موسوعة الفرق

المبحَثُ الثَّالثُ: إيذاءُ عليٍّ وابنَيه الحَسَنِ والحُسَينِ والغَدرُ بهم رضي اللَّهُ عنهم وبراءتُهم وأهلِ بيتِهم مِن شيعتِهم


كان كثيرٌ من أهلِ الكوفةِ شيعةً، لكِنَّهم أهلُ غَدرٍ وخيانةٍ لأئِمَّتِهم، حتى ضُرِب بهم المثَلُ، فقيل: أغدَرُ من كوفيٍّ.
قال البَغداديُّ: (روافِضُ الكوفةِ موصوفون بالغَدرِ، والبُخلِ، وقد سار المثَلُ بهم فيهما، حتَّى قيل: أبخَلُ من كوفيٍّ، وأغدَرُ من كوفيٍّ، والمشهورُ من غَدرِهم ثلاثةُ أشياءَ:
أحدُها: أنَّهم بعدَ قَتلِ عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنه بايعوا ابنَه الحَسَنَ، فلمَّا توَجَّه لقتالِ معاويةَ غدَروا به في ساباط المدائِنِ [777] موضِعٌ قُربَ المدائِنِ بالعراقِ. يُنظر: ((معجم البلدان)) للحموي (3/166). ، فطعَنه سنانٌ الجُعفيُّ في جنبِه فصَرَعه عن فرَسِه، وكان ذلك أحدَ أسبابِ مصالحتِه معاويةَ.
والثَّاني: أنَّهم كاتبوا الحُسَينَ بنَ عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنه، ودَعَوه إلى الكوفةِ لينصُروه على يزيدَ بنِ معاويةَ؛ فاغتَرَّ بهم، وخرج إليهم، فلما بلَغَ كَرْبَلاءَ غَدَروا به، وصاروا مع عُبَيدِ اللَّهِ بنِ زيادٍ يدًا واحدةً عليه، حتى قُتِل الحُسَينُ وأكثَرُ عشيرتِه بكَرْبَلاءَ.
والثَّالثُ: غَدرُهم بزيدِ بنِ عَليِّ بنِ الحُسَينِ بنِ عَليِّ بنِ أبي طالبٍ بعد أن خرجوا معه على يوسُفَ بنِ عُمَرَ، ثمَّ نكثوا بيعتَه، وأسلموه عِندَ اشتدادِ القِتالِ حتى قُتِل، وكان من أمرِه ما كان) [778] ((الفرق بين الفرق)) (ص: 25). .
وقد آذَوا عليًّا رَضِيَ اللَّهُ عنه حتى دعا عليهم كما في كتابِ نهجِ البلاغةِ، فقال: (اللَّهُمَّ إني سئِمْتُهم وسَئِموني، فأبدِلْني بهم خيرًا منهم، وأبدِلْهم بي شَرًّا مني) [779] ((نهج البلاغة)) (1/65). .
وفي نهجِ البلاغةِ أنَّ عَليَّ بنَ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه قال: (أحمدُ اللَّهَ على ما قضى من أمرٍ، وقدَّر مِن فِعلٍ، وعلى ابتلائي بكم أيَّتُها الفِرقةُ التي إذا أُمِرَت لم تُطِعْ، وإذا دعَوتُ لم تُجِبْ، إن أُمهِلْتُم خُضتُم، وإن حُورِبْتُم خُرتُم، وإن اجتَمَع النَّاسُ على إمامٍ طعَنْتُم، وإن جِئتُم إلى مشاقةٍ نكَصْتُم، لا أبا لغيرِكم! ما تنتظرون بنصرِكم والجهادِ على حقِّكم؟ الموتَ أو الذُّلَّ لكم؟ فواللَّهِ لئن جاء يومي -وليأتيني- ليُفَرِّقَنَّ بيني وبينَكم، وأنا لصُحبتِكم قالٍ، وبكم غيرُ كثيرٍ، للهِ أنتم! أمَا دينٌ يجمَعُكم! ولا حميَّةٌ تشحَذُكم! أوليس عجبًا أنَّ معاويةَ يدعو الجُفاةَ الطَّغامَ فيتَّبِعونه على غيرِ معونةٍ ولا عطاءٍ، وأنا أدعوكم -وأنتم تريكةُ الإسلامِ، وبقيَّةُ النَّاسِ- إلى المعونةِ أو طائفةٍ من العطاءِ، فتَفَرَّقون عنِّي وتختَلِفون علَيَّ؟! إنَّه لا يخرُجُ إليكم من أمري رضًا فتَرْضَونه، ولا سَخَطٌ فتجتَمِعون عليه، وإنَّ أحبَّ ما أنا لاقٍ إليَّ الموتُ! قد دارستُكم الكتابَ، وفاتحْتُكم الحِجاجَ، وعرَّفْتُكم ما أنكَرْتُم، وسَوَّغْتُكم ما مجَجْتُم، لو كان الأعمى يلحَظُ، أو النَّائِمُ يستيقِظُ) [780] ((نهج البلاغة)) (ص: 258، 259). .
وفي نهجِ البلاغةِ أيضًا أنَّ عليًّا رضي اللَّهُ عنه قال مخاطبًا لهم: (أفٍّ لكم! لقد سَئِمْتُ عتابَكم! أرضيتُم بالحياةِ الدُّنيا من الآخرةِ عِوَضًا؟ وبالذُّلِّ من العِزِّ خَلفًا؟ إذا دعوتُكم إلى جهادِ عَدُوِّكم دارت أعينُكم، كأنَّكم من الموتِ في غمرةٍ، ومن الذُّهولِ في سَكرةٍ، يُرتِجُ عليكم حواري فتَعْمَهون، وكأنَّ قلوبَكم مألوسةٌ، فأنتم لا تعقِلون، ما أنتم لي بثقةٍ سجيسَ اللَّيالي، وما أنتم بركنٍ يمالُ بكم، ولا زوافِرَ عِزٍّ يُفتَقَرُ إليكم، ما أنتم إلَّا كإبِلٍ ضَلَّ رعاتُها، كلَّما جُمِعت من جانبٍ انتشَرت من آخَرَ، لبئس -لعَمْرُ اللَّهِ- سُعرُ نارِ الحَربِ أنتم، تُكادون ولا تَكيدون، وتُنتَقَصُ أطرافُكم فلا تمتَعِضون، لا يُنامُ عنكم وأنتم في غفلةٍ ساهون، غُلِب -واللَّهِ المتخاذِلون! وأيمُ اللَّهِ إنِّي لأظُنُّ بكم أنْ لو حَمَس الوغى، واستحَرَّ الموتُ، قد انفرَجْتُم عن ابنِ أبي طالبٍ انفراجَ الرَّأسِ) [781] ((نهج البلاغة)) (ص: 78). .
وفي نهجِ البلاغةِ أيضًا أنَّ عليًّا رضي اللَّهُ عنه قال لشيعتِه: (إنَّكم واللَّهِ لكثيرٌ في الباحاتِ قليلٌ تحتَ الرَّاياتِ، وإنِّي لعالمٌ بما يصلِحُكم، ويقيمُ أَودَكم، ولكنِّي لا أرى إصلاحَكم بإفسادِ نفسي، أضرَعَ اللَّهُ خدودَكم، وأتعَسَ جُدودَكم! لا تعرِفون الحقَّ كمعرفتِكم الباطِلَ، ولا تُبطِلون الباطِلَ كإبطالِكم الحَقَّ!) [782] ((نهج البلاغة)) (ص: 99). .
وقيل للحَسَنِ بنِ عَليٍّ رَضي اللَّهُ عنهما: ما حمَلَك على ما فعَلْتَ؟ يعني من التَّنازُلِ لمعاويةَ بالخلافةِ، فقال: (كرِهْتُ الدُّنيا، ورأيتُ أهلَ الكوفةِ قومًا لا يَثِقُ بهم أحدٌ أبدًا إلَّا غُلِب، ليس أحدٌ منهم يوافِقُ آخَرَ في رأيٍ ولا هوًى، مختلفين، لا نيَّةَ لهم في خيرٍ ولا في شَرٍّ، لقد لقِيَ أبي منهم أمورًا عِظامًا، فليتَ شِعري لمن يصلُحون بعدي؟! وهي أسرَعُ البلادِ خَرابًا!) [783] يُنظر ((الكامل)) لابن الأثير (3/204). .
وفي كُتُبِ الشِّيعةِ أنَّ الحَسَنَ بنَ عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنهما قال: (أرى واللَّهِ معاويةَ خيرًا لي من هؤلاء الذين يزعُمون أنَّهم لي شيعةٌ، ابتَغَوا قتلي، وأخَذوا مالي) [784] يُنظر: ((الاحتجاج)) للطبرسي (ص: 148). .
وقال أيضًا: (عَرَفتُ أهلَ الكوفةِ وبَلَوتُهم، ولا يصلُحُ لي من كان منهم فاسِدًا، إنَّهم لا وفاءَ لهم ولا ذِمَّةَ في قولٍ ولا فعلٍ، إنَّهم مختَلِفون، ويقولون لنا: إنَّ قلوبَهم معنا، وإنَّ سيوفَهم لمشهورةٌ علينا!) [785] يُنظر: ((الاحتجاج)) للطبرسي (ص: 149). .
وقد أوصى الحَسَنُ بنُ عَليٍّ قبلَ موتِه أخاه الحُسَينَ رضي اللَّهُ عنهما بعَدَمِ الاغترارِ بأهلِ الكوفةِ، أو الاستجابةِ لطَلَبِهم بالخروجِ إليهم أو طلَبِ الخلافةِ، وحَذَّره من تصديقِ دَعواهم له بالنُّصرةِ [786] يُنظر: ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) لابن عبد البر (1/391). .
ولمَّا أراد الحُسَينُ بنُ عَليٍّ رَضي اللَّهُ عنه الخروجَ إلى الكوفةِ مُستجيبًا لدعوةِ شيعتِه هناك جاءه غيرُ واحدٍ من الصَّحابةِ ينصَحونه بعدَمِ الذَّهابِ، ويحذِّرونه من غَدرِ الشِّيعةِ، ويُذَكِّرونه بمواقِفِهم المخزيةِ مع أبيه وأخيه رضي اللَّهُ عنهم؛ فجاءه عبدُ اللَّهِ بنُ عبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، فقال له: (يا ابنَ عَمِّ، قد بلغني أنَّك تريدُ العِراقَ، وإنَّهم أهلُ غَدرٍ، وإنَّما يدعونك للحَربِ، فلا تَعجَلْ، وإن أبيتَ إلَّا محاربةَ هذا الجبَّارِ وكَرِهتَ المُقامَ بمكَّةَ فاشخَصْ إلى اليمَنِ؛ فإنَّها في عُزلةٍ، ولك فيها أنصارٌ وإخوانٌ، فأقِمْ بها، وبُثَّ دُعاتَك، واكتُبْ إلى أهلِ الكوفةِ وأنصارِك بالعِراقِ فيُخرِجوا أميرَهم، فإن قَوُوا على ذلك ونَفَوه عنها، ولم يكُنْ بها أحدٌ يعاديك أتيتَهم، وما أنا لغَدْرِهم بآمِنٍ، وإن لم يفعَلوا أقَمْتَ بمكانِك إلى أن يأتيَ اللَّهُ بأمرِه، فإنَّ فيها حصونًا وشِعابًا، فقال الحُسَينُ: يا ابنَ عَمِّ، إنِّي لأعلَمُ أنَّك لي ناصِحٌ وعَلَيَّ شفيقٌ، ولكِنْ مُسلِمُ بنُ عَقيلٍ كَتَب إليَّ باجتماعِ أهلِ المِصرِ على بيعتي ونُصرتي، وقد أجمَعْتُ على المسيرِ إليهم. قال: إنَّهم مَن خبَرْتَ وجَرَّبْتَ، وهم أصحابُ أبيك وأخيك، وقتَلَتُك غدًا مع أميرِهم!) [787] يُنظر: ((تاريخ الطبري)) (3/294، 295)، ((مروج الذهب)) للمسعودي (3/64). .
وجاءه أيضًا أبو سعيدٍ الخُدريِّ رَضِيَ اللَّهُ عنه وقال له: (يا أبا عبدِ اللَّهِ إنِّي لكم ناصِحٌ، وإنِّي عليكم مُشفِقٌ، وقد بلغني أنَّه كاتَبَك قومٌ من شيعتِكم بالكوفةِ، يدعونَك إلى الخروجِ، فلا تخرُجْ؛ فإنِّي سمِعتُ أباك بالكوفةِ يقولُ: واللَّهِ لقد مَلِلْتُهم، وأبغَضْتُهم، وملُّوني وأبغَضوني، وما بلَوتُ منهم وفاءً، ومن فاز بهم فاز بالسَّهمِ الأخيَبِ، واللَّهِ ما لهم ثباتٌ ولا عزمٌ على أمرٍ، ولا صبرٌ على السَّيفِ) [788] يُنظر: ((تاريخ دمشق)) لابن عساكر (14/205). .
وذَكَر أنَّ الفَرَزدقَ الشَّاعِرَ قال للحُسَينِ: (يا ابنَ رَسولِ اللَّهِ، كيف تركَنُ إلى أهلِ الكوفةِ وهم الذين قتلوا ابنَ عَمِّك مُسلِمَ بنَ عَقيلٍ؟) [789] يُنظر: ((كشف الغمة)) للأربلي (2/38). .
وروى الشِّيعةُ عن الفَرَزدقِ أنَّه قال: (حجَجْتُ بأمِّي سنةَ سِتِّين، فبينا أنا أسوقُ بعيرَها حينَ دخَلْتُ الحَرَمَ إذ لَقِيتُ الحُسَينَ بنَ عَليٍّ عليهما السَّلامُ خارجًا من مكَّةَ مع أسيافِه وأتراسِه، فقلتُ: لمن هذا القطارُ؟ فقيل: للحُسَينِ بنِ عَليٍّ عليهما السَّلامُ، فأتيتُه فسَلَّمتُ عليه، وقلتُ له: أعطاك اللَّهُ سُؤلَك وأمَّلك فيما تحِبُّ، بأبي أنت وأمي يا ابنَ رَسولِ اللَّهِ، ما أعجَلَك عن الحَجِّ؟ فقال: لو لم أعجَلْ لأُخِذتُ، ثمَّ قال لي: من أنت؟ قلت: امرؤٌ من العَرَبِ، فلا واللَّهِ ما فتَشَني عن أكثَرَ من ذلك، ثمَّ قال لي: أخبِرْني عن النَّاسِ خَلْفَك، فقلتُ: الخبيرَ سأَلْتَ، قلوبُ النَّاسِ معك، وأسيافُهم عليك، والقضاءُ يَنزِلُ من السَّماءِ، واللَّهُ يفعَلُ ما يشاءُ) [790] يُنظر: ((الإرشاد)) للمفيد (ص: 218). .
