موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ مِن الزُّهدِ عندَ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم


مِن صُورِ زُهدِ الصَّحابةِ رضِي اللهُ عنهم فيما في أيدي النَّاسِ:
1- عن أنسٍ رضِي اللهُ عنه، قال: ((قدِم عبدُ الرَّحمنِ بنُ عَوفٍ المدينةَ، فآخى النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَينَه وبَينَ سَعدِ بنِ الرَّبيعِ الأنصاريِّ، فعرَض عليه أن يُناصِفَه أهلَه ومالَه، فقال عبدُ الرَّحمنِ: بارَك اللهُ لك في أهلِك ومالِك، دُلَّني على السُّوقِ، فربِح شيئًا مِن أَقِطٍ وسَمنٍ، فرآه النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم بَعدَ أيَّامٍ وعليه وَضَرٌ مِن صُفرةٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَهْيَمْ يا عبدَ الرَّحمنِ؟! قال: يا رسولَ اللهِ، تزوَّجْتُ امرأةً مِن الأنصارِ، قال: فما سُقْتَ فيها؟ فقال: وَزنَ نَواةٍ مِن ذَهبٍ، فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: أولِمْ ولو بشاةٍ)) .
 (وفي الحديثِ أيضًا مَنقَبةٌ... لعبدِ الرَّحمنِ بنِ عَوفٍ في تنزُّهِه عن شيءٍ يستلزِمُ الحياءُ والمُروءةُ اجتنابَه ولو كان مُحتاجًا إليه...
وفيه استِحبابُ التَّكسُّبِ وأنْ لا نَقصَ على مَن يتعاطى مِن ذلك ما يليقُ بمُروءةِ مِثلِه، وكراهةُ قَبولِ ما يُتوقَّعُ منه الذُّلُّ مِن هبةٍ وغَيرِها، وأنَّ العيشَ مِن عَملِ المرءِ بتِجارةٍ أو حِرفةٍ أَولى لنَزاهةِ الأخلاقِ مِن العَيشِ بالهبةِ ونَحوِها) .
2- عن عامِرِ بنِ سَعدٍ قال: ((كان سَعدُ بنُ أبي وقَّاصٍ في إبلِه، فجاءه ابنُه عُمرُ، فلمَّا رآه سَعدٌ قال: أعوذُ باللهِ مِن شرِّ هذا الرَّاكِبِ، فنزَل، فقال له: أنَزَلْتَ في إبلِك وغَنمِك، وتركْتَ النَّاسَ يتنازَعونَ المُلكَ بَينَهم؟ فضرَب سَعدٌ في صَدرِه، فقال: اسكُتْ! سمعْتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يقولُ: إنَّ اللهَ يُحِبُّ العبدَ التَّقيَّ الغَنيَّ الخَفيَّ)) ، أي: غنيُّ القلبِ، مُستغنٍ باللهِ عن الخَلقِ، ويُؤثِرُ العُزلةَ استِئناسًا باللهِ تعالى .
3- عن أبي هُرَيرةَ رضِي اللهُ عنه: ((أنَّه مرَّ بقومٍ بَينَ أيديهم شاةٌ مَصليَّةٌ ، فدعوه، فأبى أن يأكُلَ، وقال: خرَج رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِن الدُّنيا ولم يشبَعْ مِن خُبزِ الشَّعيرِ!)) .
قال ابنُ القيِّمِ: (لمَّا رأى نَصارى الشَّامِ الصَّحابةَ، وشاهَدوا هَديَهم وسيرتَهم وزُهدَهم في الدُّنيا، ورَغبتَهم في الآخِرةِ، قالوا: ما الذين صَحِبوا المسيحَ بأفضَلَ مِن هؤلاء!) .
4- كما كان الصَّحابةُ يَسعَونَ في طَلبِ الرِّزقِ، ويأكُلونَ مِن عَملِ أيديهم؛ ليَستَغنوا بذلك عمَّا في أيدي النَّاسِ، ولا يكونوا عالةً ولا كَلًّا على غَيرِهم .
ومِن ذلك قولُ عائِشةَ رضِي اللهُ عنها: (كان أصحابُ رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عُمَّالَ أنفُسِهم) .
ولمَّا استُخلِف أبو بكرٍ الصِّدِّيقُ قال: (لقد عَلِم قومي أنَّ حِرفتي لم تكنْ تَعجِزُ عن مَؤونةِ أهلي) .

انظر أيضا:

  1. (1) أخرجه البخاري (3937).
  2. (2) ((فتح الباري)) لابن حجر (9/ 235).
  3. (3) أخرجه مسلم (2965)
  4. (4) ((الكاشف)) للطيبي (10/ 3327).
  5. (5) مَصْليَّةٌ، أي: مَشويَّةٌ. يُنظر: ))فتح الباري)) لابن حجر (9/ 550).
  6. (6) أخرجه البخاري (5414).
  7. (7) ((جامع البيان)) لابن جرير الطبري (12/ 384).
  8. (8) ((شرح البخاري)) لابن بطال (10/ 113).
  9. (9) أخرجه البخاري (2071).
  10. (10) أخرجه البخاري (2070).