الموسوعة العقدية

المبحثُ السَّابِعُ: مِن أوجُهِ زيادةِ الإيمانِ ونُقصانِه: أنَّ الإيمانَ يتفاضَلُ ويَزيدُ ويَنقُصُ من جِهةِ استِحضارِ الإنسانِ بقَلْبِه لأمورِ الإيمانِ، وذِكْرِه لها، ودوامِه وثباتِه عليها، وعَدَمِ غَفْلَتِه عنها

العالمُ بالشَّيءِ في حالةِ غَفْلَتِه عنه دونَ العالمِ بالشَّيءِ حالَ ذِكْرِه له، والعِلمُ وإن كان في القَلبِ فالغَفلةُ تُنافي تحقُّقَه.
قال عُمَيرُ بنُ حَبيبٍ الخطميُّ رَضِيَ اللهُ عنه: (إذا ذكَرْنا اللهَ عزَّ وجَلَّ وخَشِيناه فذلك زيادتُه، وإذا غفَلْنا ونَسِينا وضَيَّعْنا فذلك نُقصانُه) [399] أخرجه عبد الله بن أحمد في ((السنة)) (624)، وابن أبي شيبة (30963)، والخلَّال في ((السنة)) (1582). .
وكان مُعاذُ بنُ جَبَلٍ يقولُ لأصحابِه: (اجلِس بنا نؤمِنْ ساعةً) [400] أخرجه البخاري معلَّقًا بصيغة الجزم قبل حديث رقم (8)، وأخرجه موصولًا ابن أبي شيبة (35843) واللفظ لهما، والبيهقي في ((شعب الإيمان)) (44) باختلاف يسير.  صحَّحه ابنُ حجر في ((تغليق التعليق)) (2/21)، وصحَّح إسنادَه ابنُ الملقِّن في ((شرح البخاري)) (2/440)، والألباني على شرطِ الشيخينِ في تخريج ((الإيمان)) لابن أبي شيبة (105)، وشعيب الأرناؤوط على شرطهما في تخريج ((شرح السنة)) (1/40). .
وفي هذا دَلالةٌ على أنَّ الحَذَرَ مِن الغَفلةِ، واستِحضارَ الإيمانِ: سَبَبٌ لزيادتِه، وعَدَمَ ذلك سَبَبٌ لِنَقْصِه.
وقد نبَّه اللهُ في عِدَّةِ مواضِعَ مِن كتابِه على أهميَّةِ الذِّكرى، وخَطَرِ الغَفلةِ؛ منها:
 - قَولُ اللهِ تعالى: وَذَكِّرْ فَإِنَّ الذِّكْرَى تَنفَعُ الْمُؤْمِنِينَ [الذاريات: 55].
- وقَولُ اللهِ سُبحانَه: سَيَذَّكَّرُ مَن يَخْشَى وَيَتَجَنَّبُهَا الأَشْقَى [الأعلى: *11*.]
- وقَولُ اللهِ عزَّ وجَلَّ: وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا [الكهف: 28].
- وقَولُ اللهِ تعالى: وَاذْكُرْ رَبَّكَ فِي نَفْسِكَ تَضَرُّعًا وَخِيفَةً وَدُونَ الْجَهْرِ مِنَ الْقَوْلِ بِالْغُدُوِّ وَالآصَالِ وَلَا تَكُن مِّنَ الْغَافِلِينَ [الأعراف: 205] وغيرها من الآياتِ.
 قال ابنُ بطةَ: (اعلَمُوا -رحمكم اللهُ- أنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ تفضَّل بالإيمانِ على من سبَقَت له الرَّحمةُ في كتابِه، ومن أحَبَّ أن يُسعِدَه، ثمَّ جعل المؤمنين في الإيمانِ متفاضِلينَ، ورفع بعضَهم فوقَ بَعضٍ دَرَجاتٍ، ثم جعَلَه فيهم يَزيدُ ويَقْوى بالمعرفةِ والطَّاعةِ، ويَنقُصُ ويَضعُفُ بالغَفلةِ والمعصيةِ، وبهذا نزل الكتابُ، وبه مضت السُّنَّةُ، وعليه أجمعَ العُقَلاءُ مِن أئمَّةِ الأمَّةِ) [401] يُنظر: ((الإبانة الكبرى)) (2/832). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (الآياتُ المخلوقةُ والمتلوَّةُ فيها تبصِرةٌ، وفيها تذكِرةٌ؛ تبصِرةٌ من العَمى، وتذكِرةٌ من الغَفلةِ؛ فيُبصِّرُ من لم يكُنْ عَرَف حتى يعرِفَ، ويُذكِّرُ من عرف ونَسِيَ، والإنسانُ يقرأُ السُّورةَ مرَّاتٍ حتى سورةَ الفاتحةِ، ويظهَرُ له في أثناءِ الحالِ من معانيها ما لم يكُنْ خطر له قبل ذلك، حتَّى كأنَّها تلك السَّاعةَ نَزَلت؛ فيؤمِنُ بتلك المعاني، ويزدادُ عِلمُه وعَمَلُه، وهذا موجودٌ في كُلِّ من قرأ القُرآنَ بتدَبُّرٍ، بخِلافِ من قرأه مع الغفلةِ عنه، ثمَّ كُلَّما فعل شيئًا ممَّا أُمِرَ به استحضر أنَّه أُمِرَ به، فصَدَّق الأمرَ، فحَصَل له في تلك السَّاعةِ من التصديقِ في قَلْبِه ما كان غافِلًا عنه، وإن لم يكُنْ مكَذِّبًا مُنكِرًا) [402] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (7/236). .

انظر أيضا: