موسوعة الفرق

المَبحَثُ السَّابِعُ: الحُكمُ على الطَّريقةِ التِّجانيَّةِ


إنَّ ما تَقَدَّمَ مِن بدَعِ التِّجانيَّةِ قَليلٌ مِن كَثيرٍ مِمَّا ذَكَرَه عَلي حرازم في كِتابِه (جَواهرُ المَعاني وبُلوغُ الأماني في فيضِ سَيِّدي أبي العَبَّاسِ التِّجانيِّ) وما ذَكَرَه عُمَرُ بنُ سَعيدٍ الفوتي في كِتابِه (رِماحُ حِزبِ الرَّحيمِ على نُحورِ حِزِبِ الرَّجيمِ)، وهما مِن أوسَعِ كُتُبِ التِّجانيَّةِ وأوثَقِها في نَظَرِ أهلِ هذه الطَّريقةِ.
إنَّ ما ذُكِرَ إنَّما هو نَماذِجُ لأنواعٍ مِن بدَعِ التِّجانيَّةِ تَتَجَلَّى فيها عَقائِدُهم، وتَكفي لمَن عَرَضَها على أصولِ الشَّريعةِ مِن كِتابِ اللهِ تعالى وسُنَّةِ رَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَحكُمَ على هذه العَقائِدِ المُبتَدَعةِ المُنكَرةِ.
وقالتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ للبُحوثِ العِلميَّةِ والإفتاءِ بالمَملَكةِ العَرَبيَّةِ السُّعوديَّةِ: (الفِرقةُ التِّيجانيَّةُ مِن أشَدِّ الفِرَقِ كُفرًا وضَلالًا وابتِداعًا في الدِّينِ لِما لم يَشرَعْه اللهُ، وسَبَقَ أن سُئِلَتِ اللَّجنةُ الدَّائِمةُ عنهم وكَتَبَت بَحثًا في كَثيرٍ مِن بدَعِهم وضَلالاتِهمُ الدَّالَّةِ على ذلك، وأمَّا دَعوى بَعضِ الصُّوفيَّةِ أنَّه يَرى النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَقَظةً فشَيءٌ لا أصلَ له، بل هو باطِلٌ، وإنَّما يُرى صلَّى اللهُ عليه وسلَّم يَومَ القيامةِ حينَ يَخرُجُ النَّاسُ مِن قُبورِهم، وقَد صَحَّ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أنا أوَّلُ مَن تَنشَقُّ عنه الأرضُ يَومَ القيامةِ)) [462] أخرجه مطولاً ابن ماجه (4308)، وأحمد (10987) واللفظ له من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه صححه الألباني في ((صحيح سنن ابن ماجه)) (4308)، وصححه لغيره شعيب الأرناؤوط في تخريج ((مسند أحمد)) (10987)، وحسنه لغيره الوادعي في ((الشفاعة)) (42) وأصله في صحيح البخاري (2412) بلفظ: ((فإنَّ النَّاسَ يَصعَقون يومَ القيامةِ، فأكونُ أوَّلَ من تنشَقُّ عنه الأرضُ)). ، وبِاللهِ التَّوفيقُ. وصَلَّى اللهُ على نَبيِّنا مُحَمَّدٍ، وآلِه وصَحبِه وسَلَّمَ) [463] يُنظر: ((فتاوى اللجنة الدائمة)) (2/ 332). .
وقال ابنُ باز: (الطَّريقةُ التِّيجانيَّةُ لا شَكَّ أنَّها طَريقةٌ مُبتَدَعةٌ، ولا يَجوزُ لأهلِ الإسلامِ أن يَتَّبِعوا الطُّرُقَ المُبتَدَعةَ، لا التِّيجانيَّةَ ولا غَيرَها، بل الواجِبُ الاتِّباعُ والتَّمَسُّكُ بما جاء به الرَّسولُ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ لأنَّ اللهَ يَقولُ: قُلْ إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ [النور: 40] ، يعني: قُلْ يا محمَّدُ للنَّاسِ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَ اللَّهَ فَاتَّبِعُونِي يُحْبِبْكُمُ اللَّهُ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ، ويقولُ عزَّ وجَلَّ: اتَّبِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ وَلَا تَتَّبِعُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ [الأعراف: 3] ، ويقولُ تعالى: وَمَا آتَاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَمَا نَهَاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ [الحشر: 7] ، ويقولُ تبارك وتعالى: وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ [الأنعام: 153] ، والسُّبُلُ: هي الطُّرُقُ المُحدَثةُ مِنَ البِدَعِ والأهواءِ والشُّبُهاتِ والشَّهَواتِ المُحَرَّمةِ؛ فاللهُ أوجَبَ علينا أن نَتَّبِعَ صِراطَه المُستَقيمَ، وهو ما دَلَّ عليه القُرآنُ الكَريمُ، وما دَلَّت عليه سُنَّةُ رَسولِه عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ الصَّحيحةُ الثَّابِتةُ، هذا هو الطَّريقُ الذي يَجِبُ اتِّباعُه، أمَّا الطَّريقةُ التِّيجانيَّةُ أوِ الشَّاذليَّةُ أوِ القادِريَّةُ أو غَيرُها مِنَ الطُّرُقِ التي أحدَثَها النَّاسُ، فلا يَجوزُ اتِّباعُها إلَّا ما وافَقَ شَرعَ اللهِ منها أو غَيرِها، فيُعمَلُ به؛ لأنَّه وافَقَ الشَّرعَ المُطَهَّرَ لا لأنَّه مِنَ الطَّريقةِ الفُلانيَّةِ أو غَيرِها؛ للآياتِ السَّابِقةِ، ولِقَولِه تعالى: لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا [الأحزاب: 21] ، وقَولِه عزَّ وجَلَّ: وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنْصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ بِإِحْسَانٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ وَأَعَدَّ لَهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي تَحْتَهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ [التوبة: 100] ، ولِقَولِ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن أحدَثَ في أمرِنا هذا ما ليس منه فهو رَدٌّ)). مُتَّفَقٌ على صِحَّتِه مِن حَديثِ عائِشةَ رَضيَ اللهُ عنها [464] أخرجه البخاري (2697)، ومسلم (1718) واللَّفظُ له. ، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((مَن عَمِلَ عَمَلًا ليس عليه أمرُنا فهو رَدٌّ)). أخرَجَه مُسلِمٌ في صَحيحِه [465] أخرجه مسلم (1718) واللفظ له وأخرجه البخاري معلقًا بصيغة الجزم قبل حديث (7350) ، وقَولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في خُطبةِ الجُمُعةِ: ((أمَّا بَعدُ، فإنَّ خَيرَ الحَديثِ كِتابُ اللهِ، وخَيرَ الهُدى هُدى مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وشَرَّ الأمورِ مُحدَثاتُها، وكُلَّ بدعةٍ ضَلالةٌ)). أخرَجَه مُسلِمٌ في صَحيحِه مِن حَديثِ جابِرِ بنِ عَبدِ اللَّه رَضيَ اللهُ عنهما [466] أخرجه مسلم (867) ، والأحاديثُ في هذا المَعنى كَثيرةٌ، وصَلاةُ الفاتِحِ هي الصَّلاةُ على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كما ذَكَروا، ولَكِن صيغةُ لفظِها لم تُرْوَ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ حَيثُ قالوا فيها: اللَّهُمَّ صَلِّ وسَلِّمْ على سَيِّدِنا ونَبيِّنا مُحَمَّدٍ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ، والخاتَمِ لِما سَبَقَ، والنَّاصِرِ الحَقَّ بالحَقِّ.
وهذا اللَّفظُ لم تَرِدْ به الأحاديثُ الصَّحيحةُ التي يُبَيِّنُ فيها النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم صِفةَ الصَّلاةِ عليه لمَّا سَألَه الصَّحابةُ عن ذلك؛ فالمَشروعُ للأمَّةِ الإسلاميَّةِ أن يُصَلُّوا عليه -عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ- بالصِّيغةِ التي شَرَعَها لهم وعَلَّمَهم إيَّاها دونَ ما أحدَثوه.
ومِن ذلك ما ثَبَتَ في الصَّحيحَينِ عن كَعبِ بنِ عُجرةَ رَضيَ اللهُ عنه ((أنَّ الصَّحابةَ رَضيَ اللهُ عنهم قالوا: يا رَسول اللهِ أمَرَنا اللهُ أن نُصليَ عليك فكَيفَ نُصَلِّي عليك؟ فقال عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ: قولوا: اللهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ. اللَّهُمَّ بارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما بارَكتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ)) [467] أخرجه البخاري (3370)، ومسلم (406) باختلاف يسير ، ومِن ذلك ما ثَبَتَ في صَحيحِ البُخاريِّ وصَحيحِ مُسلِمٍ أيضًا مِن حَديثِ أبي حَميدٍ السَّاعِديِّ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال ((قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى أزواجِه وذُرِّيَّتِه كما صَلَّيتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلى أزواجِه وذُرِّيَّتِه كما بارَكتَ على إبراهيمَ وآلِ إبراهيمَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ)) [468] أخرجه البخاري (3369)، ومسلم (407) واللفظ له. ، وفي حَديثٍ ثالِثٍ رَواه مُسلِمٌ في صَحيحِه مِن حَديثِ أبي مَسعودٍ الأنصاريِّ رَضيَ اللهُ عنه، عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((قولوا: اللَّهُمَّ صَلِّ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما صَلَّيتَ على آلِ إبراهيمَ، وبارِكْ على مُحَمَّدٍ وعلى آلِ مُحَمَّدٍ كما بارَكتَ على آلِ إبراهيمَ في العالَمينَ؛ إنَّك حَميدٌ مَجيدٌ)) [469] أخرجه مسلم (405) ، فهذه الأحاديثُ وما جاءَ في مَعناها قد أوضَحَت صِفةَ الصَّلاةِ عليه التي رَضيَها لأمَّتِه وأمَرَهم بها.
أمَّا صَلاةُ الفاتِحِ وإن صَحَّ مَعناها في الجُملةِ، فلا يَنبَغي الأخذُ بها والعُدولُ عَمَّا صَحَّ عَنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم في بَيانِ صِفةِ الصَّلاةِ عليه المَأمورِ بها، مَعَ أنَّ كَلِمةَ «الفاتِحِ لِما أُغلِقَ» فيها إجمالٌ قد يُفَسَّرُ مِن بَعضِ أهلِ الأهواءِ بمَعنًى غَيرِ صَحيحٍ. واللهُ وليُّ التَّوفيقِ) [470] ((مجموع فتاوى ومقالات متنوعة)) (6/ 330- 332). .


انظر أيضا: