الموسوعة العقدية

المَبحثُ الثَّاني: التلازمُ بيْن الإيمانِ والإسلامِ

إنَّه مع القَولِ بالفَرقِ بين الإيمانِ والإسلامِ، فإنَّه لا إسلامَ لِمن لا إيمانَ له، ولا إيمانَ لِمن لا إسلامَ له؛ إذ لا يخلو المُسلِمُ من إيمانٍ به يصحُّ إسلامُه، ولا يخلو المُؤمِنُ من إسلامٍ به يُحقِّقُ إيمانَه؛ لِما بين الباطِنِ والظَّاهِرِ من ارتباطٍ وتلازُمٍ.
 قال ابنُ أبي شيبةَ: (لا يكونُ إسلامٌ إلَّا بإيمانٍ، ولا إيمانٌ إلَّا بإسلامٍ) [607] يُنظر: ((تعظيم قدر الصلاة)) للمروزي (2/528). .
وقال أبو طالبٍ المكِّي: (فمَثَلُ الإسلامِ مِن الإيمانِ كمثَلِ الشَّهادتين إحداهما من الأخرى في المعنى والحُكمِ؛ فشهادةُ الرَّسولِ غيرُ شهادةِ التوحيدِ؛ فهما شيئان في الأعيانِ، وإحداهما مرتَبِطةٌ بالأُخرى؛ فهُما كشيءٍ واحدٍ، لا إيمانَ لِمن لا إسلامَ له، ولا إسلامَ لِمن لا إيمانَ له؛ إذ لا يخلو المُسلِمُ من إيمانٍ به يصحُّ إسلامُه، ولا بدَّ للمُسلِم من إيمانٍ به يحقُّ إيمانُه، من حيث اشترط اللهُ سُبحانَه وتعالى للأعمالِ الصَّالحةِ الإيمانَ، واشترط للإيمانِ الأعمالَ الصَّالحةَ) [608] يُنظر: ((قوت القلوب)) (2/216). .
وقال أيضًا: (ومَثَلُ الإيمانِ والإسلامِ أيضًا كفُسطاطٍ قائمٍ في الأرضِ له ظاهِرٌ مُتجافٍ وأطنابٌ، وله عمودٌ في باطِنِه؛ فالفُسطاطُ مِثلُ الإسلامِ له أركانٌ من أعمالِ العلانيةِ والجوارحِ، وهي الأطنابُ التي تمسِكُ أرجاءَ الفُسطاطِ، والعمودُ الذي في باطِنِ الفُسطاطِ مِثلُه كالإيمانِ لا قِوامَ للفسُطاطِ إلَّا به، فقد احتاج الفُسطاطُ إليهما؛ إذ لا استقامةَ له ولا قُوَّةَ إلَّا بهما، كذلك الإسلامُ من أعمالِ الجوارح، ولا قِوامَ له إلَّا بالإيمانِ، والإيمانُ من أعمالِ القُلوبِ لا نَفْعَ له إلَّا بالإسلامِ، وهو صالحُ الأعمالِ) [609] يُنظر: ((قوت القلوب)) (2/217). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (فإذا قيل: إنَّ الإسلامَ والإيمانَ التامَّ متلازمان لم يَلزَمْ أن يكونَ أحَدُهما هو الآخَرَ كالرُّوحِ والبَدَنِ، فلا يوجَدُ عندنا روحٌ إلَّا مع البدَنِ، ولا يوجَدُ بَدَنٌ حَيٌّ إلَّا مع الرُّوحِ، وليس أحَدُهما الآخَرَ، فالإيمانُ كالرُّوحِ؛ فإنَّه قائِمٌ بالرُّوحِ ومتَّصِلٌ بالبَدَنِ، والإسلامُ كالبَدَنِ، ولا يكونُ البَدَنُ حَيًّا إلَّا مع الرُّوحِ، بمعنى أنَّهما متلازمان، لا أنَّ مُسَمَّى أحَدِهما هو مُسَمَّى الآخَرِ) [610] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/367). .
وقال أيضًا: (إذا قُرِن الإيمانُ بالإسلامِ، فإنَّ الإيمانَ في القَلبِ، والإسلامَ ظاهِرٌ ...ومتى حصل له هذا الإيمانُ وجب ضرورةً أن يَحصُلَ له الإسلامُ الذي هو الشَّهادتان والصَّلاةُ والزكاةُ والصِّيامُ والحجُّ؛ لأنَّ إيمانَه باللهِ وملائِكَتِه وكُتُبِه ورُسُلِه يقتضي الاستسلامَ لله، والانقيادَ له، وإلَّا فمن الممتنِعِ أن يكونَ قد حصَلَ له الإقرارُ والحُبُّ والانقيادُ باطنًا، ولا يحصلُ ذلك في الظَّاهِرِ مع القُدرةِ عليه، كما يمتَنِعُ وجودُ الإرادةِ الجازمةِ مع القُدرةِ بدونِ وُجودِ المرادِ.
وبهذا تَعرِفُ أنَّ من آمن قَلبُه إيمانًا جازمًا، امتنع ألَّا يتكَلَّم بالشَّهادتين مع القُدرةِ، فعَدَمُ الشَّهادتينِ مع القُدرةِ مُستلزِمٌ انتفاءَ الإيمانِ القلبيِّ التَّامِّ، وبهذا يظهَرُ خطَأُ جَهمٍ ومن اتَّبَعه في زعمِهم أنَّ مجرَّدَ إيمانِ الباطِنِ بدون الإيمانِ الظَّاهِرِ ينفَعُ في الآخرةِ؛ فإن هذا ممتَنِعٌ؛ إذ لا يحصُلُ الإيمانُ التَّامُّ في القَلبِ إلَّا ويحصُلُ في الظَّاهِرِ مُوجِبُه بحَسَبِ القُدرةِ، فإنَّ من الممتنعِ أن يحِبَّ الإنسانُ غَيرَه حُبًّا جازمًا وهو قادِرٌ على مواصَلَتِه، ولا يحصُلُ منه حركةٌ ظاهِرةٌ إلى ذلك!) [611] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/553). .

انظر أيضا: