موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُسلِمُ أخو المسلِمِ، لا يَظلِمُه ولا يَخذُلُه ولا يَحقِرُهـ)) .
قال النَّوَويُّ: (وأمَّا: "لا يَخذُلُه". فقال العُلَماءُ: الخَذْلُ: تَركُ الإعانةِ والنَّصرِ، ومعناه: إذا استعان به في دفعِ ظالمٍ ونحوِه، لزِمَه إعانتُه إذا أمكنَه ولم يكُنْ له عُذرٌ شَرعيٌّ) .
- وعن أنَسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((انصُرْ أخاك ظالمًا أو مظلومًا. قالوا: يا رسولَ اللَّهِ، هذا ننصُرُه مظلومًا، فكيف ننصُرُه ظالِمًا؟ قال: تأخُذُ فَوقَ يَدَيهـ)) .
قولُه: ((انصُرْ أخاك)) أي: ولا تَخذُلْه .
- وعن عَلِيِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((المُؤمِنون تتكافَأُ دِماؤُهم، ويسعى بذِمَّتِهم أدناهم، وهم يدٌ على مَن سِواهم)) .
(قولُه: ((وهم يدٌ على مَن سِواهم)) أي: هم مجتَمِعون على أعدائِهم، لا يسَعُهم التَّخاذُلُ، بل يعاوِنُ بعضُهم بعضًا على جميعِ الأديانِ والمِلَلِ، كأنَّه جَعَل أيديَهم يدًا واحدةً، وفِعلَهم فِعلًا واحدًا) .
وقال الخَطَّابيُّ: (قولُه: ((وهم يدٌ على مَن سِواهم)) فإنَّ معنى اليَدِ المعاوَنةُ والمظاهَرةُ، إذا استُنفِروا وَجَب عليهم النَّفيرُ، وإذا استُنجِدوا أنجَدوا ولم يتخَلَّفوا ولم يتخاذَلوا) .
- عن ابنِ مسعودٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (قال المِقدادُ يومَ بَدرٍ: يا رسولَ اللَّهِ، إنَّا لا نقوُل لك كما قالت بنو إسرائيلَ لموسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ [المائدة: 24] ، ولكِنِ امضِ ونحن معك! فكأنَّه سُرِّيَ عن رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) .
وفي روايةٍ: (لا نقولُ كما قال قومُ موسى: فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا، ولكِنَّا نقاتِلُ عن يمينِك وعن شِمالِك وبينَ يَدَيك وخَلْفَك)
- وعن جابِرٍ رَضِيَ الله عنه قال: ((لَمَّا رَجَعَتْ إلى رَسولِ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مُهاجِرةُ البَحرِ، قال: ألَا تُحَدِّثوني بأعاجيبِ ما رأيتُم بأرضِ الحَبَشةِ؟ قال فِتيةٌ منهم: بلى يا رَسولَ اللهِ، بَينا نَحنُ جُلوسٌ مَرَّت بنا عَجوزٌ من عَجائِزِ رَهابينِهم، تَحمِلُ على رَأسِها قُلَّةً من ماءٍ، فمَرَّت بفَتًى منهم فجَعَلُ إحدى يَدَيه بينَ كَتِفَيها ثُمَّ دَفَعَها فخرَّت على رُكبَتَيها فانكَسَرَت قُلَّتُها! فلَمَّا ارتَفَعَتِ التفَتتْ إليه فقالت: سَوفَ تَعلمُ يا غُدَرُ إذا وَضَعَ اللهُ الكُرسيَّ وجَمعَ الأوَّلينَ والآخِرينَ وتَكَلَّمتِ الأيدي والأرجُلُ بما كانوا يَكسِبونَ، فسَوفَ تَعَلمُ كيفَ أمري وأمرُك عِندَه غَدًا؟! قال: يَقولُ رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: صَدَقَت صَدَقَت! كيفَ يُقَدِّسُ اللهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهم من شَديدِهم؟!)) .
قوله: ((كيفَ يُقَدِّسُ اللهُ أمَّةً لا يُؤخَذُ لضَعيفِهم من شَديدِهم ؟!)) أي: أخبِروني كيف يُطَهِّرُ اللَّهُ قومًا لا يَنصُرون الضَّعيفَ العاجِزَ على القويِّ الظَّالمِ مع تمكُّنِهم من ذلك؟! أي: لا يُطَهِّرُهم أبَدًا .

انظر أيضا:

  1. (1) رواه مسلم (2564) مطوَّلًا.
  2. (2) ((شرح النووي على مسلم)) (16/120).
  3. (3) رواه البخاري (2444).
  4. (4) يُنظَر: ((دليل الفالحين لطرق رياض الصالحين)) لابن علان (3/ 27).
  5. (5) رواه أبو داود (4530)، والنسائي (8/19)، وأحمد (959)، والبزار (2/290)، والحاكم (2/153).  قال البَّزارُ: (رُوِيَ من غيرِ وَجهٍ، وإسنادُه أحسَنُ إسنادًا يُروى في ذلك وأصحُّهـ)، وقال الحاكِمُ: (صحيحٌ على شرطِ الشَّيخينِ ولم يُخَرِّجاهـ) وقال محمَّدُ بنُ عبدِ الهادي في ((المحرر)) (391): (رجالُه رجالُ الصَّحيحَينِ)، وصحَّحَه ابنُ الملقِّن في ((البدر المنير)) (9/159)، والألباني في ((صحيح سنن النسائي)) (8/19)، وصحَّحه لغيره شعيبٌ في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/ 267)، وصحَّح إسنادَه أحمد شاكر في تحقيق ((مسند أحمد)) (2/212), والحديثُ رُوِيَ من طرُقٍ عن عائشةَ وابنِ عبَّاسٍ وعبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو، رَضِيَ اللهُ عنهم.
  6. (6) ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (5/ 293).
  7. (7) ((معالم السنن)) (2/ 314).
  8. (8) أخرجه البخاري (4609).
  9. (9) البخاري (3952).
  10. (10) رواه ابنُ ماجه (4010) واللفظ له، وأبو يعلى (2003)، وابن حبان (5058). صحَّحه ابنُ حِبان، وحسَّنه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (4010)، وقوَّاه بشواهِدِه شُعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (5058)، وحسَّن إسنادَه البوصيري في ((مصباح الزجاجة)) (2/298).
  11. (11) ((التنوير شرح الجامع الصغير)) للصنعاني (8/ 254).