موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّادِسُ: عِمالةُ التِّجانيَّةِ لأعداءِ الإسلامِ والمُسلِمينَ


تَحَوَّلَت بَعضُ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ إلى عَصًا في يَدِ المُستَعمِرِ، وأداةً طَيِّعةً لا تُقاوِمُه، في أقطارِ الأرضِ عامَّةً، وشَمالِ إفريقيا خاصَّةً [455] يُنظر: ((السيد البدوي)) لأبي رية (ص: 19). .
وكَثيرٌ مِن رِجالِ الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ لا يَتَقاعَسونَ عن تَعاوُنِهم مَعَ الاستِعمارِ إذا ضُمِنَت مَصالِحهمُ المادِّيَّةُ الخاصَّةُ، فهم مُستَسلِمونَ للعَدوِّ، فلا يُحَرِّكونَ ساكِنًا [456] يُنظر: ((التصوف بين الحق والخلق)) لشقفة (ص: 215). ، وموالاةُ كَثيرٍ مِنَ الصُّوفيَّةِ للكُفَّارِ أكثَرُ مِن أن تُذكَرَ؛ فهم أدِلَّاءُ على عَوراتِ المُسلِمينَ لحِسابِ الكافِرِ المُعتَدي، وجَواسيسُ لهم، ومَوَدَّتُهم للكافِرِ وموالاتُهم ومَعونتُهم ودَعمُهمُ الحِسِّيُّ والمَعنَويُّ له لا تَخفى [457] يُنظر: ((مجموع الفتاوى)) لابن تيمية (13/215-217). .
وقَد عَمِلَتِ التِّجانيَّةُ في خِدمةِ المُستَعمِرِ الفَرَنسيِّ؛ ففي خِطابٍ تُليَ باسمِ شَيخِ الطَّريقةِ مُحَمَّدٍ الكَبيرِ في الجَزائِرِ سَنةَ 1350ه، سَمَّى فيه أعداءَ فرَنسا مِنَ المُجاهدينَ السُّنَّةِ بالأراذِلِ والأوباشِ الذينَ يُنكِرونَ الجَميلَ! وقال عن فرَنسا: إنَّها حَمَلَت عَنَّا ما يُثقِلُ كَواهِلَنا مِن أعباءِ المُلكِ والسِّيادةِ، وحَمَلَتِ الأمنَ والثَّروةَ والرَّخاءَ والسَّعادةَ! ثُمَّ يَفتَخِرُ بأنَّ جَدَّه قد امتَنَعَ أن يقبَلَ ألَدَّ أعداءِ فرَنسا، ويَعنيَ به كَبيرَ المُجاهدينَ في المَغرِبِ، ثُمَّ عَدَّدَ أعمالَ أهلِ طَريقَتِه في سَبيلِ خِدمةِ فرَنسا، فقال: في سَنةِ 1864م أعَنَّا فرَنسا على احتِلالِ مَدينةِ بسكرةَ، وفي سَنةِ 1870م تَزَوَّجَ شَيخُ الطَّريقةِ بنَصرانيَّةٍ كاثوليكيَّةٍ هي مَدام أورلي! وكان -كما يَقولُ- أوَّلَ مُسلِمٍ جَزائِريٍّ يَتَزَوَّجُ بأجنَبيَّةٍ، وقَد تَزَوَّجَها على يَدِ الكاردينالِ فيجري، وعلى حَسَبِ الطُّقوسِ النَّصرانيَّةِ، ثُمَّ خَلَفَه أخوه عليها بَعدَ وفاتِه؛ لهذا لُقِّبَت عِند التِّجانيِّينَ بزَوجةِ السَّيِّدَينِ، وقَد مَنَحَتها فرَنسا وِسامَ الشَّرَفِ؛ لأنَّها أدارَتِ الطَّريقةَ التِّجانيَّةَ كما تُحِبُّ فرَنسا وتَهوى! وفي سَنةِ 1894م كَتَب شَيخُ الطَّريقةِ رَسائِلَ إلى أتباعِه بالسَّمعِ والطَّاعةِ لفَرَنسا عِندَ احتِلالِ جُيوشِها لبِلادِهم، وفي سَنةِ 1906- 1907م أقامَ جاسوسُ الحاكِمِ الفَرَنسيِّ للجَزائِرِ في زاويةِ الطَّريقةِ لأداءِ مُهمَّةٍ سياسيَّةٍ، وكَتَب له شَيخُ الطَّريقةِ رَسائِلَ تَوصيةٍ إلى أتباعِه [458] يُنظر: ((الطرق الصوفية نشأتها وعقائدها وآثارها)) للسهلي (ص: 168). ويُنظر أيضًا: ((مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني)) للشنقيطي (ص: 616- 617). !
وفي الحَربِ العالَميَّةِ الثَّانيةِ استَنكَرَ شَيخُ الطَّريقةِ التِّجانيَّةِ في رَسائِلَ لأتباعِه حَربَ الخِلافةِ العُثمانيَّةِ للمُستَعمِرِ الفَرَنسيِّ، ودِفاعَهم عن بلادِ المُسلِمينَ، وفي سَنةِ 1913م ساعَد مُقَدَّمُ الطَّريقةِ في السِّنغالِ على احتِلالِ فرَنسا لواحةِ شِنقيطَ بناءً على طَلَبِ شَيخِه، وفي سَنةِ 1916م كَتَب شَيخُ الطَّريقةِ أكثَرَ مِن مِائةِ رِسالةٍ لأعيانِ مَرَّاكُشَ لمُعاوَنةِ فرَنسا، وفي سَنةِ 1925م كَتَب شَيخُ الطَّريقةِ إلى المُقاوِمينَ للاحتِلالِ الفَرَنسيِّ في المَغرِبِ إلى إلقاءِ السِّلاحِ والخُضوعِ لفَرَنسا [459] يُنظر: ((مشتهى الخارف الجاني في رد زلقات التجاني الجاني)) للشنقيطي (ص: 616). .
وقَد كان الفَرَنسيُّونَ يُشَجِّعونَ هذه الطَّريقةَ وغَيرَها حَتَّى إنَّهم أدخَلوا مَعَهمُ الطَّريقةَ التِّجانيَّةَ إلى سوريا، غَيرَ أنَّ مُجاهِدي المَغرِبِ كَشَفوا أوراقَ العُمَلاءِ المُتَسَتِّرينَ باسمِ الدِّينِ مِنَ التِّجانيِّينَ الخَوَنةِ لإخوانِهم في سوريا، فهَبَّ النَّاسُ في دِمَشقَ وغَيرِها في مُظاهَراتٍ صاخِبةٍ، ووَزَّعوا المَنشوراتِ التي تَفضَحُ التِّجانيِّينَ وأنَّهم عُمَلاءُ خَوَنةٌ مُرتَدُّونَ ومُرتَبِطونَ بالمُستَعمِرِ الفَرَنسيِّ [460] يُنظر: ((التصوف بين الحق والخلق)) لشقفة (ص: 217). .
بَل إنَّ المُستَعمِرَ الغَربيَّ الصَّليبيَّ قد قامَ بتَنشيطِ الدَّعوةِ إلى الطُّرُقِ الصُّوفيَّةِ، حَتَّى قال الرَّئيسُ الفَرَنسيُّ موريس دولافوس: (لقد اضطُرَّ حُكَّامُنا الإداريُّونَ وجُنودُنا في إفريقيا إلى تَنشيطِ دَعوةِ الطُّرُقِ الدِّينيَّةِ الإسلاميَّةِ؛ لأنَّها كانت أطوَعَ للسُّلطةِ الفَرَنسيَّةِ، وأكثَرَ تَفَهُّمًا وانتِظامًا مِنَ الطُّرُقِ الوَثَنيَّةِ) [461] ((الاستعمار الفرنسي لأفريقيا السوداء)) لفونداس (ص: 52). ويُنظر: ((التصوف بين الحق والخلق)) لشقفة (ص: 217)، ((مظاهر الانحرافات العقدية عند الصوفية)) لإدريس (ص: 908). .

انظر أيضا: