موسوعة الأخلاق

حُكم التقليد


يتحدد حكم من قلد غيره، وصار إمعة له بحسب ما يتابع غيره عليه، إن كان كفرًا كان تقليده له كفرًا- إذا تحققت الشروط وانتفت الموانع- وإن كان بدعة صار فعله بدعة، وإن كان فسقًا كان فعله فسقًا وهكذا.
ويخرج مِن هذا الحكم ما يلي:
1- متابعة النَّبي صلى الله عليه وسلم فقد أمر الله تعالى بمتابعته [4846] لقد جاءت النُّصوص الكثيرة تأمر باتِّباع النَّبي صلى الله عليه وسلم . ومِن ذلك قوله تعالى: اتَّبِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكُم مِّن رَّبِّكُمْ وَلاَ تَتَّبِعُواْ مِن دُونِهِ أَوْلِيَاء قَلِيلاً مَّا تَذَكَّرُونَ *الأعراف: 3*، والمراد بـمَا أُنزِلَ إِلَيْكُم هو القرآن والسُّنَّة المبيِّنة له، لا آراء الرِّجال.           وقال تعالى: وَأَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَاحْذَرُواْ فَإِن تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُواْ أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاَغُ الْمُبِينُ *المائدة: 92*.      والآيات في وجوب اتِّباع النَّبي صلى الله عليه وسلم كثيرة، ولا يسلم دين العبد إلَّا بذلك. ولا يعدُّ هذا من التقليد.
2- تقليد العامِّي للعلماء فيما يحتاج إليه مِن أمور دينه؛ لأنَّه لا يستطيع البحث ومعرفة الحكم بدليله [4847] قال الشنقيطي: (أما التَّقليد الجائز الذي لا يكاد يخالف فيه أحد من المسلمين، فهو تقليد العامِّي عالمًا أهلًا للفتيا في نازلة نزلت به، وهذا النَّوع من التَّقليد كان شائعًا في زمن النَّبي صلى الله عليه وسلم ولا خلاف فيه. فقد كان العامِّي، يسأل من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، عن حكم النَّازلة تنزل به، فيفتيه، فيعمل بفتياه. وإذا نزلت به نازلة أخرى لم يرتبط بالصَّحابي الذي أفتاه أوَّلًا، بل يسأل عنها من شاء من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم يعمل بفتياه. قال القرافي: انعقد الإجماع على أنَّ من أسلم فله أن يقلِّد من شاء من العلماء من غير حجر. وأجمع الصَّحابة على أنَّ من استفتى أبا بكر وعمر وقلَّدهما فله أن يستفتي أبا هريرة ومعاذ بن جبل وغيرهما، ويعمل بقولهم بغير نكير. فمن ادَّعى رفع هذين الإجماعين فعليه الدَّليل، انتهى محلُّ الغرض منه. وما ذكره من انعقاد الإجماعين صحيح كما لا يخفى، فالأقوال المخالفة لهما من متأخري الأصوليين كلها مخالفة للإجماع. وبعض العلماء يقول: إن تقليد العامِّي المذكور للعالم وعمله بفتياه من الاتبِّاع لا من التَّقليد. والصَّواب: أن ذلك تقليد مشروع مجمع على مشروعيته)، ((أضواء البيان)) (7/306).
3- اتِّباع الإجماع وموافقة الجماعة؛ ولذلك قلنا فيمن يُوصف بالإمَّعة هو الذي يقلِّد غيره تقليدًا مجرَّدًا عن الشَّرع والعقل [4848] لأنَّ الإجماع مِن سبيل المؤمنين، وقد قال الله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا *النَّساء: 115*.      قال ابن الصَّلاح في ((أدب المفتي والمستفتي)) (2/500): (مَن خالف إجماع المسلمين فعليه ما في قوله تعالى: وَمَن يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِن بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى وَيَتَّبِعْ غَيْرَ سَبِيلِ الْمُؤْمِنِينَ نُوَلِّهِ مَا تَوَلَّى وَنُصْلِهِ جَهَنَّمَ وَسَاءتْ مَصِيرًا *النَّساء: 115*.

انظر أيضا: