موسوعة الفرق

المَطلبُ الرَّابعُ: الرِّفاعيُّ وعَقيدةُ خَتمِ الوِلايةِ


إنَّ عَقيدةَ خَتمِ الوِلايةِ فِكرةٌ صوفيَّةٌ أوَّلُ مَن تَكَلَّمَ بها الحَكيمُ التِّرمِذيُّ، وابنُ عَرَبيٍّ وغَيرُهما، فأخَذَها المُتَصَوِّفةُ عنهم ونَسَبَها كُلٌّ منهم لشَيخِه، فنُسِبَت بَعدَ ذلك لعَبدِ القادِرِ الجيلانيِّ والتِّيجانيِّ وغَيرِهما.
وقد ذَكَرَ أبو الهدى الصَّيَّاديُّ في عَدَدٍ من كُتُبِه أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ظَهَرَ على مَنصورٍ البطائحيِّ -خالِ الرِّفاعيِّ- وبَشَّرَه أنَّ اللهَ سيَرزُقُ أختَه بولدٍ يَأتي من بَعدِه اسمُه أحمَدُ الرِّفاعيُّ، يَكونُ رَأسًا في الأولياءِ، كما أنَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسٌ في الأنبياءِ [626] ((تنوير الأبصار)) (ص: 12)، ((التاريخ الأوحد)) (ص:109 )، ((الكنز المطلسم)) (ص: 65). .
وقالوا: إنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمَرَ عَليًّا الواسِطيَّ أن يَعتَنيَ بالرِّفاعيِّ، وأكَّدَ له بأنَّه كما هو صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَأسٌ في الأنبياءِ فكذلك يَكونُ الرِّفاعيُّ رَأسًا في الأولياءِ، وحَذَّرَه من مَغَبَّةِ إهمالِ وصيَّتِه في الرِّفاعيِّ؛ لأنَّ شَأنَه عِندَ اللهِ عَزيزٌ [627] يُنظر: ((روضة الناظرين)) للوتري (ص: 128)، ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 28، 29). .
وقد ضرَبَ الصَّيَّاديُّ مَثَلًا لتَفضيلِ الرِّفاعيِّ على الأولياءِ، فقال: إذا ذُكِرَ الأنبياءُ فحَدِّثوا عنهم، وإذا ذُكِرَ مُحَمَّدٌ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فاسكُتوا، وإذا ذُكِرَ الأولياءُ فحَدِّثوا عنهم، وإذا ذُكِرَ السَّيِّدُ أحمَدُ الرِّفاعيُّ فاسكُتوا [628] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: 30، 31)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 108) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. .
ثمَّ بلغَ بهمُ الغُلوُّ في إطراءِ الرِّفاعيِّ أن جَعَلوه خاتَمَ الأولياءِ كما أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمٌ في الأنبياءِ، وذلك جريًا على المُشابَهةِ التي جَعَلوها بَينَهما، فذَكَرَ القُرَشيُّ أنَّ اللهَ قد خَتَمَ بالرِّفاعيِّ الوِلايةَ كما خَتَمَ بمُحَمَّدٍ النُّبوَّةَ [629] يُنظر: ((إرشاد المسلمين)) للفاروثي (ص: 7)، ((التاريخ الأوحد)) (ص: 108)، ((قلادة الجواهر)) (ص: 46، 432)، ((المعارف المحمدية)) (ص: 90) جميعها لأبي الهدى الصيادي. .
ومن خِلالِ استِعراضِ سيرةِ الرِّفاعيِّ يَتَبَدَّى للنَّاظِرِ من خِلالِ ما كَتَبَه عنه الرِّفاعيُّونَ أنَّهم يُحاكونَه بالنَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وببَعضِ ما جَرى له، مِثلُ حادِثةِ شَقِّ المَلائِكةِ لصَدرِ الرِّفاعيِّ، ومِثلُ التَّلميحِ من وقتٍ لآخَرَ بعِصمَتِه، بل إنَّهم يَدفعونَ أولياءَهم دَفعًا إلى مَرتَبةِ النُّبوَّةِ، حتَّى إنَّهم ليَعتَقِدونَ فيهم أنَّهمُ الأولياءُ الكُمَّلُ الذين هم في غالِبِ أمورِهم لا يَعمَلونَ عَمَلًا إلَّا عن إذنٍ سَماويٍّ [630]يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 191). . ولا يَختَلفُ الإذنُ السَّماويُّ عنِ الوحيِ السَّماويِّ إلَّا في العِبارةِ.
ذَكَر الرِّفاعيُّونَ عنِ الرِّفاعيِّ أنَّه قال لإبراهيمَ الأعزَبِ: (اعلَمْ أنِّي لمَّا دُعيتُ إلى هذا الأمرِ حُمِلتُ إلى قِبلةِ هذا البَلدِ، وشَقَّ صَدري مَلَكٌ منَ المَلائِكةِ المُقَرَّبينَ، فأخرَجَ منه شيئًا مُظلِمًا وغَسَله بماءِ الحَيَوانِ منَ الرِّياءِ وسوءِ الخُلُقِ وكُلِّ ما للشَّيطانِ فيه نصيبٌ، كُلُّ ذلك وأنا أنظُرُ بعَيني كما فُعِل برَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [631] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) لأبي الهدى الصيادي (ص: 141). .
وثَمَّةَ عِبارةٌ أخرى بَينَ كُتُبِ الرِّفاعيَّةِ قد تُحَدِّدُ ما هو هذا الأمرُ الذي دُعيَ إليه الرِّفاعيُّ؛ فقد جاءَ في كِتابِ (سَوادُ العَينَينِ) أنَّ اللهَ قد رَفعَ الرِّفاعيَّ إلى مَقامِ القُطبيَّةِ والغَوثيَّةِ، وإنَّه من أجلِ ذلك ذَهَبَ إلى قَبرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وتَمَلمَلَ على عَتَبَتِه وصارَ يَقولُ: (العَفوَ العَفوَ) إلى أن أحاطَ به النِّداءُ من كُلِّ جانِبٍ (فاستَقِمْ كما أُمِرتَ) [632]((سواد العينين في مناقب الغوث أبي العلمين)) للرافعي (ص: 15- 17). .
ولقد أثنى الصَّيَّاديُّ على الشَّيخِ الرِّفاعيِّ بأبياتٍ قال فيها:
برْقَعَتْك العِنايةُ الإلهيَّة
يا رِفاعيُّ بالبُرودِ السَّنيَّة
لم نَقُلْ أنتَ في مَقامِك مَعصو
مٌ ولكِنْ حِفظًا هَجَرتَ الخَطيَّة [633] لقد أبقى الصُّوفيَّةُ على حَقيقةِ العِصمةِ لدى مَشايِخِهم، لكِنَّهم عَمَدوا إلى تَغييرِ لفظِ (العِصمةِ) إلى لفظٍ آخَرَ يُؤَدِّي نَفسَ المَعنى، وهو (الحِفظُ)؛ فإنَّ مَن عَصَمَه اللهُ فقد حَفِظَه، فلا فرقَ في المَعنى، وإنَّما الفارِقُ في اللَّفظِ فقَط. واللهُ تعالى أعلَمُ.
أنتَ زيتـونةٌ كَريمةُ أصلٍ
لا شَرقيَّةٌ ولا غَربيَّة
أنتَ فردُ الأغواثِ يا نَبَويَّ الـ
خَلْقِ والخَلْقُ يُثبتُ الفَرديَّة [634] ((الكنز المطلسم)) (ص: 20،21). .
ثمَّ زَعَمَ أنَّ الرِّفاعيَّ مُنَزَّهٌ عن مَرتَبةِالغَوثيَّةِ؛ لأنَّه نال ما هو أعلى وأجَلُّ منها، وهي رُتبةُ النِّيابةِ عنِ النُّبوَّةِ [635] يُنظر: ((قلادة الجواهر)) (ص: (128، ((المعارف المحمدية)) (ص: 60،72) كلاهما لأبي الهدى الصيادي. !

انظر أيضا: