موسوعة الأخلاق

أنواع السر


قال الراغب الأصفهاني: (السِّرُّ ضربان؛ أحدهما: ما يلقي الإنسان من حديث يستكتم، وذلك إمَّا لفظًا،كقولك لغيرك: اكتم ما أقول لك، وإمَّا حالًا، وهو أن يتحرى القائل حال انفراده فيما يورده، أو يخفض صوته، أو يخفيه عن مجالسيه، ولهذا قيل: إذا حدَّثك الإنسان بحديث فالتفت فهو أمانة.
والثاني: أن يكون حديثًا في نفسك بما تستقبح إشاعته، أو شيئًا تريد فعله، وإلى الأول من ذلك أشار النَّبي بقوله صلى الله عليه وسلم: ((من أتى منكم من هذه القاذورات شيئًا فليستتر بستر اللَّه )) [3277] رواه الحاكم (4/272)، والطحاوي في ((شرح المشكل)) (1/86) (91) والبيهقي في ((السنن الكبرى)) (8/572) (17601) من حديث ابن عمر رضي الله عنهما. قال الحاكم: صحيح على شرط الشيخين. ووافقه الذهبي. وحسن إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1030). ، وإلى الثاني أشار من قال: ((من وهن الأمر إعلانه قبل إحكامه)) [3278] ((عيون الأخبار)) لابن قتيبة (1/98)، ((نهاية الأرب في فنون الأدب)) للنويري (6/126).
وكتمان النوع الأول من الوفاء، ويختص بعامة الناس، والثاني من الحزم والاحتياط، وهو مختص بالملوك وأصحاب السياسات... والسبب في أنَّه يصعب كتمان السِّر هو: أن للإنسان قوتين، آخذة، ومعطية. وكلتاهما تتشوف إلى الفعل المختص بها، ولولا أنَّ اللَّه تعالى وكَل المعطية بإظهار ما عندها لما أتاك بالأخبار من لم تزوده، فصارت هذه القوَّة تتشوف إلى فعلها الخاص بها، فعلى الإنسان أن يمسكها ولا يطلقها إلى حيث ما يجب إطلاقها، ولا يخدعنَّك عن سرِّك قول من قال: وأكتم السِّر فيه ضربة العنق.
وقول من ينشدك:


ويكاتم الأسرار حتى كأنه





ليصونها عن أن تمر بباله


فذلك قول من يستنزلك عما في قلبك، فإذا استفزع ما عندك لم يرْعَ فيه حقَّك، فقد قيل: الصبر على القبض على الجمر أيسر، من الصبر على كتمان السر. وما أصدق من أنبأ عن حقيقة حاله حيث قال له صديقه: أريد أن أفشي إليك سرًّا تحفظه عليَّ، فقال، لا أريد أن أوذي قلبي بنجواك، وأجعل صدري خزانة شكواك، فيقلقني ما أقلقك، ويؤرقني ما أرقك، فتبيت بإفشائه مستريحًا، ويبيت قلبي بحرِّه جريحًا) [3279] ((الذريعة إلى مكارم الشريعة)) للراغب الأصفهاني (ص 212).

انظر أيضا: