موسوعة الفرق

المَبحَثُ الأوَّلُ: أبرَزُ شَخصيَّاتِ الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ


1- الخواجةُ عبدُ الخالِقِ الغُجْدُوانيُّ (ت: 575هـ)
هو الخَواجةُ عَبدُ الخالِقِ بنُ عَبدِ الجَميلِ الغُجْدُوانيُّ المَلطيُّ. قيل: إنَّ نَسَبَه يَتَّصِلُ بالإمامِ مالكِ بنِ أنَسٍ، وكان والِدُه عَبدُ الجَميلِ إمامًا من أكابرِ عُلماءِ ملاطيةِ الرُّومِ، ووالدَتُه من بَناتِ المُلوكِ، رَحَل والدُه إلى ما وراءَ النَّهرِ بأهلِه لأمورٍ اقتَضَت ذلك، ثمَّ جاءَ بلادَ بُخارى وسَكَن في قَريةِ غُجْدُوانَ. وكان تَحصيلُه العُلومَ في بُخارى عِندَ صَدرِ الدِّينِ، وقد بَرَعَ في العُلومِ الظَّاهرةِ واشتَغَل بالمُجاهَداتِ والرِّياضاتِ الشَّاقَّةِ وتَحصيلِ العُلومِ الباطِنةِ [1103] يُنظر: ((تهذيب المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 56). .
وذَكرَ النَّقشَبَنْديَّةُ عنه أنَّ والدَه رَأى الخَضِرَ وصَحِبَه وبَشَّرَه بالخَواجةِ عَبدِ الخالِقِ، وسَمَّاه بهذا الاسمِ، ويَقولونَ: هو صاحِبُ الكَراماتِ التي سارَت مَسيرَ الشَّمسِ، والمَقاماتِ التي لا يَجحَدُ سُموَّها إلَّا الذي يَتَخَبَّطُه الشَّيطانُ منَ المَسِّ [1104] يُنظر: ((تهذيب المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 56). !
ويَحكي النَّقشَبَنْديُّون قِصَّةً مُتَواتِرةً بَينَهم عن بداياتِ سُلوكِ مُحَمَّد بَهاءِ الدِّينِ نَقْشَبَنْدَ طَريقَ التَّصَوُّفِ، فذَكَروا أنَّ شَيخَه أمَرَه أن يَشتَغِلَ بخِدمةِ الكِلابِ ومُداواتِهم، قال (فنَهَضتُ بأعباءِ هذه الخِدمةِ سَبعَ سِنينَ. حتَّى كُنتُ إذا لاقاني في الطَّريقِ كَلبٌ وقَفتُ حتَّى يَمُرَّ هو أوَّلًا، ثمَّ بَعدَ ذلك أمَرَني أنَّ أشتَغِلَ بخِدمةِ كِلابِ هذه الحَضرةِ بالصِّدقِ والخُضوعِ، وأطلُبَ منهمُ الإمدادَ. وقال: إنَّك سَتَصِلُ إلى كَلبٍ منهم تَنالُ بخِدمَتِه سَعادةً عَظيمةً! فاغتَنَمتُ نِعمةَ هذه الخِدمةِ ولم آلُ جُهدًا بأدائِها حَسَبَ إشارَتِه. حتَّى وصَلتُ مَرَّةً إلى كَلبٍ، فحَصَل لي من لقائِه أعظَمُ حالٍ، فوقَفتُ بَينَ يَدَيه واستَولى عليَّ بُكاءٌ شَديدٌ، فاستَلقى «الكَلب» في الحالِ على ظَهرِه ورَفع قَوائِمَه الأربَعَ نَحوَ السَّماءِ، فسَمِعَت له صَوتًا حَزينًا وتَأوُّهًا وحَنينًا، فرَفعَت يَدَيَّ وجَعلتُ أقولُ آمينَ حتَّى سَكَتَ وانقَلبَ... ووجَدتُ حِرباءَ فخَطَر لي أن أطلُبَ منها الشَّفاعةَ، فاستَلقَت على ظَهرِها وتَوجَّهَت إلى السَّماءِ، وأنا أقولُ: آمينَ) [1105] ((المواهب السرمدية)) للكردي (ص: 118، 119)، ((الحدائق الوردية)) لعبد المجيد الخاني (ص: 130)، ((البهجة السنية)) لمحمد الخاني (ص: 73). !
وهذه القِصَّةُ ما زالت مُتَداوَلةً ومُتَناقَلةً بَينَ النَّقشَبَنْديِّين في مَجالسِهم!
وقال عبدُ الرَّحمنِ جامي النَّقشَبَنْديُّ: (ولقَّنَه ذِكرَ القَلبِ في أيَّامِ الصِّبا الخَضِرُ عليه السَّلامُ، وكان مجتهدًا فيه، وقَبَّله الخَضِرُ، وقال: أنتَ ولدي. وقال الخَضِرُ عليه السَّلامُ للخواجةِ عَبدِ الخالِقِ: ادخُلْ في حَوضِ الماءِ، واغَطسْ فيه، واذكُرْ بالقَلبِ: لا إلهَ إلَّا اللَّهُ مُحَمَّدٌ رَسولُ اللهِ. فكان مشغولًا بها، وحَصَل له الفتحُ، ومن أوَّلِ حالِه وآخِرِه كان مقبولًا ومحمودًا عِندَ الخَلقِ. وبَعدَ تَلقينِه منَ الخَضِرِ عليه السَّلامُ جاءَ شَيخُ الشُّيوخِ العالمُ العارِفُ الرَّبَّانيُّ الخواجةُ الإمامُ أبو يَعقوبَ يوسُفُ الهَمَذانيُّ قدَّس اللَّهُ سَرَّه إلى بُخارى، فاجتَمَعَ به الخواجةُ عَبدُ الخالقُ الغُجْدُوانيُّ، فعَلمَ أنَّ له ذِكرَ القَلبِ أيضًا، فلزِمَ صُحبَتَه، حتَّى خَرَجَ الخواجةُ يوسُفُ من بُخارى. وقيل: إنَّ الخَضِرَ عليه السَّلامُ كان شَيخَ تَلقينِ الذِّكرِ، والخواجةُ يوسُفُ شَيخُ الصُّحبةِ والخِرقةِ. فالخواجةُ عَبدُ الخالِقِ كان مُجاهدًا ومُرتاضًا ويُخفي حالَه عنِ النَّاسِ، وبَعدَ أن كَمَلَت وِلايَتُه كان يَذهَبُ في وقتٍ واحِدٍ من بُخارى إلى الكَعبةِ، ويُصَلِّي ويَرجِعُ) [1106] ((نفحات الأنس)) (2/ 525، 526). !
وممَّا حُكيَ عنه أنَّ مُسافِرًا جاءَ عِندَ الشَّيخِ وجاءَ شابٌّ حَسَنُ الصُّورةِ، وطَلب الدُّعاءَ منَ الخواجةِ، فدَعا له، فغابَ ذلك الشَّابُّ، فسَأل المُسافِرُ: مَن كان هذا الشَّابَّ؟ فقال الخواجةُ: مَلَكٌ مُقامُه في السَّماءِ الرَّابعةِ، وقَعَ منه تَقصيرٌ، فهَبَطَ عن مَقامِه، ووصَل إلى سَماءِ الدُّنيا، فقال عِندَ المَلائِكةِ: كَيف أفعَلُ حتَّى يُعطيَني اللهُ ذلك المَقامَ؟ فالمَلائِكةُ دَلُّوه عليَّ، فطَلب الدُّعاءَ، ودَعَوتُ له، فاستَجابَ اللهُ تعالى دُعائي، ووصل مَقامَه! فقال المُسافِرُ: يا خواجةُ، ادعُ لي بالإيمانِ، عَسى أن أخرَجَ من شَبَكةِ الشَّيطانِ وأسلمَ. فقال الخواجةُ: وعَدَ اللَّهُ تعالى أنَّ مَن يَدعو بَعدَ أداءِ الفرائِضِ يُستَجابُ دُعاؤُه، وأنتَ ادعُ لي بَعد المَكتوبةِ، وأنا أدعو لك بَعدَ الفرائِضِ، حتَّى يَظهَرَ أثَرُ إجابةِ الدُّعاءِ في حَقِّي وحَقِّك [1107] يُنظر: ((نفحات الأنس)) لجامي (2/ 527). !
هنا يَزعُمُ أنَّ مَلَكًا منَ المَلائِكةِ حَصَل له تَقصيرٌ وهَبَطَ عن مَقامِه، وجاءَ إلى الغُجْدُوانيِّ يَطلُبُ منه الدُّعاءَ! وهذا يُخالفُ ظاهرَ ما ذَكَرَه اللهُ عنِ المَلائِكةِ من أنَّهم مَفطورونَ على العِبادةِ، ومَجبولونَ عليها، كقَولِه تعالى: لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [التحريم: 6] ، وقال تعالى: يَخَافُونَ رَبَّهُمْ مِنْ فَوْقِهِمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ [النحل: 50] ، يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ [الأنبياء: 20] .
2- مُحَمَّد بَهاء الدِّينِ النَّقشَبَنْديُّ البُخاريُّ (شاه نَقْشَبَنْد) (ت: 791هـ)
هو بَهاءُ الدِّينِ مُحَمَّد، المَعروفُ بشاه نَقْشَبَنْدَ، يَعني سَيِّدَ عِلمِ القَلبِ، وإلى لقَبِه تُنسَبُ الطَّريقةُ النَّقشَبَنْديَّةُ.
وممَّا قالوا في تَرجَمَتِه: (كان استِعدادُه فوقَ العادةِ، فكان يَقطَعُ مَسافةَ شَهرٍ بيَومٍ واحِدٍ، ومَسافةَ عامٍ بأيَّامٍ؛ ففي يَومٍ منَ الأيَّامِ جَمعَ السَّيِّدُ أمير كلال مُريديه وقال لمُحَمَّد بَهاءِ الدِّينِ أمامَهم: إنِّي نَفَّذتُ وصيَّةَ مُرشِدي الخواجةِ السَّماسيِّ بتَربيَتِك، ولم آلُ جُهدًا في تَربيَتِك، ثمَّ مَدَّ يَدَه إلى صَدرِه وقال: إنِّي أرضَعتُك جَميعَ ما في صَدري، فيَبِسَ ثَديي، فتَمَكَّنتُ من إخراجِ قَلبِك من قِشرةِ البَشَريَّةِ وتَخليصِك منَ النَّفسِ والشَّيطانِ، وأصبَحتَ رجلًا عظيمًا، وأنَبْتُك مَحَلَّ نَفسي، ولكِنَّ همَّتَك تَتَطَلَّبُ العاليَ، وهذا مُنتَهى مَقدِرتي على تَربيَتِك، وأُجيزُك لتَبحَثَ عن رَجُلٍ أصلحَ منِّي؛ لعَلَّه يَعَرُجُ بك إلى مَقامٍ أعلى) [1108] يُنظر: مقدمة ((مجموعة أوراد وأحزاب الطريقة النقشبندية لخواجة الكمشخانوي)) للكيالي (ص: 10، 11). .
ومن مَزاعِمِ النَّقشَبَنْديَّةِ في تَرجَمتِه أنَّه: قد بلغَ من قوَّةِ الرَّابطةِ المَعنَويَّةِ بَينَ مَدينةِ بُخارى وبَهاءِ الدِّينِ النَّقشَبَنْديِّ أنَّ أهلَ بُخارى كانوا يَعتَبرونَه من دَوافِعِ البلاءِ عنِ المَدينةِ، والحاميَ المَعنَويَّ لها [1109] يُنظر: مقدمة ((الأدعية والأوراد النقشبندية)) لسليمان (ص: 7). .
ومن مُؤَلَّفاتِه: «أشعارُ بَهاءِ الدِّينِ نَقْشَبَنْد» في التَّصَوُّفِ، «الأورادُ البَهائيَّةُ» في الأدعيةِ والأذكارِ، «تَرجَمةُ الرِّسالةِ البَهائيَّةِ» في التَّصَوُّفِ، «تَنبيهُ الغافِلينَ» في التَّصَوُّفِ، وغَيرُها [1110] يُنظر: ((معجم المؤلفين)) لكحالة (11/ 307)، ((معجم تاريخ التراث الإسلامي في مكتبات العالم - المخطوطات والمطبوعات)) لعلي وأحمد قره بلوط (4/ 2518، 2519). .
3- حُسَين عَلي الواعِظُ الكاشِفيُّ الهَرَويُّ (ت: 910هـ)
هو حُسَينُ بنُ عَليٍّ الكاشِفيُّ البَيهقيُّ السِّيزواريُّ الهَرَويُّ، الشَّهيرُ بالمَولى الصَّفيِّ.
شارَكَ في عِدَّةِ عُلومٍ، كالتَّفسيرِ والفِقهِ والأدَبِ والشِّعرِ والتَّنجيمِ، وكان يَشتَغِلُ بالوعظِ في دارِ السِّيادةِ وغَيرِها بهَراةَ.
ومن مُؤَلَّفاتِه: (رشَحاتُ عَينِ الحَياةِ في مَناقِب شَيخِ النَّقشَبَنْديَّةِ) وقد ألَّفه بالفارِسيَّةِ، وعَرَّبَه مُحَمَّد مُراد القازانيُّ (ت: 1352هـ) [1111] يُنظر: مقدمة ((رشحات عين الحياة، للهروي)) للكيالي (ص: 7). ، و(ما لا بُدَّ منه)، و(رَوضةُ الصَّفا في مَقتَلِ الحُسَينِ عليه السَّلامُ)، و(لوامِعُ الشَّمسِ في أحكامِ طَوالِعِ سِني العالمِ)، و(تَفسيرُ سورةِ يوسُفَ) [1112] يُنظر: ((البدور المضية في تراجم الحنفية)) للكملائي (10/ 263)، ((معجم المؤلفين)) لكحالة (4/ 34)، (الطريقة النقشبندية وأعلامها)) لدرنيقة (ص: 78، 79)، مقدمة ((رشحات عين الحياة، للهروي)) للكيالي (ص: 7). .
وممَّا نَقَله مُحسِن الأمين في (أعيان الشِّيعة) عنِ الهَرَويِّ قَولُه: (واعِظٌ جامِعٌ للعُلومِ الدِّينيَّةِ، عارِفٌ بالمَعارِفِ اليَقينيَّةِ، عالمٌ بعِلمِ الحَديثِ والتَّفسيرِ والرِّياضيَّاتِ والحِرَفِ، حَسَنُ التَّقريرِ، هاجَرَ في أوَّلِ أمرِه إلى هَراةَ ولازَم سُلطانَها «مير شير علي» وتَزَوَّج أختَ مُلَّا عَبدِ الرَّحمَنِ الجاميِّ الصُّوفيِّ؛ ولهذا نَسَبَه أهلُ بلدِه المُتَصَلِّبينَ في التَّشَيُّعِ إلى التَّسَنُّنِ، فلمَّا رَجَعَ إلى سبزوارَ أرادَ أهلُها امتِحانَه، فبَينَما هو يَعِظُ يَومًا على المنبَرِ إذ جاءَ شَيخٌ وبيَدِه عَصًا ووقَف على دَرَجةٍ منَ المنبَرِ وأرادَ أن يَسألَه فاتَّفقَ أن ذَكرَ المُتَرجِمُ أنَّ جِبرائيلَ نَزَل على رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم اثنَي عَشَرَ ألفَ مَرَّةٍ! فقال له الشَّيخُ: فكم مَرَّةً نَزَل على مَولانا عَليٍّ أميرِ المُؤمنينَ؟ فتَحَيَّرَ في الجَوابِ، ثمَّ قال: أربَعًا وعِشرينَ ألفَ مَرَّةٍ، إلى آخِرِ ما مَرَّ!
وفي الرِّياضِ عن مَجالِسِ المُؤمنينَ ما تَرجَمتُه: إنَّ المَولى الفاضِلَ الحُسَينَ الواعِظَ الكاشِفيَّ السِّيزواريَّ كان مَجموعةً للعُلومِ الدِّينيَّةِ وسَفينةً للمَعارِفِ النَّفسيَّةِ، وكان له اطِّلاعٌ على العُلومِ الغَريبةِ، كالجَفرِ والتَّكسيرِ والسِّيميا، وكان ماهرًا في عِلمِ النُّجومِ، وكان له نَفسٌ مُؤَثِّرةٌ وعِباراتٌ مَقبولةٌ، وكان في غايةِ البلاغةِ والفصاحةِ، وفيه عنِ التَّاريخِ المُسَمَّى «حَبيب السَّيرِ»: أنَّ المَولى حُسَينًا الواعِظَ هذا كان لا نَظيرَ له في عِلمِ النُّجومِ والإنشاءِ، وكان مُتَفوِّقًا على أقرانِه في سائِرِ العُلومِ، وكان يَعِظُ النَّاسَ بصَوتٍ حَسَنٍ جَميلٍ، ويُبَيِّنُ مَعانيَ الآياتِ البَيِّناتِ القُرآنيَّةِ وغَوامِضَ أسرارِ مَقاصِدِ الأخبارِ النَّبَويَّةِ بعِباراتٍ لائِقةٍ وإشاراتٍ رائِقةٍ، وكان يَعِظُ النَّاسَ صَباحَ يَومِ الجُمعةِ في المَسجِدِ الجامِعِ الذي بَناه الأميرُ «شير علي» بهَراةَ، ويَومَ الثُّلاثاءِ في المَدرَسةِ السُّلطانيَّةِ، ويَومَ الأربعاءِ في مَزارِ الخَواجةِ أبي الوليدِ أحمَد، وكان في أواخِرِ أيَّامِ حَياتِه يَعِظُ النَّاسَ مَرَّةً يَومَ الخَميسِ في حَظيرةِ السُّلطانِ أحمَد ميرزا، ومُصَنَّفاتُه كَثيرةٌ وآثارُه غَزيرةٌ، وكان شاعِرًا بالفارِسيَّةِ، وله قَصائِدُ في مَدحِ أميرِ المُؤمنينَ عَليٍّ عليه السَّلامُ، وأوردَ بَيتَينِ من بَعضِ قَصائِدِه، حاصِلُ تَرجَمتِهما أنَّ سُؤالَ إبراهيمَ عليه السَّلامُ بقَولِه: وَمِنْ ذُرِّيَّتي بَعدَ قَولِه تعالى: إنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا ومُطابَقةُ الجَوابِ للسُّؤالِ بقَولِه تعالى: لَا يَنالُ عَهْدِي الظَّالِمِينَ [البقرة: 124] وعُلوُّ مَقامِ إبراهيمَ عليه السَّلامُ عن طَلَبِ المُحالِ دَليلٌ واضِحٌ على أنَّ الإمامةَ لا تَليقُ بمَن كان أكثَرُ عُمُرِه في الخَطَأِ. اهـ. وفي الرِّياضِ: أدرَجَ في تَفاسيرِه بل في غَيرِها مِن كُتُبِه مَسالِكَ الصُّوفيَّةِ ومَذاهِبَ أهلِ السُّنَّةِ؛ ولذلك يُظَنُّ عَدَمُ تَشَيُّعِه، لكِنَّ تَشَيُّعَه عِندي واضِحٌ) [1113] يُنظر: ((أعيان الشيعة)) (6/ 121، 122). .
4- أحمدُ الفاروقيُّ السَّرهنديُّ (ت: 1034هـ)
هو أحمَدُ بنُ عَبدِ الأحَدِ السَّرهنديُّ الفاروقيُّ النَّقشَبَنْديُّ الحَنَفيُّ، المُلقَّبُ بمُجَدِّدِ الألفِ الثَّاني [1114] يُنظر: مقدمة ((مكتوبات الإمام الرباني)) (1/ 5). .
قيل: يَتَّصِلُ نَسَبُه بعُمَرَ الفاروقِ رَضِيَ اللهُ عنه، ووالِدُه كان أحَدَ عُلماءِ عَصرِه، واشتَهرَ بتَدريسِ كُتُبِ الصُّوفيَّةِ [1115] يُنظر: ((تاريخ الحركة المجددية: دراسة تاريخية تحليلية لحياة الإمام المجدد أحمد بن عبد الأحد السرهندي المعروف بمجدد الألف الثاني)) لمحمود أحمد غازي، (ص: 80، 81). .
وكان أحَدُ مَشايِخه وهو الخَواجةُ مُحَمَّد الباقي باللهِ من أكبَرِ مشائِخِ الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ، وكان لحُضورِه مَجالِسَه أثَرٌ كَبيرٌ في تَوجُّهِه في الطَّريقةِ، وكان السَّرهنديُّ يَشكُرُ مَن كان سببًا في دَلالتِه على الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ والتَّرغيبِ في صُحبةِ الخَواجةِ مُحَمَّد الباقي، والانضِمامِ إلى سِلكِه [1116] يُنظر: ((مكتوبات الإمام الرباني)) (1: المكتوب 279). . وكان الخَواجةُ الباقي يُحَرِّضُ مُريديه وزوَّارَه على الاستِفادةِ منَ المُجَدِّدِ السَّرهنديِّ، وبَعدَ وفاةِ شَيخِه عادَ إلى وطَنِه سَرهندَ، وبَدَأ حَرَكَتَه الدُّعويَّةَ والتَفَّ حَولَه جَمعٌ كَبيرٌ منَ التَّلامِذةِ والمُريدينَ من أنحاءِ شِبهِ القارَّةِ [1117] يُنظر: ((تاريخ الحركة المجددية: دراسة تاريخية تحليلية لحياة الإمام المجدد أحمد بن عبد الأحد السرهندي المعروف بمجدد الألف الثاني)) لمحمود أحمد غازي، (ص: 88- 91). .
وممَّا يُذكَرُ عنه أنَّه قاومَ الزَّندَقةَ والإلحادَ الذي كان قد تَفشَّى في المُجتَمَعِ الهنديِّ بسَبَبِ سَيطَرةِ الإمبراطورِ أكبَر، ووقَف دونَه كَسَدٍّ مَنيعٍ [1118] يُنظر: مقدمة ((الجامع الكبير لمحمد بن الحسن)) كتبها سيد نفيس الحسيني (المقدمة/ 3). . وقد تَرجَمَ له أبو الحَسَنِ النَّدويُّ تَرجَمةً مُطَوَّلةً احتَفل بها بتَجديداتِ الشَّيخِ ونُزوعِه إلى اتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ مَعَ حِرصِه على تَصحيحِ بَعضِ المَفاهيمِ الإسلاميَّةِ التي تَعَرَّضَت لتَأويلاتٍ خاطِئةٍ أو تَحريفاتٍ غَيرِ قائِمةٍ على الكِتابِ والسُّنَّةِ [1119] يُنظر: الجزء الثالث من كتاب: ((رجال الفكر والدعوة في الإسلام)). .
5- عبدُ اللهِ بنُ عبدِ الباقي الدِّهْلَويُّ (ت: 1074هـ)
هو عَبدُ اللَّهِ بنُ عَبدِ الباقي النَّقشَبَنْديُّ الكابليُّ ثمَّ الدِّهْلَويُّ. توُفِّيَ والدُه في صِغَرِه، فتَرَبَّى في مَهدِ حُسامِ الدِّينِ الدِّهْلَويِّ، وقَرَأ على شاكِر مُحَمَّد وعَبدِ الحَقِّ بنِ سَيفِ الدِّينِ الدِّهْلويِّ، ثمَّ سافرَ إلى سَرهندَ وقَرَأ بَعضَ الكُتُبِ على الشَّيخِ أحمَدَ بنِ عَبدِ الأحَدِ العُمريِّ السَّرهنديِّ، وأخَذَ عنه الطَّريقةَ وصَحِبَه زمانًا، ثمَّ رَجَعَ إلى دِهْلي وأجازَه الشَّيخُ حُسامُ الدِّينِ والشَّيخُ إله داد، فتَصَدَّى للدَّرسِ والإفادةِ [1120] يُنظر: ((نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)) للطالبي (5/ 578). .
قال عَبدُ الحَيِّ الطَّالبيُّ: (كان فاضلًا كبيرًا صوفيًّا من أربابِ الوَجدِ والسَّماعِ، وكانت له اليَدُ الطُّولى في المَعارِفِ الإلهيَّةِ على مَذهَبِ الشَّيخِ مُحيي الدِّينِ بنِ عَرَبي، وكانتِ الفُصوصُ والفُتوحاتُ منه على طَرفِ اللِّسانِ) [1121] ((نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)) للطالبي (5/ 578). .
ومن مُؤَلَّفاتِه: تَعليقاتٌ على الفُصوصِ والفُتوحاتِ الرَّبَّانيَّةِ لابنِ عَرَبي، وتَعليقاتٌ على تَفسيرِ البَيضاويِّ، وله «زادُ المَعادِ» رِسالةٌ في مَناقِبِ الشَّيخِ حُسامِ الدِّينِ، وله رِسالةٌ في الميراثِ، وله شَرحُ «التَّسويةِ» للإله آبادي، و«السِّرُّ المُبهَمُ» بالفارِسيَّةِ [1122] يُنظر: ((نزهة الخواطر وبهجة المسامع والنواظر)) للطالبي (5/ 578). .
6- خالدٌ النَّقشَبَنْديُّ (ذو الجَناحَينِ) (ت: 1243هـ)
هو بَهاءُ الدِّينِ أبو البَهاءِ، ذو الجَناحَينِ، ضياءُ الدِّينِ، خالِدُ بنُ أحمَدَ بنِ حُسَينٍ العُثمانيِّ الشَّهْرَزُوريُّ. وقدِ استَوطَنَت أسرَتُه شَمالَ العِراقِ مُنذُ مِئاتِ السِّنينَ [1123] يُنظر: ((مولانا خالد النقشبندي ومنهجه في التصوف)) لجواد حيدري (ص: 27، 28). .
طَلبَ العُلومَ وتَنَقَّل بَينَ العُلماءِ في دِراسةِ العُلومِ المُختَلفةِ العَقليَّةِ والنَّقليَّةِ، ومِمَّن دَرَسَ عليهم والدُه، وعَبدُ اللَّطيفِ بنُ مَعروفٍ القرداغيُّ، وعَبدُ الكَريمِ البرزنجيُّ، ومُلَّا صالح الترماريُّ، وغَيرُهم كَثيرٌ [1124] يُنظر: ((مولانا خالد النقشبندي ومنهجه في التصوف)) لجواد حيدري (ص: 40- 52). .
وبَدَأت عَلاقَتُه بالنَّقشَبَنْديَّةِ عِندَما جاءَه رَجُلٌ غَريبٌ من كُردستانَ، وهو السَّيِّدُ ميرزا المَعروفُ بدَرويش مُحَمَّد، فاستَضافه في جامِعِه، وتَأثَّرَ به، وأخَذَ يَسألُه عن طَريقَتِه ومنهجِه، فأجابَه بأنَّه نَقْشَبَنْديُّ الطَّريقةِ، فسارَ مَعَ الدَّراويشِ تاركًا تَدريسَ العِلمِ، واتَّجَهَ إلى الهندِ راجِلًا، مارًّا في طَريقِه بطِهرانَ وخُراسانَ، وزارَ مَرقَدَ أبي يَزيدَ البِسطاميِّ، وغَيرَه، والتَقى بمُحَمَّد ثَناءِ اللَّهِ الباني بتي النَّقشَبَنْديِّ، ثمَّ وصَل إلى دِلهي والتَقى بعَبدِ اللَّهِ الدِّهْلَويِّ، ولقَّنَه الذِّكرَ، وأذِنَ له بطَريقِ الخِلافةِ، وأجازَه، وألبَسَه الخِرقةَ، وأمَرَه بالإرشادِ في المَمالكِ العُثمانيَّةِ فنَصَبَه خَليفةً له في الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ. ثمَّ عادَ إلى ديارِه [1125] يُنظر: ((مولانا خالد النقشبندي ومنهجه في التصوف)) (ص: 67- 76). . وبَدَأ في نَشرِ طَريقَتِه وبَثِّها في دُروسِه وإرشادِه، وكَثُرَ أتباعُه ومُريدوه [1126] يُنظر: ((مولانا خالد النقشبندي ومنهجه في التصوف)) (ص: 82- 88). .
ومن مُؤَلَّفاتِه: (شَرحُ مَقاماتِ الحَريريِّ) لم يُتِمَّه، و(شَرحُ العَقائِدِ العَضُديَّةِ) ورِسالةٌ في (إثباتِ مَسألةِ الإرادةِ الجُزئيَّةِ) واسمُها (العَقدُ الجَوهَريُّ في الفَرقِ بَينَ كَسبي الماتُريديِّ والأشعَريِّ) و(جَلاءُ الأكدارِ) ذَكرَ فيه أسماءَ أهلِ بَدرٍ على حُروفِ المُعجَمِ، و (ديوانٌ فارِسيٌّ).
وجَمعَ أسعَدُ الصَّاحِبُ زادَه رَسائِلَه في كِتابٍ سُمِّيَ (بُغية الواجِدِ في مكتوباتِ مَولانا خالِد) ولعُثمانَ بنِ سَنَدٍ كِتابٌ فيه، سَمَّاه (أصفى المَوارِدِ من سِلسالِ أحوالِ الإمامِ خالِد)، كما أنَّ لتِلميذِه مَحمود الآلوسيِّ كِتابًا فيه سَمَّاه (الفيض الوارِد على رَوضِ مَرثيَّةِ مَولانا خالِد)، ولتِلميذِه ابنِ عابدينَ الفقيهِ الحَنَفيِّ كِتاب فيه سَمَّاه (سَلُّ الحُسامِ الهنديِّ في نُصرةِ مَولانا خالدٍ النَّقشَبَنْديِّ) [1127] يُنظر: ((الأعلام)) للزركلي (2/ 294). .
7- مُحَمَّد عُثمان سِراج الدِّين (ت: 1417ه)
هو مُحَمَّد عُثمان سِراجُ الدِّينِ بنُ مُحَمَّد عَلاء الدِّين بنِ عُمَرَ ضياء الدِّينِ بنِ عُثمانَ سِراج الدِّينِ الحُسَينيُّ، من كُردستانَ [1128] يُنظر: ((سراج القلوب)) لمحمد عثمان سراج الدين (ص: 57). .
ويُلقِّبُه أتباعُه بالنَّقشَبَنْديِّ الثَّاني، وبسُلطانِ الأولياءِ.
وقد نَشَأ في بَيتٍ يَتبَعُ الطَّريقةَ النَّقشَبَنْديَّةَ ويَتَوارَثونَها أبًا عن جَدٍّ، فسارَ هو على نَفسِ طَريقَتِهم، وكان يَحضُرُ مَجالِسَ الخَتمِ والحَلقاتِ الخاصَّةَ بهم [1129] يُنظر: ((سراج القلوب)) لمحمد عثمان سراج الدين (ص: 60). .
وقد تَرجَمَ لنَفسِه ولأهلِ بَيتِه ومَنِ استَفادَ منهم في كِتابه (سِراجُ القُلوب). وممَّا قاله في هذا الكِتاب: (قد سَمَّاني والدي قُدِّسَ سِرُّه عُثمان سِراج الدِّينِ بإشارةٍ من جَدِّي الشَّيخِ عُمَر ضياء الدِّينِ؛ حَيثُ أرسَل رِسالةً إلى والدي جاءَ فيها: قَصَدت إيذاءَ زَوجتِك ورَفعتُ يَدَي عليها فحَضَرَت روحُ حَضرةِ الشَّيخِ عُثمان سِراج الدِّينِ، ومَسَك بيَدي. وقال: يا عُمَرُ، لا تُؤذِها! فقُلتُ: فِداك؛ إنَّها غَيرُ مُتَمَسِّكةٍ ولا سالكةٍ بالطَّريقةِ، قال: لا بأسَ؛ فهي امرَأةٌ صالحةٌ من أهلِ الخَيرِ والإحسانِ وتَتَمَسَّكُ، وإنَّها سَتَلِدُ ولدًا ذكرًا فسَمُّوه باسمي، ويَكونُ سببًا لبَقاءِ إحساناتِ أجدادِه وآدابِ الطَّريقةِ، وقال: حَملُها الآنَ أنثى، ويَكونُ بَعدَها أيضًا أنثى، ثمَّ يَكونُ ذَكَرًا، هو ذا، فوقَعَ كَما أخبَرَ؛ حَيثُ ولَدَتني أمِّي بَعدَ الابنَتَينِ، وسَمَّوني عُثمان، سَمِعتُ هذا من والدي الماجِدِ، وبَقيَتِ الرِّسالةُ عِندي إلى وقتِ وفاةِ والدي، وتَواترَ هذا الخَبَرُ عِندَ النَّاسِ) [1130] ((سراج القلوب)) (ص: 58). !
8- مُحَمَّد ناظِم الحَقَّانيُّ القُبرُصيُّ (ت: 2014م)
وُلِد في رنكا، بجَزيرةِ قُبرُصَ سَنةَ 1922م
والتَحَقَ في إسطَنبولَ بشَيخِ النَّقشَبَنْديَّةِ آنَذاكَ سُليمانَ أرضرومي، وسَلك عليه الطَّريقةَ النَّقشَبَنْديَّةَ، وقد شَجَّعَه شَيخُه للحُضورِ إلى سوريَّةَ فزارَ حَلبَ وحَماةَ وحِمصَ؛ حَيثُ جاورَ مُدَّةَ سَنةٍ عِندَ ضَريحِ خالِدِ بنِ الوليدِ رَضِيَ اللهُ عنه. وفى حِمصَ تابع تَحصيلَه للعُلومِ الشَّرعيَّةِ، وانتَقَل إلى طَرابُلُسَ ثمَّ دِمَشقَ؛ حَيثُ التَقى فيها بالشَّيخِ عَبدِ اللَّهِ فائِز الدَّاغِستانيِّ النَّقشَبَنْديِّ فلازَمَه، وبَعدَ أخذِ المَبادِئِ منَ الدَّاغِستانيِّ، وتَلقِّي بَعضِ تَمارينِ الطَّريقةِ، أمر الشَّيخُ ناظِم بالعَودةِ فورًا إلى بلدِه قُبرُصَ، فانطَلقَ فورًا عائِدًا لوطَنِه الذي غادَرَه مُنذُ خَمسِ سَنَواتٍ. وبَدَأ فيها بنَشرِ الإرشاداتِ الرُّوحيَّةِ والتَّعاليمِ الإسلاميَّةِ، وتَجَمَّعَت حَولَه أعدادٌ كَبيرةٌ منَ النَّاسِ وتَقبَّلوا الطَّريقةَ النَّقشَبَنْديَّةَ، وبَعدَ وفاةِ شَيخِه الدَّاغِستانيِّ صارَ خَليفةً له.
وكان خِلالَ فترةِ إقامَتِه بقُبرُصَ يُسافِرُ إلى عِدَّةِ دولٍ لنَشرِ الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ، فتَنقَّل في رُبوعِ الأرضِ وتَرَكَّزَت أكثَرُ جُهودِه الدَّعَويَّةِ على دُخولِ كَثيرٍ منَ الأورُبِّيِّينَ في الإسلامِ. وله أتباعٌ كُثُرٌ وعِدَّةُ مَراكِزَ في شَمالِ أمريكا وأوروبَّا، ومن أعوانِه وناشِري دَعوتِه هشام قَبَّاني، وجِبريل حَدَّاد. وقدِ اختَلف في شَأنِه أهلُ التَّصَوُّفِ فضلًا عن غَيرِهم ما بَين مادِحٍ له وناقِدٍ. بل منهم مَن عَدَّه خارِجًا عن حُدودِ الطَّريقةِ النَّقشَبَنْديَّةِ ومُبتَدِعًا فيها [1131] الموقع الإلكتروني لحقاني: ((شمس الشموس)). .

انظر أيضا: