الموسوعة العقدية

المبحثُ السابعَ عَشَرَ: من قَواعِدِ الرَّدِّ على المُخالِفينَ: استفادةُ طالِبِ الحقِّ من رَدِّ أهلِ البِدَع بَعضِهم على بَعضٍ

قال ابنُ تَيميَّةَ: (المناظَرةُ تارةً تكونُ بين الحقِّ والباطِلِ، وتارةً بيْن القولينِ الباطِلينِ لتبيينِ بُطلانِهما، أو بُطلانِ أحدِهما، أو كونِ أحَدِهما أشدَّ بُطلانًا من الآخَرِ؛ فإنَّ هذا يُنتَفَعُ به كثيرًا في أقوالِ أهلِ الكَلامِ والفَلسفةِ وأمثالِهم ممَّن يقولُ أحدُهم القَولَ الفاسِدَ ويُنكِرُ على مُنازِعِه ما هو أقربُ منه إلى الصَّوابِ، فيُبَيِّنُ أنَّ قولَ منازعِه أحَقُّ بالصِّحَّةِ إن كان قولُه صحيحًا، وأنَّ قَولَه أحقُّ بالفسادِ إن كان قولُ مُنازعِه فاسدًا؛ لتنقطِعَ بذلك حُجَّةُ الباطِلِ، فإنَّ هذا أمرٌ مُهِمٌّ؛ إذ كان المُبطِلون يُعارضونَ نُصوصَ الكِتابِ والسُّنَّةِ بأقوالِهم؛ فإنَّ بيانَ فَسادِها أحدُ رُكنيِ الحَقِّ، وأحدُ المطلوبَينِ) [232] يُنظر: ((درء تعارض العقل والنقل)) (4/206). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (من المعلومِ أنَّ كلَّ مُبطلٍ أنكرَ على خَصْمِه شيئًا من الباطِلِ قد شاركه في بعضِه أو في نظيرِه؛ فإنَّه لا يتمكَّنُ من دَحْضِ حُجَّتِه وكَسرِ باطِلِه؛ لأنَّ خَصمَه تسلَّط عليه بمِثْلِ ما سُلِّط هو به عليه، وهذا شأنُ أهلِ الأهواءِ مع بَعْضِهم البَعضِ؛ ولهذا كان عامَّةُ ما يأتون به أبدًا يُناقِضُ بَعضُهم بَعضًا، ويَكسِرُ أقوالَ بعضِهم ببَعضٍ، وفي هذا مَنفعةٌ جليلةٌ لطالبِ الحَقِّ؛ فإنَّه يكتفي بإبطالِ كُلِّ فِرقةٍ لقَولِ الفِرقةِ الأُخرى) [233] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) (2/452). .
فمثلًا إذا استدلَّ متأوِّلُ الصِّفاتِ على مُنكِرِ المعادِ وحَشْرِ الأجسادِ بنُصوصِ الوَحيِ، أبدَى لها مُنكرُ المعادِ تأويلاتٍ تخالِفُ ظاهِرَها، وقال للمُستَدِلِّ بها: تأوَّلتُ أنا هذه النُّصوصَ -نُصوصَ المعادِ- كما تأوَّلتَ أنت نصوصَ الصِّفاتِ، ولا سيَّما أنَّها أكثَرُ وأصرَحُ، فإذا تطرَّق التَّأويلُ إليها، فهو إلى ما دُونهَا أقربُ تطَرُّقًا، ولا نجاةَ من هذا التَّناقُضِ إلَّا بالإيمانِ بجَميعِ النُّصوصِ، وإجرائِها على ظاهِرِها، ومَنعِ التَّأويلِ فيها [234] يُنظر: ((الصواعق المرسلة)) لابن القيم (2/453، 454). .

انظر أيضا: