موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


- قال عليٌّ رَضِيَ اللَّهُ عنه: (أعجَبُ ما في الإنسانِ قَلبُه، وله موادُّ مِن الحكمةِ وأضدادِها مِن خلافِها، فإنْ سَنَح له الرَّجا أزاله الطَّمَعُ، وإن هاجَ به الطَّمَعُ أزاله الحِرصُ، وإن ملَكَه اليأسُ أهلكه الأسَفُ، وإن عَرَض له غلَبَه الغَيظُ، وإن أسعَدَه الرِّضا نَسِيَ التَّحفُّظَ، وإن ناله الجوعُ حَرَّه الحَرُّ، وإن اتَّسَع له الأمنُ استلبَه الغِرَّةُ، وإن تحدَّدَت له نِعمةٌ أخذَتْه العِزَّةُ، وإن أفاد مالًا أطغاه الغِنى، وإن عضَّتْه فاقةٌ شغَلَه البلاءُ، وإنْ جَهَده الجوعُ أقعَده الضَّعفُ، وإنْ أفرَطَ في الشِّبَعِ كظَّتْه البِطنةُ، فكُلُّ تقصيرٍ به مُضِرٌّ، وكُلُّ إفراطٍ به مُفسِدٌ) .
- وقال محمَّدُ بنُ عائشةَ: (ما أمَرَ اللَّهُ تعالى عبادَه بأمرٍ إلَّا وللشَّيطانِ فيه نزعتانِ؛ فإمَّا إلى غُلُوٍّ، وإمَّا إلى تقصيرٍ، فبأيِّهما ظَفِرَ قَنِع) .
- ولَقِيَ أعرابيٌّ الحَسَنَ، فقال: يا أبا سعيدٍ، عَلِّمْني دِينًا وَسُوطًا، لا ذاهِبًا فُرُوطًا، ولا ساقِطًا سُقُوطًا (أي: دِينًا متوَسِّطًا لا متقَدِّمًا بالغُلُوِّ ولا متأخِّرًا بالتُّلُوِّ)، قال له الحَسَنُ: أحسَنْتَ يا أعرابيُّ، إنَّ خيرَ الأمورِ لأوسَطُها .
- وقال زيادُ بنُ أبيه: (جمالُ الوِلايةِ شِدَّةٌ في غيرِ إفراطٍ، ولِينٌ في غيرِ إهمالٍ) .
- وقال عَلقَمةُ بنُ عُلاثةَ الجَعفَريُّ: (أوَّلُ العِيِّ الاختلاطُ، وأسوأُ القولِ الإفراطُ) .
- وقال أبو العبَّاسِ المُبَرِّدُ: (خِلالُ الخيرِ لها مقاديرُ، فإذا خرَجَت عنها استحالت؛ فالحياءُ حَسَنٌ، فإذا جاوَز المقدارَ كان عَجزًا، والشَّجاعةُ حَسَنةٌ، فإذا جاوَزَت المقدارَ كان تهوُّرًا، والبَذلُ حَسَنٌ، فإذا جاوَز المقدارَ كان تضييعًا، والقَصدُ حَسَنٌ، فإذ جاوَز المقدارَ كان بُخلًا، والكلامُ حَسَنٌ فإذا جاوَز المقدارَ كان إهذارًا ، والصَّمتُ حَسَنٌ فإذا جاوَز المقدارَ كان عِيًّا .
- وقال العَسكريُّ: (الإفراطُ مذمومٌ في كُلِّ شيءٍ؛ فمن أفرَطَ في المَدحِ نُسِب إلى المَلَقِ، أو في النَّصيحةِ لحِقَته التُّهمةُ... وإذا أفرَط في الأكلِ والشُّربِ سَقِم، وإذا أفرَط في الزُّهدِ مَنَع نفسَه ما أُحِلَّ له، فعَذَّبَها من حيثُ لو نَعَّمَها لم يَضُرَّه، وإذا أفرَط في البَذلِ كان مُبَذِّرًا وأرجَع الأمرَ إلى الفَقرِ، وإذا أفرَط في المنعِ كان بخيلًا يُذَمُّ بكُلِّ لِسانٍ، ويحتَقِرُه كُلُّ إنسانٍ ويُشبَّهُ بالكَلبِ في دناءةِ نفسِه وقُصورِ هِمَّتِه، ولا يدخُلُ الإفراطُ شيئًا إلَّا أفسَدَهـ) .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (وما أمَر اللَّهُ بأمرٍ إلَّا وللشَّيطانِ فيه نزعتانِ: إمَّا إلى تفريطٍ وإضاعةٍ، وإمَّا إلى إفراطٍ وغُلُوٍّ، ودينُ اللَّهِ وَسَطٌ بَيْنَ الجافي عنه والغالي فيه، كالوادي بَيْنَ جبلَينِ، والهُدى بَيْنَ ضلالتَينِ. والوَسَطُ بَيْنَ طرفَينِ ذميمَينِ، فكما أنَّ الجافيَ عن الأمرِ مُضَيِّعٌ له، فالغالي فيه مُضَيِّعٌ له، هذا بتقصيرِه عن الحَدِّ، وهذا بتجاوُزِه الحَدَّ) .
- وقال محمَّدٌ الغَزاليُّ: (نحن مكَلَّفون بالاتِّباعِ الدَّقيقِ، لا إفراطَ ولا تفريطَ) .
- وقال ابنُ بازٍ مُوَجِّهًا نصيحتَه للدُّعاةِ: (فالواجِبُ على الدُّعاةِ أن يلتَزِموا بالأصولِ الشَّرعيَّةِ ويتمَسَّكوا بالتَّوسُّطِ الذي جعلَهم اللَّهُ فيه؛ فاللَّهُ جعلَهم أمَّةً وَسَطًا، فالواجِبُ على الدُّعاةِ أن يكونوا وسَطًا بَيْنَ الغالي والجافي، بَيْنَ الإفراطِ والتَّفريطِ، وعليهم أن يستقيموا على الحَقِّ، وأن يَثبُتوا عليه بأدِلَّتِه الشَّرعيَّةِ، فلا إفراطَ وغُلُوَّ، ولا جفاءَ وتفريطَ، ولكِنَّه الوَسَطُ الذي أمَر اللَّهُ بهـ) .
- وقال ابنُ عُثَيمين: (ضِدُّ الاستقامةِ انحرافانِ: انحرافٌ إلى جانبِ الإفراطِ والغُلُوِّ، وانحرافٌ إلى جانِبِ التَّفريطِ والتَّقصيرِ؛ ولهذا كان النَّاسُ في دينِ اللَّهِ عزَّ وجَلَّ ثلاثةَ أشكالٍ: طرفانِ ووَسَطٌ؛ طَرَفٌ غالٍ مبالِغٌ متنَطِّعٌ متعنِّتٌ، وطَرَفٌ آخَرُ مُفرِّطٌ مُقَصِّرٌ مُهمِلٌ. الثَّالثُ: وَسَطٌ بَيْنَ الإفراطِ والتَّفريطِ، مستقيمٌ على دينِ اللَّهِ، هذا هو الذي يُحمَدُ. أمَّا الأوَّلُ الغالي والثَّاني الجافي فكِلاهما هالِكٌ) .
- وقال بعضُ الفُضَلاءِ: (اعقِلْ لِسانَك إلَّا عن عِظةٍ شافيةٍ يُكتَبُ لك أجرُها، أو حِكمةٍ بالغةٍ يُحمَدُ عنك نَشرُها، الحَذَرُ خَيرٌ مِن الهَذَرِ؛ لأنَّ الحَذَرَ يقي المُهجةَ، والهَذَرَ يُضعِفُ الحُجَّةَ، من أفرَط في المقالِ زَلَّ، ومَن استخَفَّ بالرِّجالِ ذَلَّ) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((الإعجاز والإيجاز)) للثعالبي (ص: 40).
  2. (2) ((العزلة)) للخطابي (ص: 97).
  3. (3) يُنظَر: ((آداب الحسن البصري وزهده ومواعظهـ)) لابن الجوزي (ص: 57).
  4. (4) ينظر: ((لباب الآداب)) لأسامة بن منقذ (1/ 35).
  5. (5) ((الأمثال)) لأبي عبيد (ص: 44).
  6. (6) يقال: أهذَرَ في كلامِه، أي: أكثَرَ، والهَذَرُ: الهَذَيانُ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (2/ 853).
  7. (7) العِيُّ: ضِدُّ البيانِ. يُنظَر: ((مختار الصحاح)) لزين الدين الرازي (ص: 223).
  8. (8) ((جمهرة الأمثال)) لأبي هلال العسكري (1/22).
  9. (9) ((جمهرة الأمثال)) (1/ 21).
  10. (10) ((مدارج السالكين)) لابن القيم (2/464، 465).
  11. (11) ((الحق المر)) (5/55).
  12. (12) ((مجموع فتاوى العلامة عبد العزيز بن باز رحمه اللهـ)) (8/235).
  13. (13) ((تفسير جزء عم)) (ص: 85).
  14. (14) ((نفحة اليمن فيما يزول بذكره الشجن)) للشرواني (ص: 179).