موسوعة الفرق

المَطلَبُ الثَّاني: عَقيدَتُهم في القُرآنِ


يَعتَقِدُ كَثيرٌ مِنَ التِّجانيِّين أنَّ ذِكرَ )صَلاة الفاتِحِ لِما أُغلِقَ( يَعدِلُ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ سِتَّةَ آلافِ مَرَّةٍ، وقَبـلَ ذِكرِ النُّصوصِ التي ورَدَت في كُتُبِهم في ذلك نَذكُرُ نَصَّ صَلاةِ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ:
)اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ، والخاتَمِ لِما سَبَقَ، ناصرِ الحَقِّ بالحَقِّ، الهادي إلى صِراطِك المُستَقيمِ، وعلى آلِه حَقَّ قَدْرِه ومِقدارِه العَظيمِ(.
أمَّا النُّصوصُ التي تُبَيِّنُ ذلك، فمنها ما يلي:
قال حرازمُ: (... ثُمَّ أمَرَني بالرُّجوعِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى صَلاةِ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ، فلمَّا أمَرَني بالرُّجوعِ إليها سَألتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن فضلِها، فأخبَرَني أوَّلًا بأنَّ المَرَّةَ الواحِدةَ منها تَعدِلُ مِنَ القُرآنِ سِتَّ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أخبَرَني ثانيًا: أنَّ المَرَّةَ الواحِدةَ منها تَعدِلُ من كُلِّ تَسبيحٍ وقَعَ في الكَونِ، ومِن كُلِّ ذِكرٍ، ومِن كُلِّ دُعاءٍ كَبيرٍ أو صَغيرٍ، ومِنَ القُرآنِ سِتَّةَ آلافِ مَرَّةٍ) [410] ((جواهر المعاني)) (1/ 136). !
وقال بَعضُهم: (المَرَّةُ الأولى منها بواحِدةٍ مِمَّا احتَوَت عليه، وإذا ذَكَرَ الثَّانيةَ تَتَضاعَفُ له الأولى باثنَي عَشَرَ مِائةَ ألفٍ، والثَّانيةُ بواحِدةٍ، وإذا ذَكَرَ الثَّالِثةَ تَصيرُ الأولى بثَمانيةَ عَشَرَ مِائةِ ألفٍ، والثَّانيةُ باثنَي عَشَرَ مِائةِ ألفٍ، والثَّالِثةُ بواحِدةٍ؛ لأنَّه كُلَّما ذَكَرَها الذَّاكِرُ تَضاعَفَت كُلُّ صَلاةٍ صَدَرَت منها في الكَونِ بسِتّمِائةِ ألفِ مَرَّةٍ...) [411] ((الدرة الخريدة شرح الياقوتة الفريدة)) للنظيفي (2/ 302). .
وهم يَعتَقِدونَ أنَّها مِن كَلامِ اللَّهِ، وفي ذلك ذَكَرَ الفوتي أنَّ مِن شُروطِها: (أن يَعتَقِدَ أنَّها مِن كَلامِ اللَّهِ) [412] ((رماح حزب الرحيم)) (2/ 139). .
وقال النَّظيفيُّ: (مَعَ اعتِقادِ المُصَلِّي بها أنَّها في صَحيفةٍ مِن نورٍ أُنزِلَت بأقلامِ قُدرةٍ إلَهيَّةٍ، وليست مِن تَأليفِ زَيدٍ ولا عَمرٍو، بل هي مِن كَلامِه سُبحانَه، وأنَّها لم تَكُنْ مِن تَأليفٍ بَشَريٍّ، والفَضلُ الذي فيها لا يَحصُلُ إلَّا بشَرطَينِ: الأوَّلُ: الإذنُ، الثَّاني: أنَّ يَعتَقِدَ الذَّاكِرُ أنَّ هذه الصَّلاةَ مِن كلامِ اللَّهِ تعالى، كالأحاديثِ القُدسيَّةِ، وليست مِن تَأليفِ مُؤَلِّفٍ) [413] ((الدرة الخريدة)) (4/ 128، 129). .
 وهكذا يَفتَرونَ على اللهِ الكَذِبَ، ويَزعُمونَ أنَّ صَلاتَهم وحيٌ مِنَ اللَّه، واللهُ تعالى يَقولُ: وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنَزلَ اللَّهُ [الأنعام: 93] .
وهم يُفَضِّلونَها على تِلاوةِ القُرآنِ، بَينَما يَعتَقِدُ أهلُ السُّنَّةِ أنَّ فضلَ القُرآنِ وفَضلَ تِلاوَتِه وتَكرارِه أفضَلُ مِن سائِرِ الكَلامِ، وأنَّ ذلك كفَضلِ اللهِ تعالى على خَلْقِه.
وكَيفَ يَكونُ هذانِ السَّطرانِ أفضَلَ مِنَ القُرآنِ الكَريمِ المُعجِزِ؟!
ولا عَجَبَ في هذا الكَذِبِ؛ فقَد زَعَموا أيضًا أنَّها نَزَلَت مِنَ السَّماءِ، وأنَّها مِن كَلامِ اللَّهِ سُبحانَه.
وقال حرازمُ: (إنَّها لم تَكُنْ مِن تَأليفِ البَكريِّ، ولَكِنَّه تَوَجَّهَ إلى اللهِ مُدَّةً طَويلةً أن يَمنَحَه صَلاةً على النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيها ثَوابُ جَميعِ الصَّلَواتِ وسِرُّ جَميعِ الصَّلَواتِ، وطالَ طَلَبُه مُدَّةً، ثُمَّ أجابَ اللهُ دَعَوتَه، فأتاه المَلَكُ بهذه الصَّلاةِ المَكتوبةِ في صَحيفةِ النُّورِ، ثُمَّ قال الشَّيخُ: فلمَّا تَأمَّلتُ هذه الصَّلاةَ وجَدتُها مَكتوبةً في صَحيفةٍ مِنَ النُّورِ، ثُمَّ قال الشَّيخُ: فلمَّا تَأمَّلتُ هذه الصَّلاةَ وجَدتُها لا تَزِنُها عِبادةُ جَميعِ الجِنِّ والإنسِ والمَلائِكةِ. قال الشَّيخُ: وقد أخبَرَني صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن ثَوابِ الاسمِ الأعظَمِ، فقُلتُ: إنَّها أكثَرُ منه، فقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: بل هو أعظَمُ منها، ولا تَقومُ له عِبادةٌ) [414] ((جواهر المعاني)) (1/ 96). .
وقال في بَيانِ فَضلِها: (وأمَّا فضلُ صَلاةِ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ... فقَد سَمِعتُ شَيخَنا يَقولُ: كُنتُ مُشتَغِلًا بذِكرِ صَلاةِ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ حينَ رَجَعتُ مِنَ الحَجِّ إلى تِلِمْسانَ؛ لِما رَأيتُ مِن فضلِها، وهو أنَّ المَرَّةَ الواحِدةَ بسِتّمِائةِ ألفِ صَلاةٍ كما هو في وردةِ الجُيوبِ. وقَد ذَكَرَ صاحِبُ «الوَردةِ» أنَّ صاحِبَها سَيِّدي مُحَمَّد البَكري الصديقي نَزيلَ مِصرَ وكان قُطبًا، قال: إنَّ مَن ذَكرَها ولم يَدخُلِ الجَنَّةَ فليَقبِضْ صاحِبَها عِندَ اللهِ، وبَقيتُ أذكُرُها إلى أن رَحَلتُ من تِلِمْسانَ إلى أبي سمعونَ، فلمَّا رَأيتُ الصَّلاةَ التي فيها المَرَّةُ الواحِدةُ بسَبعينَ ألفَ خَتمةٍ مِن دَلائِلِ الخَيراتِ، تَرَكتُ الفاتِحَ لِما أُغلِقَ واشتَغَلتُ بها، وهي «اللهُمَّ صَلِّ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه صَلاةً تَعدِلُ جَميعَ صَلَواتِ أهلِ مَحَبَّتِك، وسَلِّمْ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه سَلامًا يَعدِلُ سَلامَهم»، ولِما رَأيتُ فيها مِن كَثرةِ الفَضلِ، ثُمَّ أمَرَني بالرُّجوعِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى صَلاةِ الفاتِحِ لِما أُغلِقَ، فلمَّا أمَرَني بالرُّجوعِ إليها سَألتُه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن فضلِها، فأخبَرَني أوَّلًا بأنَّ المَرَّةَ الواحِدةَ منها تَعدِلُ مِنَ القُرآنِ سِتَّ مَرَّاتٍ، ثُمَّ أخبَرَني ثانيًا أنَّ المَرَّةَ الواحِدةَ منها تَعدِلُ مِن كُلِّ تَسبيحٍ وقَعَ في الكَونِ ومِن كُلِّ ذِكرٍ ومِن كُلِّ دُعاءٍ كَبيرٍ أو صَغيرٍ، ومِنَ القُرآنِ سِتَّةَ آلافِ مَرَّةٍ) [415] ((جواهر المعاني)) (1/ 94). .
ولا يخفى ما في هذا مِنَ الكَذِبِ والتَّلفيقِ، ولا يَخفى أيضًا أنَّ تَصديقَ مِثلِ هذه التُّرَّهاتِ تَكذيبٌ للَّهِ تعالى ولِرَسولِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم؛ فقد قال تعالى: يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ [المائدة: 67] .
ولا غَروَ؛ فقَد فضَّلَ التِّجانيُّ هذا نَفسَه على جَميعِ الصَّحابةِ والتَّابِعينَ وجَميعِ الأمَّةِ أجمَعينَ، وادَّعى الوِلايةَ العُظمى والغَوثيَّةَ وخَتمَ الأولياءُ!
قال حرازمُ: (ومِمَّا أملاه علينا رَضيَ اللهُ عنه قال: ولَوِ اجتَمَعَ جَميعُ ما تَلَته الأمَّةُ مِنَ القُرآنِ مِن بعثَتِه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم إلى النَّفخِ في الصُّورِ لفظًا لفظًا فردًا فردًا في القُرآنِ، ما بَلَغَ لفظةً واحِدةً مِنَ الاسمِ الأعظَمِ! وهذا كُلُّه بالنِّسبةِ للِاسمِ الأعظَمِ كَنُقطةٍ في البَحرِ المُحيطِ، وهذا مِمَّا لا عِلمَ لأحَدٍ به، واستَأثَرَ اللهُ به عن خَلْقِه، وكَشفَه لمَن شاءَ مِن عِبادِه، وقال رَضيَ اللهُ عنه: إنَّ الاسمَ الأعظَمَ هو الخاصُّ بالذَّاتِ لا غَيرُه، وهو اسمُ الإحاطةِ ولا يَتَحَقَّقُ بجَميعِ ما فيه إلَّا واحِدٌ في الدَّهرِ، وهو الفَردُ الجامِعُ، هذا هو الاسمُ الباطِنُ، أمَّا الاسمُ الأعظَمُ الظَّاهرُ فهو اسمُ الرُّتبةِ الجامِعُ لمَرتبةِ الألوهيَّةِ مِن أوصافِ الإلَهِ ومألوهيَّتِه، وتَحتَه مَرتَبةُ أسماءِ التَّشتيتِ، ومِن هذه الأسماءِ فيوضُ الأولياءِ، فمَن تَحَقَّقَ بوَصفٍ كان فيضُه بحَسبِ ذلك الاسمِ، ومِن هذا كانت مَقاماتُهم مُختَلِفةً وأحوالُهم كذلك، وجَميعُ فُيوضِ المَرتَبةِ بَعضٌ مِن فُيوضِ اسمِ الذَّاتِ الأكبَرِ، وقال رَضيَ اللهُ عنه: إذا ذَكَرَ الذَّاكِرُ الاسمَ الكَبيرَ يَخلُقُ اللهُ مِن ذِكرِه مَلائِكةً كَثيرةً لا يُحصي عَدَدَهم إلَّا اللهُ، ولِكُلّ واحِدٍ مِنَ الألسِنةِ بعَدَدِ جَميعِ المَلائِكةِ المَخلوقينَ مِن ذِكرِ الاسمِ، ويَستَغفِرونَ في كُلِّ طَرْفةِ عَينٍ للذَّاكِرِ، أي كُلُّ واحِدٍ يَستَغفِرُ في كُلِّ طَرْفةِ عَينٍ بعَدَدِ جَميعِ ألسِنَتِه، وهكذا إلى يَومِ القيامةِ، ثُمَّ قال رَضيَ اللهُ عنه: سَألتُ سَيِّدَ الوُجودِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عن فَضلِ المُسَبَّعاتِ العَشرِ، وأنَّ مَن ذَكَرها مَرَّةً لم تُكتَبْ عليه ذُنوبُ سَنةٍ، فقال لي صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: فضلُ جَميعِ الأذكارِ وسِرُّ جَميعِ الأذكارِ في الاسمِ الكَبيرِ، فقال الشَّيخُ رَضيَ اللهُ عنه: عَلِمتُ أنَّه أرادَ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: جَميعُ خَواصِّ الأذكارِ وفَضائِلِها مُنطَويةٌ في الاسمِ الكَبيرِ، ثُمَّ قال رَضيَ اللهُ عنه: يُكتَبُ لذاكِرِ الاسمِ بكُلِّ مَلَكٍ خَلقَ اللهُ في العالَمِ فَضلُ عِشرينَ مِن ليلةِ القَدرِ، ويُكتَبُ له بكُلِّ دُعاءٍ كَبيرٍ وصَغيرٍ سِتَّةٌ وثَلاثونَ ألفَ ألفِ مَرَّةٍ، بكُلِّ مَرَّةٍ مِن ذِكرِ هذا الاسمِ الشَّريفِ) [416] ((جواهر المعاني)) (1/ 55). .

انظر أيضا: