موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ من المُواساةِ عِندَ العُلَماءِ المتقَدِّمين والمتأخِّرين


- الشَّافعيُّ ومواساتُه لعبدِ الرَّحمنِ بنِ مَهديٍّ في ابنٍ له مات:
روى البيهقيُّ أنَّ عبدَ الرَّحمنِ بنَ مهديٍّ مات له ابنٌ فجزع عليه جزَعًا شديدًا حتى امتنع من الطَّعامِ والشَّرابِ، فبلغ ذلك محمَّدَ بنَ إدريسَ الشَّافعيَّ رحمه اللهُ، فكتب إليه: أمَّا بعدُ، فعَزِّ نفسَك بما تعزِّي به غيرَك، ولتستَقبِحْ مِن فِعلِك ما تستقبِحُه من فعلِ غيرِك، واعلَمْ أن أمضى المصائِبِ فَقدُ سُرورٍ مع حرمانِ أجرٍ، فكيف إذا اجتَمَعا على اكتسابِ وِزرٍ؟! وأقولُ:
إني مُعَزيِّك لا أني على طَمَعٍ
من الخلودِ ولكِنْ سُنَّةُ الدِّينِ
فما المُعزَّى بباقٍ بعد صاحِبِه
ولا المُعَزِّي ولو عاشا إلى حينِ [8810] ((مناقب الشافعي)) للبيهقي (2/90). .
- مواساةُ الخليلِ بنِ أحمدَ لمحمَّدِ بنِ مناذرٍ في الحَفاءِ:
قال ابنُ مناذِرٍ: (كنتُ أمشي مع الخليلِ فانَقَطع شِسعُ نعلي، فخَلَع الخليلُ نَعلَه، فقلتُ: ما تصنعُ؟ فقال: أواسيك في الحَفاءِ!). وفي روايةٍ أنَّه قال: (من الجَفاءِ ألَّا أواسيَك في الحَفاءِ!). وهذا بابٌ من حُسنِ الخُلُقِ غَريبٌ [8811] يُنظر: ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان (5/ 137)، ((مجمع الأمثال)) للميداني (1/ 297)، ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (2/ 235). !
- ابنُ أبي ذُهلٍ ومواساتُه الفُقَراءَ بالمالِ:
قال الحاكِمُ: (صَحِبتُه حَضَرًا وسفَرًا، فما رأيتُ أحسَنَ وُضوءًا ولا صلاةً منه، ولا رأيتُ في مشايخِنا أحسَنَ تضرُّعًا وابتهالًا منه. قيل لي: إنَّ عُشرَ غَلَّتِه تبلُغُ ألفَ حِملٍ، وحدَّثني أبو أحمدَ الكاتِبُ أنَّ النُّسخةَ بأسامي من يمونُهم تزيدُ على خمسةِ آلافِ بَيتٍ! وقد عُرِضَت عليه ولاياتٌ جليلةٌ فأبى) [8812] ((تذكرة الحفاظ)) للذهبي (3/ 141). .
- المحَدِّثُ أبو الحُسَينِ أحمدُ بنُ حمزةَ بنِ الموازينيِّ ومواساتُه للفُقَراءِ:
قال الذَّهبيُّ: (كان مُقبِلًا على شأنِه، مُؤثِرًا للعزلةِ، مواسيًا للفُقراءِ) [8813] ((سير أعلام النبلاء)) (21/162). .
- أحمدُ أبو العبَّاسِ الرِّفاعيُّ المغربيُّ ومواساتُه للأرامِلِ والمساكينِ:
قال يعقوبُ بنُ كرازٍ: (كان سيدي أحمدُ إذا قَدِم من سفَرٍ شمَّر وجمَع الحَطَب، ثمَّ يحمِلُه إلى بيوتِ الأرامِلِ والمساكينِ، فكان الفُقراءُ يوافقونه ويحتَطِبون معه، وربَّما كان يملأُ الماءَ للأراملِ ويُؤثِرُهم) [8814] ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (12/605). .
- سيفُ الدِّينِ عَليُّ بنُ أبي عليٍّ التَّغلِبيُّ الآمِديُّ ومواساتُه لطُلَّابِه بما يَقدِرُ:
قال الذَّهبيُّ: (قصَدَه الطُّلابُ من البلادِ، وكان يواسيهم بما يَقدِرُ، ويُفَهِّمُ الطُّلابَ، ويُطَوِّلُ رُوحَه) [8815] ((سير أعلام النبلاء)) (22/364). .
- ابنُ تَيميَّةَ ومواساتُه لأهلِ الحاجةِ:
 كان ابنُ تَيميَّةَ (تأتيه القناطيرُ المُقَنطرةُ من الذَّهَبِ والفِضَّةِ، والخَيلُ المسَوَّمةُ والأنعامُ والحرثُ، فيَهَبُه بأجمعِه، ويضَعُه عِندَ أهلِ الحاجةِ في مَوضِعِه، لا يأخُذُ منه شيئًا إلَّا ليَهبَه، ولا يحفَظُه إلَّا ليُذهِبَه، كُلُّه في سبيلِ البِرِّ) [8816] ((مسالك الأبصار في ممالك الأمصار)) لابن فضل الله العمري (5/ 695). .
- نظامُ الدِّينِ الدَّهلويُّ ومواساتُه للفُقَراءِ:
يقولُ خادِمُ الشَّيخِ نظامِ الدِّينِ الدَّهلويُّ -وكان من رجالِ القرنِ الثَّامِنِ الهِجريِّ-: (إنَّه كان يترُكُ الطَّعامَ المنوَّعَ الفاخِرَ عندَه للتسَحُّرِ، فكان يجتزئُ بلُقَيماتٍ، وأجِدُه في بعضِ الأيَّامِ لم يتناوَلْ منه شيئًا، وكنتُ أراه لا يُفطِرُ إلَّا بما يقيمُ صُلبَه، فقلتُ له يومًا: نفسي فِداك! كيف يحافِظُ سيدي على حياتِه وصحَّتِه مع هذا التَّقليلِ من الغِذاءِ؟! ففاضت عينُه على ذلك وغلَبه البكاءُ، وقال: يا فلانُ، كم من فقيرٍ بائسٍ! وكم من مسافرٍ بات في المساجدِ والطُّرُقاتِ على الطَّوى لم يجِدوا لُقمةً يتقَوَّون بها! فكيف أُسيغُ هذا الطَّعامَ والنَّاسُ يبيتون جِياعًا ويُصبِحون جياعًا؟!) [8817] ((مواساة أم مساواة)) للندوي (ص: 16). .
- الشَّيخُ السَّيدُ محمَّد سعيد الأنبالوي ومواساتُه للمُحتاجين:
وزار أحدُ الأمراءِ الشَّيخَ السَّيِّدَ محمَّد سعيد الأنبالوي -من رجالِ القرنِ الثَّاني عَشَرَ- وقدَّم له ستِّينَ ألفَ روبيَّةً لبناءِ زاويتِه، فأمره الشَّيخُ أن يترُكَ هذا المالَ في مكانٍ ويستريحَ، فانصرف الأميرُ وأرسل الشَّيخُ إلى الفُقَراءِ، وأرسل هذا المالَ إلى الأيامى والمساكينِ وأهلِ الحاجةِ في ضواحي البَلَدِ وفي المدُنِ المجاورةِ، حتَّى لم يبقَ منه فَلسٌ، فلمَّا أتى الأميرُ قال له: لا يبلُغُ الثَّوابُ في بناءِ العِمارةِ ثوابَ خِدمةِ ذوي الحاجةِ والفُقَراءِ الذين أُحصِروا في سبيلِ اللهِ [8818] ((مواساة أم مساواة)) للندوي (ص: 17). .
- حسَنُ بنُ حُسَينِ بنِ محمَّدِ بنِ عبدِ الوهَّابِ يواسي بعضَ إخوانِه:
قال حَسَنُ بنُ حُسينٍ يُعزِّي بعضَ إخوانِه: (مِن حَسَنِ بنِ حُسَينٍ إلى: جمعانَ بنِ ناصرٍ، ومحمَّدِ بنِ المبارَكِ، ومن معهم من الإخوانِ: أيُّها الإخوانُ ألهمكم اللهُ الصَّبرَ والاحتسابَ، وأحسنَ لنا ولكم العزاءَ في المصابِ، والحمدُ للهِ على كُلِّ حالٍ، المأمولُ فيكم الصَّبرُ والاحتسابُ، والتَّعزِّي بعزاءِ اللهِ تعالى؛ فقد قال بعضُ العُلَماءِ: إنَّك لن تجِدَ أهلَ العِلمِ والإيمانِ إلَّا وهم أقلُّ النَّاسِ انزعاجًا عِندَ المصائبِ، وأحسَنُهم طُمَأنينةً، وأقَلُّهم قَلَقًا عِندَ النَّوازِلِ، وما ذاك إلَّا لِمَا أوتوا ممَّا حُرِمَه الجاهِلون) [8819] ينظر ((مجموعة الرسائل والمسائل النجدية)) لبعض علماء نجد (ص: 433). .

انظر أيضا: