موسوعة الفرق

المَطلبُ الخامِسُ: الكَراماتُ المَنسوبةُ إلى الرِّفاعيِّ وإلى غَيرِه من مَشايِخِ الرِّفاعيَّةِ


من أبرَزِ الأمورِ التي نُسِبَت إلى الرِّفاعيِّ وغَيرِه ممَّا هو مَوجودٌ في كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ:
1- التَّصَرُّفُ في الأكوانِ:
الوليُّ المُتَمَكِّنُ عِندَ الصُّوفيَّةِ يُسَمَّى (مُتَصَرِّفًا في الأكوانِ).
والتَّصَرُّفُ ليس له حَدٌّ يَنتَهي إليه، لا سيَّما الصُّوفيُّ المُتَمَكِّنُ؛ فإنَّه يَستَطيعُ أن يَحوزَ على كَلِمةِ (كُنْ) التي يَخلُقُ اللهُ بها الأشياءَ! فقد نَسَبوا إلى أحمَدَ الرِّفاعيِّ أنَّه قال: (جاءَ في بَعضِ الكُتُبِ الإلهيَّةِ: إنَّ اللهَ تعالى قال: «يا بَني آدَمَ أطيعوني أُطِعْكم، وراقِبوني أراقِبْكم، وأجعَلْكم تَقولونَ للشَّيءِ: كُنْ فيَكونُ») [636] يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 2)/ 158). .
ونُقِل عنِ الرِّفاعيِّ قَولُه: (وإذا صَرَّف اللهُ تعالى الوليَّ في الكَونِ المُطلَقِ صارَ أمرُه بأمرِ اللَّهِ تعالى؛ إذا قال للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ) [637] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 124، 125)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 85 ). .
ونُقِل عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال: (الوليُّ إذا أصلحَ سِرَّه مَعَ اللهِ تعالى كَلَّفه ما بَينَ السَّماءِ والأرضِ، ثمَّ لا يَزالُ يَرتَقي من سَماءٍ إلى سَماءٍ حتَّى يَصِلَ إلى مَحَلِّ الغَوثِ، ثمَّ تَرتَفِعُ صِفتُه إلى أن يَصيرَ صِفةً من صِفاتِ الحَقِّ تعالى، فيُطلِعَه على غَيبِه، حتَّى لا تَنبُتَ شَجَرةٌ ولا تَخضَرَّ ورَقةٌ إلَّا بنَظَرِه) [638] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 147،148)، ((طبقات الشعراني)) 1)/ 143). .
وزيادةً على ذلك؛ فإنَّه يَكونُ له حِمايةٌ خَمسينَ فرسَخًا، ومِائةَ فرسَخٍ، وألفَ فَرسَخٍ.. ومنهم مَن يَكونُ له حِمايةٌ كَذا وكَذا سَنةً [639] يُنظر: ((الحكم المهدوية الملتقطة من درر الإمدادات النبوية)) للرواس (ص: 101)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 143، 144). .
وقد ذَكَرَ الرِّفاعيُّون أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ كان قُطبَ الأقطابِ في الأرضِ، ثمَّ انتَقَل إلى قُطبيَّةِ السَّماواتِ، ثمَّ صارَتِ السَّماواتُ السَّبعُ في رِجلِه كالخَلخالِ [640]يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 9)، ((لطائف المنن)) لعطاء الله (ص: 491)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 42، 147) ((التاريخ الأوحد)) (ص: 107)، كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ويَحكونَ أنَّ الرِّفاعيَّ أصدَرَ أمرًا إلى شَجَرةٍ بالمَجيءِ إليه، بَينَها وبَينَه نَهرُ الفُراتِ، وأقسَمَ عليها بذلك قائِلًا: (أقسِمُ عَليك بالعَزيزِ سُبحانَه إلَّا ما أجَبتِ دَعوتي وأتيتِيني طائِعةً، فانشَقَّتِ الأرضُ، وانفلقَ البَحرُ، وأتَتِ الشَّجَرةُ طائِعةً ناطِقةً بلسانٍ عَرَبيٍّ فصيحٍ تَقولُ: أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا اللَّهُ وأشهَدُ أنَّ مُحَمَّدًا رَسولُ اللهِ، وأشهَدُ أنَّك شَيخُ الشُّيوخِ على الإطلاقِ، وشَيخُ أهلِ الأرضِ والسَّماءِ بالوِفاقِ) [641]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 92). .
ومنَ التَّصَرُّفاتِ في الطَّبيعةِ الكَونيَّةِ ما يُروى عنه أنَّه:
- كان يُصَلِّي الصُّبحَ في مَكَّةَ.
- والظُّهرَ في المَدينةِ.
- والعَصرَ في بَيتِ المَقدِسِ.
- والمَغرِبَ في بَعلبَكَّ.
- والعِشاءَ في جَبَلِ (قاف) [642] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 102). .
وذَكَروا أنَّ الشَّيخَ إبراهيمَ الأعزَبَ كان له خَمسونَ ألفَ تِلميذٍ، فقال أحَدُ تَلاميذِه في نَفسِه: كَيف يَقدِرُ هذا على تَربيةِ هؤلاء ومَعرِفتِهم؟ فاطَّلعَ الشَّيخُ على ما أسَرَّه في نَفسِه، وقال له: إنَّ اللهَ تعالى جَعل قُلوبَ الكُلِّ بيَدي! ثمَّ جَمَعَ أصابعَه في الهَواءِ وإذا بتَلاميذِه يُهَروِلونَ من كُلِّ مَكانٍ حتَّى امتَلأ المَكانُ، ثمَّ بَسَطَ أصابعَه فرَجَعَ كُلُّ واحِدٍ منهم مِن حَيثُ جاءَ! قال الصَّيَّاديُّ: (فانظُرْ يا أخي إلى هذا التَّصريفِ العَظيمِ) [643]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 337). ويُنظر: ((الأخلاق في التحدث بنعمة الله على الإطلاق)) للشعراني (ص: 485)، ((نشر المحاسن الغالية)) للنبهاني (ص: 238). .
وقد ذَكرَ الصَّيَّاديُّ أنَّ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال لإبراهيمَ: ناداني العَزيزُ سُبحانَه وقال: إنِّي أريدُ أن أخسِفَ الأرضَ وأرميَ السَّماءَ على الأرضِ، قال: فلمَّا سَمِعتُ هذا النِّداءَ تَعَجَّبتُ وقُلتُ: إلهي مَن ذا الذي يُعارِضُك في مُلكِك وإرادَتِك؟ قال: سَيِّدي إبراهيمُ. فأخَذَته الرِّعدةُ ووقَعَ على الأرضِ، وبَقيَ على هذا الحالِ زمنًا طويلًا [644] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 80). !
وقد رَووا عن إبراهيمَ هذا أنَّه كان يَقولُ: (أعطاني رَبِّي عَزَّ وجَلَّ التَّصريفَ في كُلِّ مَن حَضَرَني، فلا يَقومُ أحَدٌ ولا يَقعُدُ ولا يَضحَكُ في حَضرَتي إلَّا وأنا مُتَصَرِّفٌ فيه، فقال رَجُلٌ منَ الحاضِرينَ في نَفسِه: فها أنا أقومُ وأقعُدُ إذا شِئتُ! فقَطَعَ الشَّيخُ إبراهيمُ كَلامَه والتَفتَ إليه وقال: انهَضْ. فلم يَستَطِعْ. ثمَّ قال: يا بُنيَّ ألم تَعلَمْ أنَّ قُلوبَ الخَلقِ بَينَ أيدينا كالمَصابيحِ من وراءِ السِّتارةِ نَشهَدُها رَأيَ العَينِ؟) [645]يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 97)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: (86، ((تنوير الأبصار)) (ص: 34)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 333- 334)، ((التاريخ الأوحد)) كلها لأبي الهدى الصيادي (ص: (63، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 237). .
وذَكَروا أيضًا أنَّ الشَّيخَ مَنصورًا البطائِحيَّ -خالَ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ- كان على قَدرٍ عَظيمٍ منَ التَّصريفِ؛ فقد وصَفوه بأنَّ اللهَ (أظهَرَه للوُجودِ، ووهَبَه المَراتِبَ المَنيعةَ، وصَرَّفه في الأكوانِ، وحَكَّمَه في الذَّرَّاتِ، وألانَ له الصِّعابَ، وأذَلَّ له الأسودَ، وجَمَعَ عليه القُلوبَ، ونَصَبَه قِبلةً للعارِفينَ وكَعبةً للسَّالكينَ) [646] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 13، (14، ويُنظر فيه أيضًا: (ص: 17). .
والعَجيبُ أنَّه يوجَدُ في كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ ما يُفيدُ إدانةَ الرِّفاعيِّ نَفسِه لهذا التَّصريفِ الذي يَدَّعيه الرِّفاعيُّون لمَشايِخِهم؛ فقد جاءَ في كِتابِ (الكُلِّيَّاتِ الأحمَديَّةِ) أنَّ الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ قال: (قال بَعضُ صوفيَّةِ خُراسانَ: إنَّ روحانيَّةَابنِ شَهرَيارَ [647]لعَلَّه أبو إسحاقَ إبراهيمُ بنُ شَهرَيارَ الكازرونيِّ نِسبةً إلى كازرونَ، وهي مَدينةٌ إيرانيَّةٌ، وقد قال عنه ابنُ بطَّوطةَ: (هذا الشَّيخُ أبو إسحاقَ مُعظَّمٌ عِندَ أهلِ الهندِ والصِّينِ، ومن عادةِ رُكَّابِ بَحرِ الصِّينِ أنَّهم إذا تَغَيَّرَ عليهمُ الهَواءُ وخافوا اللُّصوصَ نَذَروا لأبي إسحاقَ نُذورًا، أو كَتَبَ كُلٌّ منهم على نَفسِه ما نَذَرَه، فإذا وصَلوا بَرَّ السَّلامةِ صَعِدَ خُدَّامُ الزَّاويةِ إلى المركَبِ وأخَذوا الزِّمامَ، وقَبَضوا من كُلّ ناذِرٍ نَذرَه، وما من مركبٍ يَأتي منَ الصِّينِ أوِ الهندِ إلَّا وفيه آلافٌ منَ الدَّنانيرِ، فيَأتي الوُكَلاءُ من جِهةِ خادِمِ الزَّاويةِ، فيَقبضونَ ذلك). ((رحلة ابن بطوطة)) (2/ 53). تَتَصَرَّفُ في تَرتيبِ جُموعِ الصُّوفيَّةِ! ذلك لم يَكُنْ إلَّا للَّهِ الوهَّابِ الفعَّالِ، إنَّ تَصَرُّفَ الرُّوحِ لا يَصِحُّ لمَخلوقٍ) [648] يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 117). .
2- الإحياءُ والإماتةُ:
إحياءُ المَوتى عِندَ الصُّوفيَّةِ من عَلاماتِ التَّمَكُّنِ في الوِلايةِ؛ فإنَّه ممَّا ذَكَروه عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال: (الوليُّ المُتَمَكِّنُ يُحيي المَوتى بإذنِ اللهِ) [649] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 85،86)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 73، (145، ((المعارف المحمدية)) (ص: 47، 48) كلاهمالأبي الهدى الصيادي. .
ومنَ القِصَصِ المَنسوبةِ إلى الرِّفاعيِّ ما ذَكَرَه الواسِطيُّ وتَناقَله الصُّوفيَّةُ في العَديدِ من كُتُبِهم، وفيها: (إنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ خَرَجَ مَرَّةً مَعَ تَلاميذِه إلى شاطِئِ الفُراتِ، فقامَ الشَّيخُ شَمسُ الدِّينِ مُحَمَّدُ بنُعُثمانَ وسَأله: يا سَيِّدي: مَتى يَصِلُ المُريدُ إلى مُرادِه، ويَصيرُ مُرادًا ويَتَصَرَّفُ في الأكوانِ؟
فقال الشَّيخُ: حتَّى يَخرُجَ عن نَفسِه ومَألوفاتِ حِسِّه، ويَترُكَ جَميعَ الشَّهَواتِ المُباحاتِ وغَيرَها، ويُصَرِّفُه اللهُ تعالى في كَونِ وجودِه وعَوالِمِه... وإذا صَرَّفه في الكَونِ المُطلَقِ صارَ أمرُه بأمرِ اللَّهِ تعالى: إذا قال للشَّيءِ كُنْ فيَكونُ!
وإذا التَفتَ إلى هذا النَّهرِ الجاري وقال لأسماكِه: أجيبوا طائِعينَ مَطبوخينَ مَشويِّينَ، يَطلُعوا بإذنِ اللهِ ويُطيعوه ولا يُخالفونَ أمرَه.
وكان في المَجلسِ رَجُلٌ كَبيرُ الشَّأنِ يُقالُ له عُمَرُ الفاروثيُّ فقال له: يا سَيِّدي، هذا الرَّجُلُ الذي ذَكَرتُموه لم يَكُنْ مَخلوقًا، بل رَبًّا ثانيًا!
فغَضِبَ الشَّيخُ أحمَدُ غَضَبًا شَديدًا وقال: تَأدَّبْ يا عُمَرُ. لا أفلحَ مَن كَفَر! حاشا وكَلَّا أن يَصِلَ المَخلوقُ إلى مَرتَبةِ الرُّبوبيَّةِ! بل للَّهِ أسماءٌ وصِفاتٌ، فإذا تَخَلَّقَ العَبدُ بأسماءِ رَبِّه وصِفاتِه وتَحَقَّق بهما فيَنظُرُ إليه الحَقُّ بعَينِ قُربِه، فيَصيرُ فِعلُه من فِعلِ رَبِّه.
والتَفتَ الشَّيخُ إلى النَّهرِ وقال: يا خَلقُ ائتوني طائِعينَ، واحضُروا إليَّ مَشويِّينَ لتَأكُلَ منكُمُ الإخوانُ والحاضِرونَ.
فما استَتَمَّ قَولَه حتَّى تَراكَمَت عليه الأسماكُ منَ البَحرِ ونَطَقَت بلسانٍ عَرَبيٍّ فصيحٍ: السَّلامُ عَليك يا خُلاصةَخَلْقِه، كُلْ من لحمِنا لنَسعَدَ بك يَومَ القيامةِ.
فأخَذَ الشَّيخُ منَ الأسماكِ وهي مَشويَّةٌ ووضَعَها بَينَ أيديهم، وأتى لهم من عالمِ غَيبِ اللَّهِ تعالى بخُبزٍ طَريٍّ ساخِنٍ رائِحَتُه تَفوقُ المِسكَ والعنبَرَ، فأكل الشَّيخُ وأكل القَومُ أجمَعونَ وما بَقيَ منَ الأسماكِ إلَّا العِظامُ النَّخِرةُ.
فقال السَّيِّدُ عُمَرُ الفاروثيُّ: يا سَيِّدي: ما عَلامةُ الرَّجُلِ المُتَمَكِّنِ المُتَصَرِّفِ في كَونِ وجودِه؟
فقال الرِّفاعيُّ: هو أن يَقولَ لهذه العِظامِ: كوني سَمَكًا كما كُنتِ أوَّلًا بإذنِ اللهِ تعالى.
فما استَتَمَّ كَلامَه حتَّى قامَت وتَناثَرَت سَمَكًا حَيًّا شاهدةً للَّهِ بالوحدانيَّةِ وللنَّبيِّ بالرِّسالةِ وبالسَّيِّدِ الرِّفاعيِّ بالوِلايةِ العُظمى!
ولقد بلغَ من حُبِّ الأسماكِ له أنَّه كان كُلَّما مَشى على الشَّاطِئِ تَخرُجُ الأسماكُ من بَطنِ البَحرِ لالتِماسِ بَرَكاتِه وتَزدَحِمُ على أقدامِه الشَّريفةِ، وتَسألُه بحَقِّ اللهِ أن يَأكُلَ منها) [650] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 116)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 96، 97)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 102). .
ورَووا عنه أنَّه خَرَجَ مَرَّةً مَعَ جَماعَتِه إلى البرِّ فجاعوا فرَأى الشَّيخُ سِربًا طائِرًا منَ الإوزِّ فأمَرَهم بالنُّزول حالًا، فنَزَلت إحداهنَّ بَينَ يَدَيه مَشويَّةً جاهزةً، فأكَلها رَجُلٌ من رِجالِ الغَيبِ كان مَعَه وما بَقيَ إلَّا عِظامُها، فأخَذَ العِظامَ ومَرَّرَ عليها يَدَه وقال: أيَّتُها العِظامُ المُتَفرِّقةُ الأوصالِ المُنقَطِعةُ، اذهَبي بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ. فذَهَبَت إوزَّةً سَويَّةً وطارَت في الجَوِّ ثانيةً [651] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 73). !
وحُكيَ أنَّ أميرَ مِصرَ صَنَعَ لأحَدِ الرِّفاعيِّين ضيافةً عَظيمةً وجَعل أمامَه طَبقًا فيه دَجاجةً فنَظَرَ إلى الطَّبَقِ وقال: (سَمِعتُ سَيِّدي الشَّيخَ أحمَدَ الرِّفاعيَّ يَقولُ: الوليُّ المُتَمَكِّنُ يُحيي المَوتى بإذنِ اللهِ. ثمَّ نَظَرَ إلى الدَّجاجةِ وقال لها: قومي بإذنِ اللهِ. فقامَتِ الدَّجاجةُ وشَقَّتِ المَجلِسَ وخَرَجَت) [652]يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 124، (125، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 134). !
وكذلك حُكيَ أنَّ الشَّيخَ مُحَمَّد سِراج الدِّينِ الرِّفاعيَّ المَخزوميَّ قد مَرَّ بغُلامٍ يَذبَحُ شاةً، فلمَّا رَآه والشَّاةُ تَختَبطُ مَذبوحةً وقد قَرُبَ خُروجُ روحِها، قال للذَّابحِ:
يا واضِعَ السِّكِّينِ بَعدَ ذَبيحِه
في فيه يَسقيه رَحيقَ لَهاتِه
ضَعْها بجُرحِ الذَّبحِ ثاني مَرَّةٍ
وأنا الضَّمينُ لـه برَدِّ حَياتِه
فأعادَ الذَّابِحُ السِّكِّينَ إلى الجُرحِ، فانتَفضَتِ الشَّاةُ سَليمةً لا جُرحَ فيها ولا ذَبحَ [653]يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 112)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 72)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 102)كلاهما لأبي الهدى الصيادي. !
وذَكَروا أنَّ رَجُلًا جاءَ إلى الشَّيخِ عُثمانَ بنِ ورَوزةَ البطائحيِّ ومَعَه ثَورٌ ليَدعو له بالبَرَكةِ، فأمر الشَّيخُ السِّباعَ واحِدًا تِلو الآخَرِ أن يَأكُلوا من ثَورِه حتَّى لم يَبقَ منَ الثَّورِ قِطعةُ لحمٍ، ثمَّ أعادَه الشَّيخُ له سَمينًا أكثَرَ ممَّا كان ولم يَتَأثَّرْ بأكلِهم إيَّاه [654]يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 143). .
وممَّا حَكَوه أنَّ الشَّيخَ أبا مُحَمَّدٍ الشَّبنكيَّ كان جالسًا على السَّطحِ وحدَه فاجتازَ به أكثَرُ من مِائةِ طَيرٍ واختَلطَت أصواتُها، فقال: يا رَبِّ، قد شَوَّشَ عَليَّ هؤلاء، فنَظَرَ فإذا الكُلُّ مَوتى! فقال: يا رَبِّ ما أرَدتُ مَوتَهم! فقاموا يَنتَفِضونَ وطاروا [655] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 26). !
وذَكَروا أنَّ عَبدَ اللَّهِ الكَيَّالَ الرِّفاعيَّ الحَلبيَّ كان يَشكو من رَجُلٍ غَيرِ مُسلمٍ يُكثِرُ منَ الإنكارِ عليه، فنَظَرَ إليه نَظرةً وهَزَّ رَأسَه، فصارَ ذلك الرَّجُلُ يهزُّ رَأسَه أيضًا، وتَركه الكَيَّالُ وذَهَب، فبَقيَ على حالِه أيَّامًا يهزُّ رَأسَه، ثمَّ ما لَبِثَ أن ماتَ [656]يُنظر: ((سر الحال)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 145). .
3- تكليمُ الأسَدِ:
ذَكَروا أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ رَأى أسدًا يَفتَرِسُ شابًّا وقد (خَلعَ) كَتِفَه من يَدِه ومَكَثَ يَأكُلُه. فزَجَرَه الشَّيخُ الرِّفاعيُّ زجرًا شديدًا وقال له: يا خَلقَ اللهِ، أما نَهَيتُكم عن أذيَّةِ الخَلْقِ الذينَ يَمُرُّونَ ببلادِنا؟ فنَطَقَ السَّبُعُ وأتى إلى حَضرةِ الشَّيخِ مُسَلِّمًا عليه بلسانٍ عَرَبيٍّ فصيحٍ قائِلًا له:
(يا سَيِّدَ السَّاداتِ وصاحِبَ الجودِ والكَراماتِ: لي سَبعةُ أيَّامٍ ما أكَلتُ شيئًا، وهذا الشَّابُّ أرسَله اللهُ لي رِزقًا مَقسومًا.
فالتَفتَ إليه الشَّيخُ الرِّفاعيُّ بنَظَرِ الغَضَبِ والجَلالِ، فوقَعَ السَّبعُ مَيِّتًا في الحالِ، فأخذ الشَّيخُ ذِراعَ الشَّابِّ ووضَعَها في مَكانِها، وقال: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ. ومَسَحَ عليه بيَدِه المُبارَكةِ، فعادَ كما كان أوَّلًا بل أشَدَّ وأقوى) [657]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 91). ويُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 58، 59). !
وهذه القِصَّةُ مَنسوبةٌ إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ أيضًا، وهو الشَّيخُ عزازُ بنُ مُستَودَعِ البطائحيُّ، وقد ذَكَرَها النَّبهانيُّ في جامِعِه [658]يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) (2/ 151). .
3- الشِّفاءُ منَ الأمراضِ وإمكانيَّةُ نَقلِها من شَخصٍ إلى آخَرَ:
بإمكانِ الوليِّ عِندَ الرِّفاعيَّةِ دَفعُ المَرَضِ من شَخصٍ وإصابةُ بَريءٍ به.
فقد رُويَ عن إبراهيمَ الأعزَبِ أنَّه زارَ مَريضًا عليه جَربٌ كَثيرٌ، فشَكى إليه المَريضُ كَثرةَ التَّألُّمِ بهذا المَرَضِ، فالتَفتَ الشَّيخُ إبراهيمُ إلى خادِمِه وقال له: أتَحمِلُ هذا الجَرَبَ عن هذا الفقيرِ؟ فقال: نَعَم يا سَيِّدي. فقال الشَّيخُ: قد حَمَلتُه عنك وحَمَّلتُه هذا، فانتَقَل جَميعُ ما كان على الرَّجُلِ منَ الجَرَبِ إلى خادِمِ الشَّيخِ، وبَقيَ جَسَدُ المَريضِ الأوَّلِ كالفِضَّةِ البَيضاءِ.
ثمَّ خَرَجَ الشَّيخُ، وخادِمُه يَشكو منَ الألمِ، فلمَّا كانوا ببَعضِ الطَّريقِ رَأى الشَّيخُ خِنزيرًا فقال لخادِمِه: قد حَمَلتُ عنك هذا الجَرَبَ وحَمَّلتُه هذا الخِنزيرَ. فانتَقَل الجَرَبُ إلى الخِنزيرِ وعوفيَ الخادِمُ [659]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 103، 335)، ((التاريخ الأوحد)) (ص:  (65كلاهما لأبي الهدى الصيادي، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص:  32). !
كذلك نَقَلوا عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه لمَسَ بيَدِه عَينَ رَجُلٍ مَفقودًا منها ماءُ البَصَرِ فتَنَوَّرَت وصارَت أحسَنَ منَ السَّليمةِ وأقوى، مَعَ العِلمِ بأنَّ الرِّفاعيَّ نَفسَه كان لا يَرى إلَّا بعَينٍ واحِدةٍ، كما ذَكَرَ الشَّعرانيُّ، وأنَّ أعداءَه كانوا يُلقِّبونَه بـ(الدَّجَّالِ الأعوَرِ) [660]يُنظر: ((طبقات الأولياء)) للشعراني 1) / 143). !
كذلك مَسَحَ على رَأسِ امرَأةٍ قد تَساقَطَ شَعرُها فعادَ كما كان، ومَسَح بيَدِه على امرَأةٍ مُحدَودِبةِ الظَّهرِ فاستَقامَ ظَهرُها كما كان [661]يُنظر: ((سر الحال)) (ص: 140، 141) (ضمن مجموعة أشرف الوسائل) للصيادي. .
4- دَفعُ البلاءِ النَّازِلِ من السَّماءِ:
ذَكَروا أنَّ أحَدَ تَلاميذِ الشَّيخِ مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ- رَأى البلاءَ وهو نازِلٌ منَ السَّماءِ على العِراقِ، فاستَأذَنَ شَيخَه في أن يَدفعَ هذا البلاءَ، فأذِنَ له الشَّيخُ، فما كان منه إلَّا أن أخَذَ قَضيبًا وأشارَ إلى السَّماءِ، فتَفرَّقَ البلاءُ واستَطاعَ عَبرَ تَحريكِ العَصا أن يَرُدَّ قَضاءَ اللَّهِ النَّازِلَ منَ السَّماءِ [662]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 27)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 2)/ 268). !
وكذلك قالوا عنِ الشَّيخِ أبي مُحَمَّدٍ الشَّبنكيِّ الرِّفاعيِّ: إذا مَرَّ البلاءُ منَ السَّماءِ من فوقِ بلدَتِه: (الحدَّاديَّةِ)؛ فإنَّه يَتَمَزَّقُ ويَرتَفِعُ بفَضلِه [663] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 26،27). !
5- الرِّفاعيَّةُ يَعرُجونَ إلى السَّماءِ ويَمحونَ ما في اللَّوحِ الـمحفوظِ:
يَكثُرُ كَلامُ الصُّوفيَّةِ عن عُروجِ مَشايِخهم إلى السَّماءِ، وحُضورِ ديوانِ الرُّبوبيَّةِ، ومُخاطَبةِ الرَّحمَنِ، والاطِّلاعِ على ما في اللَّوحِ المَحفوظِ، بل بلغَ الأمرُ بالرِّفاعيَّةِ أن زَعَموا أنَّ من مَشايِخِهم مَن يَعرُجُ إلى السَّماءِ ويَمحو منَ اللَّوحِ المَحفوظِ ما يَشاءُ!
فقد ذُكِرَ أنَّ الرِّفاعيَّ قال: (أيُّها الفُقَراءُ: الشَّيخُ عُثمانُ السَّالمُ أبادي -قدَّسَ اللهُ سِرَّه- يَصعَدُ كُلَّ يَومٍ عِندَ غُروبِ الشَّمسِ إلى ديوانِ الرُّبوبيَّةِ، ويَنظُرُ ديوانَ ذُرِّيَّتِه: فما يَجِدُ من سَيِّئةٍ يَمحوها ويَكتُبُ «عِوَضَها» بلا مُعارَضةٍ. ثمَّ التَفتَ إلى إبراهيمَ الأعزَبِ وقال له: يا إبراهيمُ، لا يَكونُ الرَّجُلُ مُمكَّنًا في سائِرِ أحوالِه حتَّى يُعرَضَ عليه عِندَ غُروبِ الشَّمسِ جَميعُ أعمالِ أصحابِه وأتباعِه وتَلامِذَتِه فيَمحو منها ما يَشاءُ ويُثبِتُ فيها ما يَشاءُ) [664] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 193). !
قال: (وأمَّا سَيِّدي حَمزةُ -قدَّسَ اللهُ سِرَّه- فرَجُلٌ عَظيمُ المنقبةِ، عَليُّ المرتبةِ، مَن كان له حاجةٌ فليَقصِدْه يَومَ الأربعاءِ؛ فإنَّه يَحضُرُ ديوانَ الرُّبوبيَّةِ ويَقضي الحَوائِجَ. وأمَّا سَيِّدي الشَّيخُ مَنصورٌ-قدَّسَ اللهُ سِرَّه- فإنَّه لم يَزَلْ في السَّماءِ مِثلَ الدَّلوِ في حَوضِ البئرِ، له صُعودٌ ونُزولٌ، يَقضي حَوائِجَ النَّاسِ وحَوائِجَ ذُرِّيَّتِه وأصحابِه إلى يَومِ القيامةِ) [665] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: (20، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 199، 181، 182). ويُنسَبُ مثلُ هذا إلى مشايخَ آخرينَ غيرِ الرِّفاعيَّةِ. يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/(163، ((طبقات الأولياء)) للشعراني 2)/104). !
6- تحويلُ الشَّقيِّ إلى سعيدٍ:
وزيادةً على ما يَعتَقِدُه الرِّفاعيَّةُ في مَشايِخِهم منَ الإحياءِ والإماتةِ والمَنعِ والإعطاءِ، يَعتَقِدونَ فيهم أيضًا أنَّ في مَقدورِهم تَغييرَ الشَّقيِّ إلى سَعيدٍ، وبالعَكسِ.
وقد رَوَوا عن أحمَدَ الرِّفاعيِّ أنَّه كان يَقولُ: (كُلُّ شَيخٍ لا يُغَيِّرُ صِفاتِ تِلميذِه ويَكتُبُ الشَّقيَّ سَعيدًا فما هو عِندَنا برجُلٍ) [666] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 94). !
وقالوا (إنَّ رجُلًا دَخَل على مَشايِخِ البَطائِحِ، فلمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قال ذلك الشَّيخُ لمَن حَضَرَه: قَرَأتُ على جَبهةِ هذا الرَّجُلِ سَطرَ الشَّقاوةِ، فأتى ذلك الرَّجُلُ إلى الشَّيخِ أحمَدَ ولَبِسَ منه خِرقةً، ثمَّ أتى إلى زيارةِ ذلك الشَّيخِ، فقال الشَّيخُ لأصحابِه: قد مُحيَ من جَبهَتِه سَطرُ الشَّقاوةِ، وبُدِّل بسَطرِ السَّعادةِ ببَرَكةِ الشَّيخِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ) [667] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 103، 104). ويُنظر: ((طبقات الأولياء)) لابن الملقن (ص: 98). .
7- الطَّبيعةُ تتبدَّلُ من أجلِهم:
قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (ثَبَتَ بَينَ السَّادةِ الرِّفاعيَّةِ أن وقَفتِ الشَّمسُ في قُرصِها للسَّيِّدِ قُطبِ الدِّينِ أحمَدَ كَي لا تَفوتَه صَلاتُه. فلمَّا وصَل إلى قَريةِ «أمِّ عُبَيدةَ» تَوضَّأ وصَلَّى لوقتِه، فسَقَطَتِ الشَّمسُ غائِبةً لوقتِها) [668]((التاريخ الأوحد)) (ص: 71). ويُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 110)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 99). .
ولا تَتَوقَّفُ الشَّمسُ أيضًا عنِ الحَرَكةِ من أجلِ أحَدِ مَشايِخِ الرِّفاعيَّةِ، بل إنَّها تَنكَسِفُ لمَوتِ أحَدِهم أيضًا، كما صَرَّحَ بذلك الصَّيَّاديُّ والنَّبهانيُّ وغَيرُهما؛ حَيثُ ذَكَروا أنَّ الشَّمسَ كَسَفت لمَوتِ إبراهيمَ الأعزَبِ [669] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 337)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 36)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 67) جميعها لأبي الهدى الصيادي، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 238). .
وهذه مُخالفةٌ صَريحةٌ لقَولِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنَّ الشَّمسَ والقَمَرَ آيَتانِ من آياتِ اللهِ لا يَنكَسِفانِ لمَوتِ أحَدٍ ولا لحَياتِه)) [670] أخرجه البخاري (1052)، ومسلم (907) مطولًا من حديثِ عبدِ اللهِ بنِ عبَّاسٍ رَضِيَ اللهُ عنهما. .
وكذلك يَزعُمونَ تَزَحزُحَ الجِبالِ بمُجَرَّدِ إشارةٍ من أحَدِهم، وهو الشَّيخُ عَقيلٌ المنبجيُّ المُلقَّبُ بـ (الطَّيَّارِ)؛ لكَثرةِ ما كان يَطيرُ في الهَواءِ [671]يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/153). ، وتَتَفجَّرُ الصَّخرةُ عُيونًا منَ الماءِ بوكزةٍ منه.
ويَسألُ عَقيلٌ هذا عن عَلامةِ الرَّجُلِ المُتَمَكِّنِ، فيَقولُ بأنَّ عَلامَتَه: أنَّه لو قال لهذا الجَبَلِ تَحَرَّكْ لتَحَرَّكَ. قال: فتَحَرَّكَ الجَبَلُ [672]يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 45، (46. ويُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 36)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 335)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 1)/(237 و (2/268). .
وهذه مواصَفاتٌ وقُدُراتٌ خارِقةٌ عَديدةٌ ذَكَروا أنَّها اجتَمَعَت في أحَدِ مَشايِخِ الطَّريقةِ، وهو الشَّيخُ عبدُ اللهِ بنُنَجمِ الدِّينِ مُبارَك الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ الذي كان يُثني على نَفسِه قائِلًا: (مُنذُ عامَينِ وأنا أتلو سُطورَ القُربى، وأتَقَلَّبُ على بساطِ الصِّدِّيقيَّةِ الكامِلةِ، وتحُفُّ حَضرَتي أقطابُ الشَّرقِ والغَربِ ويَجيئُني الخَضِرُ، وأرى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عِيانًا، وأتَلقَّى عنه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الأوامِرَ الخاصَّةَ، وتَخدُمُني الهَوامُّ، وأفهَمُ لُغاتِ الطُّيورِ والوُحوشِ، وأسمَعُ تَسبيحَ الجَماداتِ، وتَمُرُّ بي حَوادِثُ الأكوانِ، ويَرهَبُ مَكانتي الزَّمانُ، وتُساعِدُني الأقدارُ بكُلِّ ما أرومُ، ويُبَشِّرُني الوارِدُ المُحَمَّديُّ بالتَّرقياتِ والقَبولِ، وتُسَلِّمُ عَليَّ الأبدالُ، وتَتَضَرَّعُ بي الأنجابُ، وتَنكَشِفُ لي عَوالمُ البَراريِّ والبحارِ) [673]يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 109)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 67)، ((خزانة الأمداد)) (ص: (97 كلاهما لأبي الهدى الصيادي. !
وممَّا يُحكى عنه منَ الكَراماتِ أنَّ أبا بكرٍ الدِّينَوَريَّ سَمع الصُّوفيَّةَ يَروونَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حَديثَ: ((من أكَل مَعَ مَغفورٍ له غَفرَ اللهُ له)) [674]قال ابنُ تيمية في ((مجموع الفتاوى)) (18/381): ليس له إسنادٌ عندَ أهلِ العِلمِ، وقال ابنُ القَيِّمِ في ((المنار المنيف)) (107): موضوعٌ، وقال ابنُ كثير في ((التفسير)) (8/198): لا أصلَ له، وقال الألباني في ((سلسلة الأحاديث الضعيفة)) (315): كَذِبٌ لا أصلَ له. ، فلم يُصَدِّقْ به، فسَأل النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ عن دَرَجةِ هذا الحَديثِ، فقال له: أنا قُلتُ هذا الحَديثَ، وغدًا تَأكُلُ مَعَ مَغفورٍ له ويَغفِرُ اللهُ لك! وفي اليَومِ التَّالي أخَذَ نَجمُ الدِّينِ لُقمةً وقال له: (كُلْ يا أخي أبا بكرٍ، صَدَقَ سَيِّدي رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: من أكَل مَعَ مَغفورٍ له غَفرَ اللهُ له، وأنتَ مَغفورٌ لك) [675]يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 100)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 92)، ((التاريخ الأوحد)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 68). .
8- ادِّعاءُ عِلمِ الغَيبِ مُطلَقًا:
عِلمُ اللهِ الغَيبَ لا يُشارِكُه فيه أحَدٌ، كما قال تعالى: قُلْ لَا يَعْلَمُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ الْغَيْبَ إِلَّا اللَّهُ [النمل : 65] . وكما أمَرَ نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَقولَ: قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ [الأنعام: 50] .
وقد قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((إنِّي لم أؤمَرْ أن أنَقِّبَ عن قُلوبِ النَّاسِ ولا أشُقَّ بُطونَهم)) [676] أخرجه البخاري (4351)، ومسلم (1064) واللفظ له، من حديثِ أبي سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللهُ عنه. .
وقال لجِبريلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ سَأله عنِ السَّاعةِ: ((ما المسؤولُ عنها بأعلَمَ منَ السَّائِلِ)) [677] أخرجه البخاري (50)، ومسلم (9) مطولًا من حديثِ أبي هُرَيرةَ رَضِيَ اللهُ عنه. .
فادِّعاءُ الكَشفِ عن عِلمِ الغُيوبِ من أعظَمِ الكَذِبِ على اللهِ تعالى، غَيرَ أنَّه يُعتَبَرُ عِندَ المُتَصَوِّفةِ منقَبةً منَ المَناقِبِ وكَرامةً منَ الكَراماتِ.
وممَّا يُنسَبُ إلى الرِّفاعيِّ في هذا الشَّأنِ أنَّ اللهَ تعالى إذا أرادَ أن يَتَّخِذَ وليًّا أنعَمَ عليه بأربَعٍ:
1- الكِفايةُ.
2- الحِمايةُ.
3- الرِّعايةُ.
4- الهدايةُ.
فإذا تَحَقَّقَت هذه الأربَعُ أكرَمه بأربَعٍ أيضًا:
1- يَقرَأُ ما على الجِباهِ.
2- ويُصافِحُ المَلائِكةَ ويُصافِحونَه.
3- ويُكَلِّمُ المَوتى ويُكَلِّمونَه.
4- ويَدخُلُ القُبورَ فيَعرِفُ المُنعَّمَ منَ المُعَذَّبِ [678] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 167)، ((الفجر المنير)) (ص: 51) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ولمَّا ذَكَرَ الرِّفاعيُّ أنَّه صَحِبَ ثَلاثَمائةِ ألفِ أمَّةٍ، وأنَّه كان يَعرِفُ كَلامَهم وصِفاتِهم وأسماءَهم وأرزاقَهم وآجالَهم، تَعَجَّب خادِمُه يَعقوبُ، فقال له الشَّيخُ: (وأزيدُك أيضًا أنَّه لا تَستَقِرُّ نُطفةٌ في فرجِ أنثى إلَّا يَنظُرُ الوليُّ إليها ويَعلمُ بها. فقال يَعقوبُ: يا سَيِّدي، هذه صِفاتُ الرَّبِّ جَلَّ وعَلا! فقال الشَّيخُ: يا يَعقوبُ، استَغفِرِ اللهَ تعالى [679] وفي ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59) و((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: (143أنه قال لمن أنكر في قلبِه: (استغفِرِ اللهَ ممَّا خَطَر في قَلبِك). ؛ فإنَّ اللهَ إذا أحَبَّ عَبدًا صَرَّفه في جَميعِ مَملكَتِه، وأطلعَه على ما شاءَ من عُلومِ الغَيبِ. وإذا كان الحَقُّ تعالى مَعَ عَبدِه كما يُريدُ صارَ كأنَّه صِفةٌ من صِفاتِه) [680] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 68)، ((لطائف المنن والأخلاق)) لابن عطاء الله (ص: 470، 471). .
وذَكرَ الشَّعرانيُّ ذلك الحِوارَ بَينَ الرِّفاعيِّ وخادِمِه يَعقوبَ، وزاد عليه بأن نَقَل عن شَيخِه (عَليٍّ الخَواصِّ) شروطًا يَجِبُ تَوافُرها في الوليِّ الصُّوفيِّ، وهي:
1- أن يَكونَ عِندَه عِلمٌ يَكشِفُ به الحَقائِقَ والدَّقائِقَ.
2- أن يَعلمَ ما جازَ وما وجَبَ وما استَحال.
3- أن يَكونَ له سَرَيانٌ في العَوالمِ العُلويَّاتِ والسُّفليَّاتِ.
4- أن يَكونَ له قوَّةٌ على التَّلبُّسِ [681] بمعنى التَّشكُّلِ بالأشكالِ المختَلِفةِ. في الصُّورِ، والتَّطَوُّرِ في الرُّتَبِ.
5- أن يَنظُرَ أحوالَ مُريدِه منَ اللَّوحِ المَحفوظِ.
6- أن يُراقِبَ مُريدَه من حينِ كان في عالمِ الذَّرِّ قَبلَ وُرودِه وهبوطِه إلى أصلابِ الآباءِ وبُطونِ الأمَّهاتِ [682] يُنظر: ((لطائف المنن والأخلاق)) (ص: 462، 463). .
وإذا كان للأولياءِ هذا المَبلَغُ منَ الكَشفِ والعِلمِ الغَيبيِّ على النَّحوِ الذي يَشتَرِطُه شَيخُ الشَّعرانيِّ، فلا يُعجَبُ حينَئِذٍ أن يُقرَأ في كُتُبِ الشَّعرانيِّ أنَّ شَيخَه المَذكورَ كان يَنظُرُ في الميضَأةِ فيَرى الذُّنوبَ التي تَتَساقَطُ عليها من أثَرِ الوُضوءِ، وأنَّه نَظَرَ مَرَّةً إلى المَغطَسِ، فقال: (لا جَزى اللهُ خَيرًا منِ اغتَسَل في هذا المَغطَسِ؛ فإنَّه قَذَّرَه وأنتَنَه. فسَألوا عَمَّنِ اغتَسَل فيه فوجَدوه رَجُلًا كان قد فعَل الفاحِشةَ في عَبدِه) [683] يُنظر: ((لطائف المنن والأخلاق)) (ص: 50). .
وقد ذَكرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ من كَراماتِ بَهاءِ الدِّينِ الرَّوَّاسِ الرِّفاعيِّ: (أنَّه كان يَتَكَلَّمُ على خَواطِرِ أصحابِه ومُريديه كما في صُدورِهم) [684] ((خزانة الأمداد)) (ص: 171). .
واعتَرَضَ أحَدُ المُريدينَ على إبراهيمَ الأعزَبِ، فعَرَك إبراهيمُ أذُنَه وزَجرَه، وقال له: (ألم تَعلَمْ أنَّ قُلوبَ الخَلقِ بَينَ أيدينا كالمَصابيحِ من وراءِ السِّتارةِ نَشهَدُها رَأيَ العَينِ؟!) [685] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 97)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 333، 335)، ((تنوير الأبصار)) (ص: 34)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 63، 65) كلها لأبي الهدى الصيادي، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 1)/ 237). .
وكذلك رَووا أنَّ أحَدَ مُريدي عُثمانَ بنِ مروزةَ البطائحيِّ أسَرَّ في نَفسِه الاعتِراضَ على شَيخِه في قَلبِه، فقال له الشَّيخُ عُثمانُ: (ألم تَعلَمْ أنِّي أعلمُ ما في قَلبِك؟!) [686] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 124، 125). .
وذَكَروا أنَّ عَليًّا أبا الفَضلِ الواسِطيَّكان يعرفُ لُغاتِ الطُّيورِ والحَيَواناتِ، وأنَّه كان يَتَكَلَّمُ على الخَواطِرِ ويَكشِفُ الأسرارَ، ونَظرَتُه تُصلِحُ القُلوبَ [687] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 7). .
ووصَف الصياديُّ الرَّوَّاسَ في أبياتٍ منَ الشِّعرِ، فقال:
بمَكنونِ الغَيبِ حَوى اطِّلاعًا
تَراه بكُلِّ آتيه خَبيرًا [688] ((تنوير الأبصار)) (ص: 131). .
أمَّا أحمَدُ الرِّفاعيُّ نَفسُه فقد ذَكَروا أنَّ مُغنِّيًا كان يُغنِّي للصُّوفيَّةِ، فتواجَدوا وطَرِبوا، وكان بَينَهم أحمَدُ الرِّفاعيُّ صَغيرًا، فخَسَف أحمَدُ الدُّفَّ، فأنكَروا عليه فقال لهم: (اسألوه عَمَّا خَطَرَ ببالِه. فاعتَرَف المُغَنِّي أنَّه لمَّا رَآهم على هذه الحالةِ منَ التَّمايُلِ تَذَكَّر أنَّه كان البارِحةَ مَعَ قَومٍ فشَرِبوا الخَمرَ حتَّى تَمايَلوا كَتَمايُلِ المَشايِخِ الصُّوفيَّةِ، فخَطَرَ في بالِه أنَّ هؤلاء كأولئك) [689] يُنظر: ((روض الرياحين)) لليافعي (ص: 437)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 297)، ((الكواكب الدرية)) للمناوي (ص: 212). .
ورَوَوا أنَّ أبا زَكَريَّا العَسقَلانيَّ مَرِضَ مرضًا شديدًا حتَّى ظَنَّ أنَّه مَيِّتٌ لا مَحالةَ، فقال له إبراهيمُ الأعزَبُ: (أنتَ لن تَموتَ في هذه المُدَّةِ، قد بَقيَ من عُمُرِك زَمانٌ طَويلٌ. وعاشَ الرَّجُلُ بَعدَها خَمسينَ سَنةً) [690] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 99)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 89، 90)، ((قلادة الجواهر)) (ص: (336، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 65) كلاهما لأبي الهدى الصيادي، .
أمَّا رَجَبٌ الصَّيَّاديُّ الرِّفاعيُّ فكان يَتَنَبَّأُ بمَن يَأتيه منَ الزُّوَّارِ فيَقولُ: (الآنَ بَعدَ ساعَتَينِ أو قُبَيلَ المَغرِبِ يَجيءُ إلينا ضَيفٌ شَكلُه كَذا وثيابُه كَذا وفرَسُه كَذا، وهو منَ القَبيلةِ الفُلانيَّةِ، ومَعَه لنا هَديَّةُ كَذا. فيَكونُ كما يَقولُ بلا اختِلافِ حَرفٍ واحِدٍ) [691] يُنظر: ((تنوير الأبصار)) (ص: 119)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 159) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ومنَ الحِكاياتِ العَجيبةِ التي رَوَوها لبَيانِ قُدُراتِهمُ الكَشفيَّةِ أنَّ إبراهيمَ الأعزَبَ سُئِل عن حالِ الخَليلِ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فذَكَر مَجموعَ صِفاته وكَيفيَّةَ أعضائِه. فقال رَجُلٌ من أهلِ العِلمِ: ما قاله السَّيِّدُ إبراهيمُ في شَأنِ الخَليلِ ما وجَدناه في كِتابٍ وما نُقِل عن أحَدٍ! فسَمِعَ إبراهيمُ الأعزَبُ قَولَه، فتَبَسَّمَ وأشارَ بيَدِه إلى نَحوِه، فنَظَر الفقيهُ إلى ذلك المَكانِ فصَرَخَ صَرخةً ووقَعَ مَغشيًّا عليه! فلمَّا أفاقَ قال: رَأيتُ الخَليلَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وقد تَعَرَّى ليَرى أعضاءَه السَّيِّدُ إبراهيمُ [692] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 90). !
9- الرِّفاعيُّ يخاطِبُ أمَّه وهو في بَطنِها:
جاءَ أنَّ الرِّفاعيَّ كان يُخاطِبُ أمَّه وهو في بَطنِها فيَقولُ: يا أمَّاه السَّلامُ عَليك. فتَقولُ: وعَليك السَّلامُ يا ولدي. ما اسمُك؟
فيَقولُ: اسمي أحمَدُ.
ولقد سَألها مَرَّةً -وهو حَملٌ في بَطنِها-: ما تَطلُبينَ منَ اللهِ؟
فقالت: الرَّحمةُ.
فقال: لها أسبابٌ سَبعةٌ:
1- النِّيَّةُ الصَّالحةُ.
2- الصَّلَواتُ الخَمسُ.
3- الإحسانُ إلى الفُقَراءِ.
4- صَفاءُ الضَّميرِ.
5- حِفظُ اللِّسانِ منَ الغِيبةِ... [693] يُنظر: ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 15)، ((أبو العلمين القطب الكبير)) للمزيدي (ص: 17). .
وكانت أمُّه تَدخُلُ على الشَّيخِ أبي مُحَمَّدٍ الشَّنبكيِّ وهي حامِلٌ به فيَقومُ لها إجلالًا. فلمَّا تَكَرَّرَ ذلك منه سُئِل عنه فقال: أنا أقومُ إجلالًا للجَنينِ الذي في بَطنِها؛ فإنَّه أحَدُ المُقَرَّبينَ إلى اللهِ عَزَّ وجَلَّ، وهو من أصحابِ المَقاماتِ [694] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 25)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 268). !
وقال صاحِبُ كِتابِ (الرَّوضُ النَّضيرُ): (لما ولَدَته أمُّه خَرَجَ منها ويَدُه اليُمنى على صَدرِه كما يَفعَلُ المُصَلِّي. ويَدُه اليسرى يُغَطِّي بها عَورَتَه، وكُلَّما رَفعوا يَدَه عن عَورَتِه أعادَها ليُغَطِّيَ عَورَتَه.
وما أن خَرَجَ من بَطنِ أمِّه حتَّى صارَ يُحَرِّكُ شَفتَيه، فأمر الشَّيخُ مَنصورٌ البطائحيُّ بَعضَ الحاضِرينَ أن يَقتَرِبوا من شَفتَيِ الشَّيخِ أحمَد، فسَمِعوه يَقولُ: سُبحانَ الذي صَوَّرَكم فأحسَن صُوَرَكم) [695] ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 17-18). .
وقيل لمَّا ولدَته أمُّه أبى أن يرضَعَ، وما زال على ذلك حتَّى أتَوا له بمُرضِعةٍ تَقيَّةٍ طاهرةٍ، فكانت تُجَدِّدُ وُضوءَها حالةَ إرضاعِه.
ولما جاءَ رَمَضانُ أمسَكَ عنِ الرَّضاعِ، وامتَنَعَ عن شُربِ الحَليبِ نَهارًا إلَّا بَعدَ الإفطارِ، وبَقيَ كذلك إلى بَعدِ العيدِ [696] يُنظر: ((الروض النضير)) للقرشي (ص: 15، 19)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 25)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 30). .
10- صَكٌّ بتَحريمِ النَّارِ على الرِّفاعيِّ وعلى كُلِّ ما تَمَسُّه يَدُه:
يَدَّعي الرِّفاعيَّةُ أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ كان بيَدِه ورَقةٌ بَيضاءُ فنادى أحَدَ أتباعِه، وقال له: يا فُلانُ تَعالَ، واقرَأْ هذه الورَقةَ، قال: فقَرَأتُها وهي مَكتوبةٌ بالنُّورِ.
قال الرِّفاعيُّ: (رَأيتُ في المَنامِ رَسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فأعطاني هذه الورَقةَ وقال: يا أحمَدُ، هذه بَراءَتُك منَ النَّارِ. قال: فأخَذتُ الكِتابَ فقَرَأتُه وإذا فيه مَكتوبٌ: بَراءةُ ابنِ أبي الحَسَنِ منَ النَّارِ، ثمَّ انتَبَهتُ وإذا الكِتابُ بيَدي) [697] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 82). .
ولم يَقتَصِرِ الأمرُ عِندَ ذلك الحَدِّ، بل ازدادَ ليَجعَلَ كُلَّ من مَسَّتْه يَدُ الرِّفاعيِّ مُحَرَّمًا على النَّارِ؛ فقد ذَكَروا أنَّ اللهَ وعَد الرِّفاعيَّ أنَّ كُلَّ من دَخل قَريَتَه أو مَسَّ كَفَّه لا تَأكُلُه النَّارُ ولا تَضُرُّه. وحَكَوا عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه أمسَكَ مَرَّةً سَمَكةً وأعطاها إلى أحَدِ مُريديه ليَشويَها له، فلم تَنشَوِ ولم تَنضَجْ وبَقيَت نِيئةً على حالِها، فتَعجَّب المُريدُ من ذلك فأخبَرَه الرِّفاعيُّ أنَّ السَّبَبَ في ذلك أنَّ اللهَ تعالى وعَده أن لا تَضُرَّ النَّارُ شيئًا مَسَّته يَدُه [698] يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 229)، ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: (87، ((روض الرياحين)) لليافعي (ص: 60). !
11- الرِّفاعيُّ يبيعُ قَصرًا في الجنَّةِ:
هذه قِصَّةٌ مَنسوبةٌ إلى الرِّفاعيِّ مُفادُها أنَّ الرِّفاعيَّ قد باعَ رَجُلًا قَصرًا في الجَنَّةِ مُحَدَّدَ المِساحةِ لقاءَ شِراءِ بُستانٍ في الدُّنيا!
قال أبو الهدى الصَّيَّاديُّ: (نُقِل أنَّ الشَّيخَ جَمالَ الدِّينِ الخَطيبَ كان من أكابرِ أصحابِ السَّيِّدِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ، وكان يُريدُ أن يَشتَريَ بُستانًا لضَرورةٍ، فامتَنَعَ صاحِبُ البُستانِ عن بَيعِه إيَّاه، فتشَفَّع
الشَّيخُ جَمالُ الدِّينِ إلى الرِّفاعيِّ، فأتى رَدُّ الشَّفاعةِ من صاحِبِ البُستانِ «إسماعيلَ بنِ عَبدِ المُنعِم» الذي قال للرِّفاعيِّ: يا سَيِّدي، إنِ اشتَرَيتَه منِّي بما أريدُ بِعتُك إيَّاه.
فقال الشَّيخُ: يا إسماعيلُ، قُلْ لي: كَم تُريدُ ثَمنَه حتَّى أعطيَك؟
فقال: يا سَيِّدي، تَشتَريه منِّي بقَصرٍ في الجَنَّةِ؟
فقال الرِّفاعيُّ: مَن أنا حتَّى تَطلُبَ منِّي هذا يا ولدي؟ اطلُبْ منَ الدُّنيا.
فقال: يا سَيِّدي، شيئًا منَ الدُّنيا ما أريدُ، فإن أرَدتَ البُستانَ فاشريها بما أطلُبُ.
فنَكَّسَ السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ رَأسَه ساعةً، واصفرَّ لونُه وتَغَيَّرَ، ثمَّ رُفعَ وقد تَبَدَّلتِ الصُّفرةُ احمِرارًا وقال: يا إسماعيلُ، قدِ اشتَرَيتُ منك البُستانَ بما طَلبتَ!
فقال: يا سَيِّدي، اكتُبْ لي خَطَّ يَدِك. فكَتَبَ له السَّيِّدُأحمَدُ الرِّفاعيُّ ورَقةً فيها:
بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، هذا ما اشتَرى إسماعيلُ بنُعَبدِ المُنعِمِ منَ العَبدِ الفقيرِ الحَقيرِ أحمَدَ بنِ أبي الحَسَنِ الرِّفاعيِّ، ضامنًا على كَرَمِ اللهِ تعالى قَصرًا في الجَنَّةِ تَجمَعُه حُدودٌ أربَعةٌ:
الأولى: إلى جَنَّةِ عَدنٍ.
الثَّانيةُ: إلى جَنَّةِ المَأوى.
الثَّالثةُ: إلى جَنَّةِ الخُلدِ.
الرَّابعةُ: إلى جَنَّةِ الفِردَوسِ.
وذلك بجَميعِ حُورِه ووِلدانِه وفَرشِه وسَترِه وأنهارِه وأشجارِه، عِوَضَ بُستانُه في الدُّنيا. وله اللهُ شاهدٌ وكَفيلٌ.
ثمَّ طَوى الكِتابَ وسَلَّمَه إليه، وأوصى صاحِبُ البُستانِ المَذكورِ أن يوضَعَ الصَّكُّ مَعَه في كَفنِه إذا ماتَ، ففعَل أبناؤُه ذلك، ولمَّا دَفنوه وجَدوا صَبيحةَ اليَومِ التَّالي وقد كُتِبَ على قَبرِه «وقد وجَدْنا ما وعَدَنا رَبُّنا حَقًّا» [699] ((قلادة الجواهر)) (ص: 70، 71). ويُنظر: ((روض الرياحين)) لليافعي (ص: 440، (441، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 296، 297)، ((الكواكب الدرية)) للمناوي (ص: 214). !
وتَغَنَّى الصَّيَّاديُّ بهذه القِصَّةِ بأبياتٍ منَ الشِّعرِ [700]((ديوان الفيض المدي)) (ص: 122، 123). فقال مُخاطِبًا الرِّفاعيَّ:
وبُستانُ إسماعيلَ لـمَّا اشتَرَيتَه
بقَصرٍ وقد أرهَنتَه الخَطَّ والخِتْما
وذاكَ بدارِ الخُلدِ في ساحةِ الرِّضا
فصَدَّقَك الـمَولى ووعدُك قد تَـمَّا
على أنَّ الرِّفاعيَّ أيضًا قد ضَمِنَ الجَنَّةَ لآخَرَ مُقابِلَ عُصفورٍ يَشتَريه منه؛ فقد جاءَ في كِتابِ «قِلادةُ الجَواهِرِ» أنَّ واحدًا من أصحابِ الرِّفاعيِّ اصطادَ عُصفورًا وشَدَّ برِجلِه خَيطًا وعَلَّقَه، والعُصفورُ يَصيحُ من شِدَّةِ الألمِ، فالتَمَسَ منه أحمَدُ الرِّفاعيُّ خَلاصَ هذا العُصفورِ فأبى، وقال للرِّفاعيِّ: تَشتَريه منِّي؟ فقال الرِّفاعيُّ: نَعَم، بكم هو؟ قال: بأن أكونَ بصُحبَتِك في دارِ السَّلامِ، وأجوزَ مَعَك بالسَّلامِ على الصِّراطِ. قال الرِّفاعيُّ: نَعَمْ. فقال صاحِبُه: واللهُ على ما نَقولُ وكيلٌ؟ قال: نَعَم. قال: اعهَدْ مَعي. فعَهِدَ مَعَه، وخَلَّصَ العُصفورَ) [701] ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 62). .
لقدِ اعتادَ المُتَصَوِّفةُ ذِكرَ مِثلِ هذه الحِكاياتِ التي يَعِدونَ فيها من شاؤوا بدُخولِ الجَنَّةِ. ومِثلُ ذلك أيضًا ما يَزعُمُه مُتَصَوِّفةٌ آخَرونَ عن مَشايِخِهم، كالتِّيجانيِّ القائِلِ: (وعَدَني رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّ كُلَّ مَن رَآني يَدخُلُ الجَنَّةَ وإن كان كافِرًا) [702] يُنظر: ((بغية المستفيد)) للسائح (ص: 216)، ((الدرة الخريدة)) للسوسي (1/ 80). .
وكذلك قَولُ أحَدِ أتباعِه: (رَأيتُ شَيخَنا التِّيجانيَّ بيَدِه حُلَّةٌ، وقال لي: مَن رَأى هذه الحُلَّةَ دَخَل الجَنَّةَ) [703] ((رماح حزب الرحيم على حزب الرجيم)) للفوتي (1/ 182). .
ولا شَكَّ أنَّ الإسلامَ يَأبى مِثلَ هذه الأقاصيصِ التي تُعَلِّقُ النَّاسَ بغَيرِ اللهِ، وتَجعَلُ رَجاءَهم فيما عِندَ المُحتاجينَ الذينَ لا يَملِكونَ لأنفُسِهم نَفعًا ولا ضَرًّا، وتَقطَعُ الرَّجاءَ فيما عِندَ الغَنيِّ الذي بيَدِه الضُّرُّ والنَّفعُ، والثَّوابُ والعِقابُ، لا بيَدِ أحَدٍ سِواه.
ونَستَطيعُ القَولَ بأنَّ صُكوكَ ومَواثيقَ دُخولِ الجَنَّةِ التي يَذكُرُها المُتَصَوِّفةُ عن مَشايِخِهم قد سَبَقَهم إليها النَّصارى؛ فقدِ اشتَهرَ عنِ الكَنيسةِ مِثلُ هذه الصُّكوكِ المُسَمَّاةِ (صُكوكَ الغُفرانِ) والتي كانت تُشبِهُ في نَصِّها هذا النَّصَّ المَنسوبَ إلى الرِّفاعيِّ. وما زال النَّصارى إلى اليَومِ يَسخَرونَ من مَهزَلةِ هذه الصُّكوكِ ويَهزَؤون بسَبَبِها منَ الكَنيسةِ؛فليس للنَّصارى ولا للمُتَصَوِّفةِ أن يَتَألَّوا على اللهِ فيَضمَنوا الجَنَّةَ لأحَدٍ من عِبادِه أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ [الزخرف: 32] ، أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَحْمَةِ رَبِّكَ الْعَزِيزِ الْوَهَّابِ [ص: 9] .
12- الرِّفاعيُّ يَمرَضُ ويَجوعُ فداءً للآخَرينَ:
إنَّ فِكرةَ تَعذيبِ شَخصٍ فِداءً عنِ الآخَرينَ قديمةٌ تَبَنَّتها العَديدُ منَ الدِّياناتِ والمَذاهِبِ، وهي مُشتَهِرةٌ عِندَ النَّصارى الذينَ زَعَموا أنَّ المَسيحَ عليه السَّلامُ تَألَّمَ وتَعَذَّبَ من أجلِالآخَرينَ. وتُعرَفُ هذه الفِكرةُ بمَبدَأِ (الكَفَّارةِ والفِداءِ).
وهذه الفِكرةُ تَسَرَّبَت بدَورِها إلى أصحابِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ، فجَعَلوا شَيخَهم يَتَحَمَّلُ البلاءَ والمَرَضَ نيابةً عنِ الآخَرينَ؛ فقد ذَكَروا أنَّ شَيخَهم مَرِضَ فقال: (أقبَلَ على الخَلْقِ بلاءٌ عَظيمٌ فتَحَمَّلتُه عنهم واشتَرَيتُه بما بَقيَ من عُمري)! وكان يَبكي ويَقولُ: (اللَّهمَّ اجعَلْني سَقفَ البلاءِ على هؤلاء الخَلقِ) [704] يُنظر: ((إجابة الداعي في مناقب القطب الرفاعي)) للبرنزحي (ص: 9). !
وكان يَقولُ لخادِمِه يَعقوبَ: (ما وجَدَ أحَدٌ منَ الفُقَراءِ أذًى إلَّا وجَدتُ ألمَه في قَلبي) [705] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 143). .
ورَأى أحَدُهم حالَ الرِّفاعيِّ منَ الجوعِ والفقرِ فقال في نَفسِه: (أولادُ المَشايِخِ يركَبونَ الخَيلَ ويَلبَسونَ النَّاعِمَ، والسَّيِّدُ أحمَدُ لا يَركَبُ الخَيلَ ولا يَلبَسُ المَليحَ ولا يَشبَعُ منَ الطَّعامِ! فعَلمَ الشَّيخُ بما خَطَرَ في نَفسِه وقال له: يا ولدي، استَغفِرِ اللَّهَ ممَّا خَطَرَ لك، فلو لم يَجُعْ سَيِّدُك ما شَبعَ أحَدٌ منَ المُسلِمينَ، ولا رَكبَ فرَسًا ولا حِمارًا) [706] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59). .
13- الرِّفاعيُّ يَذوبُ ويَتَحَوَّلُ إلى ماءٍ:
من أعجَبِ ما حُكيَ عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه كان يَذوبُ كالرَّصاصِ ويَستَحيلُ إلى ماءٍ كُلَّما جَلسَ يَتَعَبَّدُ اللَّهَ تعالى!
فقد ذَكَرَ الصَّيَّاديُّ أنَّه لمَّا كان اللهُ يَتَجَلَّى على الرِّفاعيِّ بالعَظَمةِ كان يَذوبُ حتَّى يَبقى بُقعةَ ماءٍ ثمَّ تُدرِكُه الرَّحمةُ الإلهيَّةُ فيَجمُدُ شيئًا فشيئًا حتَّى يَعودَ بَدَنُه إلى ما كان عليه! فيَقولُ لأتباعِه: (لولا لُطفُ اللهِ ما عُدتُ إليكم) [707] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 67)، ((إجابة الداعي)) للبرنزحي (ص: 14). .
وذَكَرَ الصَّيَّاديُّ والنَّبهانيُّ أيضًا أنَّ الرِّفاعيَّ خَرَجَ مَعَ أحَدِ مُرافِقيه (وهو الشَّيخُ سَعيدٌ) في اللَّيلِ فوصَلا إلى بُستانٍ، فقال له الرِّفاعيُّ: قِفْ هَهنا حتَّى أرجِعَ. قال الشَّيخُ سَعيدٌ: (فوقَفتُ مَكاني حتَّى مَضى منَ اللَّيلِ شَطرُه وهو لم يَرجِعْ، فمَشَيتُ على أثَرِه لأعرِفَ خَبَرَه، فإذا أنا بثيابِه مُلقاةٌ على الأرضِ، وعلى جانِبِه ماءٌ، فجَعَلتُ أطوفُ يَمينًا وشِمالًا فلم أجِدْه. فرَجَعتُ إلى مَوضِعي وأنا مَرعوبٌ من ذلك إذ أقبل عَليَّ وأنوارُه تُشرِقُ، فسَألتُه عن ذلك فقال: يا ولدي، أنا كُنتُ ذلك الماءَ الذي رَأيتَه. نَظَرَني العَزيزُ سُبحانَه بعَينِ اللُّطفِ فصِرتُ كما تَرى! يا سَعيدُ، لولا أن نَظَرَني بعَينِ اللُّطفِ لَما رَجَعتُ إليكم أبَدًا) [708]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 81)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني 2)/ 99). .
ومِثلُ هذه الأحوالِ نَسَبوها أيضًا إلى غَيرِ الرِّفاعيِّ؛ فقد ذَكرَ الصَّيَّاديُّ أنَّ قَومًا جاؤوا إلى مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الرِّفاعيِّ- فسَألوه عنِ المَحَبَّةِ، فسَكَتَ ثمَّ ذابَ كما يَذوبُ الرَّصاصُ قَطرةً بَعدَ قَطرةٍ وهم ينظُرونَه حتَّى صارَ كالماءِ المائِعِ [709] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 22)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 28). !
وقد أخبَرَ أحَدُ من رَجَعوا عن هذه الطَّريقةِ أنَّه قَرَأ في أحَدِ كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ أنَّ سَبَبَ ذَهابِ إحدى عَينَيِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ: أنَّه كُلَّما جَلسَ للعِبادةِ والذِّكرِ يَذوبُ ويَتَحَوَّلُ إلى ماءٍ، فكان يَجلِسُ في طَستٍ لئَلَّا يَنتَشِرَ هذا الماءُ فيَضيعَ شَيءٌ من بَدَنِه! فكان أن جَلسَ في الطَّستِ مَرَّةً وتَحَوَّل إلى ماءٍ إلَّا عَيناه؛ فإنَّهما بَدَتا وكأنَّهما كُرَتَانِ، فدَخَلتِ ابنَتُه ولعِبَت بإحداهما فعَطَّبَتْها ومُنذُ ذلك الحينِ صارَ يَرى بعَينٍ واحِدةٍ! قال الرَّاوي التَّائِبُ: فقُلتُ في نَفسي: أبلغَتِ الخُرافةُ في الدِّينِ إلى هذا الحَدِّ؟! فأقبَلتُ على الكِتابِ وما صَحَّ منَ السُّنَّةِ وخَلعتُ عنِّي أوهامَ التَّصَوُّفِ [710] يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لدمشقية (ص: 18) وما بعدها. .
14- الرِّفاعيُّ لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ:
ممَّا حَكَوه عنِ الرِّفاعيِّ وغَيرِه منَ الكَراماتِ امتِناعُه عنِ الطَّعامِ والشَّرابِ لأيَّامٍ وأسابيعَ وشُهورٍ، بل لسَنَواتٍ!
فقد ذَكرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ أنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ خَرَجَ إلى الحَجِّ ثمَّ إلى المَدينةِ. ومُنذُ خُروجِه منَ العِراقِ إلى أن عاد إليها منَ الحَجِّ لم يَأكُلْ طَعامًا قَطُّ، ولم يَتَناوَلْ جَرعةَ ماءٍ واحِدةً [711] يُنظر: ((الكنز المطلسم)) (ص: 14، 18). .
وذَكَر أيضًا أنَّه بَقيَ مَرَّةً نِصفَ نَهارٍ لم يَشرَبْ ماءً فوجَدَ قدَحًا على التَّنُّورِ وفيه ماءٌ وسِخٌ من غَسلِ الأيدي. فقالت له نَفسُه: قد عَذَّبتَني نِصفَ النَّهارِ بالعَطَشِ وتَسقيني من هذا الماءِ الوَسِخِ؟
فلمَّا رَأى منها هذا العِتابَ ألقى القدَحَ من يَدِه وأقسَم أن لا يُذيقَها الماءَ سَنةً كامِلةً، وفعَل ذلك [712] يُنظر: ((المعارف المحمدية)) (ص: 74). !
وذَكَروا مِثلَ هذه الكَراماتِ لغَيرِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ؛ فذَكَروا أنَّ أبا رِفاعةَ المَهديَّالرِّفاعيَّ بَقيَ أربَعينَ يَومًا مُتَتاليةً لا يَأكُلُ ولا يَشرَبُ بل ولا يَنامُ. ومَعَ ذلك كُلِّه لم يَغِبْ عن أداءِ ما افتَرَضَه اللهُ عليه [713] يُنظر: ((ذخيرة المعاد)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 22). .
وكذلك قالوا عن أبي مُحَمَّدٍ اليَعقوبيِّ الرِّفاعيِّ: إنَّه كان كَثيرًا ما يَمكُثُ السِّتَّةَ أشهرٍ لا يَأكُلُ طَعامًا ولا يَشرَبُ ماءً [714] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 117). .
وذَكَروا أنَّ عُثمانَ بنَمروزةَ البطائحيَّ الرِّفاعيَّ بَقيَ بلا طَعامٍ ولا شَرابٍ سَبعَ سِنينَ [715] يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ 142). .
15- قريـةُ الرِّفاعيِّ (أمُّ عُبَيدةَ) البَيتُ الـحرامُ:
تُعتَبَرُ قَريةُ (أمُّ عُبَيدةَ) -مَسقَطُ رَأسِ أحمَدَ الرِّفاعيِّ- عِندَ الرِّفاعيَّةِ البُقعةَ المُقدَّسةَ والبلدَ الحَرامَ الذي يَتَقَرَّبُ الخَلائِقُ بزيارَتِه إلى اللهِ تعالى، ويَتَوجَّهُ إليه أصحابُ الحَوائِجِ والكُرُباتِ لدَفعِ حَوائِجِهم وكُرُباتِهم، وذَكَروا أنَّ أمرَ قُدسيَّتِها قد تَمَّ بمُقتَضى وعدٍ إلهيٍّ.
فقد ذَكرَ الصَّيَّاديُّ أنَّ الرِّفاعيَّ قال: (إنَّ اللهَ أعطى هذه البُقعةَ خاصِّيَّةً تُقَرِّبُ الخَلائِقَ إلى اللهِ، ووعَدَني أنَّه يُجيبُ إلى هذه البُقعةِ للزِّيارةِ زُبدةَ الخَلْقِ لاغتِنامِ بَرَكَتِها، وأن يَجعَلَ خَواصَّ خَلْقِه من مَشارِقِ الأرضِ ومَغارِبِها في هذه البُقعةِ) [716] ((قلادة الجواهر)) (ص: 87، 129). .
وقد جَعَلوا قَريةَ (أمُّ عُبَيدةَ) بمَنزِلةِ البلدِ الحَرامِ، فزَعَموا أنَّ الأمرَ الإلهيَّ قد صَدَرَ إلى الرِّفاعيِّ بأن يُناديَ بالنَّاسِ من كُلِّ حَدَبٍ وصَوبٍ ليَحُجُّوا إليها، ففَعَل مِثلَما فَعَل إبراهيمُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم حينَ نادى بالنَّاسِ بالحَجِّ.
وزَعَموا أنَّه قال: (قيل لي: قُمْ فنادِ أهلَ المَشرِقِ والمَغرِبِ والسَّهلِ والجَبلِ إلى زيارةِ هذه البُقعةِ السَّعيدةِ، فقامَ الرِّفاعيُّ وصارَ يُشيرُ بيَدَيه وهو واقِفٌ ويَقولُ: تَعالَوا إلى «أمِّ عُبَيدةَ» تَعالوا إلى هذه البُقعةِ المُبارَكةِ: كُلَّ شَهرٍ قَومٌ، وكُلَّ سَنةٍ قَومٌ، وكُلَّ وقتٍ قَومٌ، ثمَّ أردَف يَقولُ «نَعَم، نَعَم»، فلمَّا سُئِل عن ذلك قال: لمَّا ناديتُ أجابوني بقُدرةِ اللهِ خَلقٌ كَثيرٌ لا تحمِلُهم هذه البُقعةُ، فلمَّا رَأيتُ ذلك قُلتُ: رويدًا رويدًا كُلَّ شَهرٍ قَومٌ، كُلَّ سَنةٍ قَومٌ) [717] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 43). .
وقد جَعَلوا لقَريةِ «أمِّ عُبَيدةَ» فضائِلَ عَديدةً، ذَكَروا منها:
1- أنَّ زائِرَها يَروحُ ويَأتي تَحتَ ظِلالِ أجنِحةِ المَلائِكةِ [718] يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 224). .
2- أنَّ زائِرَها لا تَأكُلُه النَّارُ ولا تَضُرُّه، وهذا من وعدِ اللهِ للشَّيخِ الرِّفاعيِّ كما يَقولونَ [719] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 87)، ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 229). ، وهذا ما لا يُضمَنُ في العادةِ لزائِرِ مَكَّةَ ولا المَدينةِ.
3- أنَّ زيارَتَها ومُلازَمَتَها كَفيلةٌ بقَضاءِ كُلِّ حاجةٍ، ويَروونَ في ذلك قِصَّةَ الأميرِ عَبدِ اللَّهِ الصَّيرَفيِّ الذي وقَعَ في حالةِ دَينٍ، فلازَمَ قُبَّةَ أحمَدَ الرِّفاعيِّ فقُضيَت حاجَتُه [720] ((المعارف المحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 40). .
وقالوا: يَنبَغي على زائِرِها أن يَتَوجَّهَ إليها عِندَ طَلبِ حاجَتِه ويَخطوَ إليها ثَلاثَ خُطواتٍ.
قال الصَّيَّاديُّ: (إن أهَمَّه أمرٌ فليَتَوضَّأْ ويُصَلِّي للَّهِ رَكعَتَينِ، ثمَّ يُصَلِّي على النَّبيِّ مِائةَ مَرَّةٍ، ثمَّ يَتَّجِهُ إلى جِهةِ البَصرةِ مَحَلِّ مَرقَدِ الغَوثِ الرِّفاعيِّ ويَخطو ثَلاثَ خُطواتٍ، ويَقولُ له:
أيَظلِمُني الزَّمانُ وأنتَ فيه
وتَأكُلُني الذِّئابُ وأنتَ ليثُ؟
ويُروى مِن بنانِك كُلُّ ظامي
وأظمَأُ في حِماك وأنتَ غَـيثُ؟
وقد جَرَّبَها رَجُلٌ مَظلومٌ ظَلَمه آلُ غَريبٍ، فالتَزَمَ القُبَّةَ الرِّفاعيَّةَ، وقال هَذَينِ البَيتَينِ، فقال له الشَّيخُ أحمَدُ في المَنامِ: «قُضِيَت حاجَتُك» فما مَضى شَهرٌ حتَّى فنيَ آلُ غَريبٍ عن آخِرِهم) [721] ((قلادة الجواهر)) (ص: 435، 239)، ((المعارف المحمدية)) (ص: 40، 112)، ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 229)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 34)، ((العقود الجوهرية)) (ص: 46، 47) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
وزَعَموا أنَّ الرِّفاعيَّ كان يَقولُ: (إذا كان لكم حاجةٌ ولم تَقدِروا أن تَصِلوا إلى «قَريةِ» أمِّ عُبَيدةَ فتَوجَّهوا نَحوَها للَّهِ تعالى ثَلاثَ خُطواتٍ، واسألوا حاجَتَكم) [722] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 129، 165، 166)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 34) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
أوصافُ القريةِ الحرامِ ومزاياها عِندَهم:
وقد وصَفوا هذه القَريةَ بأنَّها:
1- كَعبةُ همومِ المُحَقِّقينَ، وحَرَمُ الأمانِ للطَّالبينَ، البَيتُ المُقَدَّسُ الأمينُ، مَهبِطُ الرَّحَماتِ، مَنبَعُ الفُتوحاتِ، نَمَطُ الجَفرِ العُلويِّ [723] يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (221، 222). وهذا تصريحٌ آخَرُ من قبلِهم بالجَفرِ المكذوبِ. المنسوبِ إِلى عليٍّ رَضِيَ اللهُ عنه؛ ممَّا يؤكِّدُ مُيولَ هذه الطَّريقةِ إلى التشيُّعِ. .
2- مَحَطُّ رِحالِ العِبادِ، ومنها يُنثَرُ الخَيرُ إلى سائِرِ البلادِ.
3- البُقعةُ المُقدَّسةُ، طورُ سَيناءَ قُلوبُ العارِفينَ [724] يُنظر: ((بوارق الحقائق)) للرواس (ص: 226). .
الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والكَعبةُ يَزورانِ قَريةَأمِّ عُبَيدةَ:
إنَّ كُلَّ هذه الصِّفاتِ التي تَتَّصِفُ بها قَريةُ أمِّ عُبَيدةَ تَجعَلُها أفضَلَ منَ المَساجِدِ الثَّلاثةِ (المَسجِدِ الحَرامِ، والمَسجِدِ النَّبَويِّ، والمَسجِدِ الأقصى)، وأوَّلُها في ذلك مَكَّةُ. وكَيف لا تَكونُ أفضَلَ من مَكَّةَ وقد زَعَموا أنَّ الكَعبةَ رُئِيتَ وهي قادِمةٌ تَشُدُّ رِحالَها إلى قَريةِ أمِّ عُبَيدةَ مَعَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم!
فلقد زَعَموا أنَّ أحَدَ الصُّوفيَّةِ رَأى في المَنامِ خيامًا عَظيمةً على الطَّريقِ فسَأل: لمَن هذه الخيامُ؟ فقالوا: هذه لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فدَخَل إليه وسَلَّمَ عليه.
وقال: يا رَسولَ اللهِ، إلى أينَ هذه الرِّحلةُ المُبارَكةُ؟
فقال: إلى قَريةِ أمِّ عُبَيدةَ لزيارةِ أحمَدَ بنِ أبي الحَسَنِ الرِّفاعيِّ!
فقُلتُ: يا رَسولَ اللهِ: النَّاسُ لك يَزورونَ وإلى نَحوِك يَقصِدونَ!
فقال: يا حاجُّ، أنتَ حَجَجتَ وقَصَدتَ البَيتَ؟
فقُلتُ: نَعَم.
فقال: ارفَعْ رَأسَك فانظُرْ.
قال: فرَفعتُ رَأسي فنَظَرتُ إلى الكَعبةِ وهي سائِرةٌ.
قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ها أنا والكَعبةُ زائِرونَ، زَورًا زُرْنا.
فقامَ الرَّجُلُ مِن نَومِه وهَبَّ يُنادي في النَّاسِ ويَحُثُّهم على المُبادَرةِ إلى المسيرِ إلى قَريةِ الرِّفاعيِّ حَيثُ الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم والكَعبةُ زائِرونَ [725] يُنظر: ((إرشاد المسلمين لطريقة شيخ المتقين)) للفاروثي (ص: 84)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 59). .
فهل يَتَوافقُ كُلُّ هذا مَعَ تَعاليمِ شَيخِهمُ الرِّفاعيِّ الذي كان يَقولُ لهم: (يا سادةُ: لا تَجعَلوا رُواقي حرَمًا، ولا قَبري بَعدَ مَوتي صَنَمًا، عليكم به سُبحانَه، لا يَضُرُّ ولا يَنفَعُ ويَصِلُ ويَقطَعُ ويُفرِّقُ ويَجمَعُ إلَّا اللهُ) [726]يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 115). ويُنظر: ((البرهان المؤيد)) المنسوب للرفاعي (ص: 52). ؟!
كراماتٌ أم خُرافاتٌ؟
إضافةً إلى ما تَقدَّمَ ذِكرُه عنِ الرِّفاعيَّةِ منَ الكَراماتِ المُدَّعاةِ التي تَجعَلُ للَّهِ تعالى شُرَكاءَ في التَّصَرُّفِ والقُدرةِ وحيازةِ كَلمةِ التَّكوينِ، ثَمَّةَ نَوعٌ آخَرُ منَ الكَراماتِ، وهي أقرَبُ إلى الخَيالِ منها إلى الواقِعِ.
فقد أورَدَ النَّبهانيُّ عن أحَدِ الأولياءِ أنَّه كان كَثيرَ التَّطَوُّرِ والتَّغَيُّرِ؛ فتارةً تَدخُلُ عليه فتَراه وَحشًا، وتارةً تَدخُلُ فتَجِدُه فِيلًا، وتارةً تَدخُلُ فتَجِدُه صَبيًّا صَغيرًا [727]يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) (1/ 404). .
وذكَر عن وليٍّ آخَرَ أنَّه: كان إذا أرادَ دُخولَ البابِ فوجَدَه مُقفَلًا: يَدخُلُ من شُقوقِه التي تَعجِزُ النَّملةُ عن دُخولِها [728] يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) (2/ 180). !
وقالوا: إنَّ الشَّيخَ الرِّفاعيَّ سَجَدَ مَرَّةً فبَقيَ ساجِدًا سَنةً كامِلةً لم يَرفعْ رَأسَه أبَدًا حتَّى نَبَتَ العُشبُ على ظَهرِه [729] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 340)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 36) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. !
بل حَكى عنه أتباعُه أنَّه حَدَّثَ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مَرَّ برَجُلٍ ساجِدٍ على صَخرةٍ مُنذُ ثَلاثمِائةِ سَنةٍ [730]يُنظر: ((حالة أهل الحقيقة مع الله)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 107). !
وذَكَروا أنَّ رَجَبًا الرِّفاعيَّ كان كثيرًا ما يَتَواجَدُ في حَلقةِ الذِّكرِ، فيقطُرُ من عَرَقِه العِطرُ النَّفيسُ الخالِصُ كما يَقطُرُ المَطَرُ [731] يُنظر: ((تنوير الأبصار)) (ص: 119)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 159) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. !
وأنَّ منصورًا البطائِحيَّ كان إذا فتَحَ فمَه يَخرُجُ منه عَمودٌ من نورٍ يَخرِقُ السَّمَواتِ السَّبعَ [732] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 44). !
ومنَ الكَراماتِ التي ذَكَروها لأبي الفتحِ الواسِطيِّ المَذكورةِ أنَّه كان هناكَ خَطيبٌ لجامِعٍ يُنكِرُ على الواسِطيِّ أشَدَّ الإنكارِ، وكان هذا الخَطيبُ على منبَرِه، فتَذكَّر أنَّه جُنُبٌ، فمَدَّ له الشَّيخُ أبو الفتحِ كُمَّه فوجَدَه (زُقاقًا) -أي وجَدَ في كُمِّه شارِعًا ضَيِّقًا- فرَأى فيه ماءً ومُطهُرةً، فاغتَسَل وخَرَجَ وعادَ على منبَرِه يَخطُبُ، فلمَّا سَتَرَه الشَّيخُ الواسِطيُّ هذه السُّترةَ اعتَقدَه وصارَ من أجَلِّ أصحابِه [733] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 405)، ((الطبقات)) للشعراني (1/202)، ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (1/ 285). !
وبَقيَ عُثمانُ بنُمروزةَ البطائِحيُّ الرِّفاعيُّ شاخِصًا بَصَرَه إلى السَّماءِ سَبعَ سَنَواتٍ دونَ طَعامٍ ولا شَرابٍ. ثمَّ ما لبثَ أن (عادَ إلى بَشَريَّتِه) فقيل له: اذهَبْ إلى قَريَتِك وجامِعْ أهلَك فقد آنَ ظُهورُ ولدٍ منك. فلمَّا أرادَ مُجامَعةَ أهلِه صَعِدَ السَّطحَ ونادى في أهلِ القَريةِ: يا أهلَ القَريةِ، أنا فُلانٌ، اركَبوا فإنِّي سَأركَبُ، فبلَّغَهمُ اللهُ صَوتَه وأفهَمَهم مَعناه، فمَن وافقَه تلك اللَّيلةَ رُزِق ولدًا صالحًا [734]يُنظر: ((جامع كرامات الأولياء)) للنبهاني (2/ (142. !
وكان عَقيلٌ المنبجيُّ -من كِبارِ أصحابِ الرِّفاعيِّ- يَقولُ: (أعطاني اللهُ الكَلمةَ النَّافِذةَ في كُلِّ شَيءٍ. ثمَّ قامَ وقال: يا هَوامُّ يا حِجارةُ يا شَجَرُ صَدِّقوني. فوفدَتِ الوُحوشُ منَ الجَبلِ، ومَلأ زَئيرُها وصُراخُها البِقاعَ ودارَت حَولَه ورَقَصَتِ الحِجارةُ. فهذه صاعِدةٌ، وهذه نازِلةٌ، واشتَبَكَتِ الأغصانُ ببَعضِها) [735]يُنظر: ((ترياق المحبين)) للقادري (ص: 46)، ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 36). .
ودَخلُ عُمَرُ الحَريريُّ -شَيخُ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ بحَماةَ- إلى حُجرَتِه الكَبيرةِ مَعَ صَديقِه عَبدِ اللَّهِ أفندي الحَلبيِّ، وإذ به يَملأُ الحُجرةَ بَعدَ أن كَبُرَ حَجمُه أضعافًا عَمَّا كان عليه في خِلالِ لحَظاتٍ، فارتَعَدَ السَّيِّدُ عَبدُ اللَّهِ، فطَمأنَه الشَّيخُ عُمَرُ، وأخبَرَه أنَّ ما حَصَل له إنَّما كان من فرحَتِه بحُضورٍ روحانيَّةِ المُصطَفى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى الحُجرةِ [736] يُنظر: ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 118). !
وقال أحمَدُ الصَّيَّادُ الرِّفاعيُّ: (كُنَّا كُلَّما مَرَرْنا على نَهرِ ماءٍ استَقبلتِ السَّمَكُ الشَّيخَ أحمَدَ منَ النَّهرِ إلى الشَّاطِئِ وازدَحَمَت على قدَمَيه، وكذلك الدَّوابُّ والغِزلانُ في البَرِّ تَقِفُ على حافَتَيِ الطَّريقِ وتَزدَحِمُ على شَمِّ قدَمَيه الشَّريفتَينِ) [737] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 102، 340)، ((خزانة الأمداد)) (ص: 36) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ووقَعَ بَينَ بَهاءِ الدِّينِ الرَّوَّاسِ وإحدى الأشجارِ مُساجَلةٌ كَلاميَّةٌ حينَ كان مَعَ قافِلةٍ إذ تَوقَّفت فطَلب الشَّيخُ من أحَدِ رُكَّابِ القافِلةِ أن يَسمَحَ له بأن يَستَظِلَّ تَحتَ خَيمَتِه فأبى الرَّجُلُ. وإذا بشَجَرةٍ تُنادي الشَّيخَ وتُخاطِبُه مُشافهةً وبصَوتٍ، تَقولُ له: ما أقَلَّ حَظَّ صاحِبِ هذه الخَيمةِ، ما أبعَدَه عن رَبِّه! باللهِ عَليك يا وليَّ اللهِ تَعالَ شرِّفْني باستظلالِك عندي [738] يُنظر: ((بوارق الحقائق)) (ص: 66). .
وحَكى أبو الهُدى الصَّيَّاديُّ أنَّ رَجُلًا حَضَر عِندَ الرِّفاعيِّ فقال له: (يا سَيِّدي، أنتَ تُعطي النَّاسَ يَدَك يُقَبِّلونَها، فقال: ما يُقَبِّلونَ يَدي وإنَّما يُقَبِّلونَ اسمَ اللهِ العَظيمِ. ثمَّ مَدَّ الرِّفاعيُّ أصابعَه وقال: انظُرْ إلى أصابعي؛ فإنَّها اسمُ اللهِ تعالى، ففرَّقَ أصابعَه وأقامَ الخِنصرَ في مَقامِ الألفِ والبِنصرَ والوُسطى في مَقامِ اللَّامَينِ وضَمَّ الإبهامَ بالسَّبَّابةِ حتَّى صارَ بشَكلِ الهاءِ منِ اسمِ اللهِ تعالى، فتعجَّب الرَّجُلُ) [739] ((قلادة الجواهر)) (ص: 198). .
تلك صُوَرٌ ونَماذِجُ لجَوانِبَ مُتَعَدِّدةٍ من غُلوِّ الرِّفاعيَّةِ في شَأنِ مَشايِخِهم، وهم مَعَ ذلك الغُلوِّ الشَّنيعِ يَزعُمونَ أنَّ طَريقَتَهم قائِمةٌ على اتِّباعِ الكِتابِ والسُّنَّةِ! وتلك دَعوى تُخالِفُ حَقيقةَ ما هم عليه من غُلوٍّ شَديدٍ إلى دَرَجةِ اعتِقادِهم أنَّ البَرَكةَ تَحصُلُ بمُجَرَّدِ ذِكرِ أسماءِ مَشايِخِهم؛ ولذلك أمَروا أتباعَهم عِندَ ذِكرِ أسمائِهم أن يَمسَحوا بأيديهم على وُجوهِهم. ورَووا عنِ الرِّفاعيِّ أنَّ الشَّيخَ مَنصورًا كان يَأخُذُ التَّوبةَ على النَّاسِ حتَّى الطِّفلِ الذي في المَهدِ وحتَّى الأجِنَّةِ في البُطونِ [740] من الظَّواهِرِ المخالِفةِ للشَّرعِ عندَ الرِّفاعيَّةِ أنَّ توبةَ التَّائِبِ تتِمُّ عن طريقِ الشَّيخِ، فيذكرُ الصياديُّ دائمًا مجيءَ رجالٍ يأتون الرِّفاعيَّ ويقولون: (خُذْ علينا العَهدَ وتوِّبْنا). ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 57، 76، 87، 88، 89، 95). بينما التَّوبةُ في الإسلامِ لا واسطةَ فيها بينَ العَبدِ ورَبِّه. وإنَّما هذه الواسِطةُ شَبيهةٌ بواسِطةِ القِدِّيسِ عندَ النَّصارى الذي يذهَبون إليه ليعترفوا بخطاياهم، ويأخذون العَهدَ على يدَيه أن لا يعودوا إليها. ، ثمَّ قال: (إذا ذَكَرتُمُ الشَّيخَ مَنصورًا فأمِرُّوا أيديَكم على وُجوهِكم يُنَوِّرُها اللَّهُ تعالى ببَرَكَتِه) [741]يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 20)، ((الفجر المنير)) (ص: 75)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 181، 182) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ونُقِل عن أحَدِ مَشايِخِ الرِّفاعيَّةِ أنَّه رَأى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في المَنامِ، وكُلَّما ذُكِرَ أمامَه أبو الوفا قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بسمِ اللهِ الرَّحمَنِ الرَّحيمِ، ما أقولُ فيمَن أباهي الأمَمَ به يَومَ القيامةِ؟! قال الوَتريُّ: (ولذلك كان مَشايِخُ الرِّفاعيَّةِ إذا ذَكَروا أبا الوفا يُسَمُّونَ اللهَ تعالى ثمَّ يَأتونَ بذِكرِه). وكانوا يَقولونَ: (عَجِبْنا لمَن يَذكُرُ اسمَ السَّيِّدِ أبي الوفا ولم يُسَمِّ اللَّهَ ويَمَسَّ بيَدِه على وَجهِه، كَيف لم يَسقُطْ لحمُ وَجهِه لهَيبَتِه؟!) [742] ((روضة الناظرين)) (ص: 28). .
ولم يُخالِفوا فقَطِ الكِتابَ والسُّنَّةَ بل خالفوا أيضًا منهجَ شَيخِهمُ الذي يَزعُمونَ اتِّباعَه؛ فقد كان الرِّفاعيُّ يَنهى عنِ الظُّهورِ بالكَرامةِ والفرَحِ بها قائِلًا: (يا أخي، أخافُ عَليك منَ الفرَحِ بالكَرامةِ وإظهارِها، فلا تَرغَبْ للكَراماتِ وخَوارِقِ العاداتِ؛ فإنَّ الأولياءَ يَستَتِرونَ منَ الكَرامةِ كما تَستَتِرُ المَرأةُ من دَمِ الحَيضِ) [743] يُنظر: ((الكليات الأحمدية)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 106). . وقال أيضًا: (مَن أظهَر كرامةً فهو مُدَّعٍ) [744] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 347). .
أمَّا صُلحاءُ أصحابِه فمنهم شَمسُ الدِّينِ مُحَمَّدٌ الذي كان يَقولُ: (إظهارُ الكَراماتِ مَرَضٌ، وإخفاؤُها سِرٌّ، وما يَنبَغي أن تَظهَرَ الأسرارُ)، ومنهم سِبطُ أحمَدَ الرِّفاعيِّ: (صَدرُ الدِّينِ عَليٌّ) الذي كان يَقولُ: (إظهارُ الكَراماتِ مَرَضٌ، وكَتمُها سِرٌّ) [745] يُنظر: ((تنوير الأبصار)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 55). .
وقد حَمَل عليهمُ ابنُ تيميَّةَ فيما يَفعَلونَه من تَفتيلِ الشَّعرِ وحَملِ الحَيَّاتِ، وقال بأنَّ هذا لم يَكُنْ من شِعارِ الصَّالحينَ ولا منَ الصَّحابةِ والتَّابعينَ، ولا شُيوخِ المُسلمينَ، ولا الشَّيخِ أحمَدَ بنِ الرِّفاعيِّ ولا غَيرِه، وإنَّما ابتَدَعَت ذلك بَعدَ مَوتِه بمُدَّةٍ طَويلةٍ طائِفةٌ مِمَّنِ انتَسَبوا إليه، مُخالفينَ بذلك طَريقَ المُسلمينَ [746] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 494). .
وكذلك حَمَل عليهمُ الألوسيُّ الذي قال: (أعظَمُ النَّاسِ بلاءً في هذا العَصرِ على الدِّينِ والدَّولةِ: مُبتَدِعةُ الرِّفاعيَّةِ، فلا تَجِدُ بدعةً إلَّا ومنهم مَصدَرُها وعنهم مَورِدُها ومَأخَذُها، فذِكْرُهم عِبارةٌ عن رَقصٍ وغِناءٍ والتِجاءٍ إلى غَيرِ اللهِ وعِبادةِ مَشايِخِهم. وأعمالُهم عِبارةٌ عن مَسكِ الحَيَّاتِ) [747] ((غاية الأماني في الرد على النبهاني)) (1/ 370). .
ويَظهَرُ أنَّ إنكارَ أهلِ العِلمِ على الرِّفاعيَّةِ في ذلك الزَّمَنِ قدِ اشتَدَّ حتَّى أصدَروا فتوى بأنَّ: أخذَ الحَيَّاتِ، وشُربَ السُّمِّ، والضَّربَ بآلاتِ السِّلاحِ مِثلِ السَّيفِ والخِنجَرِ والسِّكِّينِ: منَ الكُفرِ، وفاعِلُ ذلك يَكفُرُ [748] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 201، 203). .
ولقد ضاقَ الصَّيَّاديُّ صَدرًا بهذه الفتوى مُعتَبرًا ذلك من جُملةِ الحَسَدِ على هذه الطَّريقةِ، وشَنَّعَ عليهم في رِسالتِه المُسَمَّاةِ (الغارةَ الإلهيَّةَ) واصِفًا إيَّاهم بالحَسَدةِ أصحابِ التَّعَصُّبِ الواهي [749] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 280). . غيرَ أنَّه هو الآخَرُ استَنكَرَ ما يَفعَلُه الرِّفاعيَّةُ من هذه الخَوارِقِ التي يَدَّعونَ أنَّها كَراماتٌ، فقال: (إنِّي رَأيتُ كَثيرًا مِمَّن تصَدَّر لمَشيَخةِ هذه الطَّريقةِ العَليَّةِ الرِّفاعيَّةِ لا يَعرِفونَ أصولَها ولا فُروعَها ولا خَلواتِها ولا أورادَها... غايةُ ما عَرَفوا في هذه الطَّريقةِ اللَّعِبَ بالنَّارِ والدَّبُّوسِ والحَيَّاتِ وغَيرِها، وادَّعَوا أنَّ هذه البَراهينَ كَراماتٌ لهم، حاشا) [750] ((قلادة الجواهر)) (ص: 433). .
فالعَجَبُ أن تَحصُلَ الخَوارِقُ لهؤلاء الذينَ تَصَدَّروا مَشيَخةَ الطَّريقةِ مَعَ أنَّهم لم يَعرِفوا أصولَ الطَّريقةِ ولا فُروعَها! فلم يَعُدْ من تَفسيرٍ لهذه الظَّاهرةِ إلَّا أن تَكونَ خُدعةً من خُدَعِ شَياطينِ الجِنِّ.
إنَّ احتِمالَ أن تَكونَ هذه الخَوارِقُ خُدعةً شَيطانيَّةً قَريبٌ جِدًّا وغَيرُ مُستَبعَدٍ، لا سيَّما أنَّها تَحصُلُ لهم عِندَ الاستِعانةِ بالرِّفاعيِّ ونِدائِه. والرِّفاعيَّةُ يَعتَرِفونَ بأنَّ خوارِقَهم لا تَحصُلُ إلَّا عِندَ ذِكرِ اسمِ الرِّفاعيِّ وطَلَبِ المَدَدِ منه. وهذه هي مادَّةُ الشِّركِ التي بها تَحصُلُ الخَوارِقُ بواسِطةِ الشَّياطينِ. هذه المادَّةُ التي بها يَفعَلُ الوثَنيُّونَ منَ البوذيِّينَ والهُندوسِ خَوارِقَ مُماثِلةً لخَوارِقِ الرِّفاعيَّةِ.
فالاعترافُ الأوَّلُ: منَ الصَّيَّاديِّ نَفسِه الذي أنشَدَ يُثني على الرِّفاعيِّ ويَقولُ:
يُذِلُّ الأفاعي حينَ يَذكُرُ اسمَه
وتَخضَعُ أُسدُ الغابِ وهي كَواشِرُ
يَمُدُّ ويَحمي المُلتَجي لطـريقِه
سَواءٌ بها بَرٌّ ومَن هو فاجِرُ [751] ((القواعد المرعية)) (ص: 33)، ((المعارف المحمدية)) (ص: 90)، ((تطبيق حكم الطريقة العلية)) (ص: 313) جميعها لأبي الهدى الصيادي. .
وبهذا الاعتِرافِ يَسقُطُ ما قاله الصَّيَّاديُّ من أنَّ دُخولَ الرِّفاعيَّةِ النَّارَ مَسبوقٌ بمُعجِزةِ إبراهيمَ الخَليلِ عليه السَّلامُ، وأنَّ السُّقوطَ من أعلى إلى أسفَلَ مَسبوقٌ بإسقاطِه عليه السَّلامُ بالمَنجَنيقِ، وأنَّ أخذَ الحَيَّاتِ مَسبوقٌ بمُعجِزةِ موسى عليه السَّلامُ.
فإنَّ مُعجِزةَ إبراهيمَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كان سَبَبَها التَّوحيدُ ومُحارَبةُ الوثَنيَّةِ بَينَ قَومِه.
أمَّا الرِّفاعيَّةُ فلا تُمنَحُ الخَوارِقُ لهم إلَّا عِندَ ذِكرِ اسمِ الرِّفاعيِّ والاستِغاثةِ به.
وأمَّا اللَّعِبُ بالحَيَّاتِ فلم يَكُنْ من عَمَلِ موسى عليه السَّلامُ، وإنَّما كان مِن عَمَلِ سَحَرةِ فِرعَونَ، وإنَّما ألقى موسى عليه السَّلامُ العَصا فانقَلبَت حَيَّةً، وكانت مُعجِزَتُه تَحَدِّيًا لهم.
ثمَّ إنَّ الشَّبَهَ إنَّما هو حاصِلٌ في الحَقيقةِ بَينَ الرِّفاعيَّةِ وبَينَ سَحَرةِ فِرعَونَ وليس بَينَهم وبَينَ موسى؛ فإنَّ الرِّفاعيَّةَ يَقولونَ: (بعِزَّةِ الرِّفاعيِّ) عِندَ فِعلِ الخَوارِقِ، وكان سَحَرةُ فِرعَونَ يَقولونَ: (بعِزَّةِ فِرعَونَ) فكِلَا الفريقَينِ يَعتَزُّونَ بغَيرِ اللهِ، فمِن أينَ وقَعَ الشَّبَهُ بَينَهم وبَينَ موسى عليه السَّلامُ؟!
والاعترافُ الثَّاني: من أحَدِ الذينَ كانوا من كِبارِ الطَّريقةِ الرِّفاعيَّةِ في هذا العَصرِ، واسمُه (مُصطَفى السَّعدَني) وقد بَقيَ في هذه الطَّريقةِ زمنًا طويلًا إلى أن نال فيها مَرتَبةَ (الشَّاويشيَّةِ) ثمَّ رَجَعَ عنها. وأخبَرَ أنَّهم كانوا يَستَغيثونَ بالرِّفاعيِّ ويَطلُبونَ منه أن يُذَلِّل لهمُ الثَّعابينَ، فيَتَمَكَّنونَ من تَذليلِها، وكانوا يُنادونَ باسمِه ويَغرِسونَ الدَّبابيسَ في وُجوهِهم، والصِّيغةُ التي كانوا يَقولونَها على النَّحوِ التَّالي:
نادِ على الأربَعةِ يَلي انتَ لهم مُحتاج
أربَعُ سَلاطينَ أمارى لابسينَ التَّاج
أحمَد ويا أحمَد [752] يقصدون بالأول: الرفاعي وبالثاني البدوي. نظـرة يا أبا فرَّاج
دُسوقي وجِيلاني نَظرة يا ساكِن بَغداد
أنا لاموني العَوازِل لقَولِ سِرِّ الكِرامِ راحَ فين
أنا لهجم على الدَّبُّوسِ وقَول مَدَدين
مَدَد يا أبا العَلَمين
قال: ثمَّ نَغرِسُ الدَّبُّوسَ بهذا الدُّعاءِ الشِّركيِّ، الذي به كُنَّا نُمسِكُ الثَّعابينَ ونُخرِجُها منَ الشُّقوقِ أمامَ النَّاسِ في القُرى.
وقد أخبَرَ أنَّ أهَمَّ ما جَعَله يُعيدُ النَّظَرَ في انتِمائِه إلى الرِّفاعيَّةِ هو قِصَّةُ ذَوبانِ الشَّيخِ الرِّفاعيِّ وتَحَوُّلِه إلى ماءٍ كُلَّما ذكرَ رَبَّه، وما تَتَضَمَّنُه هذه القِصَّةُ من خُرافةٍ لا يُمكِنُ للعَقلِ استِساغَتُها [753] يُنظر: ((الطريقة الرفاعية)) لدمشقية (ص: 96- 105). .
وهنا يَنجَلي الأمرُ وتَنكَشِفُ حَقيقَتُه؛ فإنَّ الشَّياطينَ وراءَ هذه الخَوارِقِ يَسوقونَ النَّاسَ بها إلى الشِّركِ باللهِ واعتِقادِ حَلِّ المُشكِلاتِ وكَشفِ الكُرُباتِ والإتيانِ بالمُعجِزاتِ بواسِطةِ الرِّفاعيِّ والبَسمَلةِ به لا باللهِ.
وهذا هو السِّرُّ في اعتِرافِ صالحٍ الرِّفاعيِّ أحَدِ كِبارِ الرِّفاعيَّةِ أمامَ ابنِ تيميَّةَ وأمامَ أميرِ البلادِ بأنَّ: (أحوالَنا ما تَنفُذُ قُدَّامَ أهلِ الكِتابِ والسُّنَّةِ، وإنَّما تَنفُذُ قُدَّامَ مَن لا يَكونُ كذلك منَ الأعرابِ والتُّركِ والعامَّةِ وغَيرِهم) [754] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (11/668). !
فذَكَرَ ابنُ كَثيرٍ أنَّه قال: (نَحنُ أحوالُنا إنَّما تَتَّفِقُ عِندَ التَّتارِ ليست تَتَّفِقُ عِندَ الشَّرعِ). قال ابنُ كَثيرٍ: (فضَبَطَ الحاضِرونَ عليه تلك الكَلِمةَ) [755] ((البداية والنهاية)) (14/ 36). ويُنظر نحوها عند ابن تيمية: ((مجموع الفتاوى)) (11/ 455)، ((عقد الجمان في تاريخ أهل الزمان)) للعيني (4/ 407). .
وذلك لأنَّ أهلَ الشَّرعِ والسُّنَّةِ تُؤَيِّدُهمُ المَلائِكةُ، فتَنكِصُ الشَّياطينُ حينَئِذٍ على أعقابِها كما نَكَصَت يَومَ الزِّينةِ يَومَ حُشرَ النَّاسُ ضُحًى، وانكَشَف للنَّاسِ السِّحرُ وبَطَل عَمَلُه وَلَا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى [طَه: 69] .
وقد بَيَّنَ ابنُ تيميَّةَ الكَيفيَّةَ التي تَحصُلُ بها تلك الخَوارِقُ، فقال: (... هؤلاء الذينَ يَدخُلونَ النَّارَ مَعَ خُروجِهم عنِ الشَّريعةِ هم من هذا النَّمَطِ؛ فإنَّ الشَّياطينَ تُلابسُ أحَدَهم بحَيثُ يَسقُطُ إحساسُ بَدَنِه، حتَّى إنَّ المَصروعَ يُضرَبُ ضربًا عظيمًا وهو لا يُحِسُّ بذلك ولا يُؤَثِّرُ في جِلدِه. فكذلك هؤلاء تَلبَسُهمُ الشَّياطينُ وتَدخُلُ بهمُ النَّارَ وقد تَطيرُ بهم في الهَواءِ. وإنَّما يَلبَسُ أحَدَهمُ الشَّيطانُ مَعَ تَغَيُّبِ عَقلِه كما يَلبَسُ الشَّيطانُ المَصروعَ... ومنهم مَن يَصعَدُ في الهَواءِ ويَقِفُ على زُجِّ الرُّمحِ، ويَدخُلُ النَّارَ، ويَأخُذُ الحَديدَ المُحمى بالنَّارِ ثمَّ يَضَعُه على بَدَنِه، وأنواعٍ من هذا الجِنسِ، ولا تَحصُلُ له هذه الحالُ عِندَ الصَّلاةِ ولا عِندَ الذِّكْرِ ولا عِندَ قِراءةِ القُرآنِ؛ لأن هذه عِباداتٌ شَرعيَّةٌ إيمانيَّةٌ إسلاميَّةٌ نَبَويَّةٌ مُحَمَّديَّةٌ تَطرُدُ الشَّياطينَ، وتلك عِباداتٌ شِركيَّةٌ شَيطانيَّةٌ فلسَفيَّةٌ تَستَجلبُ الشَّياطينَ... عِندَهم أحوالٌ شَيطانيَّةٌ تَعتَريهم عِندَ السَّماعِ الشَّيطانيِّ، فتَنزِلُ الشَّياطينُ عليهم كما تَدخُلُ في المَصروعِ، ويُزبِدُ أحَدُهم كما يُزبِدُ المَصروعُ، وحينَئِذٍ يُباشِرُ النَّارَ والحَيَّاتِ والعَقارِبَ، ويَكونُ الشَّيطانُ هو الذي يَفعَلُ ذلك) [756]((مجموع الفتاوى)) (11/574، 610). .

انظر أيضا: