موسوعة الأخلاق والسلوك

د- نماذِجُ مِن رِفقِ السَّلَفِ


- عن هشامِ بنِ عُروةَ قال: (كان عليُّ بنُ حُسَينٍ يخرُجُ على راحلتِه إلى مكَّةَ ويرجِعُ لا يَقرَعُها) .
- عن عبدِ اللهِ بنِ طاهِرٍ، قال: (كنتُ عِندَ المأمونِ ثانيَ اثنينِ، فنادى: يا غلامُ، يا غلامُ، بأعلى صوتِه، فدخَل غُلامٌ تُركيٌّ، فقال: ألا ينبغي للغلامِ أن يأكُلَ أو يشرَبَ، أو يتوضَّأَ أو يصَلِّيَ؟! كلَّما خرَجْنا من عندِك تصيحُ: يا غلامُ، يا غُلامُ! إلى كم يا غلامُ؟! فنَكَّس رأسَه طويلًا، فما شكَكْتُ أنَّه يأمُرُني بضَربِ عُنُقِه! فقال: يا عبدَ اللَّهِ، إنَّ الرَّجُلَ إذا حَسُنَت أخلاقُه ساءت أخلاقُ خَدَمِه، وإذا ساءت أخلاقُه حَسُنَت أخلاقُ خَدَمِه، فلا نستطيعُ أن نسيءَ أخلاقَنا لتَحسُنَ أخلاقُ خَدَمِنا!) .
- وعن ثابتٍ البُنانيِّ، أنَّ صِلةَ بنَ أشيَمَ وأصحابَه مَرَّ بهم فتًى يجُرُّ ذيلَه، فهمَّ أصحابُ صِلةَ أن يأخُذوه بألسِنَتِهم أخذًا شديدًا، فقال صِلةُ: دعوه أكْفِكم أمرَه، فقال له: يا ابنَ أخي، لي إليك حاجةٌ، قال: وما حاجتُك؟ قال: أحِبُّ أن ترفَعَ من إزارِك، قال: نَعَمْ، ونُعمةَ عَينٍ! فرفع إزارَه، فقال صِلةُ لأصحابِه: كان هذا أمثَلَ ممَّا أرَدْتُم، لو شتَمْتُموه وآذيتُموه شتَمَكم .
- وعن عُمارةَ قال: (حضَرْتُ الحَسَنَ ودُعِيَ إلى عُرسٍ، فجيءَ بجامٍ من فضَّةٍ، عليه خَبيصٌ أو طعامٌ، فتناوله، فقَلَبه على رغيفٍ فأصاب منه، فقال رجلٌ إلى جانبي: هذا نهيٌ في سُكونٍ!) .
قال ابنُ أبي حاتمٍ: سَمِعتُ أبا زُرعةَ يقولُ: (أتيتُ محمَّدَ بنَ عائذٍ، وكان رجلًا جافيًا، ومعي جماعةٌ، فرفع صوتَه فقال: من أين أنتم؟ قُلنا: من بُلدانٍ مختلفةٍ؛ من خُراسانَ، من الرَّيِّ، من كذا وكذا، قال: أنتم أمثلُ من أهلِ العراقِ، قال: ما تريدون؟ ورفَعَ صوتَه، قُلْنا: شيئًا من حديثِ يحيى بنِ حمزةَ، فلم أزَلْ أرفُقُ به وأداريه حتَّى حدَّثَني بما معي، ثمَّ قال: خُذِ الكتابَ فانظُرْ فيه، فأعطاني كتابَه فنظَرْتُ فيه وكتبتُ منه أحاديثَ، ثمَّ قال: خُذِ الكتابَ فاذهَبْ معك! قال أبو زُرعةَ: فدعوتُ له وشكَرْتُه على ما فعل، قلتُ: أنا أجِلُّ كتابَك عن حَملِه! وأنا أصيبُ نُسخةَ هذا عِندَ أصحابِنا، فذهَبتُ فأخَذْتُ من بعضِ أصحابِ الحديثِ، فنسَختُه على الوَجهِ، وسألتُه كتابَ الهيثمِ بنِ حُمَيدٍ، فأخرج إليَّ جُزءًا عن الهيثمِ بنِ حُميدٍ، وكان عِندَ هشامِ بنِ عَمَّارٍ عن الهيثَمِ بنِ حُميدٍ شيءٌ يسيرٌ، فأخرج هو جزءًا عن الهيثمِ فاستغنَمْتُه وكتَبْتُه على الوجهِ، وسألتُه كتابَ الفِتَنِ عن الوليدِ بنِ مُسلمٍ، فأجابني، وتعجَّب الدِّمَشقيُّون ممَّا يفعَلُ بي، ونسَخْتُ كتابَ الفِتَنِ، فأتيتُه مع رُفقائي، فقال: إنَّما أجَبْتُك ولم أُجِبْ هؤلاء، فلم أزَلْ أرفُقُ به وأُداريه حتَّى حدَّثنا به وسَمِعوا معي) .

انظر أيضا:

  1. (1) ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (7/ 214).
  2. (2) يُنظَر: ((ربيع الأبرار)) للزمخشري (3/ 351)، ((التذكرة الحمدونية)) لابن حمدون (2/ 240).
  3. (3) نُعمةُ العَيِن: قُرَّتُها. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (5/ 2044).
  4. (4) ((الطبقات الكبير)) لابن سعد (9/ 135)، ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) لابن أبي الدنيا (48).
  5. (5) الجامُ: إناءٌ من فضَّةٍ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (31/ 429).
  6. (6) الخَبيصُ: الحلواءُ المخبوصةُ (المخلوطةُ). يُنظَر: ((لسان العرب)) لابن منظور (7/ 20).
  7. (7) ((الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)) للخلال (ص: 26).
  8. (8) ((الجرح والتعديل)) (1/ 343).