موسوعة الأخلاق والسلوك

ب- من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


ممَّا ورَد في النَّهيِ عن تقليدِ الكُفَّارِ ومتابعَتِهم والتَّشبُّهِ بهم:
- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه قال: قال رسولُ الله صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((من تشَبَّه بقومٍ فهو منهم)) [1929] أخرجه أبو داود (4031) واللَّفظ له، وأحمد (5114) مطوَّلًا. صحَّحه ابنُ حِبَّان كما في ((بلوغ المرام)) لابن حجر (437)، وابن باز في ((مجموع الفتاوى)) (4/358)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (4031)، وجَوَّده ابنُ تَيميَّةَ في ((مجموع الفتاوى)) (25/331). .
قولُه: ((مَن تشَبَّه)) أي: أتى ما يكونُ به مشابِهًا لهم، وذلك بأن يفعَلَ شيئًا من خصائِصِهم. والتَّشبُّهُ يكونُ بالعقيدةِ، ويكونُ بالعبادةِ، ويكونُ باللِّباسِ، ويكونُ بالعاداتِ، الحديثُ عامٌّ، وإذا كان عامًّا فيُنَزَّلُ قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((فهو منهم)) على ما تقتضيه الأدِلَّةُ الأخرى؛ فمَثَلًا من تشبَّه بقومٍ في العقيدةِ فهو منهم، اعتَقَد ما يعتَقِدون، سواءٌ فيما يتعلَّقُ بالعبادةِ أو بالرُّبوبيَّةِ أو بالأسماءِ والصِّفاتِ، هو منهم، من تشَبَّه بهم في العبادةِ فهو منهم، من تشَبَّه بهم في العاداتِ فهو منهم، ولا سيَّما إن نهى الشَّرعُ عن ذلك بعينِه، تشبَّه بهم في اللِّباسِ؛ صار يَلبَسُ مِثلَ لِباسِ الكُفَّارِ، نقولُ: هو منهم، المُهِمُّ إذا تشَبَّه بهم، والتَّشبُّهُ أن يفعَلَ ما كان مختَصًّا بالمتشَبَّهِ به، أمَّا ما كان مُشتَرَكًا فلا تشَبُّهَ [1930] ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (6/ 335). .
قولُه: ((فهو منهم)) قيل: يعني: يوشِكُ أن يكونَ منهم؛ لأنَّ التَّشبُّهَ بهم في الظَّاهِرِ يؤدِّي إلى التَّشبُّهِ بهم في الباطِنِ، وعلى هذا فيكونُ منهم باعتبارِ المآلِ لا باعتبارِ الحالِ. وقيل: إنَّه منهم في هذه الخَصلةِ التي تشَبَّهَ بها، فهو باعتبارِ الحالِ، ولا شَكَّ أنَّ التَّشبُّهَ بالقولِ يؤدِّي إلى محبَّتِهم وتعظيمِهم والرُّكونِ إليهم، وهذا قد يجُرُّ المرءَ إلى أن يتشَبَّهَ بهم حتَّى في العبادةِ؛ ففي هذا الحديثِ فوائِدُ، منها: الحَثُّ على التَّشبُّهِ بالصَّالحين؛ لقولِه: ((من تشبَّه بقومٍ فهو منهم))، ويتفرَّعُ على هذه الفائدةِ الحَثُّ على اتِّباعِ السَّلَفِ الصَّالحِ في العبادةِ، وفي العقيدةِ، وفي المنهَجِ، وفي كُلِّ شيءٍ؛ ليكونَ الإنسانُ منهم [1931] ((فتح ذي الجلال والإكرام)) لابن عثيمين (6/ 336). .
- عن أبي سعيدٍ الخُدْريِّ رَضِيَ الله عنه قال: قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((لتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ من كان قَبْلَكم شِبرًا شِبرًا، وذراعًا بذراعٍ، حتَّى لو دخلوا جُحْرَ ضَبٍّ تَبِعْتُموهم، قُلْنا: يا رسولَ اللَّهِ، اليهودُ والنَّصارى؟ قال: فمَن؟!)) [1932] أخرجه البخاري (7320) واللَّفظُ له، ومسلم (2669). .
وهذا خرَج من النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مخرَجَ الخبَرِ عن وقوعِ ذلك، والذَّمِّ لِمن يفعَلُه، كما كان يخبِرُ عمَّا يفعَلُه النَّاسُ بَيْنَ يَدَيِ السَّاعةِ من الأشراطِ والأمورِ المحرَّماتِ؛ فعُلِم أنَّ مشابهةَ اليهودِ والنَّصارى ممَّا ذَمَّه اللهُ ورسولُه [1933] ((اقتضاء الصراط المستقيم لمخالفة أصحاب الجحيم)) لابن تيمية (1/ 170). .
قال المُناويُّ: (أي: لتتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَن قَبْلَكم اتِّباعًا شِبرًا متلَبِّسًا بشِبرٍ، وذراعًا متلبِّسًا بذراعٍ، وهو كنايةٌ عن شِدَّةِ الموافقةِ لهم في المخالفاتِ والمعاصي لا الكُفرِ، ثمَّ إنَّ هذا لفظُ خَبَرٍ معناه النَّهيُ عن اتِّباعِهم، ومَنْعُهم من الالتِفاتِ لغيرِ دينِ الإسلامِ؛ لأنَّ نورَه قد بَهَر الأنوارَ، وشِرعتَه نَسَخت الشَّرائعُ، وذا من مُعجزاتِه؛ فقد اتَّبع كثيرٌ من أمَّتِه سَنَنَ فارِسَ في شِيَمِهم ومراكِبِهم وملابِسِهم، وإقامةِ شِعارِهم في الحُروبِ وغيرِها، وأهلِ الكِتابَينِ في زَخرفةِ المساجِدِ، وتعظيمِ القُبورِ، حتَّى كاد أن يَعبُدَها العوامُّ، وقَبولِ الرِّشا، وإقامةِ الحُدودِ على الضُّعَفاءِ دونَ الأقوياءِ، وتَرْكِ العَمَلِ يومَ الجُمُعةِ... إلى غيرِ ذلك ممَّا هو أشنَعُ وأبشَعُ) [1934] ((فيض القدير)) (5/ 261). .

انظر أيضا: