موسوعة الأخلاق والسلوك

هـ- نماذِجُ مِن الإصلاحِ عندَ العُلَماءِ المُعاصِرينَ


مُحمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ وإصلاحُه ما وقَع مِن انحِرافاتٍ في جزيرةِ العربِ:
يقولُ الزِّرِكليُّ: (مُحمَّدُ بنُ عبدِ الوهَّابِ بنِ سُلَيمانَ التَّميميُّ النَّجديُّ، زعيمُ النَّهضةِ الدِّينيَّةِ الإصلاحيَّةِ الحديثةِ في جزيرةِ العربِ، كان ناهِجًا مَنهَجَ السَّلفِ الصَّالِحِ، داعيًا إلى التَّوحيدِ الخالِصِ ونَبذِ البِدَعِ وتحطيمِ ما عَلِق بالإسلامِ مِن أوهامٍ، كانت دعوتُه الشُّعلةَ الأولى لليقظةِ الحديثةِ في العالَمِ الإسلاميِّ كُلِّه، تأثَّر بها رجالُ الإصلاحِ في الهندِ ومِصرَ والعِراقِ والشَّامِ وغَيرِها) [394] يُنظر: ((الأعلام)) (6/256-257). .
جمالُ الدِّينِ القاسِميُّ وجُهودُه الإصلاحيَّةُ بإحياءِ الدَّعوةِ السَّلفيَّةِ في دِمشقَ بَعدَ خُفوتِ العِلمِ وانتِشارِ الجَهلِ:
يقولُ مُحمَّد رشيد رِضا: (ظهَر الشَّيخُ جمالُ الدِّينِ في الشَّامِ على حينِ فَترةٍ مِن العُلَماءِ، فقد كان مَن أدرَك مِن كِبارِ شُيوخِها آخِرَ الذين عُنوا بدِراسةِ الكُتبِ المعهودةِ التي يُطلَقُ على مُدرِّسيها لقبُ عُلَماءَ، على أنَّ العِلمَ الصَّحيحَ -وهو العِلمُ الاستِقلاليُّ المبنيُّ على الدَّليلِ- كان قد حُجِر عليه وحُكِم بتحريمِه مِن عدَّةِ قُرونٍ، فلم يكنْ أحدٌ يشَمُّ رِيحَه ولا يَشيمُ وَميضَه إلَّا قليلًا، وصار النَّاسُ كالخفافيشِ، لا يفتحونَ في هذا النُّورِ عَينًا، ولا يُحيلونَ في شُعاعِه فِكرًا، ظهَر القاسِميُّ وفي دِمشقِ الشَّامِ أفرادٌ ورِثوا عن آبائِهم وأجدادِهم عمائِمَ العُلماءِ وألقابَهم والرَّواتِبَ التي كانوا يأخُذونَها مِن أوقافِ المُسلِمينَ، ولم يَرِثوا عنهم مِن العِلمِ بتلك الكُتبِ شيئًا، فكان مِن أكبَرِ الخُطوبِ عليهم أن يرَوا في الشَّامِ عالِمًا يتصدَّى للتَّدريسِ والتَّصنيفِ، ويُبيِّنُ حاجةَ البلادِ إلى الإصلاحِ والتَّجديدِ، فماذا يعمَلُ العالِمُ المُصلِحُ بَينَهم؟ إذا كان عَملُ القاسِميِّ للإصلاحِ وتجديدِ عُلومِ الدِّينِ صغيرًا في نَفسِه، فهو كبيرٌ جدًّا في بلادِه وبَينَ قومِه، فما القولُ فيه إذا كان عَملُه كبيرًا في الواقِعِ، وقد عظُم المطلوبُ وقلَّ المُساعِدُ؟!) [395] يُنظر: ((مجلة المنار)) (17/ 559، 560) .
ابنُ باديسَ وإصلاحُه بمُحارَبةِ البِدَعِ المُنتشِرةِ بغَلبةِ النَّزعةِ الصُّوفيَّةِ على البلادِ:
يقولُ مالِكُ بنُ نبيٍّ: (أمَّا ابنُ باديسَ فقد جاء في فَترةٍ جَدَّدَت فيها النَّزعةُ الصُّوفيَّةُ «المُرابطيَّةُ أو الطُّرُقيَّةُ» دَورةَ المُرابِطينَ، وهنا موضِعُ الخُطورةِ؛ ذلك أنَّ الحَلْقةَ لم تُستأنَفْ بالفِقهِ والرِّباطِ، بل بالتَّميمةِ والزَّاويةِ، ولم يستطِعِ المُصلِحُ الجزائِريُّ أن يطمَحَ إلى تأسيسِ إمبراطوريَّةٍ تُحرِّرُ الضَّميرَ، لقد تغيَّر الزَّمانُ؛ فالاستِعمارُ والقابِليَّةُ للاستِعمارِ غيَّرا كُلَّ المُعطياتِ في الجزائِرِ، كما فعلا ذلك في سائِرِ العالَمِ الإسلاميِّ، كانت الظُّروفُ تقتضي الرُّجوعَ في الإصلاحِ إلى السَّلفِ أدراجًا؛ إذ لم يكنِ القيامُ بأيِّ عَملٍ في النِّظامِ السِّياسيِّ أو الاجتِماعيِّ مُمكِنًا قَبلَ تحريرِ الضَّمائِرِ، وكُلُّ مَذهَبِ الإصلاحِ الجزائِريِّ الذي تجِدُه في ابنِ باديسَ كان لا بُدَّ أن يصدُرَ عن هذه الضَّرورةِ أو عن هذه المُقتضَياتِ الخاصَّةِ) [396] ((آثار ابن باديس)) (1/11). .
مُحمَّد البشير الإبراهيميُّ وسَعيُه في الإصلاحِ الدِّينيِّ والاجتماعيِّ في الجزائِرِ:
كان البشيرُ الإبراهيميُّ قد نذَر حياتَه للإصلاحِ الدِّينيِّ والاجتِماعيِّ وتكوينِ الرِّجالِ القادِرينَ على حمايةِ إسلامِ الجزائِرِ وعُروبتِها. وقد أكَّد ذلك في آخِرِ حياتِه بقولِه: (لم يتَّسِعْ وقتي للتَّأليفِ والكتابةِ معَ هذه الجُهودِ التي تأكلُ الأعمارَ أكلًا، ولكنَّني أتسلَّى بأنَّني ألَّفْتُ للشَّعبِ رجالًا، وعمِلْتُ لتحريرِ عُقولِه تمهيدًا لتحريرِ أجسادِه، وصحَّحْتُ له دينَه ولُغتَه، فأصبَح مُسلِمًا عربيًّا، وصحَّحْتُ له موازينَ إدراكِه، فأصبَح إنسانًا أبيًّا، وحَسبي هذا مُقرِّبًا مِن رِضا الرَّبِّ ورِضا الشَّعبِ) [397] ((آثار الإمام محمد البشير الإبراهيمي)) (5/288). .

انظر أيضا: