موسوعة الفرق

المَطلَبُ الرَّابِعُ: عَقيدَتُهم في التِّجانيِّ


1- اعتِقادُهم أنَّه خاتَمُ الأولياءِ:
يَعتَقِدُ التِّجانيُّونَ أنَّ التِّجانيَّ خاتَمُ الأولياءِ، كما أنَّ مُحَمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم خاتَمُ الأنبياءِ؛ فقَد ذَكرَ الفوتي أنَّ مِن أسبابِ تَسميَتِهمُ الطَّريقةَ التِّجانيَّةَ بالمُحَمَّديَّةِ: أنَّ اللهَ تعالى خَتم بمَقامِه مَقاماتِ الأولياءِ، ولم يَجعَلْ فوقَ مَقامِه إلَّا مَقاماتِ الأنبياءِ، وجَعَلَه القُطبَ المَكتومَ، والبَرزَخَ المَختومَ، والخاتَمَ المُحَمَّديَّ المَعلومَ [432] يُنظر: ((رماح حزب الرحيم)) للفوتي (2/ 145). !
وقال العَرَبيُّ: (فقَد ثَبَتَ عنه مِن طَريقِ الثِّقاتِ الأثباتِ مِن مُلازِميه وخاصَّتِه، أنَّه أخبَر تَصريحًا على الوَجهِ الذي لا يَحتَمِلُ التَّأويلَ أنَّ سَيِّدَ الوُجودِ أخبَرَه يَقَظةً بأنَّه هو الخاتَمُ المُحَمَّديُّ المَعروفُ عِندَ جَميعِ الأقطابِ والصِّدِّيقينَ، وبأنَّ مَقامَه لا مَقامَ فوقَه في بساطِ المَعرِفةِ باللهِ..). ثُمَّ قال بَعدَ ذلك: (وبالجُملةِ فقد اجتَمَعَ على إثباتِ هذا المَقامِ لشَيخِنا رَضيَ اللهُ عنه جَميعُ مَن لازَمَه إلى وفاتِه رَضيَ اللهُ عنه، ولم يَختَلِفْ منهمُ اثنانِ فيه، حَتَّى استَفاضَ ذلك على ألسِنةِ الخاصِّ والعامِّ مِنَ الأصحابِ والإخوانِ في سائِرِ البُلدانِ، فلا يُلتَفَتْ لنَفيِ مَن نَفاه كائِنًا مَن كان) [433] ((بغية المستفيد)) (ص: 193، 194). .
2- تَفضيلُ التِّجانيِّ نَفسَه على جَميعِ الأولياءِ:
كُلُّ شَيخٍ صوفيٍّ صاحِبِ طَريقٍ يُؤثَرُ عنه أنَّه يُفَضِّلُ نَفسَه على سائِرِ الأولياءِ، فيَتَفانى فيه أتباعُه مِن بَعدِه تَعَصُّبًا لشَيخِهم وتَرويجًا لطَريقَتِهم، والتِّجانيُّ لعَلَّه كان أكثَرَهم جُرأةً في هذا الجانِبِ، فلم يَترُكْ فَضلًا مَزعومًا لأحَدٍ قَبلَه إلَّا نَسَبَه إلى نَفسِه؛ فقد ادَّعى أنَّه خاتَمُ الأولياءِ تَقليدًا لمَن سَبَقَه مِن مَشايِخِ التَّصَوُّفِ، وادَّعى لنَفسِه أنَّه هو الذي يَمُدُّ جَميعَ الأولياءِ بالعُلومِ والمَعارِفِ مُنذُ خَلقِ آدَمَ -أي قَبلَ أن يَخلُقَه اللهُ- وإلى النَّفخِ في الصُّورِ، فهو الذي تَنبُعُ منه المَعارِفُ والعُلومُ والأسرارُ الإلَهيَّةُ -حَسَبَ زَعمِه- إلى الأولياءِ السَّابِقينَ قَبلَ وُجودِه، وإلى جَميعِ الأولياءِ اللَّاحِقينَ إلى نِهايةِ العالَمِ!
- قال العَرَبيُّ: (قال رَضيَ اللَّهُ عنه إنَّ الفُيوضَ التي تَفيضُ مِن ذاتِ سَيِّدِ الوُجودِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم تَتَلَقَّاها ذَواتُ الأنبياءِ، وكُلُّ ما فاضَ وبَرَزَ مِن ذَواتِ الأنبياءِ تَتَلَقَّاه ذاتي، ومِنِّي يتفرَّقُ على جَميعِ الخَلائِقِ مِن نَشأةِ العالَمِ إلى النَّفخِ في الصُّورِ..) وقال: (لا يَتَلَقَّى وليٌّ فيضًا مِنَ اللهِ تعالى إلَّا بواسِطَتِه رَضيَ اللهُ عنه مِن حَيثُ لا يَشعُرُ به، ومَدَدُه الخاصُّ به إنَّما يَتَلَقَّاه مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم) [434] ((بغية المستفيد)) (ص: 225). .
- وقال النَّظيفيُّ: (.. فسَيِّدي أبو الفَيضِ أصلُ جَميعِ الوَسائِلِ المُتَقَدِّمةِ والمُتَأخِّرةِ، وشَيخُ المَشايِخِ، وبَرزَخُ البَرازِخِ، والمَنبَعُ الذي تَنفَجِرُ منه العُلومُ والفُيوضُ والمَعارِفُ والأسرارُ لجَميعِ الأولياءِ والأقطابِ والعارِفينَ والأحبابِ) [435] ((الدرة الخريدة)) (1/26). .
وقال ابنُ بابا الشِّنقيطيُّ:
لا شَكَّ أنَّ شَيخَنا التِّجانيَّ
مُمِدُّ كُلِّ عارِفٍ صَمَداني
يُعطي ويَمنَعُ ويَسلُبُ فمَن
كمِثلِه مِنَ الوَرى في ذا الزَّمَانِ [436] يُنظر: ((بغية المستفيد لشرح منية المريد)) للعربي (ص: 226). ؟
ولا يَخفى أنَّ هذا اعتِقادٌ خُرافيٌّ، ثُمَّ هو شِركٌ واضِحٌ؛ لأنَّه رَفعٌ للمَخلوقِ إلى مَرتَبةِ الخالِقِ، فالذي يَهَبُ المَعارِفَ والعُلومَ والفِقهَ، ويَشرَحُ القُلوبَ هو اللهُ تعالى، كما قال: فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا [الأنبياء: 79] ، وقال اللهُ سُبحانَه: الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ [الرحمن: 1-4]، وقال تعالى لرَسولِه محمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: إِنَّا أَنزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا [النساء: 105] ، فاللهُ عَزَّ وجَلَّ هو الذي يُري رَسولَه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، وكُلُّ ذلك بمَدَدِه هو سُبحانَه وتعالى وفَضلِه وإرادَتِه وَحدَه، كما قال: فَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يَهْدِيَهُ يَشْرَحْ صَدْرَهُ لِلإِسْلَامِ [الأنعام: 125] ، فشَرحُ الصَّدرِ ونورُ الفُؤادِ منه سُبحانَه وتعالى، وليس مِنَ التِّجانيِّ ولا غَيرِه.
وقال الفوتي: (الفَصلُ السَّادِسُ والثَّلاثونَ: في ذِكرِ فَضلِ شَيخِنا رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه وعَنَّا به، وبَيانِ أنَّه هو خاتَمُ الأولياءِ وسَيِّدُ العارِفينَ وإمامُ الصِّدِّيقينَ ومُمِدُّ الأقطابِ والأغواثِ، وأنَّه هو القُطبُ المَكتومُ والبَرزَخُ المَختومُ الذي هو الواسِطةُ بَينَ الأنبياءِ والأولياءِ، بحَيثُ لا يَتَلَقَّنُ واحِدٌ مِنَ الأولياءِ مَن كَبُرَ شَأنُه ومَن صَغُرَ فيضًا مِن حَضرةِ نَبيٍّ إلَّا بواسِطَتِه رَضيَ اللهُ تعالى عنه، مِن حَيثُ لا يَشعُرُ به ذلك الوَليُّ) [437] ((رماح حزب الرحيم)) (2/4). !
وذَكَّرَ الفوتي أيضًا أنَّ أحمَدَ التِّجانيَّ قال ذاتَ ليلةٍ في مَجلِسِه: أينَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ الغالي؟
فجَعَلَ أصحابُه يُنادونَ: أينَ السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ الغالي؟ على عادةِ النَّاسِ مَعَ الكَبيرِ إذا نادى أحَدًا، فلَمَّا حَضَرَ بَينَ يَدَيِ الشَّيخِ قال رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه وعَنَّا به: قَدَمايَ هاتانِ على رَقَبةِ كُلِّ وليٍّ للَّهِ تعالى، وقال سَيِّدي مُحَمَّدٌ الغالي -وكان لا يَخافُه؛ لأنَّه مِن أكابِرِ أحبابِه وأُمَرائِهم- يا سَيِّدي: أنت في الصَّحوِ والبَقاءِ أو في السُّكرِ والفَناءِ؟!
فقال رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه وعَنَّا به: أنا في الصَّحوِ والبَقاءِ وكمالِ العَقلِ، ولِلَّهِ الحَمدُ، وقال: قُلتُ: ما تَقولُ بقَولِ سَيِّدي عَبدِ القادِرِ رَضيَ اللهُ عنه: قَدمي هذه على رَقَبةِ كُلِّ وليٍّ للَّهِ تعالى؟
فقال: صَدَق رَضيَ اللهُ عنه، يَعني: أهلَ عَصرِه، وأمَّا أنا فأقولُ: قَدَمايَ هاتانِ على رَقَبةِ كُلِّ وليٍّ للَّهِ تعالى مِن لدُنْ آدَمَ إلى النَّفخِ في الصُّورِ، قال: فقُلتُ له: يا سَيِّدي، فكَيفَ تَقولُ إذا قال أحَدٌ بَعدَك مِثلَ ما قُلتَ؟
فقال رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه وعَنَّا به: لا يَقولُه أحَدٌ بَعدي، قال: فقُلتُ: يا سَيِّدي، قد حجَرتَ على اللهِ تعالى واسِعًا! ألم يَكُنِ اللَّهُ تعالى قادِرًا على أن يَفتَحَ على وليٍّ فيُعطيَه مِنَ الفُيوضاتِ والتَّجَلِّياتِ والمِنَحِ والمَقاماتِ والمَعارِفِ والعُلومِ والأسرارِ والتَّرقياتِ والأحوالِ أكثَرَ مِمَّا أعطاك؟!
فقال رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه وعَنَّا به: بَلى قادِرٌ على ذلك وأكثَرَ منه، لكِنْ لا يَفعَلُه؛ لأنَّه لم يُرِدْه، ألم يَكُنْ قادِرًا على أن يُنبِّئَ أحَدًا ويُرسِلَه إلى الخَلقِ ويُعطيَه أكثَرَ مِمَّا أعطى محمَّدًا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؟ قال: قُلتُ: بَلى، ولَكِنَّه تعالى لا يَفعَلُه؛ لأنَّه ما أرادَه في الأزَلِ، فقال رَضيَ اللهُ عنه وأرضاه وعَنَّا به: هذا مِثلُ ذلك، ما أرادَه في الأزَلِ، ولم يَسبِقْ به عِلمُه تعالى [438] ((رماح حزب الرحيم)) (2/ 15 - 17). !
- وادَّعى التِّجانيُّ ما لم يُعطِه اللهُ لرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم مِنَ الشَّفاعةِ، فقال الفوتي: (وليس لأحَدٍ مِنَ الرِّجالِ أن يُدخِلَ أصحابَه كافَّةً الجَنَّةَ بغَيرِ حِسابٍ ولا عِقابٍ، ولَو عَمِلوا مِنَ الذُّنوبِ ما عَمِلوا، وبَلَغوا مِنَ المَعاصي ما بَلَغوا، إلَّا أنا وحدي، ووَراءَ ذلك ما ذَكَرَ لي فيهم وضَمِنَه لهم صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أمرٌ لا يَحِلُّ ذِكرُه، ولا يُرى ولا يُعرَفُ إلَّا في الآخِرةِ) [439] ((رماح حزب الرحيم)) (2/143). .
وقال حرازمُ: (اطَّلَعتُ على ما رَسَمَه وخَطَّه ونَصَّه.. أسألُ مِن فضلِ سَيِّدِنا رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أن يَضمَنَ دُخولَ الجَنَّةِ بلا حِسابٍ ولا عِقابٍ في أوَّلِ الزُّمرةِ الأولى، أنا وكُلُّ أبٍ وأمٍّ ولَدوني مِن أبَوَيَّ إلى أوَّلِ أبٍ وأمٍّ لي في الإسلامِ مِن جِهةِ أبي ومِن جِهةِ أمِّي، مِن كُلِّ ما تَناسَلَ منهم مِن وقَتِهم إلى أن يَموتَ سَيِّدُنا عيسى بنُ مَريَمَ مِن جَميعِ الذُّكورِ والإناثِ، وكُلُّ مَن أحسَنَ إليَّ بإحسانٍ حِسِّيٍّ أو مَعنَويٍّ مِن مِثقالِ ذَرَّةٍ فأكثَرَ... فكُلُّ مَن لم يُعادِني مِن جَميعِ هؤلاء. أمَّا مَن عاداني وأبغَضَني فلا، وكُلُّ مَن والاني واتَّخَذَني شَيخًا أو أخَذَ عَنِّي ذِكرًا، وكُلُّ مَن خَدَمَني أو قَضى لي حاجةً... وآباؤُهم وأمَّهاتُهم وأولادُهم وبَناتُهم وأزواجُهم... يَضمَنُ لي سَيِّدُنا رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ولِجَميعِ هؤلاء أن يَموتَ كُلُّ حَيٍّ منهم على الإيمانِ والإسلامِ... كُلُّ ما في هذا الكِتابِ ضَمِنتُه لك ضَمانةً لا تَتَخَلَّفُ عنك وعنهم أبَدًا، إلى أن تَكونَ أنت وجَميعُ مَن ذَكَرتَ في جِواري في عِلِّيِّينَ، وضَمِنتُ لك جَميعَ ما طَلَبتَه مِنَّا ضَمانًا لا يُخلَفُ عليك الوَعدُ فيها والسَّلامُ... وكُلُّ هذا واقِعٌ يَقَظةً لا مَنامًا) [440] ((جواهر المعاني)) (1/130-131). !
وهذا الكَلامُ مِن أكبَرِ التَّقَوُّلات وأعظَمِ الافتِراءاتِ على اللهِ تعالى ورَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الذي قال: ((واللَّهِ إنِّي لرَسولُ اللهِ لا أدري ما يُفعَلُ بي غَدًا)) [441] لم نقف عليه بتمام لفظه وأخرجه البخاري (7018) من حديثِ أمِّ العلاءِ رَضِيَ اللهُ عنها، بلفظِ: ((واللهِ ما أدري وأنا رسولُ اللهِ ما يُفعَلُ بي ولا بكم)). ، وقال اللهُ تبارك وتعالى له: قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا [الجن: 21-22] .
ومِنَ المَزاعِمِ كذلك قَولُه: (وسَألتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لكُلِّ مَن أخذَ عَنِّي وِرْدًا أن تَغفِرَ لهم جَميعَ ذُنوبِهم ما تَقَدَّمَ منها وما تَأخَّرَ، تُؤَدِّي عنهم تَبِعاتِهم مِن خَزائِنِ فَضلِ اللهِ لا مِن حَسَناتِهم، وأن يَدفَعَ اللهُ عنهم مُحاسَبَتَه على كُلٍّ، وأن يَكونوا آمِنينَ مِن عَذابِ اللَّهِ مِنَ المَوتِ إلى دُخولِ الجَنَّةِ بلا حِسابٍ ولا عِقابٍ، في أوَّلِ الزُّمرةِ الأولى، وأن يَكونوا مَعي في عِلِّيِّينَ في جِوارِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فقال له النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ضَمِنتُ لك هذا ضَمانًا لا يَنقَطِعُ حَتَّى تُجاوِرَني أنت وهم في عِلِّيِّينَ) [442] يُنظر: ((الجيش الكفيل بأخذ الثأر)) للشنقيطي (ص: 214- 215). !
ولم يَكتَفِ التِّجانيُّ بهذا أيضًا؛ فقد زَعَمَ كذلك أنَّ الرَّسولَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم لا يُفارِقُه يَومَيِ الاثنَينِ والجُمُعةِ مِن كُلِّ أسبوعٍ، وأنَّ مَعَ الرَّسولِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم سَبعةُ أملاكٍ، وكُلُّ مَن رَأى التِّجانيَّ في هذينِ اليَومَينِ، تَكتُبُ المَلائِكةُ اسمَه في رُقعةٍ مِنَ الذَّهَبِ، ويَكونُ ناجيًا أبَدًا، ومِن أهلِ السَّعادةِ، حَتَّى ولو كان كافِرًا عِندَ مُشاهَدَتِه للتِّجانيِّ فإنَّه لا بُدَّ أن يَموتَ على الإسلامِ، وأنَّ هذا كَرامةٌ مِنَ اللهِ له!
قال العَرَبيُّ: (وأمَّا الكَرامةُ الثَّالِثةُ، وهي دُخولُ الجَنَّةِ لمَن رَآه رَضيَ اللهُ عنه في اليَومَينِ الاثنَينِ والجُمُعةِ، فهي مِن كَراماتِه رَضيَ اللهُ عنه التي طارَت بها الرُّكبانُ وتَواتَرَت بها الأخبارُ في سائِرِ الأقطارِ والبُلدانِ، بإخبارٍ مِنَ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولَفظُه الشَّريفُ فيما أخبَرَ به سَيِّدُنا رَضيَ اللهُ عنه بعِزَّةِ رَبِّي: يَومَ الاثنَينِ والجُمعةِ لا أفارِقُك فيهما مِنَ الفَجرِ إلى الغُروبِ، ومعي سَبعةُ أملاكٍ، وكُلُّ مَن يَراك في اليَومَينِ يَكتُبونَ -يَعني الأملاكَ السَّبعةَ- اسمَه في رُقعةٍ مَن ذَهَبٍ ويَكتُبونَه مِن أهلِ الجَنَّةِ، وأنا شاهدٌ على ذلك) [443] ((بغية المستفيد)) (ص: 216). !
وقال أيضًا: (ورَأيتُ في كَلامِ بَعضِ مَن كان مُشارًا إليه بالفَتحِ مِنَ الأصحابِ ما يُشيرُ إلى أنَّ المُختَصَّ برُؤيَتِه في اليَومَينِ هو السَّعادةُ التي لا شَقاوةَ بَعدَها، يَعني أنَّه لا يَراه في هذينِ اليَومَينِ إلَّا مَن سَبقَ في عِلمِ اللهِ تعالى أن يَكونَ سَعيدًا، فيَدخُلُ الكُفَّارُ في هذا الخِطابِ، ويَنسَحِبُ عليهمُ الحُكمُ في هذا المَقامِ بفَضلِ المَلِكِ الوَهَّابِ، فيُقالُ: لا يَراه في هذين اليَومَينِ إلَّا مَن يَسبِقُ في عِلمِ اللهِ تعالى أنَّه يُختَمُ له بالسَّعادةِ كائِنًا مَن كانَ، فإذا رآه الكافِرُ في أحَدِ هذين اليَومَينِ خُتِم له بالإيمانِ، وعليه فتُخَصَّصُ الرُّؤيةُ المُطلَقةُ في كُلِّ يَومٍ بمَن كان مُسلِمًا سَواءٌ كان مِنَ الأصحابِ أو لا، حَسَبَما هو مُصَرَّحٌ به في الجَواهرِ، وهذه المُقَيَّدةُ باليَومَينِ بما يَشمَلُ كُلَّ مَن رآه ولو كان كافِرًا) [444] ((بغية المستفيد)) (ص: 275). .
وهذا الذي ادَّعاه التِّجانيُّ لنَفسِه لم يَحصُلْ لرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم! فمَعلومٌ أنَّ النَّبيَّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم رَآه آلافُ النَّاسِ مِنَ الكُفَّارِ في كُلِّ أيَّامِ الأسبوعِ، ومَعَ ذلك فقد ماتوا على الكُفرِ والشِّركِ، بل كان هناك مَعَه مِنَ الذين صَحِبوه، وجاهَدوا وصَلَّوا مَعَه مُنافِقونَ مَرَدوا على النِّفاقِ، بل كان منهم مَن قال اللهُ تعالى له في شَأنِهم: اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ [التوبة: 80] .
وكذلك كان مِن أصحابِه أناسٌ يَعرِفُهمُ النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ويَعرِفونَه، ويَومَ القيامةِ يُؤخَذُ بهم جِهةَ النَّارِ ويُطرَدونَ عن حَوضِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيَقولُ: أصحابي أصحابي! فيَقولونَ: ليسوا أصحابَك؛ إنَّك لا تَدري ماذا أحدَثوا بَعدك [445] أخرجه البخاري (3349)، ومسلم (2860) بنحوه من حديث ابن عباس رضي الله عنهما؛ ولفظ مسلم: ((ألا وإنه سيجاء برجال من أمتي فيؤخذ بهم ذات الشمال، فأقول: يا رب أصحابي. فيقال: إنك لا تدري ما أحدثوا بعدك)) .
فإذا كان النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم هذا شَأنُه فيمَن رآه، وهذا شَأنُه مَعَ أصحابِه، فماذا يَكونُ زَعْمُ التِّجانيِّ إلَّا أنَّه مَحضُ كَذِبٍ وافتِراءٍ!  

انظر أيضا: