رابعًا: آثارُ الشَّراهةِ
للشَّراهةِ آثارٌ سيِّئةٌ؛ منها:
1- وُقوعُ المصائِبِ والبلايا؛ قال ابنُ المُقفَّعِ: (وجَدْنا البَلايا في الدُّنيا إنَّما يسوقُها إلى أهلِها الحِرصُ والشَّرَهُ)
.
2- تورِثُ المرضَ، وتُضعِفُ البَدنَ؛ قال الرَّازيُّ: (والذين يَشْرَهونَ إلى أطعمةٍ كثيرةٍ...، فإنَّه يكونُ بهم دائِمًا سوءُ هَضمٍ)
. وقد رُوِي عن الحَسنِ أنَّ لُقمانَ قال لابنِه: (يا بُنيَّ، لا تأكُلْ شِبَعًا على شِبَعٍ؛ فإنَّه رُبَّ أكلةٍ قد أورثَت صاحِبَها داءً)
، فكفى بالمرءِ عارًا أن يكونَ صريعَ مأكَلِه، وقتيلَ أنامِلِه! فكم لُقمةٍ أكلَتْ نَفسَ حُرٍّ، وأكلةٍ منعَت أكَلاتِ دَهرٍ
! وقد قيل: (ثلاثةٌ تورِثُ ثلاثةً: النَّشاطُ يورِثُ الغِنى، والكسلُ يورِثُ الفَقرَ، والشَّراهةُ تورِثُ المرضَ)
؛ لذا قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما في حديثِ المِقدامِ:
((ما ملأ آدَميٌّ وعاءً شرًّا مِن بَطنٍ، بحسْبِ ابنِ آدَمَ أُكُلاتٌ يُقِمْنَ صُلبَه، فإن كان لا محالةَ فثُلثٌ لطعامِه، وثُلثٌ لشرابِه، وثُلثٌ لنَفَسِهـ))
، وكذلك ممَّا يوهِنُ البَدنَ ويُضعِفُه كثرةُ الجِماعِ والشَّراهةُ فيه
.
3- يتولَّدُ منها الحِرصُ على الدُّنيا والعَملُ لها لا للهِ؛ قال
الفُضَيلُ بنُ عِياضٍ: (الشَّرِهُ يُحِبُّ ألَّا يفوتَه شيءٌ؛ فيكونُ له إلى هذا حاجةٌ، وإلى هذا حاجةٌ، فمَن أحَبَّه للدُّنيا سلَّم عليه إذا مرَّ به، وعاده إذا مرِض، ولم يفعَلْ للهِ)
؛ لذا قال حُصَينُ بنُ القاسِمِ: (سمعْتُ عبدَ الواحِدِ بنَ زيدٍ يحلِفُ باللهِ تعالى: لَحِرصُ المرءِ على الدُّنيا أخوَفُ عليه عندي مِن أعدى أعدائِهـ)
.
4-قسوةُ القلبِ، فلا يكادُ ينتفِعُ بموعِظةٍ؛ قال مالِكُ بنُ دينارٍ: (إنَّ البدَنَ إذا سَقِم لم يَنجَعْ فيه طعامٌ ولا شرابٌ ولا نومٌ ولا راحةٌ، وكذلك القلبُ إذا عَلِقه حُبُّ الدُّنيا لم تَنجَعْ فيه الموعِظةُ)
.
5-ذهابُ المُروءةِ، قيل: (وعلامةُ عفَّتِه أن يقتصِدَ في مآرِبِ بَدنِه حتَّى لا يحمِلَه الشَّرَهُ على ما يضُرُّ جِسمَه، أو يهتِكُ مُروءتَهـ)
.
6- الشَّرَهُ يُؤدِّي إلى عَددٍ مِن الموبِقاتِ؛ منها: مَنعُ الحُقوقِ، وأكلُ السُّحتِ، وفِعلُ الحرامِ، والوُقوعُ في الفَحشاءِ والمُنكَرِ.
7- الشَّرَهُ يجعَلُ الإنسانَ ذليلًا، وقد قيل: (لا تشرَهَنَّ؛ فإنَّ الذُّلَّ في الشَّرَهِ)
.
8-فَقرُ النَّفسِ وعَدمُ القناعةِ والرِّضا؛ قال
الماوَرديُّ: (الشَّرِهُ لا يقنَعُ بما أُوتي وإن كان كثيرًا؛ لأجْلِ شَرَهِهـ)
.
9- مَن استولى عليه شَرهُ النَّفسِ والكِبرُ فإنَّه يرضى لنَفسِه ما لا يرضى للمُسلِمينَ، ولا يُمكِنُه أن يُقلِعَ عن الحَسدِ والحِقدِ، ولا يُمكِنُه كَظمُ الغَيظِ، فيكونُ أبَدَ الدَّهرِ في عِبادةِ نَفسِه وإصلاحِ أمرِه، ولا يستغني عن الكَذِبِ والنِّفاقِ
.
10-تضييعُ الآخِرةِ؛ قال عبدُ الواحِدِ بنُ زيدٍ: (الحِرصُ حِرصانِ؛ فحِرصٌ فاجِعٌ، وحِرصٌ نافِعٌ، فأمَّا النَّافِعُ فحِرصُ المرءِ على طاعةِ اللهِ، وأمَّا الفاجِعُ فحِرصُ المرءِ على الدُّنيا، مُتعذِّبٌ مشغولٌ لا هو يُسَرُّ، ولا يَلَذُّ بجَمعِه لشُغلِه، ولا يفرُغُ مِن محبَّتِه للدُّنيا لآخِرتِه، كدًّا كدًّا لِما يفنى، وغَفلةً عمَّا يدومُ ويبقى!)
.
11- أنَّه سببُ المَذمَّةِ؛ حتَّى قيل في ترجمةِ أحدِهم: (كان مِن الشَّرَهِ في جمعِ المالِ على حالةٍ قبيحةٍ، لا يُبالي بما أخَذ، ولا مِن أين أخَذ، معَ الشُّحِّ والبُعدِ عن جميعِ العُلومِ، رضِي مِن دينِه بجمعِ المالِ، حتَّى كان كما قيل: جنى وَصلَها غَيري، وحمَلْتُ عارَها!)
.
12- الشَّرَهُ يُفوِّتُ المقصودَ؛ قال
ابنُ الجَوزيِّ: (رأَيتُ الشَّرَهَ في تحصيلِ الأشياءِ يُفوِّتُ الشَّرَهُ عليه مقصودَه!)
.
13- الشَّرَهُ يُؤدِّي إلى النَّدمِ؛ قال
ابنُ الجَوزيِّ: (كم قد سمِعْنا عن سُلطانٍ وأميرٍ وصاحِبِ مالٍ أطلَق نَفسَه في شَهواتِها، ولم ينظُرْ في حلالٍ وحرامٍ، فنزَل به مِن النَّدمِ وقتَ الموتِ أضعافُ ما التذَّ، ولو كان هذا فحسْبُ لكفى حزنًا، كيف والجزاءُ الدَّائِمُ بَينَ يَدَيه؟!)
.