ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ
- رُوِيَ أنَّ سُلَيمانَ بنَ عَبدِ المَلِكِ كان جالِسًا وعنده
الزُّهريُّ، فجاءه رجُلٌ فقال له سُليمانُ: بلغني أنَّك وقَعْتَ فيَّ، وقُلتَ كذا وكذا. فقال الرَّجُلُ: ما فعَلْتُ ولا قُلتُ. فقال سُلَيمانُ: إنَّ الذي أخبرني صادِقٌ، فقال له
الزُّهريُّ: لا يكونُ النَّمَّامُ صادِقًا. فقال سُلَيمانُ: صدَقْتَ، ثمَّ قال للرَّجُلِ: اذهَبْ بسَلامٍ
.
- وقال الحسَنُ: (كأنَّكم تظنُّون أنَّ الخيانةَ ليست إلَّا في الدِّينارِ والدِّرهَمِ! إنَّ الخيانةَ أشَدَّ الخيانةِ أن يجالِسَنا الرَّجُلُ فنطمَئِنَّ إلى جانِبِه، ثمَّ ينطَلِقَ فيسعى بنا إلى شرارةٍ من نارٍ!)
.
- وقال الحَسَنُ: (مَن نَمَّ إليك نَمَّ عليك)
.
- وعن عَطاءِ بنِ السَّائِبِ، قال: قَدِمتُ مِن مَكَّةَ فلَقِيني الشَّعبيُّ، فقال: يا أبا زيدٍ، أطرِفْنا ممَّا سَمِعتَ بمكَّةَ، فقُلتُ: سَمِعتُ عبدَ الرَّحمنِ بنَ سابِطٍ يقولُ: لا يَسكُنُ مكَّةَ سافِكُ دَمٍ، ولا آكِلُ رِبًا، ولا مَشَّاءٌ بنميمةٍ، فعَجِبتُ منه حينَ عَدَل النَّميمةَ بسَفكِ الدَّمِ وأكلِ الرِّبا، فقال الشَّعبيُّ: وما يُعجِبُك من هذا؟! وهل يُسفَكُ الدَّمُ وتُركَبُ العظائِمُ إلَّا بالنَّميمةِ
؟!
- وقال قتادةُ: (ذُكِر لنا أنَّ عذابَ القبرِ ثلاثةُ أثلاثٍ: ثُلُثٌ من الغِيبةِ، وثُلُثٌ من البولِ، وثُلُثٌ من النَّميمةِ)
.
- وقال
ابنُ حَزمٍ: (وما في جميعِ النَّاسِ شَرٌّ من الوُشاةِ، وهم النَّمامونَ، وإنَّ النَّميمةَ لطَبعٌ يدُلُّ على نَتنِ الأصلِ، ورداءةِ الفَرعِ، وفسادِ الطَّبعِ، وخُبثِ النَّشأةِ، ولا بُدَّ لصاحبِه من الكَذِبِ. والنَّميمةُ فرعٌ من فروعِ الكَذِبِ، ونوعٌ من أنواعِه، وكُلُّ نمَّامٍ كَذَّابٌ)
.
- وقال أبو موسى عِمرانُ بنُ موسى المؤدِّبُ: (وَفَد على أَنوشِرْوانَ حكيمُ الهندِ، وفيلسوفُ الرُّومِ، فقال للهِنديِّ: تكَلَّمْ. فقال: يا خَيرَ النَّاسِ، مَن ألقى سخيًّا، وعند الغَضَبِ وقورًا، وفي القولِ مُتأنِّيًا، وفي الرِّفعةِ متواضِعًا، وعلى كُلِّ ذي رَحِمٍ مُشفِقًا. وقام الرُّوميُّ، فقال: مَن كان بخيلًا وَرِث عَدُوُّه مالَه، ومَن قَلَّ شُكرُه لم يَنَلِ النَّجاحَ، وأهلُ الكَذِبِ مذمومون، وأهلُ النَّميمةِ يموتون فُقَراءَ، فمَن لم يرحَمْ سُلِّط عليه مَن لا يرحَمُهـ)
.
- عن يحيى بنِ أبي كَثيرٍ، قال: قال سُلَيمانُ بنُ داودَ لابنِه: (يا بُنَيَّ، إيَّاك والنَّميمةَ؛ فإنَّها أحَدُّ من السَّيفِ)
.
- قال أكثَمُ بنُ صَيفيٍّ لبنيه: (إيَّاكم والنَّميمةَ؛ فإنَّها نارٌ مُحرِقةٌ، وإنَّ النَّمَّامَ ليَعمَلُ في ساعةٍ ما لا يَعمَلُ السَّاحِرُ في شهرٍ)
.
- كان
ابنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنهما يقولُ: (الكَذِبُ فُجورٌ، والنَّميمةُ سِحرٌ؛ فمَن كَذَب فقد فَجَر، ومَن نَمَّ فقد سَحَر)
.
- عن كَعبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، قال: (اتَّقوا النَّميمةَ؛ فإنَّ صاحِبَها لا يستريحُ من عذابِ القبرِ)
.
- عن كَعبِ الأحبارِ، قال: (إنَّ أعظَمَ النَّاسِ عِندَ اللَّه خطيئةً يومَ القيامةِ المُثلِّثُ، قالوا له: وما المُثَلِّثُ؟ قال: الذي يسعى بأخيه إلى إمامِه فيُهلِكُ نَفسَه، ويُهلِكُ أخاه، ويُهلِكُ إمامَهـ)
.
- عن بعضِ أصحابِ
جَعفَرِ بنِ محمدٍ الصَّادِقِ، قال: (دخَلتُ على
جَعفَرٍ وموسى بَيْنَ يَدَيه، وهو يوصيه بهذه الوَصيَّةِ، فكان ممَّا حَفِظتُ منها أنْ قال: يا بُنَيَّ، اقبَلْ وَصِيَّتي، واحفَظْ مقالتي... وإيَّاك والنَّميمةَ؛ فإنَّها تزرَعُ الشَّحناءَ في قُلوبِ الرِّجالِ، وإيَّاك والتَّعرُّضَ لعُيوبِ النَّاسِ؛ فمَنزِلةُ التَّعرُّضِ لعيوبِ النَّاسِ بمنزلةِ الهَدَفِ)
.
- أوصى عبدُ المَلِكِ بنُ صالِحٍ ابنًا له، فقال: (أي بُنَيَّ، احلُمْ؛ فإنَّ مَن حَلُم ساد، ومَن تفَهَّمَ ازداد... مَن سعى بالنَّميمةِ حَذِرَه البعيدُ، ومَقَتَه القريبُ)
.
- قال يحيى بنُ أبي كثيرٍ: (إنَّ صاحِبَ النَّميمةِ ليُفسِدُ ما بَيْنَ النَّاسِ في يومٍ ما لا يُفسِدُه السَّاحِرُ في شَهرٍ)
.
- وكتب طاهِرُ بنُ الحُسَينِ لابنِه عبدِ اللَّهِ كتابًا لَمَّا ولَّاه المأمونُ عبدُ اللَّهِ بنُ هارونَ الرَّشيدِ الرَّقَّةَ ومِصرَ وما بَيْنَهما، وفيه: (أغمِضْ عن عيبِ كُلِّ ذي عَيبٍ من رعيَّتِك، واشدُدْ لِسانَك عن قَولِ الكَذِبِ والزُّورِ، وأبغِضْ أهلَه، وأقْصِ أهلَ النَّميمةِ؛ فإنَّ أوَّلَ فَسادِ أمرِك في عاجِلِ الأمورِ وآجِلِها تقريبُ الكذوبِ والجرأةُ على الكَذِبِ؛ لأنَّ الكَذِبَ رأسُ المآثِمِ، والزُّورَ والنَّميمةَ خاتِمتُها؛ لأنَّ النَّميمةَ لا يَسلَمُ صاحِبُها، وقائِلُها لا يَسلَمُ له صاحِبٌ، ولا يستقيمُ لمطيعِها أمرٌ)
.
- قال
ابنُ حِبَّانَ عن النَّميمةِ: (تَهتِكُ الأستارَ، وتُفشي الأسرارَ، وتُورِثُ الضَّغائِنَ، وترفَعُ المودَّةَ، وتجَدِّدُ العداوةَ، وتُبَدِّدُ الجماعةَ، وتُهَيِّجُ الحِقدَ، وتَزيدُ الصَّدَّ)
.
قال ابنُ مِسكَوَيهِ: (احذَرِ النَّميمةَ وسَماعَها؛ وذلك أنَّ الأشرارَ يَدخُلون بَيْنَ الأخيارِ في صورةِ النُّصَحاءِ فيُوهمونَهم النَّصيحةَ، ويَنقُلون إليهم في عَرضِ الأحاديثِ اللَّذيذةِ أخبارَ أصدقائِهم محَرَّفةً مُمَوَّهةً، حتَّى إذا تجاسَروا عليهم بالحديثِ المُختَلَقِ يُصَرِّحون لهم بما يُفسِدُ مودَّاتِهم، ويُشَوِّهُ وجوهَ أصدقائِهم، إلى أن يُبغِضَ بعضُهم بعضًا)
.