ومِن غَدرِ شيعةِ الكوفةِ وقِلَّةِ ولائِهم أنَّهم لم يكتَفوا بمراسلةِ الحُسَينِ آنذاك، بل عَمَدوا إلى مراسلةِ أخيه مُحمَّدِ بنِ الحنَفيَّةِ يَطلُبون منه الخروجَ، ولكِنَّه رَفَض وجاء إلى الحُسَينِ يخبرُه بما عرضوا عليه، ويُبَيِّنُ سَبَبَ رفضِه، فقال: (إنَّ القومَ إنما يريدون أن يأكُلوا بنا، ويُشيطوا دماءَنا) [791] يُنظر: ((تاريخ الإسلام)) للذهبي (2/572). .
وفي كُتُبِ الشِّيعةِ أنَّ الحُسَينَ بنَ عَليٍّ رَضيَ اللَّهُ عنهما نادى شيعتَه من أهلِ الكوفةِ وهو واقِفٌ في كَرْبلاءَ، فقال: (يا شيثُ بنَ ربعيٍّ، ويا حجارُ بنَ أبحَرَ، ويا قيسُ بنَ الأشعَثِ، ويا يزيدُ بنَ الحارثِ، ألم تكتُبوا إليَّ أن قد أينَعَت الثِّمارُ، واخضَرَّ الجنابُ، وإنَّما تَقدَمُ على جُندٍ لك مجنَّدةٍ؟!) [792] يُنظر: ((الإرشاد)) للمفيد (ص: 234)، ((إعلام الورى بأعلام الهدى)) للطبرسي (ص: 242). .
وفي كُتُبِ الشِّيعةِ أنَّ الحُسَينَ قال يومَ كَرْبَلاءَ: (يا أهلَ الكوفةِ، قُبحًا لكم وتَعسًا! حين استصرَخْتُمونا والهينَ فأتينا مُوجِفين، فشحَذْتُم علينا سيفًا كان في أيمانِنا، وحشَشْتُم علينا نارًا نحن أضرَمْناها على أعدائِكم وأعدائِنا، فأصبَحْتُم ألبًا على أوليائِكم، ويدًا لأعدائِكم، من غيرِ عَدلٍ أفشَوه فيكم، ولا ذنبٍ كان منَّا إليكم، فلكم الوَيلاتُ! هلَّا إذ كرِهْتُمونا والسَّيفُ مشَيَّم، والجأشُ ما طاش، والرَّأيُ لم يُستحصَدْ، ولكِنَّكم أسرَعْتُم إلى بيعتِنا إسراعَ الدُّنيا، وتهافتُّم إليها كتهافُتِ الفَراشِ، ثمَّ نقَضْتُموها سَفَهًا وضلَّةً، وطاعةً لطواغيتِ الأمَّةِ، وبقيَّةِ الأحزابِ ونَبَذةِ الكتابِ، ثمَّ أنتم هؤلاء تتخاذَلون عنَّا وتقتُلونا، ألا لعنةُ اللَّهِ على الظَّالمين!) [793] يُنظر: ((كشف الغمة)) للأربلي (2/18، 19). .
ورَوَوا عن الحُسَينِ رَضِيَ اللَّهُ عنه أنَّه رَفَع يدَه قبلَ قَتْلِه ودعا على شيعتِه من أهلِ الكوفةِ، فقال: (اللَّهُمَّ إن متَّعْتَهم إلى حينٍ ففَرِّقْهم فِرَقًا، واجعَلْهم طرائِقَ قِدَدًا، ولا تُرضي الولاةَ عنهم أبدًا؛ فإنَّهم دَعَونا لينصُرونا، ثمَّ عَدَوا علينا فقَتَلونا) [794] يُنظر: ((الإرشاد)) للمفيد (ص: 241)، ((إعلام الورى بأعلام الهدى)) للطبرسي (ص: 949). .
وقال الحُرُّ بنُ يزيدَ وهو واقِفٌ أمامَ الحُسَينِ في كَرْبَلاءَ يومَ مَقتَلِه: (يا أهلَ الكوفةِ، لأُمِّكُم الهَبَلُ [795] أي: الثَّكَلُ. يقال: هَبلَتْهُ أُمُّه، أي: ثَكِلَتْهُ. يُنظر: ((العين)) للخليل (4/53). والعَبَرُ [796] أي: الموتُ. يقال: عَبَرَ القومُ، أي: ماتوا. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (2/733). ، أدعوتُم هذا العبدَ الصَّالحَ حتَّى إذا جاءكم أسلَمْتُموه وزعَمْتُم أنَّكم قاتِلو أنفُسِكم دونَه، ثمَّ عدَوتُم عليه لَتقتُلوه، وأمسَكْتُم بنفسِه، وأخَذْتُم بكَظَمِه [797] الكَظَمُ: مخرَجُ النَّفَسِ. يقال: قد غمَّه وأخذ بكَظَمِه فما يقدِرُ أن يتنفَّسَ، أي: كَرَبَه. يُنظر: ((العين)) للخليل (5/345). ، وأحطْتُم به من كُلِّ جانبٍ؛ لتَمْنَعوه التَّوجُّهَ في بلادِ اللَّهِ العريضةِ، فصار كالأسيرِ في أيديكم، لا يملِكُ لنفسِه نفعًا، ولا يدفَعُ عنها ضُرًّا، وحلَأْتُموه [798] أي: منَعْتُموه وطرَدْتُموه. يقال: حلأْتُ الإِبِلَ عن الماءِ تحْلِئَةً وتحليئًا: إذا طَرَدْتَها عنه، ومنعْتَها أن تَرِدَهُ. يُنظر: ((الصحاح)) للجوهري (1/45). ونساءَه وصِبْيَتَه وأهلَه عن ماءِ الفُراتِ الجاري يَشرَبُه اليهودُ والنَّصارى والمجوسُ، وتمرغُ فيه خنازيرُ السَّوادِ وكلابُه! فهاهم قد صرَعَهم العَطَشُ، بئسَ ما خلَفْتُم مُحمَّدًا في ذرِّيَّتِه! لا سقاكم اللَّهُ يومَ الظَّمَأِ) [799] يُنظر: ((الإرشاد)) للمفيد (ص: 234)، ((إعلام الورى بأعلام الهدى)) للطبرسي (ص: 243). .
وقال زينُ العابدين عَليُّ بنُ الحُسَينِ: (إنَّ اليهودَ أحبُّوا عُزَيرًا حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عُزَيرٌ منهم، ولا هم من عُزَيرٍ، وإنَّ النَّصارى أحبُّوا عيسى حتى قالوا فيه ما قالوا، فلا عيسى منهم ولا هم من عيسى، وإنَّا على سُنَّةٍ من ذلك؛ إنَّ قومًا من شيعتِنا سيحبُّونا حتى يقولوا فينا ما قالت اليهودُ في عزيرٍ وما قالت النَّصارى في عيسى، فلا هم منَّا، ولا نحن منهم) [800] يُنظر: ((رجال الكشي)) (ص: 111). .
وقال مُحمَّدٌ الباقِرُ: (لو كان النَّاسُ كُلُّهم لنا شيعةً لكان ثلاثةُ أرباعِهم لنا شُكَّاكًا، والرُّبعُ الآخَرُ أحمقُ) [801] يُنظر: ((رجال الكشي)) (ص: 179).
وفي كُتُبِ الشِّيعةِ أنَّ جَعفَرًا الصَّادِقَ قال مخاطِبًا شيعتَه: (أما واللَّهِ لو أجِدُ منكم ثلاثةً مُؤمِنين يكتُمون حديثي ما استحلَلْتُ أن أكتُمَهم حديثًا) [802] يُنظر: ((الأصول من الكافي)) للكليني (1/496). .
وفي كُتُبِ الشِّيعةِ أنَّ جَعفَرًا الصَّادِقَ كان كثيرًا ما يقولُ: (ما وجَدْتُ أحدًا يَقبَلُ وصيَّتي ويطيعُ أمري إلَّا عبدَ اللَّهِ بنَ يَعفورٍ) [803] يُنظر: ((رجال الكشي)) (ص: 213). ويُنظر: ((الأصول من الكافي)) للكليني (1/215). .
وقال عبدُ اللَّهِ بنُ يَعفورٍ لأبي عبدِ اللَّهِ جَعفَرٍ الصَّادِقِ: (إنِّي أخالطُ النَّاسَ فيَكثُرُ عجبي من أقوامٍ لا يتولَّونكم ويتوَلَّون فلانًا وفلانًا لهم أمانةٌ وصِدقٌ ووَفاءٌ، وأقوامٌ يتولَّونكم ليس لهم تلك الأمانةُ ولا الوفاءُ ولا الصِّدقُ!) [804] يُنظر: ((الأصول من الكافي)) للكليني (1/375). .
وقال موسى الكاظِمُ بنُ جَعفَرٍ الصَّادِقِ: (لو ميَّزْتُ شيعتي لم أجِدْهم إلَّا واصِفةً، ولو امتحَنْتُهم لما وجَدْتُهم إلَّا مرتَدِّين، ولو تمحَّصْتُهم لما خَلَص من الألفِ واحدٌ، ولو غربَلْتُهم غربلةً لم يَبْقَ منهم إلَّا ما كان لي! إنَّهم طالما اتَّكَؤوا على الأرائِك، فقالوا: نحن شيعةُ عَليٍّ) [805] يُنظر: ((الروضة من الكافي)) للكليني (8/228). .
قال ابنُ تَيميَّة: (أمَّا الشِّيعةُ فهم دائِمًا مغلوبون مقهورون منهزمون، وحبُّهم للدُّنيا وحِرصُهم عليها ظاهِرٌ؛ ولهذا كاتَبوا الحُسَينَ رَضِيَ اللَّهُ عنه، فلمَّا أرسل إليهم ابنَ عمِّه، ثمَّ قَدِم بنفسِه غَدَروا به، وباعوا الآخِرةَ بالدُّنيا، وأسلَموه إلى عَدوِّه، وقاتلوه مع عَدُوِّه، فأيُّ زُهدٍ عِندَ هؤلاء وأيُّ جهادٍ عِندَهم؟ وقد ذاق منهم عَليُّ بنُ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه من الكاساتِ المُرَّةِ ما لا يعلَمُه إلَّا اللَّهُ، حتَّى دعا عليهم، فقال: "اللَّهُمَّ قد سِئْمتُهم وسَئِموني، فأبدِلْني بهم خيرًا منهم، وأبدِلْهم بي شَرًّا مني"، وقد كانوا يَغُشُّونه ويكاتِبون من يحارِبُه، ويخونونه في الولاياتِ والأموالِ. هذا ولم يكونوا بَعْدُ صاروا رافِضةً، إنَّما سُمُّوا شيعةَ عليٍّ لَمَّا افترق النَّاسُ فرقتَينِ: فِرقةٌ شايعت أولياءَ عُثمانَ، وفِرقةٌ شايعت عليًّا رضي اللَّهُ عنهما، فأولئك خيارُ الشِّيعةِ، وهم من شَرِّ النَّاسِ مُعامَلةً لعَليِّ بنِ أبي طالبٍ رَضِيَ اللَّهُ عنه، وابنَيْه سِبْطَي رسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّم وريحانَتَيه في الدُّنيا: الحَسَنِ والحُسَينِ، وأعظمُ النَّاسِ قَبولًا للومِ اللَّائِمِ في الحقِّ، وأسرَعُ النَّاسِ إلى فِتنةٍ، وأعجَزُهم عنها، يَغُرُّون من يُظهِرون نصرَه من أهلِ البيتِ، حتَّى إذا اطمأَنَّ إليهم ولامهم عليه اللَّائِمُ خذلوه وأسلَموه، وآثَروا عليه الدُّنيا!) [806] ((منهاج السنة النبوية)) (2/90 - 92). .

انظر أيضا: