تم اعتماد المنهجية من الجمعية الفقهية السعودية
برئاسة الشيخ الدكتور سعد بن تركي الخثلان
أستاذ الفقه بجامعة الإمام محمد بن سعود
عضو هيئة كبار العلماء (سابقاً)
- عن سُليمِ بنِ عامِرٍ قال: كان بَينَ مُعاويةَ وبَينَ الرُّومِ عَهدٌ، وكان يسيرُ نَحوَ بلادِهم، حتَّى إذا انقَضى العَهدُ غَزاهم، فجاءَ رَجُلٌ على فرَسٍ أو بِرذَونٍ، وهو يقولُ: اللهُ أكبَرُ، اللهُ أكبَرُ، وفاءٌ لا غَدرٌ! فنَظَروا فإذا عَمرو بنُ عَبَسةَ، فأرسَل إليه مُعاويةُ فسَأله، فقال: سَمِعتُ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: ((مَن كان بَينَه وبَينَ قَومٍ عَهدٌ فلا يشُدَّ عُقدةً ولا يحُلَّها حتَّى ينقَضي أمَدُها، أو يَنبِذَ إليهم على سَواءٍ)). فرَجَعَ مُعاويةُ . (ومَعنى قَولِه: يَنبِذَ إليهم على سَواءٍ، أي: يُعلِمَهم أنَّه يُريدُ أن يغزوَهم، وأنَّ الصُّلحَ الذي كان بَينَهم قد ارتَفعَ، فيكونُ الفريقانِ في ذلك على السَّواءِ. وفيه دَليلٌ على أنَّ العَهدَ الذي يقَعُ بَينَ المُسلمينَ وبَينَ العَدوِّ ليس بعَقدٍ لازِمٍ لا يجوزُ القِتالُ قَبلَ انقِضاءِ مُدَّتِه، ولكِنْ لا يجوزُ أن يفعلَ ذلك إلَّا بَعدَ الإعلامِ به والإنذارِ فيهـ) . - وعن أبي بَكرٍ الصِّدِّيقِ رَضِيَ اللهُ عنه قال: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن صَلَّى الصُّبحَ فهو في ذِمَّةِ اللهِ، فلا تُخفِروا اللهَ في عَهدِه، فمَن قَتَله طَلبَه اللهُ حتَّى يَكُبَّه في النَّارِ على وَجهِهـ)) . ("في ذِمَّةِ اللهِ" أي: في عَهدِه وأمانِه في الدُّنيا والآخِرةِ، وهذا غَيرُ الأمانِ الذي ثَبَتَ بكلمةِ التَّوحيدِ، "فلا تُخفِروا اللهَ في ذِمَّتِه" قال في النِّهايةِ: خَفرتُ الرَّجُلَ: أجَرتُه وحَفِظتُه. وأخفَرتُ الرَّجُلَ: إذا نَقَضتَ عَهدَه وذِمامَهـ) . - وعن عبدِ اللهِ بنِ عَمرٍو رَضِيَ اللهُ عنهما، أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((أربَعٌ مَن كُنَّ فيه كان منافِقًا خالِصًا، ومن كانت فيه خَصلةٌ منهُنَّ كانت فيه خَصلةٌ من النِّفاقِ حتى يَدَعَها: إذا اؤتُمِنَ خان، وإذا حدَّث كذَب، وإذا عاهَد غدَر، وإذا خاصَم فَجَر)) . - وعن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم قال: ((إذا جَمَعَ اللهُ الأوَّلينَ والآخِرينَ يومَ القيامةِ يُرفعُ لكُلِّ غادِرٍ لواءٌ، فيُقالُ: هذه غَدرةُ فُلانِ بنِ فُلانٍ!)) . قَولُه: ((لكُلِّ غادِرٍ لواءٌ)) قال النَّوويُّ: (مَعناه: لكُلِّ غادِرٍ علامةٌ يُشهَرُ بها في النَّاسِ؛ لأنَّ مَوضوعَ اللِّواءِ الشُّهرةُ مَكانَ الرَّئيسِ علامةً له، وكانت العَرَبُ تَنصِبُ الألويةَ في الأسواقِ الحَفِلةِ لغَدرةِ الغادِرِ؛ لتَشهيرِه بذلك) . وقال القُرطُبيُّ: (هذا خِطابٌ مِنه للعَرَبِ بنَحوِ ما كانت تَفعلُ؛ لأنَّهم كانوا يرفعونَ للوفاءِ رايةً بَيضاءَ، وللغَدرِ رايةً سَوداءَ؛ ليلوموا الغادِرَ ويذمُّوه، فاقتَضى الحَديثُ وُقوعَ مِثلِ ذلك للغادِرِ؛ ليشتَهرَ بصِفتِه في القيامةِ، فيَذُمَّه أهلُ المَوقِفِ) . - عن عائِشةَ رَضِيَ اللهُ عنها قالت: قال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ خَيرَ النَّاسِ الموفونَ المُطَيَّبونَ)) . ((الموفونَ)) بما عاهَدوا عليه. ((المُطَيَّبونَ))، أي: الذين طَيَّب اللهُ أوصافَهم، أو الذين طَيَّبوا أنفُسَهم . - عن إسماعيلَ بنِ إبراهيمَ بنِ عَبدِ اللهِ بنِ أبي رَبيعةَ عن أبيه عن جَدِّه قال: ((استَقرَض منِّي النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أربَعينَ ألفًا، فجاءَه مالٌ فدَفعَه إليَّ، وقال: بارَك اللهُ لك في أهلِك ومالِك، إنَّما جَزاءُ السَّلفِ الحَمدُ والأداءُ)) . - وعن عُبَيدِ اللهِ بنِ عَبدِ اللهِ أنَّ عَبدَ اللهِ بنَ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما أخبَرَه، قال: (أخبَرَني أبو سُفيانَ أنَّ هِرَقلَ قال له: سَألتُك ماذا يأمُرُكم؟ فزَعَمتَ: أنَّه أمرَكم بالصَّلاةِ، والصِّدقِ، والعَفافِ، والوفاءِ بالعَهدِ، وأداءِ الأمانةِ، قال: وهذه صِفةُ نَبيٍّ) .
(1) رواه أبو داود (2759) واللفظ له، والترمذي (1580)، وأحمد (19436) من حديثِ عمرِو بنِ عَبَسةَ رَضِيَ اللهُ عنه. صحَّحه الترمذي، وابن حبان في ((صحيحهـ)) (2759)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (120) والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (2759)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (2759).
(3) رواه ابنُ ماجه (3945)، والضياء في ((الأحاديث المختارة)) (64). صحَّحه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجهـ)) (3945)، وقال المنذري في ((الترغيب والترهيب)) (1/219): رجال إسنادِه رجالُ الصَّحيحِ.
(4) ((تحفة الأحوذي)) للمباركفوري (2/14). ويُنظَر: ((النهاية في غريب الحديث والأثر)) لابن الأثير (2/ 52).