موسوعة الفرق

المَبحَثُ الخامِسُ: عِباداتُ النُّصَيريَّةِ


يختَلفُ النُّصَيريُّونَ عنِ المُسلمينَ في العِباداتِ، بَل وفي كُلِّ شَيء، وهذا طَبيعيٌّ؛ إذ إنَّ تَعاليمَ الإسلامِ لا يُمكِنُ أن تَتَّفِقَ مَعَ التَّعاليمِ الوثَنيَّةِ مَهما أظهَروها بالمَظهَرِ الإسلاميِّ، مِثلُ استِعمالهمُ الأسماءَ الإسلاميَّةَ، كما قد يتَسَمَّونَ بالأسماءِ النَّصرانيَّةِ أيضًا؛ لكِنَّهم لا يسمَحونَ لأحَدٍ منهم أن يتَسَمَّى بأفضَلِ أصحابِ رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم، كأبي بَكرٍ وعُمَرَرَضِيَ اللهُ عنهما وعن جَميعِ الصَّحابةِ.
ولأنَّ مَذهَبَهم خَليطٌ مِن شَتَّى الأفكارِ والدِّياناتِ، فإنَّ ما ورَدَ في عَقيدَتِهم وكُتُبِهم مِن كَلِماتِ الصَّلاةِ والحَجِّ والزَّكاةِ والصِّيامِ لا يُريدونَ بها المَقصودَ منها في الشَّريعةِ الإسلاميَّةِ، بَل أوَّلوها إلى مَعانٍ أُخرى باطِنيَّةٍ.
وقد ذَكرَ بَعضُ العُلماءِ أنَّ النُّصَيريِّينَ يُفرِّقونَ في التِزامِ التَّكاليفِ بَينَ المَشايِخِ وبَينَ الجُهَّالِ، فيرَونَ أنَّ جَبريَّةَ التَّكاليفِ تَسري على المَشايِخِ وتَسقُطُ عنِ الجُهَّالِ. ولعَلَّ في هذا الكلامِ نظرًا؛ فإنَّ المَعهودَ في المَذاهِبِ الباطِنيَّةِ عمومًا أنَّ الشَّخصَ إذا عَرَف بَواطِنَ النُّصوصِ سَقَطَت عنه ما تَدُلُّ عليه ظَواهرُها مِنَ التَّكاليفِ، والحَلالِ والحَرامِ.
وقد ذُكِرَ في (الهَفتِ الشَّريف) أنَّ الاصطِفاءَ دَرَجةٌ فوقَ دَرَجةِ النَّبيِّينَ، وفوقَ هذه أيضًا دَرَجةٌ أعلى منها، وهي دَرَجةُ الحِجابِ، ثُمَّ قال المُفضَّلُ الجعفيُّ: (قُلتُ: يا مَولاي،هل عَلينا نَحنُ مَعرِفةُ هذه الدَّرَجاتِ؟ قال الصَّادِقُ: نَعَم، مَن عَرَف هذا الباطِنَ فقد سَقَطَ عنه عَمَلُ الظَّاهرِ، وما دامَ لا يعرِفُ هذه الدَّرَجاتِولا يبلُغُها بمَعرِفتِه، فإذا بَلغَها وعَرَفها مَنزِلةً مُنزَلةً، ودَرَجةً دَرَجةً، فهو حينَئِذٍ حُرٌّ قد سَقَطَت عنه العُبوديَّةُ، وخَرَجَ مِن حَدِّ المَملوكيَّةِ إلى حَدِّ الحُرِّيَّةِ باشتِهائِه ومَعرِفتِه. قُلتُ: يا مَولاي، فهل ذلك في كِتابِ اللهِ؟ قال: نَعَم، أما سَمِعتَ قَولَه تعالى: وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى [النجم: 42] ؟ فإذا عَرَف الرَّجُلُ رَبَّه فقدِ انتَهى للمَطلوبِ، ولا شَيءَ أبلغُ إلى اللهِ مِنَ الوحدانيَّةِ والمَعرِفةِ، وإنَّما وُضِعَتِ الأصفادُ والأغلالُ على المُقَصِّرينَ، وأمَّا مِن قد بَلغَ وعَرَف هذه الدَّرَجاتِ التي قَرَأتُها لك فقد أعتَقَته مِنَ الرِّقِّ، ورَفعَت عنه الأغلالَ والأصفادَ وإقامةَ الظَّاهرِ. ثُمَّ تَلا قَولَه تعالى: لَيْسَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جُنَاحٌ فِيمَا طَعِمُوا إِذَا مَا اتَّقَوْا وَآمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ثُمَّ اتَّقَوْا وَآمَنُوا ثُمَّ اتَّقَوْا وَأَحْسَنُوا وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ [المائدة: 93] وقرأ مولاي: لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ [النــور: 29]، قُلتُ: ما تَعني هذه يا مَولاي؟ قال: يعني رَفعةً في المَعرِفةِ وارتفاعًا في الدَّرَجاتِ) [3658] ((الهفت)) (ص: 42). ويُنظر: (ص: 125). .
وقد ذَكرَ مُصطَفى الشَّكعة [3659] يُنظر: ((إسلام بلا مذاهب)) (ص: 312). أنَّ النُّصَيريِّينَ يُصَلُّونَ في خَمسِ أوقاتٍ، إلَّا أنَّها تَختَلفُ في الأداءِ وفي عَدَدِ الرَّكعاتِ عن بَقيَّةِ المَذاهِبِ الإسلاميَّةِ، وصلاتُهم لا سُجودَ فيها، وفيها بَعضُ الرُّكوعِ أحيانًا.
ولا يُصَلُّونَ الجُمعةَ ولا يعتَرِفونَ بها كفَرضٍ، ولا يتَطَهَّرونَ قَبلَ أداءِ صَلواتِهم، ولا يُصَلُّونَ في المَساجِدِ، بَل يُحارِبونَ بناءَ المَساجِدِ ولا يرضَونَ بإقامَتِها، بَل يجتَمِعونَ في بُيوتٍ مَعلومةٍ وأوقاتٍ مُعَيَّنةٍ، ويُسَمُّونَ هذا الاجتِماعَ عيدًا يقومُ الشُّيوخُ بتِلاوةِ بَعضِ القِصَصِ والأخبارِ والمُعجِزاتِ الخُرافيَّة لأئِمَّتِهم، ويختَلطُ الحابلُ بالنَّابلِ في هذه الاجتِماعاتِ رجالًا ونِساءً.
ثُمَّ يقومونَ بأداءِ بَعضِ الطُّقوسِ والصَّلواتِ المُشابهةِ لقُدَّاساتِ وطُقوسِ النَّصارى، ومِن قُدَّاساتِهم الكثيرةِ قُدَّاسُ الطَّيِّبِ لكُلِّ أخٍ وحَبيبٍ، وقُدَّاسُ البَخورِ في روحِ ما يدورُ في مَحَلِّ الفرَحِ والسُّرورِ، وقُدَّاسُ الأذانِ وباللهِ المُستَعانُ، وكُلُّ قُدَّاسٍ له ذِكرٌ خاصٌّ به وأدعيةٌ يتَوسَّلونَ فيها بعَليٍّ والخَمسةِ الأيتامِ وكِبارِ مَشايِخِهمُ الذين جَعَلوهم أربابًا مَن دونِ اللهِ؛ كالخصيبيِّ وغَيرِه، أن تَحِلَّ في ديارِهمُ البَرَكةُ وأن يُنصَروا على أعدائِهم.
ومِن أمثِلةِ هذه القُدَّاساتِ: قُدَّاسُ الأذانِ، وهو: (اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ اللهُ أكبَرُ كبيرًا، الحَمدُ للهِ كثيرًا وجَّهتُ وجهي إلى مُحَمَّدٍ المَحمودِ طالبًا سِرَّه المَقصودَ، المُتَقَرِّبُ بتَجَلِّي الصِّفاتِ وعَينيِّ الذَّاتِ، وفاطِرِ الفِطَرِ ذو الجَلالِ، والحَسَنِ ذو الكَمالِ، اتَّبِعوا مِلَّةَ أبيكم إبراهيمَ الخَليلِ، هو الذي سَمَّاكم مُسلمينَ حنيفًا مسلمًا ولا أنا مِنَ المُشرِكينَ.
ديني سَلسَلٌ طاعةٌ إلى القديمِ الأزَل، أقِرُّ كما أقَرَّ السَّيِّدُ سَلمانُ حينَ أذَّنَ المُؤَذِّنُ في أُذُنِه وهو يقولُ: شَهِدتُ أنْ لا إلهَ إلَّا هو العَليُّ المَعبودُ، ولا حِجابَ إلَّا السَّيِّدُ مُحَمَّدٌ المَحمودُ، ولا بابَ إلَّا السَّيِّدُ سَلمانُ الفارِسيُّ، ولا مَلائِكةَ إلَّا المَلائِكةُ الخَمسةُ الأيتامُ الكِرامُ.
ولا رَبَّ إلَّا رَبِّي، شَيخُنا وهو شَيخُنا وسَيِّدُنا الحُسَينُ حَمدانُ الخصيبيُّ، سَفينةُ النَّجاةِ وعَينُ الحَياةِ، حَيَّ على الصَّلاةِ حَيَّ على الفلاحِ تُفلِحوا يا مُؤمِنونَ، حَيَّ على خَيرِ العَمَلِ بعَينِه الأجَلِّ، اللهُ أكبَرُ واللهُ أكبَرُ، قد قامَتِ الصَّلاةُ على أربابِها، وثَبَتَتِ الحُجَّةُ على أصحابِها.
اللهُ مَولاي، يا عَليُّ أسألُك أن تُقيمَها وتُديمَها ما دامَتِ السَّمَواتُ والأرضُ، وتَجعَلَ السَّيِّدَ مُحَمَّد خاتَمَها، والسَّيِّدَ سَلمانَ زَكاتَها، والمِقدادَ يمينَها، وأبا ذَرٍّ شِمالَها، نَحمَدُ اللهَ بحَمدِ الحامِدينَ، ونَشكُرُ اللهَ بشُكرِ الشَّاكِرينَ، وصَلَّى اللهُ على سَيِّدِنا مُحَمَّدٍ وآلِه وصَحبِه أجمَعينَ.
أسألُك اللهمَّ مَولاي بحَقِّ هذا قُدَّاسِ الأذانِ، وبحَقِّ مَتَّى وسَمعانَ، والتَّواريخِ والأعوامِ، بحَقِّ يوسُفَ بنِ مَن كان، بحَقِّ الأحَدَ عَشَرَ كوكبًا الذين رَآهم يوسُفُ بالمَنامِ، تَحِلُّ في ديارِكمُ البَرَكةُ بالتَّمامِ، يا مَولاي يا عَليُّ يا عَظيمُ) [3660] ((العلويون)) للعسكري (ص: 109). .
وهناك قُدَّاساتٌ كثيرةٌ، كُلُّ قُدَّاسٍ فيه نَحوُ هذا الضَّربِ مِنَ الكلامِ.
وجاءَ في (الهَفتِ الشَّريفِ) في بَيانِ مَعنى الصَّلاةِ والزَّكاةِ: (إنَّ جَعفَرًا الصَّادِقَ قال للمُفضَّلِ: أتدري ما مَعنى قَولِه تعالى: وَكَانَ يَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ [مريم: 55] ؟ قُلتُ: يعني أهلَه المُؤمِنينَ مِن شيعَتِه الذين يُخفونَ إيمانَهم، وهي الدَّرَجةُ العاليةُ والمَعرِفةُ والإقرارُ بالتَّوحيدِ وأنَّه العَليُّ الأعلى، فأمَّا مَعنى قَولِه تعالى: وَكَانَيَأْمُرُ أَهْلَهُ بِالصَّلَاةِ وَالزَّكَاةِ [مريم: 55] فالصَّلاةُ أميرُ المُؤمِنينَ، والزَّكاةُمَعرِفتُه، وأمَّا إقامةُ الصَّلاةِ فهي مَعرِفتُنا وإقامَتُنا) [3661] ((الهفت)) (ص: 40). .
والصِّيامُ عِندَالنُّصَيريَّةِ ليسَ هو عنِ الأكلِ والشُّربِ وجَميعِ المُفطِراتِ في نَهارِ رَمَضانَ، بَل هو الامتِناعُ عن مُعاشَرةِ النِّساءِ طَوالَ شَهرِ رَمَضانَ.
والحَجُّ إلى بَيتِ اللهِ الحَرامِ يعتَبرونَه كُفرًا وعِبادةً للأصنامِ [3662] يُنظر: ((طائفة النصيرية)) للحلبي (ص: 66). .
وتوجَدُ خُلاصةٌ وافيةٌ لتَعاليمِالنُّصَيريَّةِ وعَقائِدِها في كُتَيِّبٍ صَغيرٍ بعُنوانِ (كِتاب تَعليم ديانة النُّصَيريَّةِ)، وهو مَخطوطٌ في المَكتَبةِ الأهليَّةِ بباريسَ برَقم (6182)، كما ذَكرَ الدُّكتورُ عَبد الرَّحمَن بدَوي، كما توجَدُ منه نُسخةٌ مَطبوعةٌ على شَبَكةِ الإنتَرنِت، وهو على طَريقةِ السُّؤالِ والجَوابِ، ويتَألَّفُ مِن (101) سُؤالٍ وجَوابٍ، ومنها على سَبيلِ المِثال ما يأتي:
س: مَنِ الذي خَلقَنا؟
ج: عَليُّ بنُ أبي طالبٍ أميرُ المُؤمِنينَ.
س: من أينَ نَعلمُ أنَّ عليًّا إلهٌ؟
ج: مِمَّا قاله هو عن نَفسِه في خُطبةِ البَيانِ وهو واقِفٌ على المِنبَرِ؛ إذ قال: (أنا سِرُّ الأسرارِ، أنا شَجَرةُ الأنوارِ... أنا الأوَّلُ والآخِرُ، أنا الباطِنُ والظَّاهرُ ...).
س: ما أسماءُ مَولانا أميرِ المُؤمِنينَ في مُختَلِفِ اللُّغاتِ؟
ج: سَمَّاه العَرَبُ باسِم عَليٍّ، وهو سَمَّى نَفسَه أرِسطوطاليسَ، وفي الإنجيلِ اسمُه إيليا (إلياس)، ومَعناه عَليٌّ، والهنودُ يُسَمُّونَه ابنَ كنكرة...
س: لماذا نُسَمِّي مَولانا باسِمِ أميرِ النَّحلِ؟
ج: لأنَّ المُؤمِنينَ الصَّادِقينَ هم مِثلُ النَّحلِ الذين يشتارونَ من أحسَنِ الأزهارِ؛ ولهذا سُمِّي أميرَ النَّحلِ.
س: ما أسماءُ النُّجَباءِ في العالمِ الصَّغيرِ الأرضِ؟
ج: يورِدُ 25 اسمًا أوَّلها أبو أيُّوبَ، وآخِرُها عَبدُ اللهِ بنُ سَبَأٍ.
س: ما القُرآنُ؟
ج: هو المُبَشِّرُ بظُهورِ مَولانا في صورةٍ بَشَريَّةٍ.
س: ما عَلامةُ إخوانِنا المُؤمِنينَ الصَّادِقينَ؟
ج: ع.م.س.
س: ما دُعاءُ النَّيروزِ؟
ج: تَقديسُ الخَمرِ في الكأسِ.
س: ما اسمُ الخَمرِ المُقدَّسِ الذي يشرَبُه المُؤمِنونَ؟
ج: عَبدُ النُّورِ.
س: لماذا؟
ج: لأنَّ اللهَ ظَهَرَ فيها.
س: لماذا يولِّي المُؤمِنُ وجهَه في الصَّلاةِ قِبَلَ الشَّمسِ؟
ج: اعلَمْ أنَّ الشَّمسَ نورُ الأنوارِ...
إلى آخِرِ 101 سُؤالٍ وجَوابٍ، ذَكرَها كُلَّها عَبدُ الحُسَينِ العَسكريُّ في كِتابِه (العَلَويُّونَ) [3663]يُنظر: (ص: 82- 96). ويُنظر: ((مذاهب الإسلاميين)) لبدوي (2/474- 487). ، تَشتَمِلُ في مُجمَلِها على تَأليهِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللهُ عنه، واعتِقادِ التَّناسُخِ والحُلولِ، وتَعظيمِ الخَمرِ التي سَمَّوها عَبدَ النُّورِ، وتَعظيمِ الأعيادِ النَّصرانيَّةِ والمَجوسيَّةِ، وتَقديسِ النُّجومِ والاعتِمادِ عليها، وعِبادةِ الشَّمسِ، وفيها كذلك الحَثُّ على التِزامِ السِّرِّيَّةِ والكِتمانِ لتَعاليمِهمُ الوثَنيَّةِ.

انظر أيضا: