنى الوَعظِ) [2225] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (12/ 3903). .
3- عن أبي سَعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((والذي نفسي بيَدِه، لا يُبغِضُنا أهْلَ البَيتِ رجلٌ إلَّا أدخَلَه اللهُ النَّارَ)) [2229] أخرجه ابن حبان (6978) واللَّفظُ له، والحاكم (4717). صححه ابن حبان، وصَحَّحه على شرط مسلم: الحاكم، وصَحَّح إسنادَه الألباني في ((سلسلة الأحاديث الصحيحة)) (2488)، وحَسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (6978). .
 قال المناوي: (بُغْضُهم يُوجِبُ النَّارَ، كما جاء في عِدَّةِ أخبارٍ، كيف وهم أبناءُ أئِمَّةِ الهُدى ومصابيحِ الدُّجى الذين احتجَّ اللهُ بهم على عبادِه، وهم فُروعُ الشَّجَرةِ المُبارَكةِ وبقايا الصَّفوةِ الذين أذهب عنهم الرِّجسَ وطَهَّرهم وبرَّأَهم من الآفاتِ، وافترض مودَّتَهم في كثيرٍ مِنَ الآياتِ) [2230] يُنظر: ((فيض القدير)) (2/ 519). .
وممَّا ذكَرَه أهلُ العِلمِ في شأنِ أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
1- قال الشَّافعيُّ:
يا آلَ بَيتِ رَسولِ اللهِ حُبُّكُــــــــــــــمُ              فَرْضٌ من اللهِ في القُرآنِ أنزَلَـــــــــــــهُ
يَكْفِيكُمُ مِن عَظيمِ الفَخرِ أنَّكُمُ             من لم يُصَلِّ عَلَيْكُمْ لا صلاةَ له [2231] يُنظر: ((ديوان الإمام الشافعي)) باهتمام عبد الرحمن المصطاوي (ص 93).
2- قال أحمدُ بنُ حَنبَلٍ: (أجمع تسِعونَ رَجُلًا من التابعينَ، وأئمَّةِ المُسلِمين، وأئمَّةِ السَّلَفِ، وفُقهاءِ الأمصارِ، على أنَّ السُّنَّةَ التي توفِّيَ عنها رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:... الترَحُّمُ على جميعِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وعلى أولادِه وأزواجِه وأصهارِه، رِضوانُ اللهِ عليهم أجمعينَ. فهذه السُّنَّةُ الزَموها تسْلَمُوا، أخذُها هُدًى، وتركُها ضلالةٌ) [2232] يُنظر: ((طبقات الحنابلة)) لابن أبي يعلى (1/130). .
3- قال الآجُرِّيُّ: (واجِبٌ على كلِّ مُؤمِنٍ ومُؤمِنةٍ محبَّةُ أهلِ بَيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بنو هاشِمٍ، عليُّ بنُ أبي طالِبٍ ووَلَدُه وذُرِّيَّتُه، وفاطِمةُ ووَلَدُها وذُرِّيَّتُها، والحَسَنُ والحُسَينُ وأولادُهما وذُرِّيَّتُهما، وجَعفَرٌ الطَّيَّارٌ ووَلَدُه وذُرِّيَّتُه، وحمزةُ ووَلَدُه، والعبَّاسُ ووَلَدُه وذُرِّيَّتُه رَضِيَ اللهُ عنهم، هؤلاء أهلُ بيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، واجِبٌ على المُسلِمين محبَّتُهم وإكرامُهم، واحتِمالُهم، وحُسْنُ مُداراتِهم، والصَّبرُ عليهم، والدُّعاءُ لهم، فمَن أحسَنَ مِن أولادِهم وذرارِيِّهم، فقد تخلَّق بأخلاقِ سَلَفِه الكِرامِ الأخيارِ الأبرارِ، ومن تخلَّق منهم بما لا يَحسُنُ مِنَ الأخلاقِ، دُعِيَ له بالصَّلاحِ والصِّيانةِ والسَّلامةِ، وعاشَرَه أهلُ العَقلِ والأدَبِ بأحسَنِ المعاشَرةِ) [2233] يُنظر: ((الشريعة)) (5/2276). .
4- قال جمالُ الدِّينِ الغزنويُّ: (نحن نحِبُّ أهلَ بَيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وآله وسَلَّم، وأزواجَه وذُرِّيَّاتِه وقراباتِه، والصَّحابةَ أجمعينَ، ونَذكُرُهم بالخيرِ، ونُثني عليهم، وندعو لهم بالخيرِ، ونترحَّمُ عليهم، ولا نُفرِطُ في حُبِّ أحدٍ منهم، ولا نتبرَّأُ مِن أحَدٍ منهم، ونحِبُّ مَن يحِبُّهم، ونُبغِضُ من يُبغِضُهم، ومن ذَكَرَهم بسُوءٍ فهو على غيرِ السَّبيلِ، وحُبُّهم دينٌ وإيمانٌ، وبُغضُهم كُفرٌ وطُغيانٌ، ونحسِنُ القَولَ فيهم، ونَسكُتُ عما جرى بينهم، رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ) [2234] يُنظر: ((أصول الدين)) (ص 289-292). .
5- قال ابنُ تَيميَّةَ: (لا رَيْبَ أنَّ محبَّةَ أهلِ بَيتِ النَّبِيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم واجبةٌ... بل هو ممَّا أمَرَنا اللهُ به، كما أمَرَنا بسائِرِ العباداتِ) [2235] يُنظر: ((منهاج السنة النبوية)) (7/102). .
6- قال ابنُ كثيرٍ: (لا تُنكَرُ الوَصاةُ بأهْلِ البَيتِ، والأمرُ بالإحسانِ إليهم، واحترامُهم وإكرامُهم؛ فإنَّهم من ذُرِّيَّةٍ طاهرةٍ؛ من أشرَفِ بَيتٍ وُجِدَ على وجهِ الأرضِ فَخْرًا وحَسَبًا ونَسَبًا، ولا سِيَّما إذا كانوا متَّبِعينَ للسُّنَّةِ النَّبَويَّةِ الصَّحيحةِ الواضِحةِ الجَلِيَّةِ، كما كان عليه سلَفُهم، كالعبَّاسِ وبَنِيه، وعليٍّ وأهلِ بَيْتِه وذُرِّيَّتِه، رَضِيَ اللهُ عنهم أجمعينَ) [2236] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (7/201). .
7- قال عَبدُ اللهِ بنُ محمَّدِ بنِ عَبدِ الوَهَّابِ في الرَّدِّ على افتراءاتِ الشِّيعةِ: (إنَّ هذا كَذِبٌ على أهلِ السُّنَّةِ والجَماعةِ، لا يمتَري فيه أحَدٌ عَرَف مَذهَبَهم، وطالَعَ كُتُبَهم؛ فإنَّهم لم يَنحَرِفوا عن أهْلِ البَيتِ، بل من أُصولِ الدِّينِ عِندَهم: محبَّةُ أهْلِ البَيتِ النَّبَويِّ، ومُوالاتُهم، والصَّلاةُ عليهم في الصَّلاةِ وغَيرِها) [2237] يُنظر: ((جواب أهل السنة في نقض كلام الشيعة والزيدية)) (مطبوع ضمن الرسائل والمسائل النجدية، الجزء الرابع، القسم الأول) (ص: 79). .
8- قال أبو المعالي الألوسيُّ: (إنَّ محبَّةَ أهْلِ البَيتِ رَضِيَ اللهُ تعالى عنهم من الواجِباتِ عِندَنا معاشِرَ أهلِ السُّنَّةِ؛ لِما سبق من الأخبارِ الصَّحيحةِ والآثارِ الرَّجيحةِ؛ فإنَّهم الذين يتميَّزُ بحُبِّهم إيمانُ المرءِ مِن نِفاقِه، والذين وَرِثوا النُّورَ المُبِينَ عمَّن خَصَّه اللهُ تعالى بإشراقِه... واعلَمْ أنَّ المحبَّةَ بالاتِّباعِ لا بالابتِداعِ؛ قال تعالى: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تَحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ [آل عمران: 31] ) [2238] يُنظر: ((صب العذاب على من سب الأصحاب)) (ص 318-323). .
9- قال ابنُ باز: (... وهكذا يُقالُ للشِّيعةِ: نحن معكم في محبَّةِ أهْلِ البَيتِ ومحبَّةِ عَليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه وأرضاه؛ فإنَّه ومن سار على نهْجِه على هُدًى، وإنَّه من خِيرةِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بل هو أفضَلُهم بعد الصِّدِّيقِ وعُمَرَ وعُثْمانَ رَضِيَ اللهُ عنهم جميعًا، ولكِنْ لَسْنا معكم في أنَّه معصومٌ، ولسْنا معكم في أنَّه الخليفةُ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، بل قبله ثلاثةٌ، ولَسْنا معكم في أنَّه يُعبَدُ منِ دُونِ اللهِ ويُستغاثُ به ويُنذَرُ له، ونحوِ ذلك، لَسْنا معكم في هذا؛ لأنَّكم مخطِئون في هذا خطأً عظيمًا، لكن نحن معكم في محبَّةِ أهْلِ البَيتِ المُلتَزِمينَ بشَريعةِ اللهِ، والترضِّي عنهم، والإيمانِ بأنَّهم من خِيرةِ عِبادِ اللهِ؛ عَمَلًا بوَصِيَّةِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حيث قال في حديثِ زَيدِ بنِ أَرقَمَ المُخَرَّجِ في صَحيحِ مُسلِمٍ: ((إنِّي تارِكٌ فيكم ثَقَلينِ: أوَّلُهما كتابُ اللهِ فيه الهُدى والنُّورُ، فخُذوا بكِتابِ اللهِ وتَمَسَّكوا به...)) ثُمَّ قال: ((وأهلُ بيتي، أُذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بَيتي، أذَكِّرُكم اللهَ في أهلِ بَيتي )) [2239] أخرجه مسلم (2408) باختلافٍ يسيرٍ. [2240] يُنظر: ((مجموع فتاوى ابن باز)) (3/ 37). .
10- قال ابنُ عُثَيمين: (من أصولِ أهلِ السُّنَّةِ والجماعةِ أنَّهم يحبُّون آلَ بَيتِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ يُحِبُّونَهم لأمرَينِ: للإيمانِ، وللقَرابةِ مِن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا يَكرَهونهم أبدًا.
ولكِنْ لا يقولونَ كما قال الرَّافِضةُ: كُلُّ من أحَبَّ أبا بكرٍ وعُمَرَ فقد أبغض عليًّا! وعلى هذا فلا يمكِنُ أن نحِبَّ عَلِيًّا حتَّى نُبغِضَ أبا بكرٍ وعُمَرَ! وكأنَّ أبا بَكرٍ وعُمَرَ أعداءٌ لعَلِيِّ بنِ أبي طالِبٍ! مع أنَّه قد تواتر النَّقلُ عن عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّه كان يُثني عليهما على المِنْبَرِ [2241] لفظه: عن عليِّ بنِ أبي طالِبٍ رَضِيَ اللهُ عنه يقولُ على هذا المِنبَرِ: (ألَا أُخبِرُكم بخيرِ هذه الأُمَّةِ بعد نبيِّها؟ قال: فذكَرَ أبا بكرٍ، قال: ثم قال: ألا أُخبِرُكم بالثاني؟ قال: فذكَرَ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِ، قال: ثمَّ قال: لَئِنْ شِئْتُ لأخبَرْتُكم بالثَّالِثِ). أخرجه أحمد (879)، وأبو يعلى (540) واللَّفظُ له، والطبراني في ((المعجم الأوسط)) (992). صَحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (2/164)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (879)، وحَسَّنه الألباني في تخريج ((كتاب السنة)) (1203). . فنحن نقولُ: إنَّنا نُشهِدُ اللهَ على محبَّةِ آلِ بَيتِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقرابتِه؛ نحِبُّهم لمحبَّةِ اللهِ ورَسولِه) [2242] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 273). .

انظر أيضا: