الموسوعة العقدية

الفرعُ الأوَّلُ: أدِلَّةُ وُقوعِ الكراماتِ من القُرآنِ الكَريمِ

1- قال اللهُ تعالى في قِصَّةِ مَريمَ عليها السَّلامُ: كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا قَالَ يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ من عِنْدِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ [آل عمران: 37] .
قال السَّعديُّ: (كُلَّمَا دَخَلَ عَلَيْهَا زَكَرِيَّا الْمِحْرَابَ وَجَدَ عِنْدَهَا رِزْقًا: أي: من غيرِ كسْبٍ ولا تَعَبٍ، بَل رِزقٌ ساقَه اللهُ إليها، وكرامةٌ أكرَمها اللهُ بها، فيَقولُ لها زَكريَّا أَنَّى لَكِ هَذَا قَالَتْ هُوَ من عِنْدِ اللَّهِ فضلًا وإحسانًا إنَّ اللهَ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ أي: من غيرِ حُسبانٍ من العَبدِ ولا كسْبٍ، قال تعالى: ومَن يَتَّقِ اللهَ يَجعَلْ لَهُ مَخْرَجًا ويَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لَا يَحتَسِبُ.
وفي هذه الآيةِ دَليلٌ على إثباتِ كراماتِ الأولياءِ الخارِقةِ للعادةِ، كما قد تَواتَرَتِ الأخبارُ بذلك، خِلافًا لِمَن نَفى ذلك) [1153] يُنظر: ((تفسير السعدي)) (ص: 129). .
2- قال اللهُ سُبحانَه: قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ من الْكِتَابِ أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ فَلَمَّا رَآهُ مُسْتَقِرًّا عِنْدَهُ قَالَ هَذَا من فَضْلِ رَبِّي لِيَبْلُوَنِي أَأَشْكُرُ أَمْ أَكْفُرُ وَمَنْ شَكَرَ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ رَبِّي غَنِيٌّ كَرِيمٌ [النمل: 40] .
 قال الواحِديُّ: (قَالَ الَّذِي عِنْدَهُ عِلْمٌ من الْكِتَابِ وهو آصِفُ بنُ برخِيَا، وكانَ صِدِّيقًا يَعلمُ الِاسمَ الأعظَمَ الذي إذا دُعِيَ اللهُ به أجابَ، وهَذا قَولُ أكثَرِ المُفسِّرينَ في الذي عِندَه عِلمٌ من الكِتابِ: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ قال سَعيدُ بْنُ جُبَيرٍ: قال لسُلَيمانَ: انظُرْ إلى السَّماءِ، فما طَرَف حَتى جاءَ به، فوَضعَه بينَ يَديه! والمَعنى: حَتى يَعودَ إليك طَرْفُك بَعدَ مُدَّةٍ إلى السَّماءِ، وقال مَجاهدٌ: مَعنى ارتِدادِ الطَّرْفِ إدامةُ النَّظَرِ حَتى يَرتَدَّ إليه طَرْفُه خاسِئًا، وعلى هَذا مَعنى الآيةِ: أنَّ سَليمان يَمُدُّ بَصَرَه إلى أقصاه، وهو يُديمُ النَّظَرَ، فقَبلَ أن يَنقَلِبَ إليه بصَرُه حَسيرًا يَكونُ قد أُتيَ بالعَرشِ... وقال أهلُ المَعاني: لا يُنكَرُ من قُدرةِ اللهِ أن يُعدِمَه من حيثُ كانَ، ثُمَّ يُوجِدُه؛ حيثُ كانَ سُلَيمانُ، بلا فصلٍ، بدُعاءِ الذي عِندَه عِلمٌ من الكِتابِ، ويَكونُ كرامةً للوَليِّ، ومُعجِزةً للنَّبيِّ) [1154] يُنظر: ((التفسير الوسيط)) (3/ 378). .
 وقال ابنُ كثيرٍ: (قَولُه: أَنَا آتِيكَ بِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْتَدَّ إِلَيْكَ طَرْفُكَ أي: ارفعَ بصَركَ وانظُرْ مَدَّ بصَرِك مِمَّا تَقدِرُ عليه؛ فإنَّك لا يَكِلُّ بصَرُك إلَّا وهو حاضِرٌ عِندَك) [1155] يُنظر: ((تفسير ابن كثير)) (6/ 192). .
3- قال اللهُ عزَّ وجَلَّ عَن أصحابِ الكَهفِ: وَلَبِثُوا فِي كَهْفِهِمْ ثَلَاثَ مِائَةٍ سِنِينَ وَازْدَادُوا تِسْعًا [الكهف: 25] .
 قال الشِّربينيُّ: (مِمَّا يَدُلُّ على جَوازِ كراماتِ الأولياءِ قِصَّةُ أصحابِ الكَهْفِ وبَقاؤُهم في النَّومِ سالِمينَ من الآفاتِ مُدَّةَ ثَلاثِمِئةِ سَنةٍ وتِسعِ سِنينٍ، وأنَّ اللهَ تعالى كانَ يَعصِمُهم من حَرِّ الشَّمسِ) [1156] يُنظر: ((السراج المنير)) (2/ 367). .
وقال ابنُ عُثَيمين: (مِنَ الكراماتِ الثَّابِتةِ بالقُرآنِ والسُّنَّةِ لِمَن سَبَق: قِصَّةُ أصحابِ الكَهْفِ الذينَ عاشوا في قَومٍ مُشرِكينَ، وهم قد آمَنوا باللهِ، وخافوا أن يُغلَبوا على أمرِهم، فخَرجوا من القَريةِ مَهاجِرينَ إلى اللهِ عزَّ وجَلَّ، فيَسَّرَ اللهُ لهم غارًا في جَبَلٍ، وجهُ هَذا الغارِ إلى الشَّمالِ، فلا تَدخُلُ الشَّمسُ عليهم فتُفسِدَ أبَدانَهم، ولا يُحرَمونَ منها، إذا طَلَعَت تَزاوَرُ عَن كهفِهم ذاتَ اليَمينِ، وإذا غَرَبتْ تَقرِضُهم ذاتَ الشِّمالِ، وهم في فجوةٍ منه، وبَقُوا في هَذا الكهفِ ثَلاثَمِئةٍ سِنينَ وازدادوا تِسعًا، وهم نائِمون، يُقَلِّبُهم اللهُ ذاتَ اليَمينِ وذاتَ الشَّمالِ في الصِّيفِ وفي الشِّتاءِ! لم يُزعِجْهم الحَرُّ، ولم يُؤلِمْهم البَرْدُ، ما جاعوا وما عَطِشوا وما مَلُّوا من النَّومِ. فهذه كرامةٌ بلا شَكٍّ، بَقُوا هَكذا حَتى بَعثَهم اللهُ وقد زالَ الشِّركُ عَن هذه القَريةِ، فسَلِموا منه) [1157] يُنظر: ((شرح العقيدة الواسطية)) (2/ 299). .

انظر أيضا: