موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- نماذِجُ مِن رِفقِ الصَّحابةِ رَضِيَ الله عنهم


- رِفقُ عُمَرَ بنِ الخطَّابِ رَضِيَ الله عنه:
- عن زَيدِ بنِ وَهبٍ قال: (خرج عُمَرُ رَضِيَ الله عنه ويداه في أذُنَيه وهو يقولُ: يا لَبَّيكاه يا لَبَّيكاه! قال النَّاسُ: ما له؟ قال: جاءه بريدٌ من بعضِ أُمَرائِه أنَّ نهرًا حال بَيْنَهم وبين العُبورِ ولم يجِدوا سُفُنًا، فقال أميرُهم: اطلُبوا لنا رجلًا يعلَمُ غَورَ الماءِ. فأُتِيَ بشيخٍ فقال: إني أخافُ البردَ، وذاك في البردِ، فأكرَهَه فأدخَلَه، فلم يُلبِثْه البَرْدُ، فجعل ينادي: يا عُمَراه يا عُمَراه! فغَرِق، فكَتَب إليه فأقبَلَ، فمكَث أيَّامًا مُعرِضًا عنه، وكان إذا وجَد على أحدٍ منهم فَعَل به ذلك، ثمَّ قال: ما فعل الرَّجُلُ الذي قتَلْتَه؟ قال: يا أميرَ المُؤمِنين، ما تعمَّدْتُ قتْلَه، لم نجِدْ شيئًا يُعبَرُ فيه، وأردنا أن نعلَمَ غورَ الماءِ، ففتَحْنا كذا وكذا، وأصَبْنا كذا وكذا، فقال عُمَرُ رَضِيَ اللهُ عنه: لَرجُلٌ مُسلمٌ أحَبُّ إليَّ من كُلِّ شيءٍ جئتَ به! لولا أن تكونَ سُنَّةً لضرَبْتُ عُنُقَك، اذهَبْ فأعطِ أهلَه ديتَه، واخرُجْ فلا أراك) .
- وعن زيد بن أسلم، عن أبيه، قال: (خرَجْتُ مع عُمَرَ بنِ الخَطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه إلى السُّوقِ، فلَحِقَت عمَرَ امرأةٌ شابَّةٌ، فقالت: يا أميرَ المؤمنين، هلك زوجي وترَك صِبيةً صِغارًا، واللهِ ما يُنضِجون كُراعًا ، ولا لهم زَرعٌ ولا ضرعٌ، وخَشِيتُ أن تأكُلَهم الضَّبُعُ، وأنا بنتُ خُفافِ بنِ إيماءَ الغِفاريِّ، وقد شَهِد أبي الحُدَيبيةَ مع النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم. فوقف معها عُمَرُ ولم يَمضِ، ثمَّ قال: مرحبًا بنَسَبٍ قريبٍ، ثمَّ انصرف إلى بعيرٍ ظهيرٍ كان مربوطًا في الدَّارِ، فحمل عليه غِرارتينِ ملأهما طعامًا، وحمل بينهما نفقةً وثيابًا، ثمَّ ناولها بخِطامِه، ثمَّ قال: اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيَكم اللهُ بخيرٍ، فقال رجلٌ: يا أميرَ المؤمنين، أكثَرْتَ لها! قال عُمَرُ: ثَكِلَتْك أمُّك! واللهِ إني لأرى أبا هذه وأخاها قد حاصرا حِصنًا زمانًا فافتَتَحاه، ثمَّ أصبَحْنا نستفيءُ سُهْمانَهما فيه) .
- وكان عُمَرُ بنُ الخطَّابِ رَضِيَ اللهُ عنه يذهَبُ إلى العوالي كُلَّ يومِ سَبتٍ، فإذا وجَد عبدًا في عمَلٍ لا يطيقُه وَضَع عنه منه .
- رِفقُ أبي الدَّرداءِ:
عن أبي قِلابةَ (أنَّ أبا الدَّرداءِ مَرَّ على رجُلٍ قد أصاب ذنبًا، فكانوا يسبُّونَه، فقال: أرأيتُم لو وجَدتُموه في قَليبٍ، ألم تكونوا مُستخرِجيه؟ قالوا: بلى، قال: فلا تَسُبُّوا أخاكم، واحمَدوا اللهَ الذي عافاكم، قالوا: أفلا تُبغِضُه؟ قال: إنَّما أبغِضُ عَمَلَه، فإذا تركَه فهو أخي) .

انظر أيضا:

  1. (1) الغَورُ من كُلِّ شيءٍ: قَعرُه. يُنظَر: ((المصباح المنير في غريب الشرح الكبير)) للفيومي (2/ 456).
  2. (2) رواه البيهقي (18010). جوَّد إسناده وقوَّاه ابنُ كثير في ((مسند الفاروق)) (2/448).
  3. (3) الكُراعُ في الغَنَمِ والبقَرِ بمنزلةِ الوظيفِ في الفَرَسِ والبعيرِ، وهو مُستدَقُّ السَّاقِ. يُنظَر: ((الصحاح)) للجوهري (3/1275).
  4. (4) بعيرٍ ظهيرٍ، أي: قويٍّ. يُنظَر: ((فتح الباري)) لابن حجر (1/152).
  5. (5) مُثَنَّى غِرارةٍ، وهي ما يوضَعُ فيها الشَّيءُ من التِّبنِ وغيرِه. يُنظَر: ((عون المعبود)) للعظيم آبادي (8/147).
  6. (6) نستفيءُ: مِن استفأتُ هذا المالَ، أي: أخذتُه فَيئًا، أي: نَطلُبُ الفَيءَ مِن سُهمانِهما. يُنظَر: ((عمدة القاري)) لبدر الدين العيني (17/219).
  7. (7) رواه البخاري (4160، 4161).
  8. (8) رواه مالك (2/980).
  9. (9) رواه معمر بن راشد في ((الجامع)) (11/ 180)، وأبو داود في ((الزهد)) (232).