موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نَماذِجُ مِن صَبرِ الصَّحابةِ


(عَلَّمَ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أصحابَه كيف يصبرونَ في مُختَلِفِ الأُمورِ وضُروبِها، فقد عَلَّمَهم الصَّبرَ مِن أجلِ هذا الدِّينِ، والتَّضحيةَ في سَبيلِهـ) .
(والصَّحابةُ رَضيَ اللهُ عنهم لهم مَواقِفُ كثيرةٌ جِدًّا، لا يستَطيعُ أحَدٌ أن يحصُرَها؛ لأنَّهم رَضيَ اللهُ عنهم باعوا أنفُسَهم وأموالَهم وحَياتَهم للهِ؛ ابتِغاءَ مَرضاتِه، وخَوفًا مِن عِقابِه، ففازوا بسَعادةِ الدُّنيا والآخِرةِ) . وإليك نماذِجَ من صَبرِهم رَضِيَ اللهُ عنهم:
بلالٌ رَضيَ اللهُ عنه يُعَذَّبُ فيَصبرُ:
فهذا بلالُ بنُ رَباحٍ رَضيَ اللهُ عنه يُعَذَّبُ مِن أجلِ إيمانِه فيصبرُ (فكان أُميَّةُ يُخرِجُه إذا حَمِيَت الظَّهيرةُ فيطرَحُه على ظَهرِه في بَطحاءِ مَكَّةَ، ثُمَّ يأمُرُ بالصَّخرةِ العَظيمةِ فتوضَعُ على صَدرِه، ثُمَّ يقولُ له: لا تَزالُ هَكذا حتَّى تَموتَ أو تَكفُرَ بمُحَمَّدٍ وتَعبُدَ اللَّاتَ والعُزَّى! فيقولُ وهو في ذلك البَلاءِ: أحَدٌ أحَدٌ) .
- وعن عبدِ اللهِ بنِ مسعودٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: (كان أوَّلَ من أظهَرَ إسلامَه سَبعةٌ: رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وأبو بكرٍ، وعَمَّارٌ، وأُمُّه سُمَيَّةُ، وصُهَيبٌ، وبلالٌ، والمِقدادُ؛ فأمَّا رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فمنَعَه اللهُ بعَمِّه أبى طالبٍ، وأمَّا أبو بكرٍ فمَنَعه اللهُ بقومِه، وأمَّا سائِرُهم فأخذَهم المُشرِكون، وألبسوهم أدراعَ الحديدِ، وصَهَروهم في الشَّمسِ، فما منهم من أحدٍ إلَّا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلَّا بلالًا؛ فإنَّه قد هانت عليه نفسُه في اللهِ، وهان على قومِه؛ فأخَذوه فأعطَوه الوِلدانَ فجَعَلوا يطوفون به في شِعابِ مكَّةَ، وهو يقولُ: أَحَدٌ أَحَدٌ) .
أمُّ سُلَيمٍ رَضيَ اللهُ عنها وصَبرُها عِندَ فقدِ ابنِها:
وهذه أمُّ سُلَيمٍ تَصبِرُ عندَ مَوتِ ابنِها وفِلذةِ كَبِدِها؛ فعن أنسٍ رَضيَ اللهُ عنه قال: (مات ابنٌ لأبي طلحةَ من أمِّ سُلَيمٍ، فقالت لأهلِها: لا تُحَدِّثوا أبا طلحةَ بابنِه حتَّى أكونَ أنا أحَدِّثُه، قال: فجاء فقَرَّبت إليه عشاءً، فأكل وشَرِب، فقال: ثمَّ تصَنَّعَت له أحسَنَ ما كان تَصنَّعُ قبلَ ذلك، فوَقَع بها، فلمَّا رأت أنَّه قد شَبِع وأصاب منها، قالت: يا أبا طلحةَ أرأيتَ لو أنَّ قومًا أعاروا عاريَّتَهم أهلَ بَيتٍ، فطَلَبوا عاريَّتَهم، ألهم أن يمنَعوهم؟ قال: لا، قالت: فاحتَسِبِ ابنَك، قال: فغَضِب، وقال: تركْتِني حتَّى تلطَّخْتُ، ثمَّ أخبَرْتِني بابني! فانطلق حتى أتى رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فأخبره بما كان، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بارَك اللهُ لكما في غابِرِ ليلَتِكما) .
صبرُ أسماءَ بنتِ أبي بكرٍ:
عن مَنصورِ بنِ صَفيَّةَ عن أُمِّه قالت: (قيل لابنِ عُمَر: إنَّ أسماءَ في ناحيةِ المَسجِدِ -وذلك حينَ صُلِب ابنُ الزُّبَيرِ- فمال إليها، فقال: إنَّ هذه الجُثَثَ ليست بشَيءٍ، وإنَّما الأرواحُ عِندَ اللهِ؛ فاتَّقي اللهَ واصبري. فقالت: وما يمنَعُني، وقد أهدِيَ رَأسُ يحيى بنِ زَكريَّا إلى بَغيٍّ مِن بَغايا بَني إسرائيلَ!) .
امرَأةٌ مِن أهلِ الجَنَّةِ:
عن عطاءِ بنِ أبي رَباحٍ قال: ((قال لي ابنُ عبَّاسٍ: ألا أريكَ امرأةً من أهلِ الجنَّةِ؟! قلتُ: بلى، قال: هذه المرأةُ السَّوداءُ، أتت النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فقالت: إني أصرَعُ، وإني أتكَشَّفُ، فادعُ اللهَ لي، قال: إن شئتِ صَبرتِ ولكِ الجنَّةُ، وإن شئتِ دعَوتُ اللهَ أن يعافيكِ. فقالت: أصبِرُ، فقالت: إني أتكَشَّفُ، فادعُ اللهَ لي أن لا أتكَشَّفَ، فدعا لها)) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((الأخلاق الإسلامية)) لحسن السعيد (ص: 197).
  2. (2) ((دروس إيمانية في الأخلاق الإسلامية)) لخميس السعيد (ص: 89).
  3. (3) رواه أبو نعيم في ((حلية الأولياء)) (1/148) من حديثِ ابنِ إسحاقَ رحمه اللهُ.
  4. (4) رواه ابنُ ماجه (150) واللفظ له، وأحمد (3832). صحَّحه ابن حبان في ((صحيحهـ)) (7083)، والذهبي في ((تاريخ الإسلام)) (1/217)، وحسَّنه الوادعي في ((الصحيح المسند)) (863)، وصحَّح إسناده أحمد شاكر في تخريج ((مسند أحمد)) (5/319)، وحسَّنه شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (3832).
  5. (5) الغابِرُ: الباقي. يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (5/3).
  6. (6) رواه ابنُ حبان (7188) واللفظ له، وأبو يعلى (3398)، وابن السني في ((عمل اليوم والليلة)) (618). صحَّحه ابن حبان، وحسَّن إسناده شعيب الأرناؤوط في تخريج ((صحيح ابن حبان)) (7188). والحديث أصله في الصحيح رواه البخاري (5470)، ومسلم (2144).
  7. (7) ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (2/ 788)، ((سير أعلام النبلاء)) للذهبي (2/ 294، 295).
  8. (8) رواه البخاري (5652)، ومسلم (2576).