موسوعة الآداب الشرعية

تَعريفُ الأدَبِ لُغةً واصطِلاحًا


الأدَبُ لُغةً:
يَرجِعُ أصلُ كَلِمةِ "الأدَبِ" إلى الدُّعاءِ، يُقالُ: أدَبَ أَدْبًا مِن بابِ ضَرَب: صَنَعَ صَنيعًا ودَعا النَّاسَ إليه، فهو آدِبٌ على فاعِلٍ، قال طَرَفةُ بنُ العَبدِ:
نَحنُ في المَشْتاةِ نَدعو الجَفَلى ... لا تَرى الآدِبَ فينا يَنتَقِرْ
وأدَبْتُه أَدْبًا مِن بابِ ضَربَ أيضًا: عَلَّمتُه رياضةَ النَّفسِ ومَحاسِنَ الأخلاقِ. والجَمعُ آدابٌ، مِثلُ: سَبَبٍ وأسبابٍ، وأدَّبتُه تَأديبًا مُبالَغةٌ وتَكثيرٌ، ومنه قيل: أدَّبتُه تَأديبًا: إذا عاقَبتَه على إساءَتِه؛ لأنَّه سَبَبٌ يَدعو إلى حَقيقةِ الأدَبِ.
والأدَبُ: الظَّرْفُ وحُسنُ التَّناوُلِ. وأُدِبَ، بالضَّمِّ، فهو أديبٌ، مِن قَومٍ أُدَباءَ، وأدَّبتُه فتَأدَّبَ. وابنُ فُلانٍ قدِ استأدَبَ، في مَعنى تَأدَّبَ .
قال أبو مَنصورٍ الأزهَريُّ: (والأدَبُ: الذي يَتَأدَّبُ به الأديبُ مِنَ النَّاسِ، سُمِّي أدَبًا لأنَّه يَأدِبُ النَّاسَ الَّذين يَتَعَلَّمونَه إلى المَحامِدِ ويَنهاهم عنِ المَقابِحِ. يأدِبُهم، أي: يَدعوهم، وأصلُ الأدبِ الدُّعاءُ، وقيلَ للصَّنيعِ يُدعى إليه النَّاسُ: مَدعاةٌ ومَأدُبةٌ، ويُقالُ للبَعيرِ إذا رِيضَ وذُلِّلَ: أديبٌ مُؤَدَّبٌ) .
وقال ابنُ فارِسٍ: (الهمزةُ والدَّالُ والباءُ: أصلٌ واحِدٌ تَتَفرَّعُ مَسائِلُه وتَرجِعُ إليه؛ فالأدَبُ أن تَجمَعَ النَّاسَ إلى طَعامِك، وهيَ المَأدُبةُ والمَأدَبةُ، والآدِبُ: الدَّاعي... ومن هذا القياسِ الأدَبُ أيضًا؛ لأنَّه مُجمَعٌ على استِحسانِهـ) .
الأدَبُ اصطِلاحًا:
قال ابنُ حَجَرٍ والسُّيوطيُّ والمُناويُّ: (الأدَبُ استِعمالُ ما يُحمَدُ قَولًا وفِعلًا) .
وقال الأقفَهسيُّ: (الآدابُ: جَمعُ أدَبٍ، وهيَ اجتِماعُ مَحاسِنِ الأخلاقِ ومَحاسِنِ العاداتِ) .
وقال أبو زَيدٍ الأنصاريُّ: (الأدَبُ يَقَعُ على كُلِّ رياضةٍ مَحمودةٍ يَتَخَرَّجُ بها الإنسانُ في فضيلةٍ مِنَ الفَضائِلِ) .
وقال أبو إسماعيلَ الهَرَويُّ: (الأدَبُ: حِفظُ الحَدِّ بَينَ الغُلوِّ والجَفاءِ بمَعرِفةِ ضَرَرِ العُدوانِ) .
وقيلَ: الأخذُ بمَكارِمِ الأخلاقِ . وقيلَ: الوُقوفُ مَعَ المُستَحسَناتِ. وقيلَ: تَعظيمُ مَن فوقَه مَعَ الرِّفقِ بمَن دونَه .
وقيلَ: حُسنُ الأحوالِ في القيامِ والقُعودِ، وحُسنُ الأخلاقِ، واجتِماعُ الخِصالِ الحَميدةِ .
وقيل: الأدَبُ الخِصالُ الحَميدةُ .
وقيلَ: مَلَكةٌ تَعصِمُ مَن قامَت به عَمَّا يَشينُه .
وقيل: هو عبارة عن معرفة ما يحترز به عن جميع أنواع الخطأ .
وقيلَ: رياضةُ النَّفسِ بالتَّعليمِ والتَّهذيبِ على ما يَنبَغي .
وقيل: الأدَبُ مَعرِفةُ الأحوالِ التي يَكونُ الإنسانُ المُتَخَلِّقُ بها مَحبوبًا عِندَ أولى الألبابِ مِن وضعِ القَولِ في مَوضِعِه، ووَضعِ الفِعلِ في مَوضِعِه .

انظر أيضا:

  1. (1) ((ديوان طرفة)) (ص: 43). والمَشتاةُ: الشِّتاءِ، والجَفَلى: هي أنْ تَدْعوَ النَّاسَ إلى طعامِكَ دعوةً عامَّةً مِن غيرِ اخْتِصاصٍ، والآدِبُ: من يصنع صَنِيعًا ويدعو النَّاسَ إليه، وَالنَّقَرَى الدَّعوةُ الخاصَّةُ ببعضِ النَّاسِ أي: لا تَرى الدَّاعيَ يَدعو بَعضًا دونَ بَعضٍ، بَل يُعَمِّمُ بدَعواه في زَمانِ القِلَّةِ، وذلك غايةُ الكَرَمِ. يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 9، 103، 304)، (2/ 621).
  2. (2) يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/ 86)، ((لسان العرب)) لابن منظور (1/ 206)، ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 9).
  3. (3) ((تهذيب اللغة)) (14/ 147).
  4. (4) ((مقاييس اللغة)) (1/ 74، 75).
  5. (5) ((فتح الباري)) لابن حجر (10/ 400)، ((التوشيح شرح الجامع الصحيح)) للسيوطي (8/ 3630)، ((فيض القدير)) للمناوي (1/ 225).
  6. (6) ((آداب الأكل)) (ص: 11).
  7. (7) يُنظر: ((المصباح المنير)) للفيومي (1/ 9).
  8. (8) ((منازل السائرين)) (ص: 67). قال ابنُ القَيِّمِ: (هذا مِن أحسَنِ الحُدودِ؛ فإنَّ الِانحِرافَ إلى أحَدِ طَرَفيِ الغُلوِّ والجَفاءِ هو قِلَّةُ الأدَبِ، والأدَبُ: الوُقوفُ في الوسَطِ بَينَ الطَّرَفينِ، فلا يُقَصِّرُ بحُدودِ الشَّرعِ عن تَمامِها، ولا يَتَجاوزُ بها ما جُعِلَت حُدودًا له، فكِلاهما عُدوانٌ، واللَّهُ لا يُحِبُّ المُعتَدينَ، والعُدوانُ هو سوءُ الأدَبِ... فإضاعةُ الأدَبِ بالجَفاءِ كمَن لم يُكمِلْ أعضاءَ الوُضوءِ، ولَم يوفِّ الصَّلاةَ آدابَها التي سَنَّها رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وفَعَلَها، وهيَ قَريبٌ مِن مِائةِ أدَبٍ ما بَينَ واجِبٍ ومُستَحَبٍّ. وإضاعَتُه بالغُلوِّ: كالوَسوسةِ في عَقدِ النِّيَّةِ، ورَفعِ الصَّوتِ بها، والجَهرِ بالأذكارِ والدَّعَواتِ التي شُرِعَت سِرًّا، وتَطويلِ ما السُّنَّةُ تَخفيفُه وحَذفُه، كالتَّشَهُّدِ الأوَّلِ، والسَّلامِ الذي حَذفُه سُنَّةٌ، وزيادةُ التَّطويلِ على ما فعَلَه رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم... ومِثالُ هذا التَّوسُّطِ في حَقِّ الأنبياءِ عليهمُ السَّلامُ: ألَّا يَغلوَ فيهم كما غَلَتِ النَّصارى في المَسيحِ، ولا يَجفوَ عنهم كما جَفَتِ اليَهودُ؛ فالنَّصارى عَبَدوهم، واليَهودُ قَتَلوهم وكَذَّبوهم، والأُمَّةُ الوَسَطُ: آمَنوا بهم، وعَزَّروهم ونَصَروهم، واتَّبَعوا ما جاؤوا به. ومِثالُ ذلك في حُقوقِ الخَلقِ: ألَّا يُفرِّطَ في القيامِ بحُقوقِهم، ولا يَستَغرِقَ فيها بحَيثُ يَشتَغِلُ بها عن حُقوقِ اللهِ، أو عن تَكميلِها، أو عن مَصلَحةِ دينِه وقَلبِه، وأن لا يَجفوَ عنها حتَّى يُعَطِّلَها بالكُلِّيَّةِ؛ فإنَّ الطَّرَفينِ مِنَ العُدوانِ الضَّارِّ، وعلى هذا الحَدِّ فحَقيقةُ الأدَبِ هيَ العَدلُ. واللهُ أعلَمُ). ((مدارج السالكين)) (2/ 370). وقال أيضًا: (حَقيقةُ الأدَبِ استِعمالُ الخُلُقِ الجَميلِ؛ ولِهذا كان الأدَبُ استِخراجَ ما في الطَّبيعةِ مِنَ الكَمالِ مِنَ القوَّةِ إلى الفِعلِ). ((مدارج السالكين)) (2/ 361).
  9. (9) قال مَوهوبٌ الجَواليقيُّ: (الأدَبُ الذي كانتِ العَرَبُ تَعرِفُه هو ما يَحسُنُ مِنَ الأخلاقِ وفِعلِ المَكارِمِ، مِثلُ تَركِ السَّفَهِ، وبَذلِ المَجهودِ، وحُسنِ اللِّقاءِ، قال الغَنَويُّ: لم يَمنَعِ النَّاسُ مِنِّي ما أرَدتُ ولا أُعطيهم ما أرادوا حُسْنَ ذا أدَبَا كَأنَّه يُنكِرُ على نَفسِه أن يُعطيَه النَّاسُ ولا يُعطيَهم). ((شرح أدب الكاتب)) (ص: 19).
  10. (10) يُنظر: ((فيض القدير)) للمناوي (1/ 225) و(2/ 90، 91).
  11. (11) يُنظر: ((كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم)) للتهانوي (1/ 127).
  12. (12) يُنظر: ((فتح القدير)) للكمال ابن الهمام (7/ 251). قال ابنُ الهُمامِ: (وسُمِّيتِ الخِصالُ الحَميدةُ أدبًا؛ لأنَّها تَدْعو إلى الخيرِ. والأدَبُ في الأصلِ مِن الأدْبِ -بسُكونِ الدَّالِ- هو الجمْعُ والدُّعاءُ، وهو أنْ تَجْمَعَ النَّاسَ، وتَدْعوَهم إلى طعامِك يُقالُ منه: أدَبَ زيدٌ يأدِبُ أدْبًا -بوزنِ ضرَب يَضرِبُ ضربًا-: إذا دعاكَ إلى طعامِه فهو آدبٌ، والمأدبةُ الطَّعامُ المصنوعُ المدعوُّ إليهـ). ((المصدر السابق)).
  13. (13) يُنظر: ((كشاف اصطلاحات الفنون والعلوم)) للتهانوي (1/ 127).
  14. (14) ((التعريفات)) للجرجاني (ص: 15).
  15. (15) يُنظر: ((القاموس الفقهي)) لسعدي أبو حبيب (ص: 17)، ((المعجم الوسيط)) (1/ 9).
  16. (16) ينظر: ((الوسيلة الأدبية للعلوم العربية)) لحسن المرصفي (ص: 36).