الفَرعُ الرَّابِعُ: من آثارِ التبَرُّكِ الممنوعِ: الوقوعُ في أنواعٍ مِن الكَذِبِ والافتراءِ
من الآثارِ السَّيِّئةِ للتبَرُّكِ الممنوعِ لجوءُ أصحابِه إلى الكَذِبِ؛ مِن أجْلِ الاستدلالِ على شَرعيَّةِ ما ذهَبوا إليه، أو لغَرَضِ تعيينِ مَوضِعِ التبَرُّكِ؛ فوَقَعوا بسَبَبِ التبَرُّكِ الممنوعِ في عِدَّةِ أنواعٍ مِنَ الكَذِبِ؛ منها:
1- الكَذِبُ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمإنَّ من أشدِّ أنواعِ الكَذِبِ: الكَذِبَ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
فعن المغيرةِ بنِ شُعبةَ رَضِيَ اللهُ عنه قال: سَمِعْتُ النبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ:
((إنَّ كَذِبًا عَلَيَّ ليسَ كَكَذِبٍ علَى أَحَدٍ، مَن كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ ))
.
والكَذِبُ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قد يكونُ في أقوالِه، وقد يكونُ في آثارِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ للاستِدلالِ على شَرعيَّةِ التبَرُّكِ ببَعضِ الأُمورِ.
ومن نماذجِ الكَذِبِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في أقوالِه: إيرادُ الأخبارِ الموضوعةِ في فَضْلِ زيارةِ قَبْرِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم.
ومن نماذِجِ الكَذِبِ على الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في آثارِه للتبَرُّكِ بها: ادِّعاءُ وُجودِ شَعَراتٍ مِن لِحيتِه محفوظةٍ في بَعضِ المتاحِفِ.
2- الكَذِبُ على الصَّحابةِ رَضِيَ اللهُ عنهم، أو التَّابعين، وغَيرِهم من الصَّالحينَالكَذِبُ على الصَّالحينَ قد يكونُ في الأقوالِ، مِثلُ ما يُنسَبُ إليهم من الرِّواياتِ المكذوبةِ في ذِكْرِ فَضائِلِ وبركةِ بَعضِ الأماكنِ.
وقد يكونُ الكَذِبُ عليهم في الأفعالِ؛ كادِّعاءِ حُصولِ البَركةِ عندَ بَعضِ القُبورِ، مثلُ ادِّعاءِ أنَّ
الشَّافعيَّ كان يدعو عند قبرِ
أبي حنيفةَ إذا نزَلَت به شِدَّةٌ فيُستجابُ له
.
قال عبدُ اللَّطيفِ بنُ عبدِ الرَّحمنِ آل الشيخِ: (وهذه العبارةُ، وهي قَولُهم: الدُّعاءُ عند قَبرِ فُلانٍ ترياقٌ مُجَرَّبٌ: قد تنازَعَها عُبَّادُ القُبورِ والمتبَرِّكون بها؛ فمنهم من يَدَّعي ذلك لقَبرِ
أبي حنيفةَ، ومنهم من يدَّعيه لقبرِ مَعروفٍ الكَرخيِّ، وعُبَّادُ عبدِ القادر و
أحمَدَ البَدَويِّ والحُسَينِ عندهم ما هو أعظَمُ من ذلك وأطَمُّ، وبعضُهم يُفَضِّلُ الدُّعاءَ عندها على الدُّعاءِ في المساجِدِ التي أَذِنَ اللهُ أن تُرفَعَ ويُذكَرَ فيها اسمُه، وبهذا وأمثالِه عُمِّرت المشاهِدُ، وعُطِّلت المساجِدُ، وبُنِيت القبورُ، وأُرخِيت السُّتورُ على التوابيتِ مُضاهاةً لبيتِ اللهِ)
.
3- الكَذِبُ في تعيينِ مَوضِعِ التبَرُّكِومن ذلك الكَذِبُ في تحديدِ الموضِعِ الذي دُفِن فيه رأسُ الحُسَينِ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فقد تعدَّدَت أسماءُ المُدُنِ التي قيل بوُجودِه فيها، حتى بَلَغ عددُها ثمانيةً
!
قال
ابنُ عثيمين: (والعَجَبُ أنَّهم في العِراقِ يقولون: عندنا الحُسَينُ، فيطوفون بقَبرِه ويسألونَه، وفي مِصرَ كذلك، وفي سُوريا كذلك، وهذا سَفَهٌ في العُقولِ، وضَلالٌ في الدِّينِ)
.
4- ادِّعاءُ بَرَكةِ بَعضِ المواضِعِ دُونَ مُستَندٍ شَرعيٍّومن ذلك: زَعْمُهم أنَّ دارَ
خديجةَ رَضِيَ اللهُ عنها بمكَّةَ أفضَلُ المواضِعِ بعد المسجِدِ الحرامِ، وأنَّ الدُّعاءَ يُستجابُ فيها
.