الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 6153 ). زمن البحث بالثانية ( 0 )

العام الهجري : 366 العام الميلادي : 976
تفاصيل الحدث:

هو أميرُ المؤمنينَ، أبو العاصِ الحَكَمُ بنُ عبد الرحمن بن محمد بن عبد الله بن محمد بن عبد الرحمن المستنصر بالله الأموي، صاحبُ الأندلس، وُلِدَ سنة 302, وبويع بعد أبيه، في رمضان، سنة 350. وكان حسَنَ السيرة، جامعًا للعلم، مُكرِمًا للأفاضل، كبيرَ القَدرِ، ذا نَهمةٍ مُفرِطةٍ في العلم والفضائل، عاكفًا على المطالعة. جمع من الكتُبِ ما لم يجمَعْه أحدٌ من الملوك، لا قَبله ولا بعدَه، وتطَلَّبَها وبذَلَ في أثمانِها الأموالَ، واشُتِرَيت له من البلاد البعيدةِ بأغلى الأثمان، مع صفاءِ السَّريرةِ، والعقلِ والكرم، وتقريبِ العُلَماء. ضاقت خزائنُه بالكتب إلى أن صارت إليه، وآثَرَها على لذَّاتِ الملوك، فغَزُرَ عِلمُه، ودَقَّ نَظَرُه، وكان له يدٌ بيضاء في معرفة الرجال والأنساب والأخبار، وقلما تجدُ له كتابًا إلَّا وله فيه قراءةٌ أو نظَرٌ، من أيِّ فَنٍ كان، ويكتُبُ فيه نسبَ المؤلِّف، ومولِدَه ووفاته، ويأتي من ذلك بغرائِبَ لا تكاد تُوجدُ. ومن محاسنه أنَّه شَدَّدَ في مملكته في إبطالِ الخُمورِ تشديدًا عظيمًا. قال اليسع بن حزم: "كان الحَكَمُ عالِمًا، راويةً للحديثِ، فَطِنَا وَرِعًا ". وكان أخوه الأمير عبد الله المعروف بالولد، على أنموذَجِه في محبَّة العلم، فقُتِلَ في أيام أبيه. همَّت الروم بأخذ مواضِعَ مِن الثغور، فقَوَّاها الحكمُ بالمال والجيوش، وغزا بنَفسِه، وزاد في القطيعةِ على الرومِ وأذَلَّهم. وكان موتُه بالفالج، كانت إمارتُه خمس عشرة سنة وخمسة أشهر، ولَمَّا توفِّيَ ولِيَ بعدَه ابنُه هشامٍ بعهد أبيه، وله عشرُ سنين، ولقِّبَ بالمؤيَّد بالله. فأقيم في الخلافةِ بتدبير الوزيرِ ابنِ أبي عامر القحطانيِّ.

العام الهجري : 366 العام الميلادي : 976
تفاصيل الحدث:

مَلَكَ سبكتكين مدينةَ غزنة وأعمالَها، وكان ابتداءُ أمرِه أنَّه كان مِن غِلمانِ أبي إسحاقَ بنِ البتكين، صاحِبِ جيش غزنة للسامانية، وكان مقَدَّمًا عنده، وعليه مدارُ أمرِه، وقدِمَ إلى بُخارى، أيَّامَ الأمير منصور بن نوح، مع أبي إسحاق، فعَرَفَه أربابُ تلك الدولة بالعقلِ والعفَّة، وجودةِ الرأي والصَّرامة، وعاد معه إلى غزنة، فلم يلبثْ أبو إسحاق أن توفِّيَ، ولم يخَلِّفْ من أهلِه وأقاربه من يصلُحُ للتقَدُّم، فاجتمع عسكَرُه ونظروا فيمن يلي أمْرَهم، ويجمَعُ كَلِمتَهم، فاختلفوا ثمَّ اتَّفَقوا على سبكتكين؛ لِما عَرَفوه من عقلِه ودينِه ومروءتِه، وكمالِ خِلالِ الخير فيه، فقَدَّموه عليهم، ووَلَّوه أمرَهم، وأطاعوه فوَلِيَهم، وأحسَنَ السِّيرةَ فيهم، وساس أمورَهم سياسةً حَسَنةً، وجعل نفسَه كأحدِهم في الحالِ والمال، وكان يدَّخِرُ من إقطاعِه ما يعمَلُ منه طعامًا لهم في كلِّ أُسبوعٍ مَرَّتين.

العام الهجري : 366 العام الميلادي : 976
تفاصيل الحدث:

لَمَّا توفِّيَ الحَكَمُ بنُ عبد الرحمن بويعَ بخلافةِ الأندلُسِ ابنُه هشامٌ المؤيَّدُ بالله، وله يومئذٍ عشرُ سنينَ أو نحوها، بإشارة الوزراء والقُوَّاد, واختلفت البلادُ في أيامه، فأخذه حاجِبُه ابنُ أبي عامرٍ وحَبَسه، وحَجَبه عن النَّاسِ، فلم يكن أحدٌ يراه ولا يصل إليه، وقام المنصورُ أبو عامر بأمر الدولة القيامَ المَرضِيَّ، وعدل في الرعيَّة، وأقبلت الدُّنيا إليه، واشتغل بالغَزوِ، وفتحَ مِن بلاد الأعداءِ كثيرًا، وامتلأت بلادُ الأندلس بالغنائم والرقيق، وأدام اللهُ له الحالَ ستًّا وعشرين سنة، غزا فيها اثنتينِ وخمسينَ غَزاةً ما بين صائفةٍ وشاتيةٍ.

العام الهجري : 366 العام الميلادي : 976
تفاصيل الحدث:

جمعَ العساكِرَ وسار نحوَ الهِندِ مجُاهدًا، وجرى بينه وبين الهنودِ حُروبٌ يَشيبُ لها الوليدُ، وكشَفَ بلادَهم، وشَنَّ الغاراتِ عليها، وطَمِعَ فيها، وخافه الهنودُ، ففتح من بلادهم حصونًا ومعاقِلَ، وقتل منهم ما لا يدخُلُ تحت الإحصاءِ، ولَمَّا رأى جيبال ملِكُ الهند ما دهاه، وأنَّ بلاده تُملَكُ من أطرافها، أخذه ما قَدُم وحَدَث، فحشد وجمعَ واستكثَرَ مِن الفِيَلة، وسار حتى اتَّصَل بولايةِ سبكتكين، فسار سبكتكين عن غزنة إليه ومعه عساكِرُه وخلقٌ كثيرٌ مِن المتطوِّعة، فالتَقَوا واقتتلوا أيامًا كثيرةً، وصبَرَ الفريقان، وأرسل ملِكُ الهند إلى سبكتكين يطلبُ الصُّلحَ، وترَدَّدَت الرسل، فأجابهم إليه بعد امتناعٍ مِن ولَدِه محمود، على مالٍ يؤديه، وبلادٍ يُسَلِّمُها، وخمسين فيلًا يحمِلُها إليه، فاستقَرَّ ذلك، ورهنَ عنده جماعةً من أهلِه على تسليمِ البلادِ، وسَيَّرَ معه سبكتكين من يتسَلَّمُها، فلما أبعد جيبال ملك الهند قبَضَ على من معه من المُسلِمينَ وجعَلَهم عنده عِوَضًا عن رهائِنِه، فلمَّا سَمِعَ سبكتكين بذلك جمَعَ العساكِرَ وسار نحو الهند، فأخربَ كُلَّ ما مَرَّ عليه من بلادهم، وقصد لمغان، وهي مِن أحصَنِ قلاعِهم، فافتَتَحَها عَنوةً وهدمَ بُيوتَ الأصنامِ، وأقام فيها شعارَ الإسلامِ، وسار عنها يفتَحُ البلاد، ويقتُلُ أهلَها، فلمَّا بلغ ما أراده عاد إلى غزنة، فلما بلغ الخبَرُ إلى جيبال سُقِطَ في يده، وجمع العساكِرَ وسار في مائةِ ألفِ مُقاتلٍ، فلقيه سبكتكين، فانهزم الهنودُ، وذَلُّوا بعد هذه الوقعة، ولم يكُنْ لهم بعدها راية، ورَضُوا بأن لا يطلبوا في أقاصي بلادهم، ولَمَّا قَوِيَ سبكتكين بعد هذه الوقعة، أطاعه الأفغانيَّة والخلج وصاروا في طاعتِه.

العام الهجري : 366 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 976
تفاصيل الحدث:

هو السلطان رُكنُ الدولة, أبو عليٍّ, الحسنُ بنُ بُوَيه بن فناخسرو الديلمي الشيعي, صاحب أصبهان والري وهمذان وجميع عراقِ العَجَم، ووالِدُ السلطانِ عَضُدِ الدولةِ فناخسرو، ومؤيِّدِ الدَّولة أبي منصور بُوَيه، وفَخرِ الدولةِ أبي الحسَنِ عليٍّ، وكان ملكًا جليلَ القدر عاليَ الهمة، وهو أحدُ الإخوة الثلاثة الذين مَلَكوا البلادَ بعد الفَقرِ, وكان هو أوسَطَ الإخوة الثلاثة، وهم عِمادُ الدولة أبو الحسَنِ عليٌّ، ورُكن الدولة أبو علي الحسَنُ، ومعِزُّ الدولة أبو الحُسَين أحمد، وكان عماد الدولة أكبَرَهم، ومعِزُّ الدولة أصغَرَهم. وكان رُكنُ الدولة ملكًا سعيدًا, وامتدت أيَّامُ إمارته أربعًا وأربعين سنةً، وخضعت له الرعيَّةُ, ووزر له الوزيرُ لسانُ البلغاء, أبو الفضل محمد بن العميد, ثمَّ ابنُه علي أبو الفتح بن العميد، ووزر لولديه- مؤيِّدِ الدَّولةِ, وفَخرِ الدَّولةِ- الصَّاحِبُ إسماعيلُ بنُ عَبَّاد. لَمَّا مَرِضَ رُكنُ الدَّولة بسبب ما حصل بين الإخوةِ مِن شِقاقٍ, سار من الريِّ إلى أصبهان، فوصلها في جمادى الأولى سنة 365، وأحضر ولَدَه عَضُدَ الدولة من فارس، وجمع عنده أيضًا سائِرَ أولاده بأصبهان، فعَهِدَ إلى ولَدِه عضد الدولة بالمُلكِ بعده، وفَرَّق الإمارات على أولادِه، فأعطى عضُدَ الدولة فارس وكرمان، وأعطى مؤيد الدولة الريَّ وأصبهان، وأعطى فخر الدولة همدان والدِّينَوَر، ثمَّ سار عن أصبهان في رجبٍ نحو الري، فدام مرَضُه إلى أن توفي، في المحرم بالقولنج, وله 80 سنة, وكان لا بأسَ بدولته. ومات قبله بزمانٍ أخوه عماد الدولة.

العام الهجري : 367 العام الميلادي : 977
تفاصيل الحدث:

لم يزلْ أفتكين الشَّرابيُّ مولى مُعِزِّ الدولة بن بُوَيه طُولَ مُقامِه بدمشق يكاتِبُ القَرامِطةَ ويكاتِبونَه بأنَّهم سائرون إلى الشام، إلى أن وافَوا دمشق بعد موتِ المعِزِّ الفاطمي في هذه السنة، وكان الذي وافى منهم: إسحاقُ، وكِسرى، وجعفر، فنزلوا على ظاهرِ دمشق، ومعهم كثيرٌ مِن العجم أصحابِ أفتكين الذين تشَتَّتوا في البلاد وقتَ وَقعتِه مع الديلم، فلَقُوهم بالكوفة في الموقعات، فأركبوهم الإبِلَ، وساروا بهم إلى دمشق، فكساهم أفتكين؛ فقَوِيَ عسكَرُه بهم وتلَقَّى أفتكين القرامِطةَ وحَمَل إليهم وأكرَمَهم وفَرِحَ بهم، وأمِنَ مِن الخوف، فأقاموا على دمشق أيامًا ثم ساروا إلى الرملةِ وبها أبو محمود إبراهيم بن جعفر فالتجأ إلى يافا، ونزل القرامطةُ الرملة، ونصبوا القتالَ على يافا حتى مَلَّ كُلٌّ مِن الفريقين القِتالَ، وصار يُحَدِّثُ بَعضُهم بعضًا. وجبى القرامطةُ المال فأمِنَ أفتكين من مصرَ، وظَنَّ أن القرامِطةَ قد كَفَوه ذلك الوجهَ، وعمِلَ على أخذ الساحل، فسار بمن اجتمَعَ إليه، ونزل على صيدا، وبها ابنُ الشيخ، ورؤساءُ المغاربة، ومعهم ظالم بن موهوب العقيلي، فقاتلوه قتالًا شديدًا، فانهزم عنهم أميالًا، فخرجوا إليه، فواقعهم وهَزَمهم وقتل منهم، وصار ظالمُ إلى صُور، فيقال إنَّه قتل يومئذٍ أربعة آلافٍ مِن عساكِرِ المغاربة، قُطِعَت أيمانُهم وحُمِلَت إلى دمشق، فطِيفَ بها. ونزل أفتكين على عكَّا، وبها جمَعَ مِن المغاربة، فقاتلوه، فسيَّرَ العزيز بالله القائِدَ جَوهرًا بخزائن السلاح والأموال إلى بلاد الشام في عسكرٍ عظيمٍ لم يَخرُجْ قَبلَه مثلُه إلى الشام، من كثرة الكراعِ والسِّلاح والمال والرجال، بلَغَت عِدَّتُهم عشرين ألفًا بين فارسٍ وراجل، فبلغ ذلك أفتكين وهو على عكَّا، والقرامطة بالرملة، فسار أفتكين مِن عكَّا ونزل طبَريَّة، وخرج القرامِطةُ مِن الرملة، ونزلها جوهرٌ. وسار إسحاق وكسرى مِن القرامطة بمن معهم إلى الأحساءِ؛ لقِلَّةِ مَن معهم من الرجالِ الذين يلقَونَ بها جوهرًا، وتأخَّرَ جعفر من القرامطة فلَحِقَ بأفتكين وهو بطبرية، وقد بعث في جمعٍ في حوران والبثنية، وسار جوهر من الرملة يريدُ طَبَريَّة، فرحل أفتكين، واستحَثَّ النَّاسَ في حَملِ الغَلَّة من حوران والبثنية إلى دمشقَ، وصار أفتكين إلى دمشقَ، ومعه جعفر القرمطي، فنزل جوهرٌ على دمشق لثمانٍ بَقِينَ مِن ذي القعدة فيما بين داريا والشماسية، فجمَعَ أفتكين أحداثَ البلد، وأمَّنَ مَن كان قد فزع منه، فاجتمع حُمَّال السِّلاح والذعار إليه، ورئيسُهم قسام التراب. وأخذ جوهرٌ في حفر خندقٍ عظيمٍ على عسكره، وجعل له أبوابًا، وكان ظالمُ بنُ موهوب معه، فأنزله بعسكَرِه خارج الخندق، وصار أفتكين فيمن جمعَ مِن الذعار، وأجرى لكبيرِهم قسَّام رِزقًا. ووقع النفيُ على قُبَّة الجامع والمنابر، وساروا فجرى بينهم وبين جوهرٍ وقائِعُ وحُروبٌ شديدة وقتالٌ عظيم، وقُتِلَ بينهم خلقٌ كثيرٌ مِن يوم عرفةَ، فجرى بينهم اثنتا عشرة وقيعةً إلى آخر ذي الحجة. ولم يزل إلى الحادي عشر من ربيع الأول سنة 367 فكانت بين الفريقينِ وقعةٌ عظيمة، انهزم فيها أفتكين بمَن معه، وهَمَّ بالهرب إلى أنطاكية، ثم إنَّه استظهر. ورأى جوهرٌ أنَّ الأموال قد تَلِفَت، والرجالَ قد قُتِلَت والشِّتاءَ قد هجم، فأرسل في الصُّلح،ِ فلم يُجِب أفتكين، وذلك أنَّ الحُسَين بن أحمد الأعصم القرمطيَّ بعَثَ إلى ابنِ عَمِّه جعفر المقيم عند أفتكين بدمشقَ: إنِّي سائِرٌ إلى الشام، وبلغ ذلك جوهرًا، فتردَّدَت الرسل بينه وبين أفتكين حتى تقرَّرَ الأمرُ أنَّ جوهرًا يرحل، ولا يتبَعُ عَسكَرَه أحد، فسُرَّ أفتكين بذلك، وبعَثَ إلى جوهرٍ بجِمالٍ ليَحمِلَ عليها ثِقْلَه؛ لقِلَّة الظهر عنده، وبقي من السلاح والخزائنِ ما لم يَقدِرْ جَوهرٌ على حَملِه، فأحرقه، ورحل عن دمشق في ثالث جمادى الأولى. وقَدِمَ البشيرُ مِن الحسن بن أحمد القرمطي إلى عمِّه جعفر بمجيئه، وبلغ ذلك جوهرًا، فجَدَّ في السَّيرَ، وكان قد هلك من عسكرِه ناسٌ كثير من الثَّلجِ، فأسرع بالمسيرِ مِن طبرية، ووافى الحسَنُ بنُ أحمد من البريَّة إلى طبرية، فوجد جوهرًا قد سار عنها، فبعث خلْفَه سريَّةً أدركَتْه، فقابلهم جوهرٌ، وقتل منهم جماعةً، وسار فنزل ظاهِرَ الرملة، وتَبِعَه القرمطي، وقد لَحِقَه أفتكين، فسارا إلى الرملة، ودخل جوهرٌ زيتون الرملة، فتحصَّنَ به، فلما نزل الحسنُ بنُ أحمد القرمطي الرملةَ هلك فيها، وقامَ مِن بعده بأمرِ القرامطةِ ابنُ عَمِّه أبو جعفر، فكانت بينه وبين جوهرٍ حروب كثيرة. ثم إنَّ أفتكين فسَدَ ما بينه وبين أبي جعفرٍ القرمطيِّ، فرجع عنه إلى الأحساءِ، وكان حسَّانُ بنُ علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح الطائي أيضًا مع أفتكين على محاربةِ جَوهرٍ، فلم يرَ منه ما يحِبُّ، وراسله العزيزُ فانصرف عن أفتكين، وقَدِمَ القاهرة على العزيز، واشتدَّ الأمر على جوهر، وخاف على رجالِه، فسار يريدُ عسقلان، فتَبِعَه أفتكين. واستولى قَسَّام التراب على دمشقَ وخطَبَ للعزيز، فسار أبو تغلِبَ بنُ حمدان إلى دمشق، فقاتله قسَّام ومنعه، فسارَ إلى طبرية. وأدرك أفتكين جوهرًا، فكانت بينهما وقعةٌ امتدت ثلاثة أيام انهزم في آخرها جوهَرٌ، وأخذ أصحابَه السَّيفُ، فجَلوا عما معهم، والتحَقوا بعسقلان، فظَفِرَ أفتكين من عسكرِ جوهرٍ بما يَعظُمُ قَدرُه، واستغنى به ناسٌ كثيرون. ونزل أفتكين على عسقلانَ، فجَدَّ جوهرٌ حتى بلغ من الضُّرِّ والجَهدِ مَبلغًا عظيما، وغَلَت عنده الأسعارُ، فبلغ قفيزُ القمح أربعين دينارًا، وأخذت كتامة تسُبُّ جوهرًا وتنتَقِصُه، وكانوا قد كايَدوه في قتالهم، فراسل أفتكين يسألُه: ماذا يريدُ بهذا الحصار، فبعث إليه: لا يزولُ هذا الحصارُ إلا بمالٍ تؤدِّيه إليَّ عن أنفُسِكم. فأجابه إلى ذلك، وكان المالُ قد بقي منه شيءٌ يسير، فجمع من كان معه من كتامة، وجمع منهم مالًا، وبعث إليه أفتكين يقول: إذا أمَّنتُكم لابدَّ أن تخرجوا من هذا الحِصنِ مِن تحت السيفِ، وأمَّنَهم وعَلَّقَ السَّيفَ على باب عسقلان، فخرجوا من تحتِه. وسار جوهر إلى مصر، فكان مدَّة قتالهم على الزيتون وقَفلتِهم إلى عسقلان حتى خرجوا منها نحوًا من سبعة عشر شهرًا بقية سنة 366 إلى أن دنا خروجُ سنة 367. وقدم جوهرٌ على العزيز، فأخبره بتخاذُلِ كتامةَ، فغَضِبَ غضبًا شديدًا، وعذر جوهر في باطنه، وأظهر التنكير له، وعزَلَه عن الوزارة، وولَّى يعقوبَ بنَ كلس عوضَه في المحرم سنة 368.

العام الهجري : 367 العام الميلادي : 977
تفاصيل الحدث:

سار عَضُد الدَّولة إلى بغداد، وأرسل إلى بختيار يدعوه إلى طاعتِه، وأن يسيرَ عن العراقِ إلى أيِّ جهةٍ أراد، وضَمِنَ مساعدتَه بما يحتاجُ إليه من مال وسلاح وغير ذلك، فاختلف أصحابُ بختيار عليه في الإجابةِ إلى ذلك، إلَّا أنَّه أجاب إليه لضَعفِ نَفسِه، وأرسل إليه عضُدُ الدَّولةِ يطلُبُ منه ابنَ بقية، فسَمَلَ عينيه وأنفَذَه إليه، وتجهَّزَ بختيار بما أنفَذَه إليه عضُد الدولة، وخرج عن بغداد عازمًا على قَصدِ الشام، وسار عضُدُ الدولة فدخل بغداد، وخطَبَ له بها، ولم يكن قبل ذلك يُخطَبُ لأحدٍ ببغداد، وأمَرَ بأن يُلقى ابنُ بقية بين قوائمِ الفِيَلة لتقتُلَه، ففُعِلَ به ذلك، فلما صار بختيار بعكبرا حَسَّنَ له حمدانُ قَصْدَ الموصل، وكثرةَ أموالِها، وأطمعه فيها، وقال إنَّها خَيرٌ مِن الشام وأسهَلُ، فسار بختيار نحو الموصِل، وكان عَضُدُ الدولة قد حَلَّفَه أنَّه لا يَقصِدُ ولايةَ أبي تَغلِبَ بنِ حمدانَ لِمَودةٍ ومكاتبةٍ كانت بينهما، فنَكَث وقَصَدَها، فلمَّا صار إلى تكريت أتته رسلُ أبي تغلب تسألُه أن يقبِضَ على أخيه حمدانَ ويُسَلِّمَه إيَّاه، وإذا فعل سار بنَفسِه وعساكره إليه، وقاتلَ معه عضُدَ الدولةِ، وأعاده إلى مُلكِه ببغداد، فقَبَض بختيار على حمدانَ وسَلَّمه إلى نوَّاب أبي تغلب، فحبسه في قلعة له، وسار بختيار إلى الحديثة، واجتمَعَ مع أبي تغلب، وسارا جميعًا نحوَ العراق، وكان مع أبي تغلِبَ نحوٌ من عشرين ألف مقاتل، وبلغ ذلك عَضُدَ الدولة، فسار عن بغداد نحوَهما، فالتقوا بقَصرِ الجص بنواحي تكريت ثامن عشر شوال، فهزمهما، وأُسِرَ بختيار، وأُحضِرَ عند عَضُدِ الدولة، فلم يأذَنْ بإدخاله إليه، وأمَرَ بقَتلِه فقُتِلَ، وذلك بمشورةِ أبي الوفاء طاهر بن إبراهيم، وقُتِلَ مِن أصحابه خلقٌ كثير، واستقَرَّ مُلكُ عَضُدِ الدولة بعد ذلك، وكان عُمرُ بختيار ستًّا وثلاثين سنة، ومَلَك إحدى عشرة سنة وشهورًا.

العام الهجري : 368 العام الميلادي : 978
تفاصيل الحدث:

أمر أبو عامِر محمَّدُ بنُ أبي عامر حاجِبُ هِشامٍ المؤَيَّد ببناء قصره المعروفِ بالزاهرة، وذلك عندما استفحل أمرُه، واتَّقَد جَمْرُه، وظهر استبدادُه، وكثُرَ حُسَّادُه، وخاف على نفسِه في الدخولِ إلى قصر السلطان، فتوثَّقَ لنَفسِه، وكُشِفَ له ما سُتِرَ عنه في أمسِه، من الاعتزاز عليه، ورفع الاستنادِ إليه، وسما إلى ما سَمَت إليه الملوكُ مِن اختراع قَصرٍ يَنزِلُ فيه، ويُحله بأهلِه وذويه، ويضُمُّ إليه رياستَه، ويتَمِّمُ به تدبيرَه وسياستَه، ويجمَعُ فيه فتيانَه وغِلمانَه. فارتاد موضِعَ مدينتِه المعروفة بالزاهرة، الموصوفة بالقصورِ الباهرة، وأقامها بطرفِ البلَدِ على نهر قرطبة الأعظم، ونسقَ فيها كلَّ اقتدارٍ معجزٍ ونَظَم. وشرع في بنائِها في هذه السنة المؤرَّخة، وحشَدَ إليها الصُّنَّاع والفَعَلة، وجلب إليها الآلاتِ الجليلة، وسَرْبَلَها بهاءً يَرُدُّ العيونَ كليلةً، وتوسع في اختطافها، وتولَّع بانتشارها في البسيطة وانبساطها، وبالغَ في رفع أسوارها، وثابر على تسويةِ أنجادها وأغوارها. فاتسعت هذه المدينةُ في المدَّة القريبة، وصار من الأنباء الغريبة, وبنى معظمَها في عامين.

العام الهجري : 368 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 978
تفاصيل الحدث:

اتَّفَقَ أنَّ عَضُدَ الدولة أبا شجاع فناخسرو بن ركن الدولة بن بُويه أخذ بغدادَ مِن ابنِ عَمِّه بختيار بن أحمدَ بنِ بُوَيه، فسار بختيار إلى المَوصِل، واتَّفَق مع أبي تغلِبَ الغضنفر بن ناصر الدولة بن حِمدانَ على قتالِ فناخسرو، فسار إليهم فناخسرو وأوقَعَ بهم، فانهزموا، وأَسَر بختيار وقَتَلَه، وفَرَّ حينئذٍ مِن أولاد بختيار إعزازُ الدولة المرزبان، وأبو كاليجار وعَمَّاه: عُمدةُ الدولة أبو إسحاق، وأبو طاهرٍ مُحمَّد، ابنا مُعِزِّ الدولة أحمدَ بنِ بُوَيه، وساروا إلى دمشق في عسكرٍ، فأكرَمَهم خليفةُ أفتكين، وأنفَقَ فيهم، وحمَلَهم وصَيَّرَهم إلى أفتكين بطبَرِيَّة، فقَوِيَ بهم، وصار في اثني عشر ألفًا، فسار بهم إلى الرملة، ووافى بها طليعةَ العزيز، فحَمَل عليها أفتكين مرارًا، وقتَلَ منها نحوَ مائة رجل، فأقبل عسكرُ العزيز زُهاءَ سبعين ألفًا، فلم يكنْ غيرُ ساعةٍ حتى أحيط بعَسكرِ أفتكين، وأَخَذوا رِجالَه، فصاح الديلمُ الذين كانوا معه: زنهار، زنهار، يريدونَ: الأمان، الأمان. واستأمَنَ إليه أبو إسحاق إبراهيم بن مُعزِّ الدولة، وابنُ أخيه إعزاز الدولة، والمرزبان بن بختيار، وقتل أبو طاهر محمَّدُ بنُ معز الدولة، وأُخِذَ أكثَرُهم أسرى، ولم يكن فيهم كبيرُ قَتلى، وأخذَ أفتكين نحو القدس، فأُخِذَ وجيءَ به إلى حسَّانِ بنِ علي بن مفرج بن دغفل بن الجراح، فشَدَّ عمامتَه في عُنُقِه، وساقَه إلى العزيز، فشُهِرَ في العسكر، وأُسنِيَت الجائزةُ لابن الجرَّاح، وكانت هذه الوقعة لسبعٍ بقين من المحرم سنة 368. فورد كتابُ العزيز إلى مصر بنُصرتِه على أفتكين، وقَتْل عدة من أصحابه وأسْرِه، فقُرِئَ على أهلِ مِصرَ فاستبشروا وفَرِحوا.

العام الهجري : 368 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 978
تفاصيل الحدث:

لَمَّا ذهب أفتكين إلى ديارِ مِصرَ نهَضَ رجلٌ مِن أهل دمشق يقال له قسَّام الجُبَيلي التَّرَّاب وهو من بني الحارثِ بنِ كعبٍ مِن اليَمَن. كان ابتداءُ أمْرِه أنَّه انتمى إلى رجلٍ مِن أحداثِ أهلِ دِمشقَ يقال له أحمد بن المسطان، فكان مِن حِزبِه، وكان أفتكين يقَرِّبُه ويُدنيه، ويأمَنُه على أسراره، فاستحوذ على دمشقَ وطاوعَه أهلُها، وغلب على الوُلاةِ والأمراءِ، وقصَدَته عساكِرُ العزيز من مصرَ فحاصروه فلم يتمَكَّنوا منه، وجاء أبو تغلبَ بنُ ناصر الدولة بن حمدان فحاصره فلم يقدِرْ أن يدخُلَ دمشق، فانصرف عنه خائبًا إلى طبرية، فوقَعَ بينه وبين بني عقيلٍ وغَيرِهم من العرب حروبٌ طويلة، آل الحالُ إلى أن قُتِلَ أبو تغلِبَ، وغلب قسَّامٌ على الوُلاةِ والأمراء إلى أن قَدِمَ بلكتكين التركي من مِصرَ في يوم الخميسِ السابع عشر من المحرم سنة 376، فأخذها منه واختفى قسَّام التَّرَّاب مدة ثم ظهر، فأخذه أسيرًا وأرسله مقيَّدًا إلى الديار المصرية، فأُطلِقَ وأُحسِنَ إليه وأقام بها مكَرَّمًا، وأما قسَّامُ التراب هذا فإنه أقام بالشامِ فسَدَّ خلَلَها وقام بمصالِحِها مدة سنين عديدة، وكان مجلِسُه بالجامع يجتَمِعُ الناس إليه فيأمُرُهم وينهاهم فيمتَثِلونَ ما يأمرُ به.

العام الهجري : 369 العام الميلادي : 979
تفاصيل الحدث:

ركِبَ عَضُدُ الدولةِ في جنودٍ كثيفة إلى بلادِ أخيه فخرِ الدَّولة، وذلك لَمَّا بلَغَه من ممالأتِه لعِزِّ الدولة واتفاقِهما عليه، فتسَلَّمَ بلاد أخيه فخرِ الدولة وهمدان والري وما بينهما من البلاد، وسلَّمَ ذلك إلى مؤيِّدِ الدَّولة- وهو أخوه الآخر- ليكون نائبه عليها، ثم سار إلى بلادِ حسنويه الكردي فتسَلَّمَها وأخذ حواصِلَه وذخائِرَه، وكانت كثيرةً جِدًّا، وحبس بعضَ أولادِه وأسَرَ بَعضَهم، وأرسلَ إلى الأكراد الهكارية فأخذ منهم بعضَ بلادهم، وعَظُم شَأنُه وارتفع صِيتُه إلَّا أنَّه أصابه في هذا السَّفَرِ داءُ الصُّداعِ، وكان قد تقَدَّمَ له بالموصِلِ مِثلُه، وكان يكتُمُه إلى أن غلب عليه كثرةُ النِّسيانِ، فلا يذكُرُ الشَّيءَ إلَّا بعد جَهدٍ جَهيدٍ.

العام الهجري : 369 العام الميلادي : 979
تفاصيل الحدث:

شرع عضُدُ الدَّولةِ في عمارةِ بغداد، وكانت قد خَرِبَت بتوالي الفِتَن فيها، وعَمَرَ مساجِدَها وأسواقها، وأدَرَّ الأموال على الأئمَّة والمؤذِّنين، والعلماء والقُرَّاء، والغُرَباء والضعفاء الذين يأوون إلى المساجد، وألزم أصحابَ الأملاكِ الخرابِ بعِمارتِها، وجَدَّدَ ما دثَرَ مِن الأنهار، وأعاد حَفْرَها وتسويتها، وأطلق مُكوسَ الحجَّاج، وأصلح الطريقَ مِن العراق إلى مكَّة، شَرَّفَها الله تعالى، وأطلق الصِّلاتِ لأهل البيوتات والشَّرَف، والضعفاء المجاورين بمكة والمدينة، وفعَلَ مِثلَ ذلك بمشهدي عليٍّ والحسين، وسكن الناسُ مِن الفتن، وأجرى الجراياتِ على الفُقَهاء والمحدثين، والمتكلمين والمفَسِّرين، والنُّحاة والشُّعراء، والنَّسابين والأطبَّاء، والحُسَّاب والمهندسين، وأذن لوزيره نصرِ بنِ هارون، وكان نصرانيًّا، في عمارة البِيَعِ والدِّيرةِ، وإطلاق الأموالِ لفُقَرائِهم.

العام الهجري : 369 العام الميلادي : 979
تفاصيل الحدث:

كان ورد بن منير من أكابرِ أصحابِ الجُيوشِ وعُظَماءِ البطارقة، فطَمِعَ في مُلكِ الرُّوم، وكاتب أبا تغلِبَ بنَ حمدان وصاهره، واستجاش بالمُسلمينَ مِن الثغور، فاجتمعوا عليه، فقصد الرومَ، فأخرج إليه المَلِكان الروميَّان ولدا الدُّمُسْتُق جيشًا بعد جيشٍ وهو يهزِمُهم، فقَوِيَ جَنانُه وعَظُم شأنه، وقصد القسطنطينيَّة، فخافه المَلِكان، فأطلقا ورديس بن لاون، وقَدَّماه على الجيوش، وسيَّرَاه لقتال ورد، فاقتتلوا قتالًا شديدًا، وطال الأمرُ بينهما، ثم انهزم ورد إلى بلاد الإسلام، فقصد ديارَ بَكرٍ، ونزل بظاهرِ ميافارقين، وراسل عَضُدَ الدولة، وأنفذ إليه أخاه يبذُلُ الطاعةَ والاستنصار به، فأجابه إلى ذلك ووَعَده به، فراسَلَ المَلِكان عضُدَ الدولة وطلبا تسليمَ ورد لهما، فأعمل الحيلةَ عليه حتى قبَضَ عليه وسجَنَه عنده فترةً.

العام الهجري : 370 العام الميلادي : 980
تفاصيل الحدث:

سُيِّرَت العساكِرُ مِن مِصرَ لقتالِ المفرج بن جراح، وسبَبُ ذلك أنَّ ابنَ جَرَّاح عظُمَ شَأنُه بأرض فلسطينَ، وكثُرَ جَمعُه، وقَوِيَت شوكتُه، وبالغ هو في العيثِ والفساد، وتخريبِ البلاد، فجهز العزيزُ الفاطمي العساكرَ وسَيَّرَها، وجعل عليها القائِدَ يلتكين التركي، فسار إلى الرملة، واجتمع إليه من العربِ، من قيسٍ وغيرها، جمعٌ كثيرٌ، وكان مع ابنِ جَرَّاح جمعٌ يرمون بالنُّشَّاب، ويقاتلون قتالَ الترك، فالتَقَوا ونشبت الحرب بينهما، وجعل يلتكين كَمينًا، فخرج على عسكرِ ابنِ جراح من وراء ظهورهم، عند اشتداد الحرب، فانهزموا وأخذَتْهم سيوفُ المصريين، ومضى ابن جراح منهزمًا إلى أنطاكية، فاستجار بصاحبِها فأجاره، وصادف خرُوج مَلِك الروم من القسطنطينيَّة في عساكرَ عظيمةٍ يريدُ بلاد الإسلام، فخاف ابنُ جراح، وكاتَبَ بكجور بحمص والتجأ إليه، وأمَّا عسكَرُ مِصرَ فإنَّهم نازلوا دمشقَ، مخادعين لقسَّام الجبيليِّ التَّرَّاب، لم يظهروا له إلَّا أنهم جاؤوا لإصلاحِ البَلَدِ، وكفِّ الأيدي المتطَرِّقة إلى الأذى، وكان القائد أبو محمود قد مات في هذه السَّنةِ، وهو والي البلد، ولا حُكْمَ له، وإنما الحُكمُ لقَسَّام، فلما مات قام بعده في الولايةِ جَيشُ بن الصمصامة، وهو ابنُ أخت أبي محمود، فخرج إلى يلتكين وهو يظُنُّ أنه يريد إصلاحَ البلد، فأمره أن يخرجَ هو ومن معه وينزِلوا بظاهر البلد، ففَعَلوا. وحَذِرَ قَسَّام، وأمر مَن معه بمباشرةِ الحَربِ، فقاتلوا دفعاتٍ عِدَّة، فقوي عسكر يلتكين، ودخلوا أطرافَ البلد، ومَلَكوا الشاغور، وأحرقوا ونهبوا، فاجتمع مشايخُ البلَدِ عند قَسَّام، وكَلَّموه في أن يخرجوا إلى يلتكين، ويأخذوا أمانًا لهم وله، فانخذل وذَلَّ، وخضع بعد تجبُّرِه وتكبُّرِه، وقال: افعلوا ما شئتُم، وعاد أصحابُ قَسَّام إليه، فوجدوه خائفًا، مُلقِيًا بيده، فأخذ كلُّ لنَفسِه. وخرج شيوخُ البلد إلى يلتكين، فطلبوا منه الأمانَ لهم ولقسام، فأجابهم إليه، وكان مبدأُ هذه الحرب والحصر في المحرم لعشرٍ بَقِينَ منه، والدخول إلى البلد لثلاث بقين منه، ولم يعرض لقسَّامٍ ولا لأحدٍ مِن أصحابه، وأقام قسَّام في البلد يومين ثم استتَرَ، فأخذ كلَّ ما في داره وما حولها من دورِ أصحابِه وغيرِهم، ثمَّ خرج إلى الخيام، فقصد حاجِبَ يلتكين وعَرَّفه نفسَه، فأخذه وحَمَله إلى يلتكين، فحمله يلتكينُ إلى مصر، فأطلقه العزيزُ، واستراح النَّاسُ من تحكُّمِه عليهم، وتغَلُّبِه بمن تبعه من الأحداثِ مِن أهلِ العيثِ والفَسادِ.

العام الهجري : 370 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 981
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامةُ المُفتي المجتَهِد, عَلَمُ العراق أبو بكر أحمدُ بنُ عليٍّ الرازي الجَصَّاصُ، الفقيهُ الحنفي، إمامُ أصحاب الرأي في وقته، صاحب التصانيف، وتلميذُ أبي الحسن الكرخي. ولد سنة 305 في مدينة الريِّ التي يُنسَبُ لها بالرازي, وقد مكث بها حتى سِنِّ العشرينَ، حيث رحل إلى بغداد واستوطَنَها. وقد حاز الإمامُ مكانةً عِلميَّةً سامِقةً بين علماءِ الأمة عمومًا, وعُلَماءِ الحنفيَّة خُصوصًا. كان مع براعتِه في العِلمِ مَشهورًا بالزهد والورع، لَمَّا ورد بغداد في شبيبتِه درس الفقهَ على أبي الحسَنِ الكَرخيِّ ولم يزَلْ حتى انتهت إليه الرياسةُ الحنفية ببغداد، وعنه أخذ فقهاؤُها, ورحل إليه المتفَقِّهة، وخوطِبَ في أن يلي قضاءَ القُضاةِ فامتنع، وأعيد عليه الخطابُ فلم يفعل، وله تصانيفُ كثيرة مشهورة؛ منها "أحكام القرآن" و "شرح الجامع الصغير" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح المناسك" لمحمد بن الحسن الشيباني، و "شرح مختصر الفقه" للطحاوي، وغيرها، وتصانيفه تدُلُّ عل حفظه للحديثِ وبَصَرِه به. قال الذهبي: " وكان يميلُ إلى الاعتزالِ، وفي تصانيفِه ما يدُلُّ على ذلك في مسألةِ الرؤية وغيرِها ". توفِّيَ عن خمسٍ وستين سنة، وصلَّى عليه أبو بكر محمد بن موسى الخوارزمي.