موسوعة الأخلاق والسلوك

ثاني عَشَرَ: مَسائِلُ مُتفَرِّقةٌ


الجمعُ بَيْنَ حديثَينِ:
تقدَّم أنَّ مِن صُوَرِ المُداهَنةِ أن يَظهَرَ الرَّجُلُ بوجهَينِ، فيأتيَ هؤلاء بوجهٍ، وهؤلاء بوجهٍ، وأخبر النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه مِن شَرِّ النَّاسِ، فكيف الجَمعُ بَيْنَ ذلك وما جاء عن عائشةَ رَضِيَ اللَّهُ عنها، ((أنَّ رجُلًا استأذن على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فلمَّا رآه قال: بئس أخو العَشيرةِ، وبئس ابنُ العَشيرةِ، فلمَّا جلَس تطلَّق النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في وَجهِه وانبسَط إليه، فلمَّا انطلَق الرَّجلُ قالت له عائِشةُ: يا رسولَ اللهِ، حين رأيتَ الرَّجلَ قُلْتَ له كذا وكذا، ثُمَّ تطلَّقْتَ في وَجهِه، وانبسطْتَ إليه! فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يا عائِشةُ، متى عهِدْتِني فحَّاشًا؟! إنَّ شرَّ النَّاسِ عندَ اللهِ منزِلةً يومَ القيامةِ مَن ترَكه النَّاسُ اتِّقاءَ شرِّه)) [6650] أخرجه البخاري (6032) واللفظ له، ومسلم (2591). .
والجوابُ: قد جمَع بَيْنَهما العُلَماءُ، ومنهم العراقيُّ؛ دفعًا للالتِباسِ، فقال: (لا منافاةَ بَيْنَهما؛ فإنَّه عليه الصَّلاة والسَّلامُ لم يُثْنِ عليه في وَجهِه، ولا قال كلامًا يُضادُّ ما قاله في حَقِّه في غَيبتِه، إنَّما تألَّفه بشيءٍ من الدُّنيا مع لِينِ الكلامِ له، وإنَّما فعل ذلك تألُّفًا له ولأمثالِه على الإسلامِ، ولم يكُنْ أسلَمَ في الباطِنِ حينَئذٍ، وإن كان قد أظهَر الإسلامَ؛ فبَيَّن عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ ليُعرَفَ ولا يُغتَرَّ به، وتألَّفَه رجاءَ صِحَّةِ إيمانِه، وقد كان منه في حياةِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وبَعْدَه ما دَلَّ على ضَعفِ إيمانِه، وارتَدَّ مع المرتَدِّين، وجيءَ به أسيرًا إلى أبي بَكرٍ  رَضِيَ اللَّهُ عنه) [6651] ((طرح التثريب)) (8/91). .

انظر أيضا: