موسوعة الفرق

المَبحَثُ الثَّاني عَشَرَ: حُكمُ النُّصَيريَّةِ في الإسلامِ


يُمكِنُ بَعدَمَعرِفةِ العَقائِدِ التي تَقدَّمَت والتي آمَنَت بها النُّصَيريَّةُ أن يُقالَ: إنَّ هذه الطَّائِفةَ لا عَلاقةَ لها بالإسلامِ والمُسلمينَ.
فهي تَقولُ بالحُلولِ بمَعنى أنَّ اللهَ قد حَلَّ في عَليِّ بنِ أبي طالبٍ وفي أشخاصٍ آخَرينَ!
وتَقولُ أيضًا: إنَّ للشَّريعةِ ظاهرًا وباطِنًا، وإنَّ المُرادَ باطِنُها دونَ ظاهرِها، وترَتَّب على هذا الاعتِقادِ تَركُهم جَميعَ الفرائِضِ الإسلاميَّةِ وتَأويلُها، وظُهورُه أيضًا على سُلوكِهم وأعمالِهم؛ فهم يُظهِرونَ خِلافَ ما يُبطِنونَ ويقولونَ ما لا يعتَقِدونَ.
وهم بالإضافةِ إلى ذلك قدِ اعتَقدوا بالتَّناسُخِ، وكفَروا بالبَعثِ والحِسابِ، فهَدَموا بذلك رُكنًا هامًّا مِن أركان الإيمانِ، وأباحوا المُحَرَّماتِ بشُربِ الخَمرِ والزِّنا.
وهذا كُلُّه، بَل واحِدٌ منه، مُخالفٌ للإسلامِ وخُروجٌ عنه، بَل هو كُفرٌ به واستِهانةٌ بما فرَضَ.
وكُلُّ من له بَصيرةٌ يعلمُ أنَّ الإسلامَ ما جاءَ إلَّا لمَحوِ هذه الاعتِقاداتِ الضَّالَّةِ الكافِرةِ؛ فالتَّوحيدُ وتَركُ عِبادةِ الأوثانِ والأشخاصِ هو أوَّلُ اعتِقادٍ في هذا الدِّينِ، أمَّا اليومُ الآخِرُ فهو الرُّكنُ المُهمُّ لعَقيدةِ التَّوحيدِ؛ لأنَّ الإيمانَ باللهِ يتبَعُه الإيمانُ باليومِ الآخِرِ، وقَولُ النُّصَيريَّةِ بالتَّناسُخِ هَدمٌ لهذا الرُّكنِ الهامِّ مِن أركانِ الإيمانِ.
أمَّا قَولُهم بأنَّ للشَّريعةِ ظاهرًا وباطِنًا وتَأويلُ الفرائِضِ الإسلاميَّةِ على هذا الأساسِ، فهو هَدَفُ الباطِنيَّةِ والغُلاةِ عُمومًا ابتِداءً مِنَ الإسماعيليَّةِ ومرورًا بالدُّروزِ وانتِهاءً بالنُّصَيريَّةِ؛ لمَسخِ الشَّريعةِ وهَدمِ الدِّينِ. وبهذا يتَبَيَّنُ أنْ لا عَلاقةَ للإسلامِ بالنُّصَيريَّةِ، فالإسلامُ شَيءٌ، والنُّصَيريَّةُ شَيءٌ آخَرُ، وعلى هذا الأساسِ عامَلهم جَميعُ أُمَراءِ المُسلمينَ ابتِداءً مِن صَلاحِ الدِّينِ وانتِهاءً بالسُّلطانِ العُثمانيِّ عَبد الحَميد؛ فقد حاولوا الكثيرَ مَعَهم في الرُّجوعِ إلى أُصولِ الإسلامِ، ولكِنَّهم لا يلبَثونَ أن يرجِعوا في كُلِّ مَرَّةٍ إلى ضَلالاتِهم وكُفرِهم.
ومَعَ ذلك يُحاوِلُ الكثيرُ منهم في الوقتِ الحاضِرِ أن يُبَرهِنَ أمامَ الرَّأيِ العامِّ أنَّهم مُسلمونَ موحِّدونَ، فظَهَرَت كُتُبٌ وبَياناتٌ تَقولُ بذلك، ولكِنْ كُلُّ ذلك لا يُجدي شَيئًا أمامَ الحَقائِقِ والأعمالِ التي يقومونَ بها، والتي تَدحَضُ كُلَّ هذه الادِّعاءاتِ الباطِنيَّةِ المُزَيَّفةِ.
ولعَلَّ ابنَ تيميَّةَ كان مِن أوائِلِ الذين عَرَفوا حَقيقةَ هذه الطَّائِفةِ، فحارَبَها قَولًا وعَمَلًا، كما حارَبَ بَقيَّةَ الطَّوائِفِ الباطِنيَّةِ، فنَجِدُه في رَدِّه على سُؤالٍ حَولَ حُكمِ هذه الطَّائِفةِ يُفنِّدُ كُلَّ ضَلالاتِهم، ويرُدُّعليهم بجُرأةِ العالِمِ الواعي لحَقائِقِ الأُمورِ، والواقِعُ أنَّ فتوى ابنِ تيميَّةَ فيهم تُعتَبَرُ جزءًا هامًّا مِنَ الحَقائِقِ التَّاريخيَّةِ الدَّامِغةِ للنُصَيريَّةِ، عِلاوةً على قيمَتِها في إظهارِ عَقائِدِها الباطِنيَّةِ.
فتوى ابنِ تيميَّةَ في النُّصَيريَّةِ:
سُئِل ابنُ تيميَّةَ: ما تَقولُ السَّادةُ العُلماءُ أئِمَّةُ الدِّينِ رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ وأعانَهم على إظهارِ الحَقِّ المُبينِ، وإخمادِ شَعبِ المُبطِلينَ: في "النُّصَيريَّةِ" القائِلينَ باستِحلالِ الخَمرِ، وتَناسُخِ الأرواحِ، وقِدَمِ العالمِ، وإنكارِ البَعثِ والنُّشورِ والجَنَّةِ والنَّارِ في غَيرِ الحَياةِ الدُّنيا، وبأنَّ "الصَّلواتِ الخَمسَ" عِبارةٌ عن خَمسةِ أسماءٍ، وهي: عَليٌّ، وحَسَنٌ، وحُسَينٌ، ومُحسِنٌ، وفاطِمةُ. فذِكرُ هذه الأسماءِ الخَمسةِ على رَأيِهم يجزِئُهم عنِ الغُسلِ مِنَ الجَنابةِ والوُضوءِ وبَقيَّةِ شُروطِ الصَّلواتِ الخَمسةِ وواجِباتِها. وبأنَّ "الصِّيامَ" عِندَهم عِبارةٌ عنِ اسمِ ثَلاثينَ رَجُلًا واسمِ ثَلاثينَ امرَأةً يعُدُّونَهم في كُتُبِهم ويضيقُ هذا المَوضِعُ عن إبرازِهم؛ وبأنَّ إلهَهمُ الذي خَلقَ السَّمَواتِ والأرضَ هو عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه؛ فهو عِندُهمُ الإلهُ في السَّماءِ والإمامُ في الأرضِ، فكانتِ الحِكمةُ في ظُهورِ اللَّاهوتِ بهذا النَّاسوتِ على رَأيِهم أن يُؤنِسَ خَلقَه وعَبيدَه؛ ليُعلِمَهم كيف يعرِفونَه ويعبُدونَه. وبأنَّ النُّصَيريَّ عِندَهم لا يصيرُ نُصَيريًّا مُؤمِنًا يُجالسونَه ويشرَبونَ مَعَه الخَمرَ ويُطلِعونَه على أسرارِهم ويُزَوِّجونَه مِن نِسائِهم حتَّى يُخاطِبَه مُعَلِّمُه. وحَقيقةُ الخِطابِ عِندَهم أن يُحَلِّفوه على كِتمانِ دينِه ومَعرِفةِ مَشايِخِه وأكابرِ أهلِ مَذهَبِه، وعلى ألَّا ينصَحَ مُسلِمًا ولا غَيرَه إلَّا مَن كان من أهلِ دينِه، وعلى أن يعرِفَ رَبَّه وإمامَه بظُهورِه في أنوارِه وأدوارِه، فيَعرِفَ انتِقالَ الاسمِ والمَعنى في كُلٍّ حينٍ وزَمانٍ. فالاسمُ عِندَهم في أوَّلِ النَّاسِ آدَمُ، والمَعنى هو شيثٌ، والاسمُ يعقوبُ، والمَعنى هو يوسُفُ. ويستَدِلُّونَ على هذه الصُّورةِ -كما يزعُمونَ- بما في القُرآنِ العَظيمِ حِكايةً عن يعقوبَ ويوسُفَعليهما الصَّلاةُ والسَّلامُ فيقولونَ: أمَّا يعقوبُ فإنَّه كان الاسمَ فما قدَرَ أن يتَعَدَّى مَنزِلتَه،فقال: قَالَ سَوْفَ أَسْتَغْفِرُ لَكُمْ رَبِّيَ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ [يوسف: 98] ،وأمَّا يوسُفُ فكان المَعنى المَطلوبَ، فقال: قَالَ لَا تَثْرَيبَ عَلَيْكُمُ الْيَوْمَ[يوسف: 92] ،فلم يُعَلِّقِ الأمرَ بغَيرِه؛ لأنَّه عَلِمَ أنَّه الإلهُ المُتَصَرِّفُ! ويجعَلونَ موسى هو الاسمَ ويوشَعُ هو المَعنى، ويقولونَ: يوشَعُ رُدَّت له الشَّمسُ لمَّا أمَرَها فأطاعَت أمرَه، وهل تُرَدُّ الشَّمسُ إلَّا لرَبِّها؟! ويجعَلونَ سُليمانَ هو الاسمَ وآصفَ هو المَعنى القادِرَ المُقتَدِرَ. ويقولونَ: سُليمانُ عَجَزَ عن إحضارِ عَرشِ بلقيسَ وقدَرَ عليه آصفُ؛ لأنَّ سُليمانَ كان الصُّورةَ، وآصفُ كان المَعنى القادِرَ المُقتَدِرَ، وقد قال قائِلُهم: هابيلُ شيثٌ يوسُفُ يوشَعُ آصفُ شَمعونُ الصَّفا حَيدَر، ويعُدُّونَ الأنبياءَ والمُرسَلينَ واحِدًا واحِدًا على هذا النَّمَطِ إلى زَمَنِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، فيقولونَ: مُحَمَّدٌ هو الاسمُ، وعَليٌّ هو المَعنى، ويوصِلونَ العَدَدَ على هذا التَّرتيبِ في كُلِّ زَمانٍ إلى وقتِنا هذا. فمِن حَقيقةِ الخِطابِ في الدِّينِ عِندَهم أنَّ عَليًّا هو الرَّبُّ، وأنَّ مُحَمَّدًا هو الحِجابُ، وأنَّ سَلمانَ هو البابُ، وأنشَدَ بَعضُ أكابرِ رُؤَسائِهم وفُضَلائِهم لنَفسِه في شُهورِ سَنةِ سَبعمِائةٍ، فقال:
أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا
حيدرةُ الأنزَعُ البطين
ولا حِجابَ عليه إلَّا
مُحَمَّدٌ الصَّادِقُ الأمين
ولا طَريقَ إليه إلَّا
سَلمانُ ذو القوَّةِ المَتين
ويقولونَ: إنَّ ذلك على هذا التَّرتيبِ لم يزَلْ ولا يزالُ، وكذلك الخَمسةُ الأيتامُ والاثنا عَشَرَ نَقيبًا، وأسماؤُهم مَشهورةٌ عِندَهم ومَعلومةٌ مِن كُتُبهمُ الخَبيثةِ، وأنَّهم لا يزالونَ يَظهَرونَ مَعَ الرَّبِّ والحِجابِ والبابِ في كُلِّ كورٍ ودَورٍ أبَدًا سَرمَدًا على الدَّوامِ والاستِمرارِ، ويقولونَ: إنَّ إبليسَ الأبالسةِ هو عُمَرُ بنُ الخَطَّابِ -رَضِيَ اللهُ عنه- ويليه في رُتبةِ الإبليسيَّةِ أبو بَكرٍ رَضِيَ اللهُ عنه، ثُمَّ عُثمانُ،رَضِيَ اللهُ عنهم أجمَعينَ، وشَرَّفهم وأعلى رُتَبَهم عن أقوالِ المُلحِدينَ، وانتِحالِ أنواعِ الضَّالِّينَ والمُفسِدينَ، فلا يزالونَ مَوجودينَ في كُلِّ وقتٍ دائِمًا حَسبَما ذُكرَ مِنَ التَّرتيبِ.
ولمَذاهبهمُ الفاسِدةِ شُعَبٌ وتَفاصيلُ تَرجِعُ إلى هذه الأُصولِ المَذكورةِ. وهذه الطَّائِفةُ المَلعونةُ استَولت على جانِبٍ كبيرٍ مِن بلادِ الشَّامِ، وهم مَعروفونَ مَشهورونَ مُتَظاهرونَ بهذا المَذهَبِ، وقد حَقَّقَ أحوالَهم كُلُّ مَن خالطَهم وعَرَفهم مِن عُقَلاءِ المُسلمينَ وعُلمائِهم، ومِن عامَّةِ النَّاسِ أيضًا في هذا الزَّمانِ؛ لأنَّ أحوالَهم كانت مَستورةً عن أكثَرِ النَّاسِ وقتَ استيلاءِ الإفرِنجِ المَخذولينَ على البلادِ السَّاحِليَّةِ، فلمَّا جاءَت أيَّامُ الإسلامِ انكشَف حالُهم وظَهر ضَلالُهم. والابتِلاءُ بهم كثيرٌ جِدًّا. فهل يجوزُ لمُسلمٍ أن يُزَوِّجَهم أو يتَزَوَّجَ منهم؟ وهل يحِلُّ أكلُ ذَبائِحِهم والحالةُ هذه أم لا؟ وما حُكمُ الجُبنِ المَعمولِ مِن إنفَحةِ ذَبيحَتِهم؟ وما حُكمُ أوانيهم ومَلابسِهم؟ وهل يجوزُ دَفنُهم بَينَ المُسلمينَ أم لا؟ وهل يجوزُ استِخدامُهم في ثُغورِ المُسلمينَ وتَسليمُها إليهم؟ أم يجِبُ على وليِّ الأمرِ قَطعُهم واستِخدامُ غَيرِهم مِن رِجالِ المُسلمينَ الكُفاةِ، وهل يأثَمُ إذا أخَّرَ طَردَهم؟ أم يجوزُ له التَّمَهُّلُ مَعَ أنَّ في عَزمِه ذلك؟ وإذا استَخدَمَهم وأقطَعَهم أو لم يُقطِعْهم هل يجوزُ له صَرفُ أموالِ بَيتِ المالِعليهم، وإذا صَرَفها وتَأخَّرَ لبَعضِهم بَقيَّةٌ مِن مَعلومِه المُسَمَّى، فأخَّرَه وليُّ الأمرِ عنه وصَرَفه على غَيرِه مِنَ المُسلمينَ أوِ المُستَحِقِّينَ أو أرصَدَه لذلك،هل يجوزُ له فِعلُ هذه الصُّورِ؟ أم يجِبُ عليه؟ وهل دِماءُالنُّصَيريَّةِ المَذكورينَ مُباحةٌ وأموالُهم حَلالٌ أم لا؟ وإذا جاهَدَهم وليُّ الأمرِ-أيَّدَه اللهُ تعالى بإخمادِ باطِلِهم- وقَطعَهم مِن حُصونِ المُسلمينَ، وحَذَّر أهلَ الإسلامِ مِن مناكحتِهم وأكلِ ذَبائِحِهم، وألزَمَهم بالصَّومِ والصَّلاةِ، ومَنعَهم مِن إظهارِ دينِهمُ الباطِلِ، وهمُ الذين يلونَه مِنَ الكُفَّارِ: هل ذلك أفضَلُ وأكثَرُ أجرًا مِنَ التَّصَدِّي والتَّرَصُّدِ لقِتالِ التَّتارِ في بلادِهم وهَدمِ بلادِ سيسَ وديارِ الإفرِنجِ على أهلِها؟ أم هذا أفضَلُ من كونِه يُجاهدُ النُّصَيريَّةَ المَذكورينَ مُرابطًا؟ ويكونُ أجرُ مَن رابَطَ في الثُّغورِ على ساحِلِ البَحرِ خَشيةَ قَصدِ الفِرِنجِ أكبَرَ أم هذا أكبَرُ أجرًا؟ وهل يجِبُ على مَن عَرَف المَذكورينَ ومَذاهبَهم أن يُشهِرَ أمرَهم ويُساعِدَ على إبطالِ باطِلهم وإظهارِ الإسلامِ بَينَهم؛ فلعَلَّ اللهَ تعالى أن يهديَ بَعضَهم إلى الإسلامِ، وأن يَجعَلَ مِن ذُرِّيَّتِهم وأولادِهم مُسلمينَ بَعدَ خُروجِهم مِن ذلك الكُفرِ العَظيمِ، أم يجوزُ التَّغافُلُ عنهم والإهمالُ؟ وما قَدرُ المُجتَهدِ على ذلك والمُجاهدِ فيه والمُرابطِ له والمُلازِمِ عليه؟ ولتَبسُطوا القَولَ في ذلك مُثابينَ مَأجورينَ إن شاءَ اللهُ تعالى، إنَّه على كُلِّ شَيءٍ قديرٍ، وحَسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.
فأجابَ ابنُ تيميَّةَ: (الحَمدُ للهِ رَبِّ العالَمينَ، هؤلاء القَومُ المُسَمَّونَ بالنُّصَيريَّةِ هم وسائِرُ أصنافِ القَرامِطةِ الباطِنيَّةِ أكفَرُ مِنَ اليهودِ والنَّصارى، بَل وأكفَرُ مِن كثيرٍ مِنَ المُشرِكينَ، وضَرَرُهم على أُمَّةِ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أعظَمُ مِن ضَرَرِ الكُفَّارِ المُحارِبينَ، مِثلُ كُفَّارِ التَّتارِ والفِرِنجِ وغَيرِهم؛ فإنَّ هؤلاء يتَظاهَرونَ عِندَ جُهَّالِ المُسلمينَ بالتَّشَيُّعِ وموالاةِ أهلِ البَيتِ، وهم في الحَقيقةِ لا يُؤمِنونَ باللهِ ولا برَسولِه ولا بكِتابِه، ولا بأمرٍ ولا نَهيٍ، ولا ثَوابٍ ولا عِقابٍ، ولا جَنَّةٍ ولا نارٍ، ولا بأحَدٍ مِنَ المُرسَلينَ قَبلَ مُحَمَّدٍ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، ولا بمِلَّةٍ مِنَ المِلَلِ السَّالفةِ، بَل يأخُذونَ كلامَ اللهِ ورَسولِه المَعروفَ عِندَ عُلماءِ المُسلمينَ يتأوَّلونه على أُمورٍ يفتَرونَها، يدَّعونَ أنَّها عِلمُ الباطِنِ مِن جِنسِ ما ذَكرَه السَّائِلُ ومِن غَيرِ هذا الجِنسِ؛ فإنَّه ليسَ لهم حَدٌّ مَحدودٌ فيما يدَّعونَه مِنَ الإلحادِ في أسماءِ اللهِ تعالى وآياتِه، وتَحريفِ كلامِ اللِه تعالى ورَسولِه عن مَواضِعِه؛ إذ مَقصودُهم إنكارُ الإيمانِ وشَرائِع الإسلامِ بكُلِّ طَريقٍ، مَعَ التَّظاهرِ بأنَّ لهذه الأُمورِ حَقائِقَ يعرِفونَها مِن جِنسِ ما ذَكرَ السَّائِلُ ومِن جِنسِ قَولِهم: إنَّ الصَّلواتِ الخَمسَ مَعرِفةُ أسرارِهم، والصِّيامَ المَفروضَ كِتمانُ أسرارِهم، وحَجَّ البَيتِ العَتيقِ زيارةُ شُيوخِهم، وأنَّ يدَيْ أبي لهَبٍ هما أبو بَكرٍ وعُمَرُ، وأنَّ النَّبَأَ العَظيمَ والإمامَ المُبينَ هو عَليُّ بنُ أبي طالبٍ، ولهم في مُعاداةِ الإسلامِ وأهلِه وقائِعُ مَشهورةٌ وكُتُبٌ مُصَنَّفةٌ، فإذا كانت لهم مَكِنةٌ سَفكوا دِماءَ المُسلمينَ، كما قَتَلوا مَرَّةً الحُجاجَ وألقَوهم في بئرِ زَمزَمَ، وأخَذوا مَرَّةً الحَجَرَ الأسودَ وبَقي عِندَهم مُدَّةً، وقَتَلوا مِن عُلماءِ المُسلمينَ ومَشايِخِهم ما لا يُحصي عَدَدَه إلَّا اللهُ تعالى، وصَنَّفوا كُتُبًا كثيرةً مِمَّا ذَكرَه السَّائِلُ وغَيرِه، وصَنَّف عُلماءُ المُسلمينَ كتُبًا في كشفِ أسرارِهم وهَتكِ أستارِهم، وبَيَّنوا فيها ما هم عليه مِنَ الكُفرِ والزَّندَقةِ والإلحادِ الذي هم به أكفَرُ مِنَ اليهودِ والنَّصارى ومِن بَراهمةِ الهندِ الذين يعبُدونَ الأصنامَ.
وما ذَكرَه السَّائِلُ في وصفِهم قَليلٌ مِنَ الكثيرِ الذي يعرِفُه العُلماءُ في وصفِهم. ومِنَ المَعلومِ عِندَنا أنَّ السَّواحِلَ الشَّاميَّةَ إنَّما استَولى عليها النَّصارى مِن جِهَتِهم، وهم دائِمًا مَعَ كُلِّ عَدوٍّ للمُسلمينَ؛ فهم مَعَ النَّصارى على المُسلمينَ. ومِن أعظَمِ المَصائِبِ عِندَهم فتحُ المُسلمينَ للسَّواحِلِ وانقِهارُ النَّصارى، بل ومِن أعظَمِ المَصائِبِ عِندَهمُ انتِصارُ المُسلمينَ على التَّتارِ. ومِن أعظَمَ أعيادهِم إذا استَولى -والعياذُ باللهِ تعالى- النَّصارى على ثُغورِ المُسلمينَ؛ فإنَّ ثُغورَ المُسلمينَ ما زالت بأيدي المُسلمينَ حتَّى جَزيرةَ قُبرُصَ -يسَّر اللهُ فتَحَها عن قَريبٍ- وفتَحَها المُسلمونَ في خِلافةِ أميرِ المُؤمِنينَ عُثمانَ بنِ عَفَّانَرَضِيَ اللهُ عنه، فتَحَها مُعاويةُ بنُ أبي سُفيانَ إلى أثناءِ المِائةِ الرَّابعةِ.
فهؤلاء المُحادُّونَ للهِ ورَسولِه كثُروا حينَئِذٍ بالسَّواحِلِ وغَيرِها، فاستَولى النَّصارى على السَّاحِلِ، ثُمَّ بسَبَبهمُ استَولوا على القُدسِ الشَّريفِ وغَيرِه؛ فإنَّ أحوالَهم كانت مِن أعظَمِ الأسبابِ في ذلك، ثُمَّ لمَّا أقامَ اللهُ مُلوكَ المُسلمينَ المُجاهدينَ في سَبيلِ اللهِ تعالى، كنورِ الدِّينِ الشَّهيدِ، وصَلاحِ الدِّينِ وأتباعِهما، وفتَحوا السَّواحِلَ مِنَ النَّصارى ومِمَّن كان بها منهم، وفتَحوا أيضًا أرضَ مِصرَ؛ فإنَّهم كانوا مُستَولينَ عليها نَحوَ مِائَتَي سَنةٍ، واتَّفقوا هم والنَّصارى فجاهَدَهمُ المُسلمونَ حتَّى فتَحوا البلادَ، ومِن ذلك التَّاريخِ انتَشَرَت دَعوةُ الإسلامِ بالدِّيارِ المِصريَّةِ والشَّاميَّةِ. ثُمَّ إنَّ التَّتارَ ما دَخَلوا بلادَ الإسلامِ وقَتَلوا خَليفةَ بَغدادَ وغَيرَه مِن مُلوكِ المُسلمينَ إلَّا بمُعاونَتِهم ومُؤازَرَتِهم؛ فإنَّ مُنَجِّمَ هولاكو الذي كان وزيرَهم، وهو «النَّصيرُ الطُّوسيُّ» كان وزيرًا لهم بأَلَمُوتَ، وهو الذي أمَرَ بقَتلِ الخَليفةِ وبوِلايةِ هؤلاء. ولهم ألقابٌ مَعروفةٌ عِندَ المُسلمينَ تارةً يُسَمَّونَ «المَلاحِدةَ»، وتارةً يُسَمَّونَ «القَرامِطةَ»، وتارةً يُسَمَّونَ «الباطِنيَّةَ»، وتارةً يُسَمَّونَ «الإسماعيليَّةَ»، وتارةً يُسَمَّونَ «النُّصَيريَّةَ»، وتارةً يُسَمَّونَ «الخُرَّمِيَّةَ»، وتارةً يُسَمَّونَ «المُحَمرةَ»، وهذه الأسماءُ منها ما يعُمُّهم ومنها ما يخُصُّ بَعضَ أصنافِهم، كما أنَّ الإسلامَ والإيمانَ يعُمُّ المُسلمينَ ولبَعضِهمُ اسمٌ يخُصُّه إمَّا لنَسَبٍ وإمَّا لمَذهَبٍ وإمَّا لبَلدِ وإمَّا لغَيرِ ذلك. وشَرحُ مَقاصِدِهم يطولُ، وهم كما قال العُلماءُ فيهم: ظاهِرُ مَذهَبِهم الرَّفضُ، وباطِنُه الكُفرُ المَحْضُ. وحَقيقةُ أمرِهم أنَّهم لا يُؤمِنونَ بنَبيٍّ مِنَ الأنبياءِ والمُرسَلينَ؛ لا بنوحٍ ولا إبراهيمَ، ولا موسى ولا عيسى ولا مُحَمَّدٍ، صَلواتُ اللهِ وسَلامُه عليهم أجمَعينَ، ولا بشَيءٍ مِن كُتُبِ اللهِ المُنَزَّلةِ؛ لا التَّوراةِ ولا الإنجيلِ ولا القُرآنِ. ولا يُقِرُّونَ بأنَّ للعالمِ خالقًا خَلقَه، ولا بأنَّ له دينًا أمَر به، ولا أنَّ له دارًا يجزي النَّاسَ فيها على أعمالِهم غَيرَ هذه الدَّارِ، وهم تارةً يبنونَ قَولَهم على مَذاهِبِ الفلاسِفةِ الطَّبيعيِّينَ أوِ الإلهيِّينَ، وتارةً يبنونَه على قَولِ المَجوسِ الذين يعبُدونَ النُّورَ، ويضُمُّونَ إلى ذلك الرَّفضَ. ويحتَجُّونَ لذلك مِن كلامِ النُّبوَّاتِ: إمَّا بقولٍ مَكذوبٍ ينقُلونَه كما ينقُلونَ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((أوَّلُ ما خَلَق اللهُ العَقلُ)). والحَديثُ مَوضوعٌ باتِّفاقِ أهل العِلمِ بالحَديثِ، ولفظُه ((إنَّ اللهَ لمَّا خَلقَ العَقلَ فقال له: أقبِلْ فأقبَلَ. فقال له: أدبِرْ فأدبرَ)) [3702] أخرجه العقيلي في ((الضعفاء الكبير)) (3/175)، والطبراني (8/340) (8086)، وابن الجوزي في ((الموضوعات)) (1/175) مطولاً باختلاف يسير من حديث أبي أمامة رضي الله عنه قال الإمام أحمد كما في ((الموضوعات)) لابن الجوزي (1/274): موضوع ليس له أصل، وقال العقيلي: لا يثبت في هذا المتن شيء، وقال ابن الجوزي: لا يصح، وقال ابن تيمية في ((بغية المرتاد)) (177): لا يثبت، وضعف إسناده العراقي في ((تخريج الإحياء)) (1/117) فيُحَرِّفونَ لفظَه، فيقولونَ ((أوَّلُ ما خَلَق اللهُ العَقلُ))؛ ليوافِقوا قَولَ المُتَفلسِفةِ أتباعِ أَرِسْطو في أنَّ أوَّلَ الصَّادِراتِ عن واجِبِ الوُجودِ هو العَقلُ. وإمَّا بلفظٍ ثابتٍ عنِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم فيُحَرِّفونَه عن مَواضِعِه كما يصنَعُ أصحابُ «رَسائِل إخوانِ الصَّفا» ونَحوِهم؛ فإنَّهم مِن أئِمَّتِهم.
وقد دَخَل كثيرٌ مِن باطِلِهم على كثيرٍ مِنَ المُسلمينَ، وراج عليهم حتَّى صارَ ذلك في كُتُبِ طَوائِفَ مِنَ المُنتَسِبينَ إلى العِلمِ والدِّينِ، وإن كانوا لا يوافِقونَهم على أصلِ كُفرِهم؛ فإنَّ هؤلاء لهم في إظهارِ دَعوتِهمُ المَلعونةِ التي يُسَمُّونَها «الدَّعوةَ الهاديَّةَ» دَرَجاتٌ مُتَعَدِّدةٌ، ويُسَمُّونَ النِّهايةَ «البَلاغَ الأكبَرَ والنَّاموسَ الأعظَمَ»، ومَضمونُ البَلاغِ الأكبَرِ جَحدُ الخالقِ تعالى، والاستِهزاءُ به وبمَن يُقِرُّ به، حتَّى قد يكتُبُ أحَدُهمُ اسمَ اللهِ في أسفَلِ رِجلِه! وفيه أيضًا جَحدُ شَرائِعِه ودينِه وما جاءَ به الأنبياءُ، ودَعوى أنَّهم كانوا من جنسِهم طالبينَ للرِّئاسةِ، فمنهم مَن أحسَنَ في طَلبِها، ومنهم مَن أساءَ في طَلبِها حتَّى قُتِل، ويجعَلونَ مُحَمَّدًا وموسى مِنَ القِسمِ الأوَّلِ، ويجعَلونَ المَسيحَ مِنَ القِسمِ الثَّاني. وفيه مِنَ الاستِهزاءِ بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصَّومِ والحَجِّ ومِن تَحليلِ نِكاحِ ذَواتِ المَحارِمِ وسائِرِ الفواحِشِ ما يطولُ وصفُه. ولهم إشاراتٌ ومُخاطَباتٌ يعرِفُ بها بَعضُهم بَعضًا. وهم إذا كانوا في بلادِ المُسلمينَ التي يكثُرُ فيها أهلُ الإيمانِ فقد يَخفونَ على مَن لا يعرِفُهم، وأمَّا إذا كثُروا فإنَّه يعرِفُهم عامَّةُ النَّاسِ فضلًا عن خاصَّتِهم.
وقد اتَّفقَ عُلماءُ المُسلمينَ على أنَّ هؤلاء لا تَجوزُ مُناكحتُهم، ولا يجوزُ أن يُنكِحَ الرَّجُلُ مَولاتَه منهم، ولا يتَزَوَّجَ منهمُ امرَأةً، ولا تُباحُ ذَبائِحُهم.
وأمَّا «الجُبنُ المَعمولُ بإنفَحَتِهم» ففيه قَولانِ مَشهورانِ للعُلماءِ كسائِرِ إنفَحةِ المَيتةِ، وكإنفَحةِ ذَبيحةِ المَجوسِ، وذَبيحةِ الفِرِنجِ الذين يُقالُ عنهم: إنَّهم لا يُذكُّونَ الذَّبائِحَ؛ فمَذهَبُ أبي حَنيفةَ وأحمَدَ في إحدى الرِّوايتَينِ أنَّه يحِلُّ هذا الجُبنُ؛ لأنَّ إنفَحةَ المَيتةِ طاهرةٌ على هذا القَولِ؛ لأنَّ الإنفَحةَ لا تَموتُ بمَوتِ البَهيمةِ، ومُلاقاةُ الوِعاءِ النَّجِسِ في الباطِنِ لا يُنَجِّسُ. ومَذهَبُ مالكٍ والشَّافِعيِّ وأحمَد في الرِّوايةِ الأُخرى أنَّ هذا الجُبنَ نَجِسٌ؛ لأنَّ الإنفَحةَ عِندَ هؤلاء نَجِسةٌ؛ لأنَّ لبَنَ المَيتةِ وإنفَحَتَها عِندَهم نَجِسٌ. ومَن لا تُؤكلُ ذَبيحَتُه فذَبيحَتُه كالمَيتةِ. وكُلٌّ مِن أصحاب القَولينِ يحتَجُّ بآثارٍ ينقُلُها عنِ الصَّحابةِ؛ فأصحابُ القَولِ الأوَّلِ نَقَلوا أنَّهم أكلوا جُبنَ المَجوسِ. وأصحابُ القَولِ الثَّاني نَقَلوا أنَّهم أكلوا ما كانوا يظُنُّونَ أنَّه مِن جُبنِ النَّصارى. فهذه مَسألةُ اجتِهادٍ؛ للمُقَلِّدِ أن يُقَلِّدَ مَن يُفتي بأحَدِ القَولينِ. وأمَّا «أوانيهم ومَلابسُهم» فكأواني المَجوسِ ومَلابسِ المَجوسِ على ما عُرِف مِن مَذاهِبِ الأئِمَّةِ. والصَّحيحُ في ذلك أنَّ أوانيَهم لا تُستَعمَلُ إلَّا بَعدَ غَسلِها؛ فإنَّ ذَبائِحَهم مَيتةٌ فلا بُدَّ أن يُصيبَ أوانيَهم المُستَعمَلةَ ما يطبُخونَه مِن ذَبائِحِهم فتَنَجَّسُ بذلك، فأمَّا الآنيةُ التي لا يغلِبُ على الظَّنِّ وُصولُ النَّجاسةِ إليها فتُستَعمَلُ مِن غَيرِ غَسلٍ، كآنيةِ اللبَنِ التي لا يضَعونَ فيها طَبيخَهم أو يغسِلونَها قَبلَ وَضعِ اللَّبَنِ فيها، وقد تَوضَّأ عُمَرُ بنُ الخَطَّابِرَضِيَ اللهُ عنه مِن جَرَّةِ نَصرانيَّةٍ. فما شُكَّ في نَجاسَتِه لم يُحكَمْ بنَجاسَتِه بالشَّكِّ. ولا يجوزُ دَفنُهم في مَقابرِ المُسلمينَ، ولا يُصَلَّى على مَن ماتَ منهم؛ فإنَّ اللهَ سُبحانَه وتعالى نهى نَبيَّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم عنِ الصَّلاةِ على المُنافِقينَ، كعَبدِ اللهِ بنِ أُبَيٍّ ونَحوِه، وكانوا يتَظاهَرونَ بالصَّلاةِ والزَّكاةِ والصِّيامِ والجِهادِ مَعَ المُسلمينَ، ولا يُظهِرونَ مَقالةً تُخالفُ دينَ الإسلامِ، لكِن يُسِرُّونَ ذلك، فقال اللهُ: وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ [التوبة: 84] ،فكيف بهؤلاء الذين هم مَعَ الزَّندَقةِ والنِّفاقِ يُظهرونَ الكُفرَ والإلحادَ؟
وأمَّا استِخدامُ مِثلِ هؤلاء في ثُغورِ المُسلمينَ أو حُصونِهم أو جُندِهم فإنَّه مِنَ الكبائِرِ، وهو بمَنزِلةِ مَن يستَخدِمُ الذِّئابَ لرَعيِ الغَنَمِ؛ فإنَّهم مِن أغَشِّ النَّاسِ للمُسلمينَ ولوُلاةِ أُمورِهم، وهم أحرَصُ النَّاسِ على فسادِ المَملكةِ والدَّولةِ، وهم شَرٌّ مِنَ المُخامِرِ الذي يكونُ في العَسكرِ؛ فإنَّ المُخامِرَ قد يكونُ له غَرَضٌ؛ إمَّا مَعَ أميرِ العَسكرِ وإمَّا مَعَ العَدوِّ. وهؤلاء لهم غَرَضٌ مَعَ المِلَّةِ ونَبيِّها ودينِها ومُلوكِها وعُلمائِها، وعامَّتِها وخاصَّتِها، وهم أحرَصُ النَّاسِ على تَسليمِ الحُصونِ إلى عَدوِّ المُسلمينَ، وعلى إفسادِ الجُندِ على وليِّ الأمرِ وإخراجِهم عن طاعَتِه. والواجِبُ على وُلاةِ الأُمورِ قَطعُهم مِن دَواوينِ المُقاتِلةِ، فلا يُترَكونَ في ثَغرٍ ولا في غَيرِ ثَغرٍ؛ فإنَّ ضَرَرَهم في الثَّغرِ أشَدُّ، وأن يَستَخدِمَ بَدَلَهم مَن يحتاجُ إلى استِخدامِه مِنَ الرِّجالِ المَأمونينَ على دينِ الإسلامِ،وعلى النُّصحِ للهِ ولرَسولِه ولأئِمَّةِ المُسلمينَ وعامَّتِهم، بَل إذا كان وليُّ الأمرِ لا يَستَخدِمُ مَن يغُشُّه وإن كان مُسلِمًا فكيف بمَن يغُشُّ المُسلمينَ كُلَّهم؟! ولا يجوزُ له تَأخيرُ هذا الواجِبِ مَعَ القُدرةِ عليه، بل أيُّ وقتٍ قدَرَ على الاستِبدالِ بهم وجَبَ عليه ذلك. وأمَّا إذا استُخدِموا وعَمِلوا العَمَلَ المَشروطَعليهم فلهم إمَّا المُسَمَّى وإمَّا أُجرةُ المِثلِ؛ لأنَّهم عوقِدوا على ذلك. فإن كان العَقدُ صَحيحًا وجَبَ المُسَمَّى، وإن كان فاسِدًا وجَبَت أُجرةُ المِثلِ، وإن لم يكُنِ استِخدامُهم من جِنسِ الإجارةِ اللَّازِمةِ فهي مِن جِنسِ الجَعالةِ الجائِزةِ؛ لكِنَّ هؤلاء لا يجوزُ استِخدامُهم فالعَقدُ عَقدٌ فاسِدٌ فلا يستَحِقُّونَ إلَّا قيمةَ عَمَلِهم. فإن لم يكونوا عَمِلوا عَمَلًا له قيمةٌ فلا شَيءَ لهم، لكِنْ دِماؤُهم وأموالُهم مُباحةٌ. وإذا أظهَروا التَّوبةَ ففي قَبولِها منهم نِزاعٌ بَينَ العُلماءِ؛ فمَن قَبِل تَوبَتَهم إذا التَزَموا شَريعةَ الإسلامِ أقَرَّ أموالَهم عليهم، ومَن لم يقبَلْها لم تُنقَلْ إلى ورَثَتِهم مِن جِنسِهم؛ فإنَّ مالَهم يكونُ فَيئًا لبَيتِ المالِ، لكِنَّ هؤلاء إذا أُخِذوا فإنَّهم يُظهِرونَ التَّوبةَ؛ لأنَّ أصلَ مَذهَبِهمُ التَّقيَّةُ وكِتمانُ أمرِهم، وفيهم مَن يعرِفُ وفيهم من قد لا يعرِفُ؛ فالطَّريقُ في ذلك أن يُحتاطَ في أمرِهم فلا يُتركونَ مُجتَمِعينَ ولا يُمَكَّنونَ مِن حَملِ السِّلاحِ ولا أن يكونوا مِنَ المُقاتِلةِ، ويلزَمونَ شَرائِعَ الإسلامِ مِنَ الصَّلواتِ الخَمسِ وقِراءةِ القُرآنِ. ويُترَكُ بَينَهم مَن يعلِّمُهم دينَ الإسلامِ ويُحالُ بَينَهم وبَينَ مُعَلِّمِهم؛ فإنَّ أبا بَكرٍ الصِّدِّيقَ رَضِيَ اللهُ عنه وسائِرَ الصَّحابةِ لمَّا ظَهَروا على أهلِ الرِّدَّةِ وجاؤوا إليه، قال لهمُ الصِّدِّيقُ: اختاروا إمَّا الحَربَ المُجلِيةَ وإمَّا السِّلمَ المُخْزيةَ. قالوا: يا خَليفةَ رَسولِ اللهِ، هذه الحَربُ المُجْليةُ قد عَرَفْناها فما السِّلمُ المُخْزيةُ؟ قال: تَدوُنَ قَتلانا ولا نَدِي قَتلاكم، وتَشهَدونَ أنَّ قَتْلانا في الجَنَّةِ وقَتْلاكم في النَّارِ، ونَقسِمُ ما أصَبْنا مِن أموالِكم، وتَرُدُّونَ ما أصَبتُم مِن أموالِنا، وتُنزَعُ مِنكم الحَلقةُ والسِّلاحُ، وتُمنَعونَ مِن رُكوبِ الخَيلِ، وتُترَكونَ تَتبَعونَ أذنابَ الإبلِ، حتَّى يُريَ اللهُ خَليفةَ رَسولِه والمُؤمِنينَ أمَرًا بَعدَ رِدَّتِكم. فوافقَه الصَّحابةُ في ذلك، إلَّا في تَضمينِ قَتلى المُسلمينَ؛ فإنَّ عُمَرَ بنَ الخَطَّابِرَضِيَ اللهُ عنه قال له: هؤلاء قُتِلوا في سَبيلِ اللهِ فأُجورُهم على اللهِ. يعني: هم شُهَداءُ فلا ديةَ لهم فاتَّفَقوا على قَولِ عُمَرَ في ذلك. وهذا الذي اتَّفقَ الصَّحابةُ عليه هو مَذهَبُ أئِمَّةِ العُلماءِ، والذي تَنازَعوا فيه تَنازَع فيه العُلماءُ؛ فمَذهَبُ أكثَرِهم أنَّ مَن قَتله المُرتَدُّونَ المُجتَمِعونَ المُحارِبونَ لا يُضمنُ، كما اتَّفقوا عليه آخِرًا، وهو مَذهَبُ أبي حَنيفةَ وأحمَدَ في إحدى الرِّوايتَينِ. ومَذهَبُ الشَّافِعيِّ وأحمَدَ في الرِّوايةِ الأُخرى هو القَولُ الأوَّلُ. فهذا الذي فعَله الصَّحابةُ بأولئك المُرتَدِّينَ بَعدَ عودِهم إلى الإسلامِ يُفعَلُ بمَن أظهَرَ الإسلامَ والتُّهمةُ ظاهرةٌ فيه، فيُمنَعُ أن يكونَ مِن أهلِ الخَيلِ والسِّلاحِ والدِّرعِ التي تَلبَسُها المُقاتِلةُ، ولا يُتركُ في الجُندِ مَن يكونُ يهوديًّا ولا نَصرانيًّا. ويلزَمونَ شَرائِعَ الإسلامِ حتَّى يظهَرَ ما يفعَلونَه مَن خَيرٍ أو شَرٍّ، ومَن كان مِن أئِمَّةِ ضَلالِهم وأظهَر التَّوبةَ أُخرِجَ عنهم وسيِّرَ إلى بلادِ المُسلمينَ التي ليسَ لهم فيها ظُهورٌ؛ فإمَّا أن يَهديَه اللهُ تعالى، وإمَّا أن يموتَ على نِفاقِه مِن غَيرِ مَضرَّةٍ للمُسلمينَ. ولا رَيبَ أنَّ جِهادَ هؤلاء وإقامةَ الحُدودِعليهم مِن أعظَمِ الطَّاعاتِ وأكبَرَ الواجِباتِ، وهو أفضَلُ مِن جِهادِ مَن لا يُقاتِلُ المُسلمينَ مِنَ المُشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ؛ فإنَّ جِهادَ هؤلاء من جِنسِ جِهادِ المُرتَدِّينَ، والصِّدِّيقُ وسائِرُ الصَّحابةِ بدؤوا بجِهادِ المُرتَدِّينَ قَبلَ جِهادِ الكُفَّارِ مِن أهلِ الكِتابِ؛ فإنَّ جِهادَ هؤلاء حِفظٌ لِما فُتِحَ مِن بلادِ المُسلمينَ، وأن يدخُلَ فيه مَن أرادَ الخُروجَ عنه. وجِهادُ مَن لم يُقاتِلْنا مِنَ المُشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ مِن زيادةِ إظهارِ الدِّينِ. وحِفظُ رَأسِ المالِ مُقدَّمٌ على الرِّبحِ. وأيضًا فضَرَرُ هؤلاء على المُسلمينَ أعظَمُ مِن ضَرَرِ أولئك، بل ضَرَرُ هؤلاء مِن جِنسِ ضَرَرِ مَن يُقاتِلُ المُسلمينَ مِنَ المُشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ، وضَرَرُهم في الدِّينِ على كثيرٍ مِنَ النَّاسِ أشَدُّ مِن ضَرَرِ المُحارِبينَ مِنَ المُشرِكينَ وأهلِ الكِتابِ. ويجِبُ على كُلِّ مُسلمٍ أن يقومَ في ذلك بحَسَبِ ما يقدِرُ عليه مِنَ الواجِبِ، فلا يحِلُّ لأحَدٍ أن يكتُمَ ما يَعرِفُه مِن أخبارِهم، بَل يُفشيها ويُظهِرُها ليعرِفَ المُسلمونَ حَقيقةَ حالِهم، ولا يحِلُّ لأحَدٍ أن يُعاوِنَهم على بَقائِهم في الجُندِ والمُستَخدَمينَ، ولا يَحِلُّ لأحَدٍ السُّكوتُ عنِ القيامِ عليهم بما أمَر اللهُ به ورَسولُه. ولا يحِلُّ لأحَدٍ أن ينهى عنِ القيامِ بما أمَر اللهُ به ورَسولُه؛ فإنَّ هذا مِن أعظَمِ أبوابِ الأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ والجِهادِ في سَبيلِ اللهِ تعالى، وقد قال اللهُ تعالى لنَبيِّه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ جَاهِدِ الْكُفَّارَ وَالْمُنَافِقِينَ وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ [التوبة: 73] ،وهؤلاء لا يخرُجونَ عنِ الكُفَّارِ والمُنافِقينَ. والمُعاوِنُ على كفِّ شَرِّهم وهدايتِهم بحَسبِ الإمكانِ له مِنَ الأجرِ والثَّوابِ ما لا يعلَمُه إلَّا اللهُ تعالى؛ فإنَّ المَقصودَ بالقَصدِ الأوَّلِ هو هدايتُهم، كما قال اللهُ تعالى: كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ [عمران: 110]،قال أبو هرَيرةَ: (كُنتُم خَيرَ النَّاسِ للنَّاسِ، تَأتونَ بهم في القُيودِ والسَّلاسِلِ حتَّى تُدخِلوهمُ الإسلامَ). فالمَقصودُ بالجِهادِ والأمرِ بالمَعروفِ والنَّهيِ عنِ المُنكَرِ: هدايةُ العِبادِ لمَصالحِ المَعاشِ والمَعادِ بحَسَبِ الإمكانِ، فمَن هداه اللهُ سَعِدَ في الدُّنيا والآخِرةِ، ومَن لم يهتَدِ كفَّ اللهُ ضَرَرَه عن غَيرِه. ومَعلومٌ أنَّ الجِهادَ والأمرَ بالمَعروفِ، والنَّهيَ عنِ المُنكَرِ: هو أفضَلُ الأعمالِ، كما قال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم: ((رَأسُ الأمرِ الإسلامُ، وعَمودُه الصَّلاةُ، وذِرْوةُ سَنامِه الجِهادُ في سَبيلِ اللهِ تعالى)) [3703] أخرجه الترمذي (2616)، وأحمد (22016) واللفظ لهما، وابن ماجه (3973) باختلاف يسير من حديث معاذ بن جبل رضي الله عنه صححه الترمذي، والحاكم على شرط الشيخين في ((المستدرك)) (2443)، وعبدالحق الإشبيلي في ((الأحكام الشرعية الكبرى)) (3/156)، وابن القيم في ((أعلام الموقعين)) (4/259) ، وفي الصَّحيحِ عنه صلَّى اللهُ عليه وسلَّم أنَّه قال: ((إنَّ في الجَنَّةِ لمِائةَ دَرَجةٍ ما بَينَ الدَّرَجةِ إلى الدَّرَجةِ كما بَينَ السَّماءِ إلى الأرضِ، أعَدَّها اللهُ عَزَّ وجَل للمُجاهدينَ في سَبيلِه)) [3704] أخرجه البخاري (2790) باختلاف يسير من حديث أبي هريرة رضي الله عنه. ، وقال صلَّى اللهُ عليه وسلَّم ((رِباطُ يومٍ وليلةٍ في سَبيلِ اللهِ خَيرٌ مِن صيامِ شَهرٍ وقيامِه)) [3705] أخرجه مسلم (1913) مطولاً باختلاف يسير من حديث سلمان رضي الله عنه. ، و((مَن ماتَ مُرابطًا ماتَ مُجاهدًا، وجَرى عليه عَمَلُه وأُجريَعليه رِزقُه مِنَ الجَنَّةِ، وأمِنَ الفتنةَ)) [3706] أخرجه مسلم (1913) باختلاف يسير من حديث سلمان رضي الله عنه ولفظه: ((رباط يوم وليلة خير من صيام شهر وقيامه، وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعمله، وأجري عليه رزقه، وأمن الفتان)) . والجِهادُ أفضَلُ مِنَ الحَجِّ والعُمرةِ، كما قال تعالى: أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ * الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ * يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُمْ بِرَحْمَةٍ مِنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُقِيمٌ * خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ أَجْرٌ عَظِيمٌ [التوبة: 19-22] . والحَمدُ للهِ رَبّ العالَمينَ، وصَلاتُه وسَلامُه على خَيرِ خَلقِه سيِّدِنا مُحَمَّدٍ وعلى آلِه وصَحبَه أجمَعينَ) [3707] ((مجموع الفتاوى)) (35/145-160). .
وسُئِل ابنُ تيميَّةَ أيضًا: عن (الدُّرزيَّةِ) و(النُّصَيريَّةِ) ما حُكمُهم؟
فأجابَ: (هؤلاء «الدُّرزيَّةُ» و«النُّصَيريَّةُ» كفَّارٌ باتِّفاقِ المُسلمينَ، لا يحِلُّ أكلُ ذَبائِحهم ولا نِكاحُ نِسائِهم، بَل ولا يُقَرُّونَ بالجِزيةِ؛ فإنَّهم مُرتَدُّونَ عن دينِ الإسلامِ ليسوا مُسلمينَ ولا يهودَ ولا نَصارى، لا يُقِرُّونَ بوُجوبِ الصَّلواتِ الخَمسِ ولا وُجوبِ صَومِ رَمَضانَ ولا وُجوبِ الحَجِّ، ولا تَحريمِ ما حَرَّمَ اللهُ ورَسولُه مِنَ الميتةِ والخَمرِ وغَيرِهما. وإن أظهَروا الشَّهادَتَينِ مَعَ هذه العَقائِدِ فهم كُفَّارٌ باتِّفاقِ المُسلمينَ. فأمَّا «النُّصَيريَّةُ» فهم أتباعُ أبي شُعَيبٍ مُحَمَّدِبنِ نُصَيرٍ، وكان مِنَ الغُلاةِ الذين يقولونَ: إنَّ عَليًّا إلهٌ) [3708] ((مجموع الفتاوى)) (35/161). .
وقال ابنُ فضلِ اللهِ العُمريُّ: (النُّصَيريَّةُ: وهمُ القائِلونَ بأُلوهيَّةِ عَليٍّ، وإذا مَرَّ بهمُ السَّحابُ قالوا: السَّلامُ عليك يا أبا الحَسَنِ، ويزعُمونَ أنَّ السَّحابَ مَسكَنُه، ويقولونَ: إنَّ الرَّعدَ صَوتُه، وإنَّ البَرقَ ضَحِكُه، وإنَّ سَلمانَ الفارِسيَّ رَسولُه، ويُحِبُّونَ ابنَ مُلجِمٍ، ويقولونَ: إنَّه خَلَّصَ اللَّاهوتَ مِنَ النَّاسوتِ، ولهم خِطابٌ بَينَهم، مَن خاطَبوه به لا يعودُ يرجِعُ عنهم، ولا يُذيعُه ولو ضُرِبَت عُنُقُه، وقد جُرِّبَ هذا كثيرًا. وهم طائِفةٌ مَلعونةٌ مَرذولةٌ، مَجوسيَّةُ المُعتَقَدِ، لا تُحرِّمُ البَناتِ ولا الأخَواتِ ولا الأُمَّهاتِ، ويُحكى عنهم في هذا حِكاياتٌ، ولهمُ اعتِقادٌ في تَعظيمِ الخَمرِ، ويرَونَ أنَّها مِنَ النُّورِ، ولهم قَولٌ في تَعظيمِ النُّورِ مِثلُ قَولِ المَجوسِ أيضًا) [3709] ((التعريف بالمصطلح الشريف)) (ص: 197). .
وقال ابنُ القَيِّمِ: (المَجوسُ أمَّةٌ تُعظِّمُ الأنوارَ والنِّيرانَ والماءَ والأرضَ، ويُقِرُّونَ بنُبوَّةِ زَرادُشْتَ، ولهم شَرائِعُ يَصيرونَ إليها. وهم فِرَقٌ شَتَّى... وعلى مَذهَبِهم طَوائِفُ القَرامِطةِ والإسماعيليَّةِ والنُّصَيريَّةِ والبشكيَّةِ والدُّرزيَّةِ، وسائِرِ العُبَيديَّةِ الذين يُسَمُّونَ أنفُسَهم الفاطِميَّةَ، وهم مِن أكفَرِ الكُفَّارِ) [3710] ((إغاثة اللهفان في مصايد الشيطان)) (2/ 1006، 1007). .
وقال المُلَّا عَلي القاريُّ: (غُلاتُهم أي: غُلاةُ الرَّافِضةِ القائِلونَ بإلهيَّةِ عَليٍّ، ويُسَمَّونَ النُّصَيريَّةَ، ولا شُبهةَ في كُفرِهم إجماعًا) [3711] ((شرح الشفا)) (2/ 500). .
وقال ابنُ عابدينَ: (حُكمُ الدُّروزِ والتَّيامِنةِ والنُّصَيريَّةِ والإسماعيليَّةِ: تَنبيهٌ: يُعلَمُ مِمَّا هَنا حُكمُ الدُّروزِ والتَّيامِنةِ، فإنَّهم في البلادِ الشَّاميَّةِ يُظهِرونَ الإسلامَ والصَّومَ والصَّلاةَ مَعَ أنَّهم يعتَقِدونَ تَناسُخَ الأرواحِ وحِلَّ الخَمرِ والزِّنا، وأنَّ الأُلوهيَّةَ تَظهَرُ في شَخصٍ بَعدَ شَخصٍ، ويجحَدونَ الحَشرَ والصَّومَ والصَّلاةَ والحَجَّ، ويقولونَ: المُسَمَّى به غَيرُ المَعنى المُرادِ، ويتَكلَّمونَ في جَنابِ نَبيِّنا صلَّى اللهُ عليه وسلَّم كَلِماتٍ فظيعةً. وللعَلَّامةِ المُحَقِّقِ عَبِد الرَّحمَنِ العِماديِّ فيهم فتوى مُطَوَّلةٌ، وذَكَر فيها أنَّهم ينتَحِلونَ عَقائِدَالنُّصَيريَّةِ والإسماعيليَّةِ الذين يُلقَّبونَ بالقَرامِطةِ والباطِنيَّةِ، الذين ذَكرَهم صاحِبُ المَواقِفِ. ونَقَل عن عُلماءِ المَذاهِبِ الأربَعةِ أنَّه لا يحِلُّ إقرارُهم في ديارِ الإسلامِ بجِزيةٍ ولا غَيرِها، ولا تَحِلُّ مُناكَحتُهم ولا ذَبائِحُهم، وفيهم فتوى في الخَيريَّةِ أيضًا فراجِعْها) [3712] ((رد المحتار)) (4/ 244). .
وقال مُحَمَّدُ بنُ عَبدِ الرَّحمَنِ بنِ قاسِمٍ: (النُّصَيريَّةُ هم مِن غُلاةِ الرَّافِضةِ الذين يدَّعونَ إلهيَّةَ عَليٍّ، وهؤلاء أكفَرُ مِنَ اليهودِ والنَّصارى باتِّفاقِ المُسلمينَ.
ومِن شَرعِ النُّصَيريَّةِ:
أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا
حيدرةُ الأنزَعُالبطين
أشهَدُ أنْ لا إلهَ إلَّا
سَلمانُ ذو القُوَّةِ المَتين
ويقولونَ: إنَّ شَهرَ رَمَضانَ أسماءُ ثَلاثينَ رجلًا، إلى أنواعٍ مِنَ الكُفرِ الشَّنيعِ يطولُ وصفُها. والنُّصَيريَّةُ يُعَظِّمونَ القائِلينَ بوَحدةِ الوُجودِ كالتِّلِمْسانيِّ شَيخِ القائِلينَ بالوَحدةِ؛ فقد ذَهَبَ إلى النُّصَيريَّةِ وصَنَّف لهم كِتابًا، وهم يُعَظِّمونَه جِدًّا) [3713] ((آل رسول الله وأولياؤه)) (ص: 143). .

انظر أيضا: