الموسوعة العقدية

المَطْلَب الأولُ: طَريقُ الجَنَّةِ شاقٌّ

عَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه قال: قال رَسُولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((حُجِبَتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ، وحُجِبَتِ الجَنَّةُ بالمَكارِه )) [4661] أخرجه البخاري (6487) واللَّفظُ له، ومسلم (2823). .
وعَن أنسٍ رَضِيَ اللهُ عَنه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِه، وحُفَّتِ النَّارُ بالشَّهَواتِ)) [4662] أخرجه مسلم (2822). .
قال النَّوويُّ: (قال العُلَماءُ: هذا مِن بَديعِ الكَلامِ وفَصيحِه وجَوامِعِه الَّتي أُوتيَها صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ التَّمثيلِ الحَسَنِ، ومَعناه: لا يُوصَلُ الجَنَّةَ إلَّا بارتِكاب المَكارِه، والنَّار بالشَّهَواتِ، وكَذَلِكَ هما مَحجُوبَتانِ بهما، فمَن هَتَكَ الحِجابَ وصَلَ إلى المَحجُوبِ، فهَتْكُ حِجابِ الجَنَّةِ باقتِحامِ المَكارِه، وهَتْكُ حِجابِ النَّارِ بارتِكاب الشَّهَواتِ؛ فأمَّا المَكارِهُ فيَدخُلُ فيها الِاجتِهادُ في العِبادةِ، والمُواظَبةُ عليها، والصَّبرُ على مَشاقِّها، وكَظمُ الغيظِ، والعَفوُ، والحِلْمُ، والصَّدَقةُ، والإحسانُ إلى المَسيءِ، والصَّبرُ عَنِ الشَّهَواتِ، ونَحوِ ذَلِكَ) [4663] يُنظر: ((شرح مسلم)) (17/165). .
وعَن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عَنه عَن رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((لَمَّا خَلَقَ اللهُ الجَنَّةَ والنَّارَ أَرسَلَ جِبريلَ إلى الجَنَّةِ، فقال: انظُرْ إليها وإلى ما أعَدَدتُ لِأهلِها فيها، قال: فجاءَها ونَظَرَ إليها وإلى ما أعَدَّ اللهُ لِأهلِها فيها، قال: فرجِعٌ إليه، قال: فوعِزَّتِكَ لا يَسمَعُ بها أحَدٌ إلَّا دَخلَها! فأمرَ بها فحُفَّت بالمَكارِه، فقال: ارجِعْ إليها فانظُرْ إلى ما أعدَدتُ لِأهلِها فيها، قال: فرجِع إليها فإذا هي قَد حُفَّت بالمَكارِه، فرَجِع إليه فقال: وعِزَّتِكَ لَقَد خِفتُ ألَّا يَدخُلَها أحَدٌ! )) [4664] أخرجه أبو داود (4744)، والترمذي (2560) واللَّفظُ له، والنسائي (3763)، وأحمد (8398). صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحه)) (7394)، والحاكم على شرط مسلم في ((المستدرك)) (71). .
قال ابنُ رسلان: ( ((ثُمَّ حَفَّها بالمَكارِه)) وهو نَظيرُ رِوايةِ مُسلِمٍ: ((حُفَّتِ الجَنَّةُ بالمَكارِه)). وهذا مِنَ الكَلامِ البَليغِ الَّذي انتَهى نِهايَتَه، وذَلِكَ أنَّه مَثَّلَ المَكارِهَ بالحفافِ، والمَكارِهُ جَمعُ مَكْرهةٍ، وهو ما يَكرَهُه الإنسانُ ويَشُقُّ عليه، والحفافُ هو الدَّائِرُ بالشَّيءِ المُحيطُ به، الَّذي لا يتَوصَّلُ إلى ذَلِكَ إلَّا بَعدَ أن يَتَخَطَّاه.وفائِدةُ هذا أنَّ الجَنَّةَ لا تُنالُ إلَّا بارتِكابِ المَكارِه وقَطْعِ مَفاوِزِها، والصَّبرِ على مَرارةِ ما تَكْرَهُه النَّفسُ، كَما في إسباغِ الوُضُوءِ على المَكارِه. أخرجه مالِكٌ ومُسلِمٌ [4665] أخرجه مسلم (251) عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه أنَّ رسولَ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((ألا أدُلُّكم على ما يمحو اللهُ به الخطايا ويرفَعُ به الدَّرَجاتِ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ. قال: إسباغُ الوُضوءِ على المكارهِ، وكثرةُ الخُطا إلى المساجِدِ، وانتظارُ الصَّلاةِ بعد الصَّلاةِ، فذلكم الرِّباطُ)). والحديث أخرجه مالك (1/161). ، وهو أن يَتَوضَّأ بالماءِ الشَّديدِ البُرُودةِ في زَمَنِ البَردِ، ومَعَ العِلَلِ الَّتي يَتَأذَّى مَعَها بمَسِّ الماءِ، ومَعَ التَّعَبِ الشَّديدِ في تَحصيلِ الماءِ الَّذي يَتَوضَّأُ به) [4666] يُنظر: ((شرح سنن أبي داود)) (18/ 337). .
وقال الطِّيبيُّ: (قَولُه: ((لَقَد خَشيتُ ألَّا يَدخُلَها أحَدٌ)) أي لِوُجُودِ المَكارِه مِنَ التَّكاليفِ الشَّاقَّةِ ومُخالَفةِ هوى النَّفسِ وكَسرِ الشَّهَواتِ) [4667] يُنظر: ((شرح المشكاة)) (11/ 3598). .

انظر أيضا: