الموسوعة العقدية

الفَرعُ السَّادسُ: أقوالُ العُلَماءِ في القَرنِ السَّادسِ

1. عمادُ الدِّين عليُّ بن محمَّد الكِيا الهرَّاسي (الشَّافعيُّ). ت:504هـ
قال الهرَّاسي في تفسيرِ قَولِه تعالى: وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ قُلْ أَبِاللَّهِ وَآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ * لَا تَعْتَذِرُواقَدْ كَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ [التوبة: 65، 66]: (فيه دَلالةٌ على أنَّ اللَّاعِبَ والخائِضَ سواءٌ في إظهارِ كَلِمةِ الكُفْرِ على غيرِ وَجهِ الإكراهِ، لأَنَّ المنافقينَ ذَكَروا أَنَّهم قالوا ما قالوه لَعِبًا، فأخبَرَ اللهُ تعالى عن كُفْرِهم باللَّعِبِ بذلك، ودلَّ أنَّ الاستهزاءَ بآياتِ اللهِ تعالى كُفرٌ) [1126] ينظر: ((أحكام القرآن)) (4/ 214). .
2. القاضي أبو بكر بن العربيِّ (المالكيُّ). ت:543هـ
قال ابنُ العربيِّ في تفسيرِ قَولِه تعالى:  وَلئِنْ سَأَلْتَهُمْ ليَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ..: (لا يخلو أَنْ يكونَ ما قالوه من ذلك جِدًّا أو هَزْلًا، وهو كيفما كان، كُفرٌ، فإِنَّ الهزلَ بالكُفْرِ كفرٌ، لا خلاف فيه بين الأمَّة، فإِنَّ التَّحقيقَ أخو الحقِّ والعِلمِ، والهَزلَ أخو الباطِلِ والجَهلِ، قال علماؤنا: انظُرْ إلى قَولِه: أَتَتَّخِذُنَا هُزُوًا قَالَ أَعُوذُ بِاللهِ أَنْ أَكُونَ مِنْ الْجَاهِلِينَ [البقرة: 67]) [1127] يُنظر: ((أحكام القرآن)) (2/976). .
3. القاضي عِياضُ بن موسى (المالكيُّ). ت:544هـ
قال القاضي عِياضٌ: (أَنْ يكونَ القائِلُ لِما قال في جِهتِه -عليه السَّلامُ- غيرَ قاصدٍ للسبِّ والإزراءِ، ولا مُعتَقدٍ له، ولكنَّه تكلَّم في جِهَتِه عليه السلام بكَلِمةِ الكُفْرِ؛ مِن لَعْنِه، أو سبِّه، أو تكذيبِه، أو إضافةِ ما لا يجوزُ عليه، أو نفيِ ما يجِبُ له ممَّا هو في حقِّه عليه السَّلامُ نقيصةٌ؛ مِثلُ: أَنْ ينسُبَ إِليه إتْيانَ كبيرةٍ، أو مداهنةً في تبليغِ الرِّسالةِ، أو في حكمٍ بين النَّاسِ، أو يغُضَّ من مرتبتِه، أو شَرَفِ نسبِه، أو وُفورِ علمه، أو زُهدِه، أو يكذِّبَ بما اشتَهَر به من أمورٍ أخبَرَ بها عليه السَّلامُ، وتواتر الخبَرُ بها، عن قَصدٍ لردِّ خَبَرِه، أو يأتيَ بسفَهٍ من القَوْلِ، وقبيحٍ من الكلامِ، ونوعٍ من السبِّ في حقِّه، وإنْ ظهر بدليلِ حالِه أَنَّه لم يتعمَّد ذَمَّه، ولم يقصِدْ سَبَّه؛ إمَّا لجهالةٍ حمَلَتْه على ما قالَه، أو الضَّجَرِ، أو سُكْرٍ اضطرَّه إليه، أو قلَّةِ مُراقبةٍ وضَبطٍ للِسانِه، وعَجْرفةٍ، وتهوُّرٍ في كَلامِه- فحُكمُ هذا الوَجهِ حُكمُ الوجهِ الأوَّل: القَتلُ، وإِنْ تَلَعْثَم؛ إذْ لا يُعْذَر أحدٌ في الكُفْرِ بالجَهالةِ، ولا بدعوى زَلَلِ اللِّسانِ، ولا بشيءٍ ممَّا ذكَرْناه، إذا كان عقلُه في فِطْرتِه سليمًا، إلَّا من أُكْرِهَ وقلبُه مطمَئِنٌّ بالإيمانِ) [1128] يُنظر: ((الشفا)) (2/331). فانظُرْ: كيف جعل هذا القولَ كُفرًا ولو لم يكن معتَقِدًا له. لكِن قَوله: (إذ لا يُعذَرُ أحدٌ في الكُفرِ بالجهالةِ) ليس على إطلاقِه، والمسألةُ فيها تفصيلٌ. .
وقال أيضًا: (نقطَعُ بتكفيرِ كُلِّ قائِلٍ قَولًا يُتوصَّلُ به إلى تضليلِ الأمَّةِ، وتكفيرِ جميعِ الصَّحابةِ،… وكذلك نكفِّرُ بفِعلٍ أجمع المُسْلِمون على أَنَّه لا يصدُرُ إلَّا من كافِرٍ، وإنْ كان صاحبُه مصرِّحًا بالإسلامِ، مع فِعْلِه، كالسُّجودِ للصَّنَمِ، أو الشَّمسِ والقَمَرِ، والصَّليبِ والنَّارِ، والسَّعيِ إلى الكنائِسِ والبِيَعِ مع أهلِها، والتَّزيِّي بزيِّهم؛ من شدِّ الزَّنانيرِ، وفحصِ الرُّؤوسِ [1129] علَّق المُلَّا علي القاري في ((شرحه للشفا)) بقوله: (أو لعَلَّ فَحْصَ الرأس -أي: حَلْقَ وَسَطِه- كان شعارًا للكُفرِ قبل ذلك، وأمَّا الآن فقد كَثُرَ في المسلمينَ؛ فلا يُعَدُّ كُفرًا). ؛ فقد أجمع المُسْلِمون أنَّ هذا الفِعْل لا يوجَدُ إلَّا من كافِرٍ، وأَنَّ هذه الأفعالَ علامةٌ على الكُفْر [1130] بل هي الكُفرُ بعينِه؛ فإنَّ بعضَ العُلَماءِ الذين نُقِل عنهم التكفيرُ بالقَولِ أو العَمَلِ، عَلَّلوا ذلك بعباراتٍ لم تُعهَدْ من السَّلَفِ، وهي تدُلُّ على تأثُّرِهم بالمرجِئةِ؛ كقولهم: هذا الفِعلُ ليس كُفرًا، لكِنَّه يدُلُّ على الكُفرِ، أو علامةٌ على الكُفرِ. يُنظر: المقدمة السادسة من كتاب ((التوسط والاقتصاد)) لعلوي السقاف. ، وإِنْ صرَّح فاعِلُها بالإسلامِ) [1131] يُنظر: ((الشفا)) (2/396). انظر: كيف لم يقَيِّد القولَ أو الفِعلَ بالاعتقادِ. .
4. علاء الدِّين مسعود بن أحمد الكاسانيُّ (الحنفيُّ). ت:587هـ
قال الكاساني: (فصلٌ: وأمَّا بيانُ أحكامِ المرتدِّين فالكلامُ فيه في مواضِعَ؛ في بيانِ رُكنِ الرِّدَّةِ، وفي بيانِ شَرائِطِ صِحَّةِ الرُّكنِ، وفي بيانِ حُكمِ الرِّدَّةِ؛ أمَّا ركنُها فهو إجراءُ كَلِمةِ الكُفْرِ على اللِّسانِ بعد وجودِ الإيمانِ؛ إذِ الرِّدَّةُ عِبارةٌ عن الرُّجوعِ عن الإيمانِ، فالرُّجوعُ عن الإيمانِ يُسَمَّى رِدَّةً في عُرْفِ الشَّرعِ) [1132] يُنظر: ((بدائع الصنائع)) (7/134). .
5.  فَخرُ الدِّين حَسَن بن منصور الفرغان (الحنفيُّ). ت:592هـ
قال في (الفتاوى): (رجُلٌ كَفَر بلِسانِه طائعًا، وقلبُه على الإيمانِ، يكونُ كافِرًا، ولا يكونُ عند الله تعالى مُؤمِنًا) [1133] يُنظر: ((فتاوى قاضيخان)) على هامش الفتاوى الهندية العالمكيرية (3/573). .
6. أبو الفرج عبد الرحمن بن عليٍّ ابنُ الجوزيِّ. ت:597هـ
قال ابنُ الجوزيِّ: (والسَّادِسُ: أَنَّ عبدَ اللهِ بنَ أُبَيٍّ، ورَهْطًا معه، كانوا يقولون في رَسولِ اللهِ وأصحابِه ما لا ينبغي، فإذا بلغ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قالوا: إِنَّما كنَّا نخوضُ ونلعَبُ؛ فقال اللهُ تعالى: قُلْ لهم أَبِاللَّهِ وآيَاتِهِ وَرَسُولِهِ كُنْتُمْ تَسْتَهْزِئُونَ، قاله الضحَّاك. فقَولُه: وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ أي: عمَّا كانوا فيه من الاستهزاءِ لَيَقُولُنَّ إِنَّمَا كُنَّا نَخُوضُ وَنَلْعَبُ أي: نلهو بالحَديثِ. وقَولُه: قَدْ كَفَرْتُمْ أي: قد ظهر كُفرُكم بعد إظهارِكم الإيمانَ، وهذا يدلُّ على أَنَّ الجِدَّ واللَّعِبَ في إظهارِ كَلِمةِ الكُفْرِ سواءٌ) [1134] يُنظر: ((تفسير ابن الجوزي)) (3/465). .

انظر أيضا: