موسوعة الأخلاق والسلوك

حادِيَ عَشَرَ: أخطاءٌ شائعةٌ حولَ الإفراطِ


1- الاعتقادُ بأنَّ العَمَلَ إذا كان قُربةً فإنَّ للإنسانِ أن يُشَدِّدَ على نفسِه كيف شاء، ويبالِغَ فيه متجاوِزًا الحَدَّ المأذونَ له فيه، وهذا خطَأٌ، ومن هنا يتبيَّنُ غَلَطُ كثيرٍ من المتعَبِّدين الذين يلزِمون أنفسَهم أشياءَ بعيدةً عن هَديِ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وممَّا يُذكَرُ في ذلك أنَّ أحَدَهم كان يصعَدُ على رأسِ شَجَرةٍ تحتَها بحرٌ عميقٌ، فيذكُرُ اللَّهَ تعالى طولَ ليلِه! ويرى ذلك أعوَنَ له على مجاهدةِ نفسِه، وطَردِ النَّومِ عنها؛ لأنها لاستشعارِها أنَّها إذا غفَلَت سقَطَت في ذلك البَحرِ، فغَرِقَت فيه، تَطرُدُ عنها النَّومَ خوفًا من ذلك! وهذا هو عينُ الغُلُوِّ الذي ورد النَّهيُ عنه، والحاصِلُ أنَّ إلحاقَ الضَّرَرِ بالنَّفسِ جَهلٌ عظيمٌ، دخَل على جَهَلةِ العُبَّادِ، فأدخل عليهم فسادًا عريضًا، ومِن أغرَبِ ما يُرى ويُسمَعُ أنَّ مِثلَ هذا يُكتَبُ في كُتُبِ الرَّقائِقِ، كأنَّه من المناقِبِ التي يُفتخَرُ بها ويُتعَزَّزُ بها لكونِها مجاهدةً للنَّفسِ التي أمَر الشَّرعُ بها! مع أنَّها من المثالِبِ التي هي من عَمَلِ الشَّيطانِ، دعا إليها هؤلاء الجَهَلةَ، فأطاعوه واتَّبَعوه، فلا حولَ ولا قُوَّةَ إلَّا باللَّهِ العزيزِ الحكيمِ [745] يُنظَر: ((البحر المحيط الثجاج)) للإتيوبي (3/321). .
2- الاعتقادُ بأنَّ الإفراطَ يكونُ في الفِعلِ دونَ التَّركِ، وهذا خطَأٌ؛ فإنَّ تَركَ الحلالِ، كالنَّومِ والأكلِ ونَحوِه، نوعٌ من أنواعِ الإفراطِ، إذا كان هذا التَّركُ على سبيلِ العبادةِ والتَّقرُّبِ إلى اللَّهِ سُبحانَه.
3- الاعتقادُ بأنَّ طَلَبَ المُسلِمِ للأكمَلِ في عبادتِه وأعمالِه من الإفراطِ، وهذا خَطَأٌ؛ فإنَّ اللَّهَ سُبحانَه حثَّ عبادَه على المسابقةِ والمسارعةِ إلى الخيراتِ، وإنَّما الممنوعُ والمحذورُ ما تجاوَز فيه العبدُ حُدودَ الشَّرعِ، وكان سببًا في القعودِ عن الخيرِ.
قال ابنُ المُنَيِّرِ: (وليس المرادُ مَنعَ طلَبِ الأكمَلِ في العبادةِ؛ فإنَّه من الأمورِ المحمودةِ، بل مَنْعَ الإفراطِ المؤدِّي إلى المَلالِ، أو المبالغةِ في التَّطوُّعِ المفضي إلى تَركِ الأفضَلِ أو إخراجِ الفَرضِ عن وقتِه، كمن بات يصلِّي اللَّيلَ كُلَّه ويغالِبُ النَّومَ إلى أن غلبَتْه عيناه في آخِرِ اللَّيلِ، فنام عن صلاةِ الصُّبحِ في الجماعةِ، أو إلى أن خرَج الوقتُ المختارُ، أو إلى أن طلَعَت الشَّمسُ فخرج وقتُ الفريضةِ) [746] ((فتح الباري)) لابن حجر (1/94). .

انظر أيضا: