موسوعة الفرق

الفَرعُ الثَّالثُ: الكِتابُ المُقدَّسُ للبابيَّةِ


زَعَمَ البابيَّةُ أنَّ كِتابَهمُ المُقدَّسَ "البَيانُ" وَحيٌ مِنَ اللَّهِ تعالى أوحى به إلى البابِ، وأنَّه يحتَوي على تَعاليمَ جَديدةٍ جاءَت ناسِخةً لشَريعةِ الإسلامِ.
وهذا الكِتابُ المَزعومُ في غايةِ الخَلطِ والتَّعقيدِ؛ فهو تَأليفُ رَجُلٍ أعجَميٍّ أرادَ أن يكتُبَ بلُغةٍ عَرَبيَّةٍ لا يُجيدُها، فجاءَت عِباراتُه مُعَقَّدةً ومُبهَمةً؛ لذا يحمِلُ في داخِلِه أكبَرَ شاهدٍ على كذِبِ صاحِبِه، فلا يرضى أن يدَّعيَه أنصافُ المتعَلِّمينَ فضلًا أن يكونَ مِن كلاِم اللَّهِ سُبحانَه وتعالى! فإنَّه لا تَكادُ تَخلو صَفحةٌ واحِدةٌ فيه مِن أخطاءٍ، ثُمَّ لا يستَحي صاحِبُه بَعدَ ذلك أن يتَحَدَّى الإتيانَ بمِثلِ حَرفٍ مِنه!
ومِنَ الأمثِلة على بَعضِ عِباراتِ الكِتابِ الرَّكيكةِ غَيرِ ما تَقدَّمُ نَقلُه:
قَولُه: (وإن أرَدتُمُ التِّجارةَ فلا تُطَوِّلنَّ في البَحرِ إلَّا حَولَينِ ولا في البَحرِ إلَّا خَمسَ حولٍ، وإن جاوزَ من أحَدٍ فليُؤتينَّ قَرينُه اثنَتَي ومِئَتَينِ مِن ذَهَبٍ إنِ استَطاعَ لا مِن فِضَّةٍ) [3838] ((البيان)) (ص: 69). .
وقال: (ثُمَّ الواحِدُ مِن بَعدِ العَشرِ مَن يُنشِئُ كَلِماتًا) [3839] ((البيان)) (ص: 58). . أراد: كَلِماتٍ!
وقال: (ولتَشتَرُنَّ ما تُحِبُّونَ مِن كُلِّ أرضٍ لَعَلَّكم شَيءٌ اللَّطيف تَملكونَ) [3840] ((البيان)) (ص: 66). . عبارةٌ غيرُ مستقيمةٍ ولا واضحةٍ!
وقال: (ثُمَّ إنَّا كُنَّا باللَّهِ راضيون) [3841] ((البيان)) (ص: 63). . أي: راضونَ!
وقال: (ثُمَّ الثَّاني أنتُم في كُلِّ أرضِ بَيتٍ حرٍّ تبنيون) [3842] ((البيان)) (ص: 66). أراد: تبنونَ!
ومَعَ هذا الخَلطِ المَشينِ أرادَ أن يُقَرِّرَ بنَفسِ اللُّكنةِ الأعجَميَّةِ أنَّ هذا الكِتابَ عَرَبيُّ الأُسلوبِ والعِبارةِ، فقال: (قُلِ العاشِرُ إذَن في البَيانِ أن يكونونَ كُلَّما نَزلَ فيه عَرَبيًّا عِندَ الذين يستَطيعونَ أن يَفهموه، وأن يُفسِّرنَ أحَد فارِسيًّا إذَن في الكِتابِ هم كلماتُ البَيانِ لا يُدرِكونَ ولا تُفسِّرُنَّ إلَّا بالحَقِّ، ولا تَجعَلُنَّ الفارِسيَّ عَرَبيًّا إلَّا بالحَقِّ، ولتَملكُنَّ كُلُّكم أجمَعونَ بَيان عَرَبي مَحبوب وبَيان فارِسي للَّذينِ لا يستَطيعونَ ما نَزَلَ اللَّهُ يُدرِكونَ) [3843] ((البيان)) (ص: 94). ، فجَعَلَ كِتابَه هذا (البَيان) باللُّغَتَينِ العَرَبيَّةِ والفارِسيَّةِ بحُجَّةِ أنَّ البَيانَ الفارِسيَّ للذينِ لا يُدرِكونَ ما نَزَل عليه مِنَ الوحيِ بالعربيَّةِ.
ولمَّا سُئِلَ البابُ عن ذلك الفسادِ في أُسلوبِه وعَدَمِ التِزامِه بقَواعِدِ العَرَبيَّةِ الفُصحى، قال: (إنَّ الحُروفَ والكلماتِ كانت قد عَصَت واقتَرَفت خَطيئةً في الزَّمَنِ الأوَّلِ، فعوقِبَت على خَطيئَتِها بأن قُيِّدَت بسَلاسِلِ الإعرابِ، وحَيثُ إنَّ بَعَثَتنا جاءَت رَحمةً للعالمينَ فأطلِقَت من قَيدِها تَذهَبُ إلى حَيثُ تَشاءُ مِن وُجوهِ اللَّحنِ والغَلَطِ) [3844] ((مفتاح باب الأبواب)) للدكتور محمد مهدي خان (ص: 99)، ((حقيقة البابية والبهائية)) لمحسن عبد الحميد (ص: 94). !
ومِمَّا قاله الشِّيرازيُّ في بَيانِه المَزعومِ في اللَّوحِ الأوَّلِ مِن آياتِ الوحيِ (شُؤونُ الحَمراءِ): (إنَّا قد جَعَلْناك جليلًا للجالِلين، وإنَّا قد جَعَلناك به عظيمًا عظيمانًا للعاظِمينَ، وإنَّا قد جَعَلناك نورًا نورانًا للنُّورينَ، قد جَعَلناك رحمانًا رحيمًا للرَّاحِمينَ، وإنَّا قد جَعَلناك تميمًا للتَّامِّينَ... قُل: إنَّا قد جَعَلناك مليكانًا مليكًا للمالكينَ، قُل: إنَّا قد جَعَلناك عليانًا عليًّا للعالِينَ، قُل: إنَّا قد جَعَلْناك بشرانًا بشيرًا للباشِرينَ) [3845] يُنظر: ((مفتاح باب الأبواب)) لميرزا محمد مهدي خان (ص: 282)، نقلًا عن ((حقيقة البابية والبهائية)) لمحسن عبد الحميد (ص: 99). .
ومِن قَولِه: (تَبارَك اللَّهُ مِن شَمخِ مُشمِخٍ شميخٍ، تَبارَك اللَّه مِن بَذخِ مُبذِخٍ بذيخٍ، تَبارَك اللَّهُ مِن بَدء مُبتَدأ بَديء، تَبارَك اللَّهُ مِن فخرِ مُفتَخِرٍ فخِيرٍ، تَبارَك اللَّهُ مِن قَهرِ مُقهرٍ قهيرٍ، تَبارَك اللَّه من غَلَبِ مغتَلِبٍ غليبٍ... وتَبارَك اللَّهُ مِن وُجودِ مَوجودٍ جويدٍ) [3846] يُنظر: ((مفتاح باب الأبواب)) لميرزا محمد مهدي خان (ص: 282)، نقلًا عن ((حقيقة البابية والبهائية)) لمحسن عبد الحميد (ص: 99). .
وقال متحدِّيًا الإنسَ والجِنَّ على أن يأتوا بحَرفٍ مِن مِثلِ ما في بَيانِه المُنزَّلِ مِنَ اللَّهِ بزَعمِه: (يومَ نَكشِفُ السَّاقَ عن ساقِهم ينظُرونَ إلى الرَّحمَنِ، وذِكرِه في الأرضِ المَحشَر قريبًا فيقولونَ: يا لَيتَنا اتَّخَذنا مَعَ البابِ سبيلًا إمامِكم، هذا كِتابي قد كان مِن عِندِ اللَّهِ في أُمِّ الكِتابِ بالحَقِّ على الحَقِّ مَشهود، لَوِ اجتَمَعَتِ الإنسُ والجِنُّ على أن يأتوا بمِثِل هذا الكِتابِ بالحَقِّ على أن يستَطيعوا، ولَو كان أهلُ الأرضِ ومِثلُهم مَعَهم على الحَقِّ ظهيرًا، فورَبِّك الحَقِّ لَن يَقدِروا بمِثلِ بَعضٍ مِن حُروفِه ولا على تَأويلاتِه مِن بَعضِ السِّرِّ قِطميرًا) [3847] يُنظر: ((تاريخ البابية)) لميرزا محمد مهدي خان (ص: 309)، نقلًا عن ((البهائية)) للوكيل (ص: 80)، ويُنظر: ((كتاب البيان)) للشيرازي منقولًا بكامله في كتاب ((خفايا البهائية)). . إلى آخِرِ هذا الهَذَيانِ الذي فضَّله على كِتابِ اللَّهِ المُنزَّلِ على مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، الذي لا يأتيه الباطِلُ مِن بَينِ يدَيه ولا مِن خَلفِه، تَنزيلٌ مِن حَكيمٍ حَميدٍ، بلسانٍ عَرَبيٍّ مُبينٍ؛ ليعقِلَ النَّاسُ مَعانيَه عن رَبِّ العالَمينَ.
فالمُلاحَظُ في هذا الكِتابِ: أنَّه مَليءٌ بالأخطاءِ اللُّغَويَّةِ والنَّحويَّةِ والبَلاغيَّةِ؛ مِمَّا يهبِطُ به عن مُستَوى أداءِ الإنسانِ العاديِّ؛ إذ يرى القارِئُ فيه جُملًا يُناقِضُ أوَّلُها آخِرَها، وكلامًا مُرَكَّبًا رَكيكًا لا يوحي بمَعنًى ولا يومِئُ إلى دَلالةِ مَصدَرِه؛ فِكرٌ مُضطَرِبٌ، وخَيالاتٌ وأوهامٌ. فالجَهلُ المُرَكَّبُ، وخِفَّةُ العَقلِ، وضَعفُ التَّفكيرِ: باديةٌ على الكِتابِ مِن أوَّلِه إلى آخِرِه.

انظر أيضا: