ب- مِن السُّنَّةِ النَّبويَّةِ
وممَّا جاء في حَضِّ النَّبيِّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ على التَّودُّدِ:
1- قال رسولُ اللهِ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ:
((إذا أحَبَّ الرَّجلُ أخاه فليُخبِرْه أنَّه يُحِبُّهـ))
، معناه: الحَثُّ على التَّودُّدِ والتَّألُّفِ، وذلك أنَّه إذا أخبَره بأنَّه يُحِبُّه استمال بذلك قَلبَه، واجتلَب به وُدَّه
.
2- عن
ابنِ مسعودٍ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((ألا أخبِرُكم بمَن يحرُمُ على النَّارِ، أو بمَن تحرُمُ عليه النَّارُ؟ على كُلِّ قريبٍ هيِّنٍ سَهلٍ))
، القريبُ: الذي يُجالِسُ النَّاسَ ويُلاطِفُهم
، وسَهلٌ، أي: في البَيعِ والشِّراءِ وقَضاءِ حوائِجِ النَّاسِ، وتمشِيةِ أمورِهم وإعانتِهم
. وهذه الصِّفاتُ مِن أسبابِ التَّوادِّ بَينَ النَّاسِ.
3- وعن
عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رضِي اللهُ عنهما: أنَّ رجُلًا سأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((أيُّ الإسلامِ خَيرٌ؟ قال: تُطعِمُ الطَّعامَ، وتقرَأُ السَّلامُ على مَن عرَفْتَ ومَن لم تعرِفْ))
، فحضَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على التَّودُّدِ والتَّحابُبِ، وعلى أسبابِهما، وبيَّن أنَّ أفضَلَ أخلاقِ المُؤمِنينَ تحبُّبُهم وتوادُّهم وأُلفةُ بعضِهم بعضًا
.
4- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((لا تدخُلونَ الجنَّةَ حتَّى تُؤمِنوا، ولا تُؤمِنوا حتَّى تحابُّوا، أوَلا أدُلُّكم على شيءٍ إذا فعَلْتُموه تحابَبْتُم؟ أفشوا السَّلامَ بَينَكم))
.
وفيه أنَّ مِن أسبابِ المحبَّةِ أن يُفشِيَ الإنسانُ السَّلامَ بَينَ إخوانِه، أي: يُظهِرَه ويُعلِنَه، ويُسلِّمَ على مَن لقِيه مِن المُؤمِنينَ
.
5- وعن النُّعمانِ بنِ بَشيرٍ رضِي اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم:
((مَثلُ المُؤمِنينَ في توادِّهم وتراحُمِهم وتعاطُفِهم مَثلُ الجسدِ، إذا اشتكى منه عُضوٌ تداعى له سائِرُ الجسدِ بالسَّهرِ والحُمَّى))
.
والحديثُ صريحٌ في الحضِّ على التَّوادُدِ والمُلاطَفةِ والتَّراحُمِ، وإنَّما جعَل المُؤمِنينَ كجسدٍ واحِدٍ؛ لأنَّ الإيمانَ يجمَعُهم كما يجمَعُ الجسدُ الأعضاءَ
.
6- وعن مَعقِلِ بنِ يَسارٍ رضِي اللهُ عنه، قال:
((جاء رجُلٍ إلى النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال: إنِّي أصبْتُ امرأةً ذاتَ حَسَبٍ وجمالٍ، وإنَّها لا تلِدُ، أفأتزوَّجُها؟ قال: لا، ثُمَّ أتاه الثَّانيةَ فنهاه، ثُمَّ أتاه الثَّالثةَ، فقال: تزوَّجوا الوَدودَ الوَلودَ؛ فإنِّي مُكاثِرٌ بكم الأمَمَ))
.
الوَلودُ: كثيرةُ الوَلدِ، والوَدودُ: فَعولٌ بمعنى مفعولٍ، أي: المودودةُ؛ لِما هي عليه مِن حُسنِ الخُلقِ، والتَّودُّدِ إلى الزَّوجِ
، وقيل: الوَدودُ: التي تشتدُّ محبَّتُها لزوجِها
.
7- وعن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه:
((أنَّ رجُلًا قال: يا رسولَ اللهِ، إنَّ لي قرابةً أصِلُهم ويقطَعوني، وأُحسِنُ إليهم ويُسيئونَ إليَّ، وأحلُمُ عنهم ويجهَلونَ عليَّ، فقال: لئن كُنتَ كما قُلتَ فكأنَّما تُسِفُّهم المَلَّ
، ولا يزالُ معَك مِن اللهِ ظَهيرٌ
عليهم ما دُمتَ على ذلك))
.
فأيَّده النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على تودُّدِه إليهم، وإن لم يجِدْ منهم مُقابِلًا لِما يقومُ به إلَّا الإساءةَ إليه.