الموسوعة العقدية

المَبحَثُ الأوَّلُ: هل تموتُ النُّفوسُ؟ وهل تفنى الأرواحُ؟

قال عِياضٌ: (إنَّ الأرواحَ باقيةٌ لا تَفنَى، فيُنعَّمُ المُحْسِنُ ويُعذَّبُ المُسيئُ، كَما جاءَ في القُرآنِ والآثارِ، وهو مَذهَبُ أهلِ السُّنَّةِ، خِلافًا لِغَيرِهم من أهلِ البِدَعِ القائِلينَ بفَنائِها) [1643] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (6/ 306). .
وقال أيضًا: (قَولُه: ((إنَّ الرُّوحَ إذا قُبضَ تَبِعَه البَصَرُ )) دَليلٌ أنَّ المَوتَ لَيسَ بفَناءٍ ولا إعدامٍ تامٍّ، وإنَّما هو انتِقالٌ وتَغَيُّرُ حالٍ، وإعدامُ الجَسَدِ دونَ الرُّوحِ، إلَّا ما استُثنِيَ من عَجْبِ الذَّنَبِ. وقَولُه في الحَديثِ الآخَرِ: ((يَتبَعُ بصَرُه نَفْسَه)) حُجَّةٌ لِمَن يَقولُ: إنَّ الرُّوحَ والنَّفسَ بمَعنًى واحِدٍ؛ لِذِكرِه في القِصَّةِ أوَّلًا الرُّوحَ بما ذُكِرَ به النَّفسُ آخِرًا) [1644] يُنظر: ((إكمال المعلم)) (3/ 361). .
وقال أبو العَباسِ القُرطُبيُّ: (قَد حَصَلَ من مَجموعِ الكِتاب والسُّنَّةِ أنَّ الأرواحَ باقيةٌ بَعدَ المَوتِ، وأنَّها مُتَنَعِّمةٌ أو مُعَذَّبةٌ إلَى يَومِ القيامةِ) [1645] يُنظر: ((المفهم)) (3/ 717). .
وقال أيضًا: (قَولُه: ((إنَّ الرُّوحَ إذا قُبضَ تَبعَه البَصَرُ))، وفي حَديثِ أبي هُرَيرةَ قال: ((فذلك حينَ يَتبعُ بَصَرُه نَفسَه)) يَدُلُّ على أنَّ الرُّوحَ والنَّفسَ عِبارَتانِ عَن مَعنًى واحِدٍ، وهو الَّذي يُقبَضُ بالمَوتِ. واللهُ تعالى أعلَمُ. وفيهما ما يَدُلُّ على أنَّ المَوتَ لَيسَ عَدَمًا ولا إعدامًا، وإنَّما هو انقِطاعُ تَعَلُّقِ الرُّوحِ بالبَدَنِ، ومُفارَقَتُه، وحَيلولةٌ بينَهما، ثُمَّ إنَّ البَدَنَ يَبلَى ويَفنَى إلَّا عَجْبَ الذَّنَبِ الَّذي مِنه بُدِئَ خَلقُ الإنسانِ، ومِنه يُرَكَّبُ الخَلقُ يَومَ القيامةِ) [1646] يُنظر: ((المفهم)) (2/ 573). .
وقال ابنُ تيميَّةَ: (الأرواحُ مَخلوقةٌ بلا شَكٍّ، وهيَ لا تُعدَمُ ولا تَفنَى، ولَكِنَّ موتَها مُفارَقةُ الأبَدانِ، وعِندَ النَّفخةِ الثَّانيةِ تُعادُ الأرواحُ إلَى الأبَدانِ) [1647] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (4/279). .
وقال أيضًا: (إنَّ الَّذي عليه الأنبياءُ وأتباعُهم وجُمهورُ العَقلاءِ أنَّ الرُّوحَ تُفارِقَ البَدَنَ، وتَبْقَى بَعدَ فِراقِ البَدنِ، ومَن قال من مُتَكَلِّمةِ أهلِ المِلَلِ: إنَّه لا يَبقَى بَعدَ البَدَنِ رُوحٌ تُفارِقُه، وإنَّ الرُّوحَ جُزءٌ مِنَ البَدَنِ أو عَرَضٌ من أعراضِ البَدَنِ، فقَولُه مَعَ أنَّه خَطأٌ في العَقلِ الصَّريحِ هو أيضًا مُخالِفٌ لِكُتُبِ اللهِ المُنزَّلةِ ولِرُسُلِه، ولَمَنِ اتَّبَعهم من جَميعِ أهلِ المِلَلِ) [1648] يُنظر: ((الجواب الصحيح)) (3/ 286). .
وقال ابنُ القيِّمِ: (الصَّوابُ أن يُقالَ: مَوتُ النُّفوسِ هو مُفارَقَتُها لِأجسادِها وخُروجُها مِنها، فإنْ أريدَ بموتِها هَذا القَدْرُ فهيَ ذائِقةُ المَوتِ، وإن أريدَ أنَّها تُعْدَمُ وتَضمَحِلُّ وتَصيرُ عَدَمًا مَحضًا فهيَ لا تَموتُ بهَذا الاعتِبارِ، بَل هيَ باقيةٌ بَعدَ خَلقِها في نَعيمٍ أو عَذابٍ، كَما سَيأتي إنْ شاءَ اللهُ تعالى بَعدَ هَذا، وكَما صَرَّحَ به النَّصُّ أنَّها كَذلك حَتَّى يَرُدَّها اللهُ في جَسَدِها) [1649] يُنظر: ((الروح)) (1/97). .
وقال أيضًا: (إنَّ الأرواحَ خُلِقَت لِلبَقاءِ لا لِلفَناءِ، هَذا هو الحَقُّ، وما خالَف فيه إلَّا شِرذَمةٌ مِنَ النَّاسِ من أهلِ الإلحادِ القائِلينَ: إنَّ الأرواحَ تَفنَى بفَناءِ الأبَدانِ؛ لِكَونِها قوَّةً من قُواها، وعَرَضًا من أعراضِها.
وهَؤُلاءِ قِسمانِ؛ أحَدُهما: مُنكِرٌ لِمُعادِ الأبَدانِ، والثَّاني: مَن يُقِرُّ بمُعادِ الأبدانِ، ويَقولُ: إنَّ اللهَ عزَّ وجَلَّ يُعيدُ قُوى البَدَنِ وأعراضَه، ومِنها: الرُّوحُ، فتَفنَى بفَناءِ الأبَدانِ، فلَيسَ عِندَ الطَّائِفتينَ رُوحٌ قائِمةٌ بنَفسِها، تُساكِنُ البَدَنَ وتَفارِقُه، وتَتَّصِلُ به وتَنفصِلُ عَنه.
وأمَّا الحَقُّ الَّذي اتَّفقَت عليه الرُّسُلُ وأتباعُهم: فهو أنَّ هَذِه الأرواحَ باقيةٌ بَعدَ مُفارَقةِ أبدانِها، لا تَفنَى ولا تَعدَمُ، وأنَّها مُنَعَّمةٌ أو مُعَذَّبةٌ في البَرزَخِ، فإذا كانَ يَومُ المَعادِ رُدَّت إلَى أبدانِها، فتُنعَّمُ مَعَها أو تُعَذَّبُ، ولا تَعدَمُ ولا تَفنَى) [1650] يُنظر: ((مدارج السالكين)) (3/ 241). .
وقال ابنُ أبي العِزِّ: (اختَلَف النَّاسُ هَل تَموتُ الرُّوحِ أم لا؟ فقالت طائِفةٌ: تَموتُ لِأنَّها نَفسٌ، وكُلُّ نَفسٍ ذائِقةُ المَوتِ،...وإذا كانَتِ المَلائِكةُ تَموتُ، فالنُّفوسُ البَشَريَّةُ أَولَى بالمَوتِ، وقال آخَرونَ: لا تَموتُ الأرواحُ؛ فإنَّها خُلِقَت لِلبَقاءِ، وإنَّما تَموتُ الأبَدانُ، قالوا: وقَد دَلَّ على ذلك الأحاديثُ الدَّالَّةُ على نَعيمِ الأرواحِ وعَذابِها بَعدَ المُفارَقةِ إلَى أن يَرجِعَها اللهُ في أجسادِها، والصَّوابُ أن يُقال: مَوتُ النُّفوسِ هو مُفارَقَتُها لِأجسادِها وخُروجُها مِنها، فإنْ أريدَ بموتِها هَذا القَدْرُ فهيَ ذائِقةُ المَوتِ، وإن أريدَ أنَّها تُعْدَمُ وتَفنَى بالكُلِّيَّةِ فهيَ لا تَموتُ بهَذا الاعتِبارِ، بَل هيَ باقيةٌ بَعدَ خَلقِها في نَعيمٍ أو في عَذابٍ... وقَد أخبَرَ سُبحانَه أنَّ أهلَ الجَنَّةِ لَا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الْأُولَى [الدخان: 56] ، وتِلكَ المَوتةُ هيَ مُفارَقةُ الرُّوحِ لِلجَسَدِ) [1651] يُنظر: ((شرح الطحاوية)) (2/ 570). .
وقال السَّفارينيُّ: (مِمَّا ذُكِرَ في أصلِ العَقيدةِ بَقاءُ الأرواحِ وأنَّه لا يَلحَقُها عَدَمٌ ولا فَناءٌ ولا اضمِحلالٌ؛ لِأنَّها خُلِقَت لِلبَقاءِ، وإنَّما تَموتُ الأبَدانُ، وقَد دَلَّتْ على هَذا الأحاديثُ الدَّالَّةُ على نَعيمِ الأرواحِ وعَذابِها بَعدَ مُفارَقَتِها لِأبدانِها إلَى أن يَرجِعَها اللهُ تعالى إلَيها، ولَو ماتَتِ الأرواحُ لانقَطَعَ عَنها النَّعيمُ والعَذابُ) [1652] يُنظر: ((لوامع الأنوار البهية)) (2/ 37). .
وقال السَّفارينيُّ في عَقيدَتِه:
وأنَّ أرواحَ الوَرَى لَم تُعْدَمِ ... مَعَ كَونِها مَخلوقةً فاستَفْهِمِ
قال ابنُ عُثَيمين شارِحًا: (قال رَحِمَه اللَّهُ: «وأنَّ أرواحَ الورَى لَم تُعدَمِ» يعني: نُؤمِنُ بأنَّ أرواحَ الورَى أيِ الخَلقِ، لَم تُعدَم، و «لَم» هنا بمَعنى لَن، يعني لَن تُعدَمَ في المُستَقبَلِ؛ لِأنَّ اللَّهَ تعالى خَلقَها لِلبَقاءِ لا لِلفَناءِ، كَما خَلَقَ الجَنةَ لِلبَقاءِ لا لِلفَناءِ، وخَلقَ النَّارَ لِلبَقاءِ لا لِلفَناءِ، وخَلقَ ما في الجَنةِ مِنَ الحُورِ والوِلْدانِ لِلبَقاءِ لا لِلفَناءِ، كَذلك الأرواحُ خُلِقَت لِلبَقاءِ لا لِلفَناءِ؛ فهيَ لا تُعدَمُ) [1653] يُنظر: ((شرح العقيدة السفارينية)) (ص: 441). .

انظر أيضا: