موسوعة الأخلاق والسلوك

ثانيَّا: الفَرقُ بَينَ صفةِ الجُودِ وبعضِ الصِّفاتِ


- الفَرقُ بَينَ الجُودِ والسَّخاءِ:
قال الرَّاغِبُ: (السَّخاءُ: اسمٌ للهَيئةِ التي عليها الإنسانُ.
والجُودُ: اسمٌ للفِعلِ الصَّادِرِ عنها.
وإن كان قد يُسَمَّى كُلُّ واحدٍ باسمِ الآخَرِ) .
وقال أبو هِلالٍ العَسكَريُّ: (الفَرقُ بَينَ السَّخاءِ والجُودِ: أنَّ السَّخاءَ هو أن يَلينَ الإنسانُ عندَ السُّؤالِ، من قولِهم: سَخَوتُ الأديمَ: ليَّنْتُه، وأرضٌ سَخاويَّةٌ: ليِّنةٌ.
والجُودُ كَثرةُ العطاءِ من غيرِ سُؤالٍ، من قَولِك: جادت السَّماءُ: إذا جادت بمطَرٍ غزيرٍ، والفَرَسُ: الجوادُ الكثيرُ الإعطاءِ للجَرْيِ، واللهُ تعالى جَوادٌ؛ لكثرةِ عَطائِه فيما تقتضيه الحِكمةُ) .
ومن أهلِ العلمِ من يَظهَرُ من كلامِه التَّرادُفُ بينهما. وفرَّق بعضُهم بينهما: بأنَّ من أعطى البعضَ وأبقى لنَفسِه البعضَ، فهو صاحِبُ سخاءٍ. ومَن بذَلَ الأكثَرَ وأبقى لنَفسِه شيئًا، فهو صاحِبُ جُودٍ) .
- الفَرقُ بَينَ الجُودِ والكَرَمِ:
قال الكَفَويُّ: (الجُودُ: هو صِفةٌ ذاتيَّةٌ للجَوادِ، ولا يُستَحَقُّ بالاستحقاقِ ولا بالسُّؤالِ.
والكَرَمُ: مسبوقٌ باستحقاقِ السَّائِلِ والسَّؤالِ منهـ) .
وقال أبو هلالٍ العَسكَريُّ: (يجوزُ أن يُقالَ: الكَرَمُ هو إعطاءُ الشَّيءِ عن طِيبِ نَفسٍ، قليلًا كان أو كثيرًا، والجُودُ: سَعةُ العطاءِ، ومنه سُمِّيَ المطَرُ الغزيرُ الواسِعُ جُودًا، سواءٌ كان عن طيبِ نفسٍ أو لا، ويجوزُ أن يقالَ: الكَرَمُ هو إعطاءُ مَن يريدُ إكرامَه وإعزازَه، والجُودُ قد يكونُ كذلك وقد لا يكونُ) .
وقيل في الفَرقِ بَينَهما: (الجوادُ هو الذي يعطي مع السُّؤالِ.
والكريمُ: الذي يعطي من غيرِ سُؤالٍ. وقيل بالعَكسِ.
وقيل: الجُودُ: إفادةُ ما ينبغي لا لغَرَضٍ.
والكَرَمُ: إيثارُ الغَيرِ بالخَيرِ) .
وقال القاضي عِياضٌ: (وأمَّا الجُودُ والكَرَمُ والسَّخاءُ... ومعانيها متقارِبةٌ، وقد فرَّق بعضُهم بينها بفروقٍ؛ فجعَلوا الكَرَمَ الإنفاقَ بطِيبِ نَفسٍ فيما يَعظُمُ خَطَرُه ونفعُه، وسَمَّوه أيضًا جُرأةً، وهو ضِدُّ النَّذالةِ ...، والسَّخاءُ سُهولةُ الإنفاقِ وتجنُّبُ اكتسابِ ما لا يُحمَدُ، وهو الجُودُ، وهو ضِدُّ التَّقتيرِ) .
- الفَرقُ بَينَ الجُودِ والإفضالِ:
قال الكَفَويُّ: (والإفضالُ أعمُّ من الإنعامِ والجُودِ، وقيل: هو أخَصُّ منهما؛ لأنَّ الإفضالَ إعطاءٌ بعِوَضٍ، وهما عبارةٌ عن مُطلَقِ الإعطاءِ.
والكَرَمُ: إن كان بمالٍ فهو: جُودٌ، وإن كان بكَفِّ ضَرَرٍ مع القُدرةِ، فهو: عَفوٌ، وإن كان ببَذلِ النَّفسِ فهو: شجاعةٌ) .
-وقال ابنُ حَزمٍ الأندَلُسيُّ: (وحَدُّ الكَرَمِ أن تُعطيَ من نفسِك الحقَّ طائعًا، وتتجافى عن حقِّك لغيرِك قادِرًا، وهو فضلٌ أيضًا، وكُلُّ جُودٍ كَرَمٌ وفَضلٌ، وليس كُلُّ كَرَمٍ وفَضلٍ جُودًا؛ فالفَضلُ أعَمُّ والجُودُ أخَصُّ؛ إذ الحِلمُ فَضلٌ وليس جُودًا، والفضلُ فَرضٌ زِدتَ عليه نافِلةً) .

انظر أيضا:

  1. (1) يُنظَر: ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) (ص: 98).
  2. (2) ((الفروق اللغوية)) (ص: 173) بتصَرُّفٍ.
  3. (3) يُنظَر: ((معجم الفروق اللغوية)) بترتيب بيت الله بيات (ص: 353).
  4. (4) يُنظَر: ((الكليات)) (ص: 353).
  5. (5) ((الفروق اللغوية)) (ص: 175).
  6. (6) يُنظَر: ((معجم الفروق اللغوية)) ترتيب بيت الله بيات (171-172).
  7. (7) يُنظَر: ((الشفا بتعريف حقوق المصطفى)) (1/230).
  8. (8) يُنظَر: ((الكليات)) (ص 53).
  9. (9) يُنظَر: ((الأخلاق والسير في مداواة النفوس)) (ص: 33).