موسوعة الأخلاق والسلوك

ثالثًا: الأحاديثُ الوارِدةُ في المُزاحِ من السُّنَّةِ النَّبَويَّةِ


- عن ابنِ عُمَرَ رَضِيَ اللهُ عنهما قال: قال رسولُ اللَّهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنِّي لأمزَحُ ولا أقولُ إلَّا حَقًّا)) .
(قولُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: "إنِّي لأمزَحُ" أي: بالقَولِ، وكذا بالفِعلِ، وتخصيصُه بالأوَّلِ ليس عليه مُعَوَّلٌ. "ولا أقولُ إلَّا حقًّا" لعِصْمَتي عن الزَّلَلِ في القَولِ والعَمَلِ،... وإنَّما كان يمزَحُ؛ لأنَّ النَّاسَ مأمورون بالتَّأسِّي به، والاقتداءِ بهَدْيِه، فلو تَرَك اللَّطافةَ والبَشاشةَ، ولَزِم العُبوسَ والقُطوبَ، لأخذ النَّاسُ من أنفُسِهم بذلك، على ما في مخالفةِ الغريزةِ من المشَقَّةِ والعَناءِ، فمَزَح ليَمزَحوا) .
- عن أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: قالوا: يا رسولَ اللهِ، إنَّك تُداعِبُنا! قال: ((إنِّي لا أقولُ إلَّا حَقًّا)) .
(والمعنى: إنِّي لا أقولُ إلَّا حقًّا حتَّى في مُزاحي؛ فكُلُّ من قَدَر على ذلك يباحُ له، بخِلافِ مَن يُخافُ عليه أن يقَعَ حالَ مَزحِه في الباطِلِ من السُّخريَّةِ والاستهزاءِ، ونحوِ ذلك من الأذى، والكَذِبِ والضَّحِكِ المُفرِطِ المُوجِبِ لقَساوةِ القَلبِ) .
- وعن أنَسِ بنِ مالكٍ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: ((كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أحسَنَ النَّاسِ خُلُقًا، وكان لي أخٌ يُقالُ له أبو عُمَيرٍ -قال: أحسَبُه- فطيمٌ، وكان إذا جاء قال: يا أبا عُمَيرٍ، ما فَعَل النُّغَيرُ؟ نُغَرٌ كان يَلعَبُ به)) .
قال ابنُ حَجَرٍ، وهو يُعَدِّدُ فوائدَ الحديثِ: (وفيه جوازُ الممازَحةِ، وتكريرُ المَزْحِ، وأنَّها إباحةُ سُنَّةٍ لا رُخصةٍ، وأنَّ مُمازحةَ الصَّبيِّ الذي لم يُمَيِّزْ جائزةٌ، وتكريرُ زيارةِ الممزوحِ معه، وفيه تَركُ التَّكبُّرِ والتَّرفُّعِ، والفَرْقُ بَيْنَ كونِ الكبيرِ في الطَّريقِ فيتواقَرُ، أو في البَيتِ فيَمزَحُ) .
-وعن عَوفِ بنِ مالِكٍ الأشجَعيِّ، قال: ((أتيتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في غزوةِ تَبوكَ وهو في قُبَّةٍ من أدَمٍ ، فسلَّمتُ، فرَدَّ وقال: ادخُلْ. فقُلتُ: أكُلِّي يا رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟! قال: كُلُّك!، فدخَلْتُ)) .
(فكان هاهنا المُزاحُ من عَوفِ بنِ مالكٍ، فكما كان رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يمازِحُ أصحابَه، كذلك كان الصَّحابةُ يُمازِحونَه) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه الطبراني (12/391) (13443). صحَّحه الألباني في ((صحيح الجامع)) (2494)، وحسَّن إسنادَه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (8/92).
  2. (2) ((فيض القدير)) (3/13).
  3. (3) أخرجه الترمذي (1990) واللفظ له، وأحمد (8723). صحَّحه الترمذي، والألباني في ((صحيح سنن الترمذي)) (1990)، وحسَّنه البغوي في ((شرح السنة)) (6/547)، وحسَّن إسنادَه الهيثمي في ((مجمع الزوائد)) (9/20)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (8723)، وجوَّده ابن الملقن في ((شرح البخاري)) (24/607).
  4. (4) ((جمع الوسائل في شرح الشمائل)) لملا علي القاري (2/34).
  5. (5) أخرجه البخاري (6203) واللفظ له، ومسلم (2150).
  6. (6) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/584).
  7. (7) أَدَمٍ، بفتحتينِ: الجِلدُ. يُنظَر: ((حاشية السندي على سنن ابن ماجه)) (2/ 496).
  8. (8) أخرجه أبو داود (5000) واللفظ له، وابن ماجه (4042)، وأحمد (23996) مطوَّلًا. صحَّحه ابن حبان في ((صحيحه)) (6675)، وابن دقيق العيد في ((الاقتراح)) (104)، والألباني في ((صحيح سنن أبي داود)) (5000)، وشعيب الأرناؤوط في تخريج ((سنن أبي داود)) (5000). والحديثُ أصلُه في صحيحِ البخاري (3176).
  9. (9) ((بذل المجهود في حل سنن أبي داود)) للسهارنفوري (13/ 401).