موسوعة الأخلاق والسلوك

ج- من أقوالِ السَّلَفِ والعُلَماءِ


- (بلغ عُمَرَ رَضِيَ الله عنه عن بعضِ عُمَّالِه شيءٌ، فجمعهم فخطَبهم، فقال: أيَّتُها الرَّعيَّةُ، إنَّ للرُّعاةِ عليكم حقًّا: المناصحةُ بالغيبِ، والمعاونةُ على الخيرِ، ألا وإنَّه ليس شيءٌ أحَبَّ إلى اللهِ من حِلمِ إمامٍ عادلٍ ورِفقِه، ولا جَهلَ أبغَضُ إلى اللهِ مِن جَهلِ إمامٍ جائرٍ وخُرْقِه، ومن يأخُذْ بالعافيةِ فيمن بَيْنَ ظَهْرَيه يُعطَ العافيةَ ممَّن فوقَهـ) .
- ورُوِيَ أنَّ عَمرَو بنَ العاصِ كتب إلى معاويةَ يعاتِبُه في التَّأنِّي فكتَب إليه معاويةُ: (أمَّا بعدُ؛ فإنَّ التَّفهُّمَ في الخبَرِ زيادةُ رُشدٍ، وإنَّ الرَّاشِدَ مَن رَشَد عن العجَلةِ، وإنَّ الخائِبَ من خاب عن الأناةِ، وإنَّ المتثَبِّتَ مصيبٌ، أو كاد أن يكونَ مصيبًا، وإنَّ العَجِلَ مُخطِئٌ أو كاد أن يكونَ مُخطِئًا، وإنَّ من لا ينفَعُه الرِّفْقُ يضُرُّه الخُرقُ ، ومَن لا ينفَعُه التَّجارِبُ لا يُدرِكُ المعالي) .
- وعن مُعاويةَ رَضِيَ اللهُ عنه، قال: (من وَلَّيناه شيئًا من أمورِنا فليجعَلِ الرِّفْقَ بَيْنَ الأمانةِ والعَدلِ) .
- وعن عُروةَ بنِ الزُّبَيرِ قال: (كان يُقالُ: الرِّفْقُ رأسُ الحِكمةِ) .
- قال وَهبُ بنُ مَنبِّهٍ: (الرِّفْقُ ثِنيُ الحِلمِ) .
- وعن قيسِ بنِ أبي حازمٍ قال: كان يُقالُ: (الرِّفْقُ يُمنٌ، والخُرقُ شُؤمٌ) .
- وعن حبيبِ بنِ حُجرٍ القَيسيِّ قال: (كان يُقالُ: ما أحسَنَ الإيمانَ يَزينُه العِلمُ! وما أحسَنَ العِلمَ يَزينُه العَمَلُ! وما أحسَنَ العَمَلَ يزينُه الرِّفْقُ!) .
- وقال أبو حاتمِ بنُ حِبَّانَ: (الواجِبُ على العاقِلِ لُزومُ الرِّفْقِ في الأمورِ كُلِّها، وتَركُ العَجَلةِ والخِفَّةِ فيها؛ إذ اللهُ تعالى يحِبُّ الرِّفْقَ في الأمورِ كُلِّها، ومَن مُنِع الرِّفْقَ مُنِع الخيرَ، كما أنَّ من أُعطيَ الرِّفْقَ أُعطيَ الخَيرَ، ولا يكادُ المرءُ يتمكَّنُ مِن بُغيتِه في سُلوكِ قَصدِه في شيءٍ من الأشياءِ على حسَبِ الذي يحِبُّ، إلَّا بمقارنةِ الرِّفْقِ ومفارقةِ العَجَلةِ) .
- وقال أيضًا: (العاقِلُ يَلزَمُ الرِّفْقَ في الأوقاتِ، والاعتدالَ في الحالاتِ؛ لأنَّ الزِّيادةَ على المقدارِ في المبتغى عيبٌ، كما أنَّ النُّقصانَ فيما يجِبُ من المطلَبِ عَجزٌ، وما لم يصلِحْه الرِّفْقُ لم يُصلِحْه العُنفُ، ولا دليلَ أمهرُ مِن رِفقٍ، كما لا ظهيرَ أوثَقُ من العَقلِ، ومن الرِّفْقِ يكونُ الاحترازُ، وفي الاحترازِ تُرجى السَّلامةُ، وفي تركِ الرِّفْقِ يكونُ الخُرقُ، وفي لزومِ الخُرقِ تخافُ الهَلَكةُ) .
- وأوصى عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ واليًا، فقال: (عليك بتقوى اللَّهِ؛ فإنَّها جِماعُ الدُّنيا والآخرةِ، واجعَلْ رعيَّتَك الكبيرَ منهم كالوالِدِ، والوَسَطَ كالأخِ، والصَّغيرَ كالوَلَدِ؛ فبَرَّ والِدَك، وصِلْ أخاك، وتلطَّفْ بولَدِك) .
- وقال عُمَرُ بنُ عبدِ العزيزِ أيضًا: (أحَبُّ الأمورِ إلى اللَّهِ ثلاثةٌ: العَفْوُ في القُدرةِ، والقَصدُ في الجِدَةِ، والرِّفقُ في العِبادةِ، وما رَفَق أحدٌ بأحَدٍ في الدُّنيا إلَّا رَفَق اللَّهُ به يومَ القيامةِ) .
- قال أحمدُ بنُ حنبَلٍ: (النَّاسُ محتاجون إلى مداراةٍ ورِفقٍ، الأمرُ بالمعروفِ بلا غلظةٍ إلَّا رجُلًا معلنًا بالفِسقِ، فلا حُرمةَ لهـ) .
- وقال الجاحِظُ: (أنظَرُ النَّاسِ في العاقبةِ مَن لَطَف حتَّى كَفَّ حَربَ عَدُوِّه بالصَّفحِ والتَّجاوُزِ، واستَلَّ حِقدَه بالرِّفقِ والتَّحَبُّبِ) .
- وقال الأصمَعيُّ: (إذا كانت في العالمِ خِصالٌ أربَعُ، وفي المتعلِّمِ خِصالٌ أربَعُ اتَّفق أمرُهما وتمَّ، فإن نقَصت من واحدٍ منهما خَصلةٌ لم يتِمَّ أمرُهما؛ أمَّا اللَّواتي في العالِمِ فالعَقلُ، والصَّبرُ، والرِّفْقُ، والبَذلُ، وأمَّا اللَّواتي في المتعلِّمِ فالحِرصُ، والفراغُ، والحِفظُ، والعقلُ؛ لأنَّ العالمَ إن لم يُحسِنْ تدبيرَ المتعَلِّمِ بعقلِه خُلِط عليه أمرُه، وإن لم يكُنْ له صبرٌ عليه مَلَّه، وإن لم يرفُقْ به بغَّض إليه العِلمَ، وإن لم يبذُلْ له عِلمَه لم ينتفِعْ به، وأمَّا المتعَلِّمُ فإن لم يكُنْ له عقلٌ لم يفهَمْ، وإن لم يكُنْ له حرصٌ لم يتعلَّمْ، وإن لم يُفرِّغْ للعِلمِ قَلبَه لم يَعقِلْ عن مُعَلِّمِه، وساء حفظُه، وإذا ساء حفظُه كان ما يكونُ بَيْنَهما مِثلَ الكتابِ على الماءِ) .
- وقال أبو حامدٍ الغزاليُّ: (الرِّفْقُ محمودٌ، ويضادُّه العنفُ والحِدَّةُ، والعُنفُ نتيجةُ الغَضَبِ والفظاظةِ، والرِّفْقُ واللِّينُ نتيجةُ حُسنِ الخُلقِ والسَّلامةِ، وقد يكونُ سَبَبُ الحِدَّةِ الغَضَبَ، وقد يكونُ سببُها شِدَّةَ الحرصِ واستيلاءه بحيث يدهشُ عن التَّفكُّرِ، ويمنعُ من التَّثبُّتِ؛ فالرِّفْقُ في الأمورِ ثمَرةٌ لا يثمِرُها إلَّا حُسنُ الخُلُقِ، ولا يَحسُنُ الخُلُقُ إلَّا بضبطِ قُوَّةِ الغضبِ وقوَّةِ الشَّهوةِ، وحِفظِهما على حَدِّ الاعتدالِ؛ ولأجلِ هذا أثنى رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم على الرِّفْقِ وبالَغ فيهـ) .
- وقال ابنُ القَيِّمِ: (مَن رَفَق بعبادِ اللهِ رَفَق اللهُ به، ومن رَحِمهم رَحِمه، ومن أحسَن إليهم أحسَن إليه، ومن جاد عليهم جاد اللهُ عليه، ومن نفَعَهم نفَعَه، ومن ستَرَهم ستَرَه، ومن منَعَهم خيرَه منعَه خيرَه، ومن عامل خلْقَه بصفةٍ عاملَه اللهُ بتلك الصِّفةِ بعينِها في الدُّنيا والآخرةِ؛ فاللهُ تعالى لعبدِه حَسَبَ ما يكونُ العبدُ لخَلقِهـ) .
- وقال ابنُ حَجَرٍ: (لا يتعمَّقُ أحدٌ في الأعمالِ الدِّينيَّةِ ويترُكُ الرِّفْقَ، إلَّا عَجَز وانقطع فيُغلَبُ) .
- وقال ابنُ بازٍ: (هذا العَصرُ عَصرُ الرِّفْقِ والصَّبرِ والحِكمةِ، وليس عَصرَ الشِّدَّةِ. النَّاسُ أكثرُهم في جهلٍ، في غفلةٍ، إيثارٍ للدُّنيا، فلا بُدَّ من الصَّبرِ، ولا بُدَّ من الرِّفْقِ؛ حتَّى تَصِلَ الدَّعوةُ، وحتَّى يُبلَّغَ النَّاسُ وحتَّى يَعلَموا. ونسألُ اللهَ للجميعِ الهدايةَ) .

انظر أيضا:

  1. (1) رواه وكيع في ((الزهد)) (419)، وابن شبة في ((تاريخ المدينة)) (2/774) واللفظ له، والطبري في ((التاريخ)) (2/578).
  2. (2) الخُرقُ ضِدُّ الرِّفقِ. يُنظَر: ((تاج العروس)) للزبيدي (25/ 228).
  3. (3) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/186).
  4. (4) ((البصائر والذخائر)) لأبي حيان التوحيدي (7/ 18).
  5. (5) رواه أحمد في ((الزهد)) (274)، وابن أبي شيبة (25817)، ووكيع في ((الزهد)) (458).
  6. (6) في ((ربيع الأبرار ونصوص الأخيار)) للزمخشري (2/ 234) (سفيانُ بنُ عُيَينةَ: سمِعتُ ابنَ أختِ وَهبٍ يقولُ: الرِّفقُ بُنَيُّ الحِلمِ). اهـ.  ومعنى بُنَيُّ: مِثلُ. كما قيل: يا سعدُ يا ابنَ عَمَلي يا سَعدُ. أراد بقولِه "يا ابنَ عَمَلي" يا مَن يعمَلُ مِثلَ عَمَلي. يُنظَر: ((مجمع الأمثال)) للميداني (1/ 311).
  7. (7) ((إحياء علوم الدين)) للغزالي (3/186).
  8. (8) رواه هناد ((الزهد)) (2/654).
  9. (9) رواه ابنُ المبارك في ((الزهد)) (1336)، وأبو بكر الدينوري في ((المجالسة وجواهر العلم)) (798) مطوَّلًا.
  10. (10) ((روضة العقلاء)) لابن حبان (ص: 215).
  11. (11) ((روضة العقلاء)) لابن حبان (ص: 216).
  12. (12) ((محاضرات الأدباء)) للراغب الأصفهاني (1/ 211).
  13. (13) ((روضة العقلاء ونزهة الفضلاء)) لابن حبان (ص: 167).
  14. (14) ((جامع العلوم والحكم)) لابن رجب الحنبلي (2/ 256).
  15. (15) ((العقد الفريد)) لابن عبد ربه (4/ 326).
  16. (16) ((الجامع لأخلاق الراوي وآداب السامع)) للخطيب البغدادي (1/ 343، 344).
  17. (17) ((إحياء علوم الدين)) (3/ 184، 185).
  18. (18) ((الوابل الصيب)) لابن القيم (ص: 35).
  19. (19) ((فتح الباري)) لابن حجر (1/94).
  20. (20) ((مجموع فتاوى ابن باز)) (8/ 376).