الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 2638 ). زمن البحث بالثانية ( 0.023 )

العام الهجري : 1377 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 1958
تفاصيل الحدث:

كان الخلافُ بين عبد الكريم قاسم ذو الميول الشيوعية وعبد السلام عارف أبرَزَ مشاهد الصراع على السلطة بين قادة (الضباط الأحرار)؛ فقد بدأ الخلافُ بينهما من اليوم الأول؛ إذ يعدُّ كل واحدٍ منهما نفسَه أنه هو الذي أنشأ الحركةَ وقادها، فعبد الكريم قاسم رأسُ المنظَّمة ومنه تَصدُرُ الأوامر، وهو الذي يرى نفسَه أنَّه هو المُخطِّط لهذه الثورة، ولا يتِمُّ عمَلٌ دونه، ويرى عبد السلام عارف أنه هو الذي قاد الحركة وخاطر، وتسلَّم الإذاعةَ، وهو أوَّلُ من أذاع نبأ الحركة إلى الرعيَّة، وأعطى التعليماتِ اللازمة للسيطرة على الموقف، وكان عبد السلام يدعو إلى الوَحدةِ العربية الشاملة والانضمام إلى الجمهورية العربية المتَّحِدة، كما أنه كان معجبًا بعبد الناصر؛ ولم يكن قاسم يرى ما يراه عبد السلام، ولَمَّا زار عبد السلام دمشق بعد الثورة بخمسةِ أيام عرض على عبد الناصر الوَحدةَ فلما سأله عن رأي عبد الكريم قاسم قال له: مصيرُه مصيرُ محمد نجيب! ولَمَّا عَلِمَ قاسم بهذا الحوار أسَرَّها في نفسه، ثم قام عبد السلام بجولةٍ في أنحاء العراق وكان يُلقي خُطبًا وينقل للجموع تحيات الرئيس جمال عبد الناصر كأنه رئيس البلاد دون أن يذكُرَ عبد الكريم قاسم زعيم العراق، فأخذ قاسِمٌ في إبعاد عبد السلام عن مركز القيادة في البلاد تدريجيًّا، فألغى منصب عبد السلام كنائب قائد القوات المسلحة بحُجَّةِ أنَّ عددًا من الضباط أصحاب رتب أعلى منه، ثم عزله عن منصب نائب رئيس الوزراء ووزير الداخلية بالوكالة للمصلحة العامة، وفي نفس اليوم أصدر قرارًا بتعيينه سفيرًا للعراق في ألمانيا الغربية، لكِنَّ عبد السلام رفض هذا المنصب وأصرَّ على البقاء في بغداد، وفي 25 جمادى الأولى 1378هـ ألقت الشرطةُ القبض على عبد السلام عارف بتهمة محاولة قتل عبد الكريم قاسم، وأودِعَ السجنَ ثم حُكِمَ عليه بالقتل، لكن قاسم لم يصادق على الحُكمِ وبَقِيَ في السجن إلى أن أفرجَ عنه قاسم في ربيع ثاني 1381هـ وقد أحيل بعضُ أعوان عبد السلام عارف إلى التقاعُدِ والبعض نُقِلوا إلى مراكز غير حسَّاسة، أما الشيوعيون منهم فقد التفُّوا حول قاسم.

العام الهجري : 723 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1323
تفاصيل الحدث:

هو الإمامُ العلَّامة الحافِظُ قاضي القضاة نجمُ الدين أبو العباس أحمد بن محمد بن سالم بن أبي المواهب، الربعي الثعلبي الدمشقي الشافعي، الشهيرُ بابن صصرى قاضي القُضاة بالشام، وُلِدَ في ذي القعدة سنة 655، ووالدتُه هي شاه ست بنت أبي الغنائم المسلم بن محمد بن المسلم بن علان القيسية الدمشقية، ذكرها الذهبي في معجم الشيوخ الكبير. كان في ابتداء أمرِه كتب في الإنشاء، وكان له نظمٌ ونثرٌ ومُشاركة في فنونٍ كثيرة، فصيحَ العبارة، قادرًا على الحفظ، يحفظُ أربعة دروس في اليوم، سمِعَ ابن صصرى الحديثَ واشتغل وحَصَّل وكتَبَ عن القاضي شمس الدين بن خَلِّكان وفياتِ الأعيان، وسَمِعَها عليه، وتفقَّه بالشيخ تاج الدين الفزاري، وعلى أخيه شرف الدين في النَّحو، وكان له يدٌ في الإنشاء وحُسن العبارة. درَّس بالعادلية الصغيرة سنةَ ثنتين وثمانين، وبالأمينية سنة تسعين، وبالغزالية سنة أربع وتسعين، وتولى قضاء العساكر في دولة العادل كتبغا، ثم تولَّى قضاء الشام سنة ثنتين وسبعمائة، بعد ابنِ جماعة حين طُلِبَ لقضاء مصر بعد ابن دقيق العيد، ثم أضيف إليه مشيخةُ الشيوخ مع تدريس العادلية والغزالية والأتابكية، في يوم الثلاثاء سابِعَ شعبان عَزَل نجم الدين بن صصرى نفسه عن الحُكمِ بسبب كلامٍ سمعه من الشيخ كمال الدين بن الزملكاني. كان نجم الدين ابن صصرى من خصومِ شيخ الإسلام ابن تيمية, ففي الثاني عشر رجب سنة 698 قرأ المِزِّي فصلًا من كتاب أفعال العباد للبُخاري في الجامع، فسَمِعَه بعض الشافعية فغضِبَ، وقالوا: نحن المقصودون بهذا ورفعوه إلى القاضي الشافعي فأمر بحبسه، فبلغ ابن تيمية فتوجَّهَ إلى الحبس فأخرجه بيده، فبلغ القاضي ابن صصرى فطلع إلى القلعة فوافاه ابن تيميَّةَ فتشاجرا بحضرة النائِبِ، واشتطَّ ابن تيمية على القاضي لِكَونِ نائبه جلال الدين آذى أصحابَه في غَيبة النائب، فأمر النائب من ينادي أنَّ من تكلَّمَ في العقائد فُعِلَ كذا به، وقصد بذلك تسكينَ الفتنة. وفي خامس رمضان بطلب القاضي والشيخ وأن يرسلوا بصورةِ ما جرى للقاضي نجم الدين ابن صصرى، ثم وصل مملوك النائب وأخبر أن الجاشنكير والقاضي المالكي قد قاما في الإنكارِ على الشيخ ابن تيمية، وأنَّ الأمرَ اشتَدَّ بمصر على الحنابلة، حتى صفع بعضهم، ثم توجه القاضي ابن صصرى وشيخ الإسلام إلى القاهرة ومعهما جماعةٌ فوصلا في العشر الأخير من رمضان، وعُقِدَ مجلس في ثالث عشر منه بعد صلاة الجمعة، فادعى على ابن تيميَّةَ عند المالكي، فقال: هذا عدوِّي ولم يجِبْ عن الدعوى، فكرر عليه فأصَرَّ، فحكم المالكيُّ بحبسِه، فأقيم من المجلسِ وحُبِسَ في برجٍ، ثم بلغ المالكي أن الناس يترددون إليه، فقال: يجب التضييقُ عليه إنْ لم يُقتَل وإلَّا فقد ثبت كفرُه، فنقلوه ليلة عيد الفطر إلى الجبِّ، وعاد القاضي ابن صصرى الشافعي إلى ولايتِه، ونودي بدمشق من اعتقد عقيدةَ ابن تيمية حَلَّ دَمُه ومالُه خصوصًا الحنابلة، فنودي بذلك وقرئ المرسوم. توفي ابن صصرى فجأةً ببستانه بالسَّهمِ ليلة الخميس سادس عشر ربيع الأول عن ثمان وستين سنة وصُلِّيَ عليه بالجامع المظفري، وحضر جنازتَه نائب السلطنة والقضاة والأمراء والأعيان، وكانت جنازتُه حافلةً ودُفِنَ بتربتهم عند الركنية.

العام الهجري : 753 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1352
تفاصيل الحدث:

اتفَقَ الأمير بيبغا روس نائِبُ حلب مع الأمير أحمد الساقي نائب حماة، والأمير بكلمش نائب طرابلس على العصيان، فجُرِّدَ في يوم السبت سابع عشر رجب جماعةٌ من الأمراء وأجناد الحلقة إلى الصعيد، منهم عمر شاه الحاجب، وقماري الحاجب، ومحمد بن بكتمر الحاجب، وشعبان قريب يلبغا، وكتب لبيبغا روس نائب حلب بالحضور إلى مصر، على يَدِ سنقر وطيدمر من مماليك الحاج أرقطاي، وكتب معهما ملطفات لأمراء حلب تتضَمَّنُ أنَّه إن امتنع عن الحضور فهو معزولٌ، ورسم لهما أن يُعلِمَا بيبغا بذلك أيضًا مُشافهةً بحَضرةِ الأمراء، فقَدِمَ البريد من دمشق، بموافقة ابنِ دلغادر لبيبغا روس، وأنه تسلطن بحلب، وتلَقَّبَ بالملك العادل، وأظهر أنَّه يريد مصر لأخذِ غُرَمائِه، وهم طاز وشيخو وصرغتمش وبزلار وأرغون الكاملي نائب الشام، ثم قَدِمَ البريد بأن قراجا بن دلغادر قَدِمَ حَلَب في جمع كبير من التركمان، فركب بيبغا روس وقد واعد نائِبَ حماة ونائب طرابلس على مسيرة أول شعبان، وأنَّهم تلقوه بعساكرهم على الدستن، فركب الأمير أرقطاى الدوادار الكبير البريد، بملطفاتٍ لجميع أمراء حلب وحماة ونائب طرابلس، فقَدِمَ دمشق وبعث بالملطفات لأصحابِها، فوجد أمر بيبغا روس قد قَويَ، ووافقه النواب والعساكر والأمير زين الدين قراجا بن دلغادر تركمانه وكسابته، وجبار بن مهنا بعُربانه، فكتب الأمير أرغون الكاملي نائب الشامِ بأنَّ سَفَر السُّلطانِ لا بُدَّ منه، "وإلا خرح عنكم جميعُه"، فاتفق رأي الأمراء على ذلك، وخرج الأمير طاز في يوم الخميس ثالث شعبان، ومعه الأميرُ بزلار، والأمير كلتاي أخو طاز، وفارس الدين ألبكي، ثمَّ خرج الأمير طيبغا المجدي وابن أرغون النائب، ثمَّ إنَّ بيبغا روس حاول أخْذَ دمشق وحاصرها واشتَدَّ الأمر على أهل دمشق وامتنعوا عليه، فأمر بنهب البلد من الضياع والبساتينِ، ثم إن عسكر مصر بقيادة طاز وصل إلى دمشقَ فهرب بيبغا إلى حلب، ثم لجأ منها إلى ابن دلغادر ذو القدر أمير ألبستان وملاطية، ولكِنْ لم يلبَثْ الأمر كثيرًا حتى كان القبضُ عليه ومن معه من أعوانِه ثمَّ تمَّ قَتلُه بعد ذلك في السنة التالية بحَلَب؛ حيث سلَّمَه الأمير ابن دلغادر إلى نائب حلب الجديد أرغون الكاملي بعد أن حَلَفَ له الأخيرُ أنه لا يحارِبُه، ثمَّ يوم الاثنين ثامن عشر ذي الحجة قدم البريدُ مِن حَلَب بأخذ أحمد الساقي نائب حماة، وبكلمش نائب طرابلس، من عند ابن دلغادر، وقد قبَضَهما، فدخلا حلب في الحادي عشر، وسُجِنا بقلعَتِها، فأجيب الأميرُ أرغون الكاملي نائب حلب بالشكر والثناء، وأنَّه يشهر المذكورين بحلب، ويقتُلُهما، وجَهَّزَ لنائب حلب خِلعةً.

العام الهجري : 308 العام الميلادي : 920
تفاصيل الحدث:

كان الأميرُ الناصر غزا إلى دار الحرب، وهي غزاة مويش، والحشودُ والعساكر تتلاحَقُ به من سائر أقطار الأندلس، وجميع جهاتها، ونزل على مدينةِ طُلَيطلة، وخرج إليه لبُّ بن الطربيشة صاحِبُها، مبادرًا إليه، وغازيًا معه، وكان يظهر طاعةً تحتها معصيةٌ، حتى نزل بمدينة الفرج، فنظر لأهلها، وخرج للجهاد أكثَرُهم، حتى احتَلَّ بثغر مدينة سالم، وأظهَرَ التوجه إلى الثغر الأقصى. وقَدِمَت المُقَدِّمة نحوه. ثم عرجَ بالجيوش إلى طريقِ آلية والقلاع، وطوى من نهارِه ثلاث مراحل، حتى احتَلَّ بوادي دوبر؛ فاضطربت العساكر فيه، وباتت عليه. ثم أخرج صباحَ تلك الليلة سعيد بن المنذر الوزير، في جرائد الخيل وسرعان الفرسان، إلى حصن وخشمة؛ فأغذَّ السيرَ حتى قَرُب من الحصن، وسرَّحَ الخيل المُغيرة يَمنة ويَسرة، والمشركون في سكونٍ وغفلة؛ إذ كان العِلجُ الذي يلي أمورَهم قد كاتبَ النَّاصِرَ مكايدًا له في إزاحته عن بلدِه بمواعيدَ وعدها من نفسه، فأظهر الناصر قَبولَ ذلك منهم، وأضمَرَ الكيد بهم، فغشيتهم الخيلُ المُغيرةُ على حينِ غَفلةٍ، وأصابوا نَعَمهم وسوامَهم ودوابَّهم مُسرحةً مُهملةً؛ فاكتسحوا جميع ذلك، وانصرفوا إلى العسكرِ سالمين غانمين. فلما كان في صباحِ يوم الجمعة لاثنتي عشرة ليلة بقيت من صفر، اندفعت الخيلُ إلى حصن وخشمة، ففر عنه الكفرة، وأخلوه، ولاذوا بالغياض الأشبة –المواضعُ التي يكثُرُ فيه الشجرُ ويلتفُّ-، والصخور المنقطعة. ودخل المسلمون الحِصنَ، وغنموا جميعَ ما فيه وأضرموه نارًا. ثم رحل عنها في اليومِ الثاني إلى حصن قاشتر مورش، وهي شنت أشتبين، بيضة المفرة وقاعدتُهم، فخرجوا هاربين عنه، فدخله المسلمون وغنموا جميعَ ما فيه، وخَرَّبوا حِصنَ القبيلة المجاور له، ولم يترك لأعداء اللهِ في تلك الجهة نعمةً يأوونَ إليها، واضطرب العسكرُ بشرقي حصن قاشتر مورش. وبات المسلمونَ ليلة الأحد بأسرِّ ليلة كانوا بها، والحمدُ لله. ثم انتقل الناصر في صبيحة اليوم الثاني من مكانِ المُضطَّرَب شرقيَّ الحصن إلى غربيِّه، ولم يكن بين الموضعين إلا قدرُ ميل، فكسر العسكرُ في ذلك المكانِ يوم الأحد متقصيًا لآثار الكفرة، ومستبيحًا لنَعَمِهم. ثم ارتحل إلى مدينةٍ لهم أولية تعرف بقلونية، وكانت من أمهَّات مُدُنِهم، فلم تمرَّ الجيوش إليها إلَّا على قرًى منتظمة وعمارة بسيطة، فغَنِمَت جميع ما كان بها، وقتلت من أدرَكَت فيها، حتى أوفت العساكِر على المدينة، فأُلقِيَت خالية، قد شُرِّدَ عنها أهلُها إلى الجبالِ المجاورة لهم، فغنم المسلمون جميعَ ما أصابوا فيها، وعَمِلَت الأيدي في تخريبِ ديارِها وكنائسها، وكسر الناصر عليها ثلاثةَ أيَّام، مطاولًا لنكايةِ المُشرِكين، وانتساف نَعَمِهم. ثم ارتحل من مدينة قلونية يوم السبت لخمس بقينَ من صفر إلى ثغر تطيلة، لغِياثِ صريخِ المسلمين به، إذ كان العِلجُ شانجه قد ضايقهم، وتردَّد بكَفَرته عليهم، ثم احتَلَّ الناصر حوز تطيلة ثم قدَّم الخيل مع محمَّد بن لبّ عاملها إلى حصن قلهرة الذي كان اتَّخذه شانجه على أهلها. فلما قصَدَته الخيلُ أخلاه مَن كان فيه، وضَبَطه المسلمون. ثم نهض الناصر إلى حِصن قلهرة. وكان شانجة قد اتخذه معقِلًا، وتبوَّأه مسكنًا. فلما فجَأته العساكِرُ أخلاه العِلجُ، وزال عنه؛ فغَنِمَه المسلمون بأسرِه، ثم رحل بالجيوشِ يوم الأحد لأربعٍ خَلَون من ربيع الأول إلى دي شره، وأجاز إليها وادي إبره، فخرج شائجة من حصن أرنيط في جموعه وكفَرَته، متعرضًا لمن كان في مُقدِّمة العسكر، فتبادر إليه شُجعان الرِّجال، تبادر رشق النبال، فانهزم الكفرة، وركِبَتْهم الخيلُ، تقتل وتجرَحُ، حتى توارَوا في الجبال، ولاذُوا بالشعاب وأيقنوا بالدمارِ والهلاك. وحِيزَ كثيرٌ من رؤوسِ المشركين؛ فتلقوا بها الناصر، ولا علم عنده بالمعركةِ التي دارت بينهم وبين أعداء الله. واضطرب العسكرُ بهذا الموضع، وبات المسلمون ظاهرينَ على عَدُوِّهم، ومنبسطين في قُراهم ومزارعهم، وورد الخبرُ على الناصر باجتماع العِلجَينِ أرذون وشانجة، واستمداد بعضِهما ببعض، طامعينِ في اعتراضِ المقَدِّمة، أو انتهاز فرصة في السَّاقة. فأمر الناصرُ بتعبئة العساكر، وضبْطِ أطرافِها، ثم نهض بها موغِلًا في بلاد الكَفَرة، فتطلَّلوا على كُدًى مشرفةٍ وجبالٍ منيعة؛ ثم تعرضوا من كان في أطرافِ الجيش، وجعلوا يتصايحون، ويولوِلون لِيُضعِفوا من قلوب المسلمين، فعهد الناصر بالنزولِ والاضطراب وإقامةِ الأبنية. ثم تبادر الناسُ إلى محاربة الكفرة، وقد أسهلوا من تلك الجبالِ، فواضعوهم القتالَ، واقتحم عليهم حتى انهزم المشركونَ، والمسلمون على آثارِهم، يقتلون من أدركوا منهم، حتى حجز الظَّلامُ بينهم، ولجأ عند الهزيمةِ ما يزيد على ألفٍ مِن العلوج إلى حصن مويش، ورجوا التمنُّع فيه. فأمر الناصرُ بتقديم المظل وأبنية العسكرِ إلى الحصن، فأحيط به من جميعِ جِهاتِه، وحُوربوا داخِلَه حتى تغلَّب عليه، واستخرج جميعَ العُلوج منه، وقُدِّموا إلى الناصر، فضُرِبَت رقابُ جميعهم بين يديه، وأصيب في الحصنِ والمحلة التي كانت للكَفَرة بقربه من الأمتعةِ والأبنية والحِليةِ المُتقَنة والآنية ما لا يحصى كثرةً، وأصيب لهم نحوُ ألف وثلاثمائة فرس، ثم انتقل الناصرُ يوم الأحد لإحدى عشرة ليلة خلت من ربيع الأول إلى حصنٍ كان اتَّخذه شانجة على أهل بقيرة فألقاه خاليًا، قد فرَّ عنه أهلُه، فعَهِدَ بهَدمِه، ولم يبرح الناصرُ مِن محلَّتِه هذه حتى نُقِلَ إلى حصنِ بقيرة من أطعمة الكَفَرة ألفُ مُدٍّ تقويةً لأهله. ثم انتقل إلى حصونِ المُسلمين يسكِّنُها وينظر في مصالحِ أهلها، فكلما ألفى بقربها مَعقلًا للمشركين، هدمه وأحرق بسيطَه، حتى اتصل الحريقُ في بلاد المشركين عشرةَ أميال في مثلها. واجتمع عند الناس من الأطعمةِ والخيرات ما عجزوا عن حَملِه، ولم يجدوا لها ثمنًا تباع به، وقفل الناصر يوم الثلاثاء. لثلاثٍ بقين من ربيع الأول، حتى انتهى إلى مدينة أنتيشة؛ وبعث إلى قرطبةَ مِن رؤوس الكَفَرة التي أصيبت في المعارك المذكورة أعدادًا عظيمة، حتى لقد عجَزَت الدواب عن استيفاءِ حَملِها. ودخل الناصرُ القصر بقرطبة يوم الخميس الثالث عشر من ربيع الآخر، وقد استكمل في غزاتِه هذه تسعين يومًا.

العام الهجري : 501 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1108
تفاصيل الحدث:

هو الأمير سيف الدولة صدقة بن بهاء الدولة منصور بن ملك العرب دبيس بن علي بن مزيد الأسدي، الناشري العراقي صاحب الحلة السيفية. كان يتشيع هو وأهل بيته، ويقال له ملك العرب. وكان ذا بأس وسطوة، كريمًا ذا ذمام، عفيفًا من الزنا والفواحش، كأن عليه رقيبًا من الصيانة، ولم يتزوج على زوجته قطُّ ولا تسرَّى، وقيل: إنه لم يشرب مُسكِرًا ولا سَمِعَ غناءً ولا قصد التسوُّقَ في طعام، ولا صادر أحدًا من أصحابه، وكان تاريخ العرب الأماجد كرمًا ووفاءً، وكانت داره ببغداد حرمَ الخائفين. اختطَّ مدينة الحلة في سنة خمس وتسعين وأربع مائة، وسكنها الشيعة، وكان قد عَظُم شأن صدقة، وعلا قدره، واتسع جاهه، واستجار به صغار الناس وكبارهم، فأجابهم، وكان كثير العناية بأمور السلطان محمد، والتقوية ليده، والشدِّ منه على أخيه بركيارق، حتى إنه جاهر بركيارق بالعداوة، ولم يبرحْ على مصافاة السلطان محمد، وزاده محمد إقطاعًا، من جملته مدينة واسط، وأذن له في أخذ البصرة. ثم أفسد ما بينهما العميدُ أبو جعفر محمد بن الحسين البلخي، ثم إنه تعدى ذلك حتى طعن في اعتقاده، ونسبه وأهل بلده إلى مذهب الباطنية، وقيل: إنما كان مذهبه التشيع لا غير، ووافق أرغون السعدي أبا جعفر العميد، وأما سبب قتله فإن السلطان محمدًا قد سخط على أبي دلف سرخاب بن كيخسرو، صاحب ساوة وآبة، فهرب منه وقصد صدقة فاستجار به فأجاره، فأرسل السلطان يطلب من صدقة أن يسلِّمَه إلى نوابه، فلم يفعل، وظهر منه أمورٌ أنكرها السلطان, فأنفذ الخليفةُ المستظهر بالله إلى صدقة ينهاه عن الخروج على السلطان، وتردَّدت الرسل بين الخليفة وصدقة, فما سمع صدقة، واجتمع له عشرون ألف فارس، وثلاثون ألف راجل، فتوجَّه السلطان إلى العراق ليتلافى هذا الأمر، فالتقى الجمعان عند النعمانية، فرشقتهم عساكر السلطان بالسهام، فجرحت خيولهم، ثم ولَّوا، وبقي صدقة يجول بنفسه، فجُرِح فرسه المهلوب، وكان عديمَ المثَل، وهرب وزيره على فرس له، فناداه، فما ألوى عليه، ثم جاءته ضربةُ سيف في وجهه، وقُتِلَ صدقة، وحُمل رأسه إلى بغداد. وقتل من أصحابه ما يزيد على ثلاثة آلاف فارس، فيهم جماعة من أهل بيته، وأُسِرَ ابنه دبيس ووزيره وعِدَّةٌ من أهله، وكان عمره تسعًا وخمسين سنة، وكانت إمارته إحدى وعشرين سنة، وحُمِل فدفن في مشهد الحسين عليه السلام, ثم عاد السلطان إلى بغداد، ولم يَصِل إلى الحلة، وأرسل إلى البطيحة أمانًا لزوجة صدقة، وأمرها بالظهور فأصعدت إلى بغداد، فأطلق السلطان ابنها دبيسًا، وأنفذ معه جماعة من الأمراء إلى لقائها.

العام الهجري : 575 الشهر القمري : ربيع الأول العام الميلادي : 1179
تفاصيل الحدث:

كان الفرنجُ قد بَنَوا حِصنًا منيعًا يقارِبُ بانياس، عند بيت يعقوب، بمكان يُعرَف بمخاضة الأحزان؛ وقد حفروا فيه بئرًا وجعلوه لهم عينًا، وسلموه إلى الداوية، فلمَّا سمع صلاح الدين بذلك كتب إلى الفرنج يأمرهم بتخريبِ هذا الحصن الذي بنوه للداوية فامتنعوا إلا أن يبذُلَ لهم ما غرموه عليه، فبذل لهم ستين ألفَ دينار فلم يقبلوا، ثم أوصلهم إلى مائة ألف دينار، فقال له ابنُ أخيه تقي الدين عمر: ابذُلْ هذا إلى أجنادِ المسلمين وسِرْ إلى هذا الحصن فخرِّبْه، فأخذ بقولِه. فسار صلاح الدين من دمشق إلى بانياس، وأقام بها، وبثَّ الغاراتِ على بلاد الفرنج، ثم سار إلى الحصن ليخَرِّبَه ثم يعود إليه عند اجتماع العساكر، فلما نازل الحصن قاتل من به من الفرنجِ، ثم عاد عنه، ولم يفارِقْ بانياس بل أقام بها وخَيلُه تُغيرُ على بلاد العدو، وأرسل جماعةً مِن عسكره مع جالبي الميرة، فلم يشعُروا إلا والفرنجُ مع مَلكِهم قد خرجوا عليهم، فأرسلوا إلى صلاح الدين يعرِّفونه الخبر، فسار في العساكِرِ مُجِدًّا حتى وافاهم في القتال، فقاتل الفرنجُ قتالًا شديدًا، وحملوا على المسلمينَ عِدَّةَ حملات كادوا يزيلونَهم عن مواقفهم، ثم أنزل الله نَصْرَه على المسلمين، وهَزم المشركين، وقُتِلَت منهم مقتلة عظيمة، ونجا ملكُهم فريدًا وأُسِرَ منهم كثير، من أعيانهم ومقَدَّميهم، ثم عاد صلاح الدين إلى بانياس من موضعِ المعركة، وتجهَّز للدخول إلى ذلك الحِصنِ ومحاصرته، فسار إليه وأحاط به، وقَوِي عزمُه على فتحه بعد هزيمة الفرنج، وبثَّ العساكر في بلد الفرنج للإغارة عليهم، ففعلوا ذلك، وجمع المسلمونَ مِن الأخشاب والزَّرجُون-وهي قضبان الكرم- شيئًا كثيرًا ليجعله متارِسَ لمجانيق الفرنج, ثم أشار جاولي الأسدي بالزحف أولًا فقَبِلَ رأيه، وأمَرَ فنودي بالزحف على الحصن، والجِدِّ في قتال من فيه، فزحفوا واشتد القتالُ، وعظم الأمرُ، فألح المسلمون في القتال؛ خوفًا من وصول الفرنج وإزاحتهم عنه، وأدركهم الليلُ، فلما كان الغد أصبحوا وقد نَقَبوا الحصن، وعمَّقوا النقب، وأشعلوا النيران فيه، وانتظروا سقوطَ السور، فسَقَط يوم الخميس لسِتٍّ بقين من ربيع الأول، ودخل المسلمونَ الحصن عَنوةً, فغنموا جميع ما فيه، وقد كان فيه مائة ألف قطعة من السلاح ومِن المأكل شيءٌ كثير، وأخَذَ منه سبعَمائة أسير، فقَتَل بعضَهم وأرسل الباقي إلى دمشق، وأطلقوا من كان به من أُسارى المسلمين، وأقام صلاحُ الدين بمكانه حتى هَدَم الحصن، وعفى أثَرَه، وألحقَه بالأرض. ثم عاد إلى دمشق مؤيَّدًا منصورا، غيرَ أنه مات من أمرائِه عشرة بسبب ما نالهم من الحرِّ والوباء في مدَّةِ الحصار، وكانت أربعة عشر يومًا.

العام الهجري : 807 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1404
تفاصيل الحدث:

أهلَّ شهر جمادى الأولى والفتنة قائمة بين أمراء الدولة؛ وذلك أن الأمير يشبك هو زعيم الدولة، بيده جميع أمورها من الولاية والعزل، والنقض والإبرام، وصار له عصبة كبيرة، فأحبوا عزل الأمير إينال باي ابن الأمير قجماس ابن عم الملك الظاهر برقوق من وظيفة أمير أخور؛ وذلك أنه اختص بالسلطان لأمور؛ منها: قرابته، ثم مصاهرته إياه، فشَقَّ ذلك على عصبة يشبك، وأحبوا أن يكون جركس المصارع أمير أخور، وانقطعوا عن حضور الخدمة السلطانية عدة أيام من جمادى الأولى، فاستوحش السلطان منهم، وتمادى الحال، فتقدم السلطان إلى الأمير إينال باي أن ينزل إلى الأمراء ويصالحهم، فمنع جماعة من المماليك السلطانية إينال باي أن ينزل، وتشاجروا مع طائفة من مماليك الأمراء، واشتد ما بينهم من الشر، وأخذ كل أحد في أُهبة الحرب، وأصبحوا جميعًا يوم الأحد لابسين السلاح، وقد أعدَّ يشبك بأعلى مدرسة حسن مدافع النفط والمكاحل؛ ليرمي على الإسطبل السلطاني، ومن يقف تحت القلعة بالرميلة، ونزل السلطان من قلعة الجبل إلى الإسطبل، واجتمع عليه من أقام على طاعته من الأمراء والمماليك، وأقام مع يشبك من الأمراء المقدَّمين سبعة وأكثر المماليك الظاهرية، فأقاموا على الحصار والمراماة، من بكرة الأحد إلى ليلة الخميس سابعه، وقد أخذ أصحاب السلطان على اليشبكية المنافذ، وحصروهم والقتال بينهم مستمر، وأمرُ يشبك في إدبار، فلما كان ليلة الخميس نصف الليل، خرج يشبك بمن معه على حمية من الرميلة، ومروا إلى جهة الشام، فلم يتبَعْهم أحد من السلطانية، ونودِيَ من آخر الليل في الناس بالقاهرة الأمان والاطمئنان، ومُنِع أهل الفساد من النهب، وأما يشبك ففي مروره إلى دمشق انضم له الكثير وزُوِّد بالكثير من العدد والعتاد، وقد انضم إليهم خلق كثير، فدخلوا دمشق بكرة الثلاثاء رابع شهر رجب، فسألهم الأمير شيخ المحمودي عن خبرهم، فأعلموه بما كان، وذكروا له أنهم مماليك السلطان وفي طاعته، لا يخرجون عنها أبدًا غير أن الأمير إينال باي ثقل عنهم ما لم يقع منهم، فتغير خاطر السلطان، حتى وقع ما وقع، وأنهم ما لم يُنصَفوا منه ويعودوا لِما كانوا عليه، وإلا فأرض الله واسعة، فوعدهم بخير، وقام لهم بما يليق بهم، وكتب إلى السلطان يسأله في أمرهم، وقدمت كتب نواب الشام إلى الأمير يشبك، تَعِدُه بالأمداد، وتقويته بما يريد، وقدم عليهم الأمير نوروز والأمير دقماق، فبعث الأميران شيخ ويشبك بيشبك العثماني إلى الأمير جكم الجركسي الظاهري، يستدعيه من أنطاكية إلى دمشق، وأفرج الأمير شيخ المحمودي أيضًا عن قرا يوسف ابن قرا محمد التركماني.

العام الهجري : 851 العام الميلادي : 1447
تفاصيل الحدث:

هو السلطان القان معين الدين شاه رخ ابن الطاغية تيمورلنك كوركان بن أيتمش قنلغ بن زنكي بن سنيا بن طارم بن طغريل بن قليج بن سنقور بن كنجك بن طغر سبوقا بن التاخان، المغولي الأصل، من طائفة جغتاي، سلطان هراة، وسمرقند، وشيراز، وما والاها من بلاد العجم وغيرها. مَلَك البلاد بعد ابن أخيه خليل بن أميران شاه بن تيمورلنك، فإنَّه لما مات والده الطاغية تيمورلنك بأهنكران شرقي سمرقند، وثب خليلٌ على الأمر وتسلطن، وبلغ شاه رخ هذا الخبر في هراة، فجمع ومشى إليه، ووقعت بينهما حروب وخطوب إلى أن ملك شاه رخ، واستقَلَّ بممالك العجم وعراقة، وعظُمَ أمره وهابته الملوك، وحُمِدَت سيرتُه، وشُكِرت أفعاله، وقَدِمَت رسله إلى البلاد المصرية مرارًا عديدة, وراسلته ملوكُ مصر، إلى أن تسلطَنَ الملك الأشرف برسباي، وقع بينهما وحشة بسبب طلب شاه رخ أن يكسوَ البيت الشريف، فأبى الأشرفُ برسباي وخشَّن له الجواب. وترددت الرسلُ بينهما مرارًا، واحتجَّ شاه رخ أنه نذر أن يكسو البيت الشريف، فلم يلتفت الأشرفُ إلى كلامه، ورد قصَّاده إليه بالخيبة. ولَمَّا آل المُلك إلى المَلِك الظاهر جقمق، أذن له بكسوتها, واستمرَّت الصحبةُ بين الملك الظاهر جقمق وبين شاه رخ إلى أن مات شاه رخ في سنة 851. تولى الملك بعده حفيدُه علاء الدولة بن باي سنقر، نصبته جدتُه لأبيه كهرشاه خاتون، أرادت بولاية علاء الدولة، وعدم ولايتها ولَدَها ألوغ بك صاحب سمرقند، أن يكون الأمرُ إليها. فلما سمع ألوغ بك ذلك عزَّ عليه، وحشد ومشى إلى والدته كهرشاه وإلى ابن أخيه علاء الدولة بن باي سنقر، ووقع له معهما أمور وحوادث، ثم قُتِلَ ألوغ بك, واستمرت الفتنة بين بني تيمور. ولم يعُدْ بيت تيمور صالحًا للحكم بعد موت شاه رخ وقتْلِ ولده ألوغ بك صاحب سمرقند. كان شاه رخ ملكًا عادلًا ديِّنًا خَيِّرًا، فقيهًا متواضعًا، محبَّبًا لرعيته، غير محجوب عنهم، لم يسلك طريقة والده الطاغية تيمورلنك- لعنه الله وقبَّحه- كان يحب أهل العلم والصلاح، ويكرِمُهم ويقضي حوائجَهم. وكان متضعفًا في بدنه، يعتريه مرضُ الفالج فلا يزال يتداوى منه. وكان يحبُ السَّماع الطيب، وله حظٌّ منه، بل كان يَعرِفُ يضرب بالعود، وكان ينادمه الأستاذ عبد القادر بن الحاج غيبى ويختصُّ به، وكان له حظ من العبادة وله أوراد هائلة، لم يزل غالبَ أوقاته على طهارة كاملة، مستقبِلَ القبلة والمصحفُ بين يديه، وكان مَسيكًا لا يصرف المالَ إلا لحقه.

العام الهجري : 872 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1467
تفاصيل الحدث:

إنَّ الملك الظاهر يلباي الإينالي لما تسلطن وتم أمره غطَّاه المنصب، وصار كالمذهول، ولزم السكوتَ وعدم الكلام، وضَعُف عن بتِّ الأمور، وردْع الأجلاب، بل صارت الأجلاب في أيامه كما كانت أولًا وأعظم، فلم يَحسُن ذلك ببال أحد، وصار الأمير خيربك الدوادار الثاني هو صاحب الحل والعقد في مملكته، وإليه جميعُ أمور المملكة، وشاع ذلك في الناس والأقطار، فبهذا وأشباهه اضطربت أحوالُ الديار المصرية، ولما كان عصر يوم الأربعاء رابع جمادى الأولى، وطلعت الأمراء الألوف إلى القلعة ليبيتوا بالقصرِ على العادة، امتنعت المؤيدية عن الطلوع بمن وافقهم ما خلا الأمير جانبك الإينالي الأشرفي المعروف بقلقسيز أمير مجلس، وهو كبير الأشرفية الكبار يومئذ، واستمالت الظاهرية أيضًا الأمير جانبك قلقسيز الأشرفي أمير مجلس، فمال إليهم، ووعدهم بممالأة خشداشيته- زملائه- الأشرفية إليهم، وخذلان يشبك الدوادار، فعند ذلك صار الملك الظاهر يلباي وحده أسيرًا في أيدي القلعيين، فلما أصبحوا يوم الخميس خامس جمادى الأولى أعلن الأمير يشبك الفقيه الوثوب على الخشقدمية، ولبسوا آلة الحرب، وركب بمن معه من المؤيدية والأشرفية الكبار والأشرفية الصغار، والسيفية، واجتمع عليهم خلائقُ من كل طائفة، ومالت زعر الديار المصرية إليهم، وبلغ مَن بالقلعة أمرهم، فخافوهم خوفًا شديدًا، ولَبِسوا هم أيضًا آلة الحرب، ونزلوا بالسلطان الملك الظاهر يلباي إلى مقعد الإسطبل السلطاني المطل على الرميلة، وشرعوا في قتال الأمير يشبك بمن معه في الأزقة والشوارع بالصليبية، وأصبح يوم الجمعة سادس جمادى الأولى والقتال قائم بين الفريقين بشارع الصليبية من أول النهار إلى آخره، فلما جاء الليل ليلة السبت أدخل يلباي إلى مبيت الحراقة، وبات به على هيئة عجيبة، إلى أن أصبح النهار وأخذوه وطلعوا به إلى القصر الأبلق، وحبسوه في المخبأة التي تحت الخرجة، بعد أن طلعوا به ماشيًا على هيئة الخَلعِ من السلطنة ثم سُجِنَ بعد ذلك بسجن الإسكندرية إلى أن توفي في العام التالي وقد جاوز السبعين من عمره، وأخذ الناس في سلطنة الملك الظاهر تمربغا، وزال ملك يلباي هذا كأنه لم يكن، وكانت مدة ملكه شهرين إلا أربعة أيام، ليس له فيها إلا مجرد الاسم فقط، أما السلطان الجديد الظاهر أبو سعيد تمربغا فجلس بصدر المقعد بالإسطبل السلطاني المعروف بالحراقة، وحضر الخليفة المستنجد بالله أبو المظفر يوسف، والقاضي الشافعي والقاضي الحنفي، وتخلف المالكي لتوعكه، والحنبلي لإبطائه، وحضر غالب أرباب الدولة والأعيان وبايعوه بالسلطنة، فقام من وقته ودخل مبيت الحراقة، ولبس خلعة السلطنة السواد الخليفتي.

العام الهجري : 979 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1571
تفاصيل الحدث:

ارتعدت فرائِصُ الأمم الأوروبية النصرانيةِ من الخطر الإسلاميِّ العظيم الذي هدَّد القارة الأوروبية؛ من جرَّاءِ تدفُّق الجيوش العثمانية برًّا وبحرًا, وعندما احتلَّ الأسطول العثماني بقيادة علي باشا قبرص بقرارٍ من السلطان سليم الثاني, أخذ البابا بيوس الخامس يسعى من جديدٍ لجمع شمل البلاد الأوروبية المختلفة، وتوحيد قواها برًّا وبحرًا في تحالف صليبي تحت راية البابوية، اختير لقيادة قوة هذا التحالف (دون خوان) النمساوي، وهو أخٌ غير شقيق للملك فيليب الثاني، سار (دون خوان) إلى البحر الأدرياتيك، حتى وصل إلى الجزء الضيق من خليج كورنث بالقرب من باتراس، وليس ببعيد عن ليبانتو اليونانية، والذي أعطى اسمها للمعركة، ونظَّم علي باشا قواتِه فوضع سفُنَه على نسق واحد من الشمال إلى الجنوب، بحيث كانت ميمنتُها تستند إلى مرفأ ليبانتو، ومسيرتُها في عُرض البحر، وقد قسَّمها علي باشا إلى جناحين وقلب, فكان هو في القلب, وشيروكو في الجناح الأيمن، وبقي الجناح الأيسر بقيادة قلج علي، ومقابل ذلك نظَّمَ دون خوان قواتِه، فوضع سفنه على نسق يقابل النسق الإسلامي، ووضع جناحه الأيمن بقيادة دوريا مقابل قلج علي، وأسند قيادة جناحه الأيسر إلى بربريجو مقابل شيروكو، وجعل (دون) نفسَه لقيادة القلب، وترك أسطولًا احتياطيًّا بقيادة سانت كروز. احتدمت المعركة في 17 جمادي الأولى من هذه السنة, أحاط الأسطول الإسلامي بالأسطول الأوروبي وأوغل العثمانيون بين سفن العدو، ودارت معركة قاسية أظهر فيها الفريقان بطولةً كبيرة وشجاعة نادرة، وشاءت إرادة الله هزيمة المسلمين، ففقدوا ثلاثين ألف مقاتل، وقيل عشرين ألفًا، وخسروا 200 سفينة حربية، منها 93 غرقت، والباقي غنمه العدو وتقاسمته الأساطيل النصرانية المتحدة، وأُسِرَ لهم عشرة آلاف رجل! واستطاع قلج علي إنقاذ سفنه، واستطاع كذلك المحافظة على بعض السفن التي غَنِمَها، ومن بينها السفينة التي تحمل علم البابا، رجع بها إستانبول التي استقبلته استقبال الفاتحين، رغم الشعور بمرارة الهزيمة, وكان لهذه الهزيمة أثرُها الكبير في تراجع الهيمنة العثمانية على غرب البحر المتوسط، ونهاية التمدد العثماني في شرق ووسط أوروبا, ومن أسباب هذه الهزيمة الكارثية على الدولة العثمانية قرارُ سليم الثاني بفتح قبرص، فلم يكن صائبًا؛ لأن قبرص لم تكن مزعجةً للدولة العثمانية، بينما ترتب على فتحها قيامُ هذا التحالف الصليبي الذي أدى إلى هزيمة الدولة في هذه المعركة, فضلًا عن أن قائد الأسطول العثماني علي باشا لم يكن على مستوى قيادة معركة بهذا الحجم، الذي شكله التحالف النصراني, وفي المقابل احتفلت القارة الأوربية بنصر ليبانتو؛ فلأول مرة منذ قرون تحلُّ الهزيمة بالعثمانيين!

العام الهجري : 1232 العام الميلادي : 1816
تفاصيل الحدث:

هو الشيخُ أبو محمد عثمان بن محمد الملقب بـ (فودي) بن عثمان بن صالح بن هارون بن محمد أحدُ علماء نيجيريا، كان مالكيَّ المذهب. ولِدَ في قرية طقِل في شمال نيجيريا، سنة 1169هـ يعتبرُ عثمان دان فوديو مؤسِّسَ دولة تكرور في سوكوتو في غربِ أفريقيا قريبًا من نهر الكونغو، وكان قد عاد من الحجِّ وهو ممتلئٌ حماسةً للإصلاح الديني، فكَثُر أتباعُه والمتحمِّسون لأفكارِه، فلما زاد عددُ أتباعه ومريديه، وفكَّرَ في الاتصال بأحدِ الملوك ليشُدَّ مِن أزره، فلجأ إلى أقوى ملوكِ الهوسة- وهو وقتذاك- الملِكُ نافتا (ملك غوبر)، وشرح له الإسلامَ الصحيح وطلبَ إليه إحياءَ معالم الدين، وإقامةَ العدل بين الناس. فاستجاب له أوَّلَ الأمر وأسند إليه الفتوى والإرشادَ بمجلِسِه وديوانه، غيرَ أنَّ بعض مدَّعي العلمِ الحاقدين قاموا يعَيِّرونه لاتصاله بالمَلِك ويتَّهمونه بالرياء والسعي إلى الجاه والسلطان، ووشَوا به عنده، ومنهم من أنكر عليه بعضَ أقواله وأفعاله، فوقعت بينه وبين المَلِك جفوة سافر بسَبَبِها الشيخ إلى بلاد زمفرة وكبي. يقول الإمام محمد بللو ابن الشيخ عثمان بن فودي عن معاناة والده: "ثم إنَّه لما برز هكذا، وكثُرَ أتباعه من العلماء والعوام، وتراسل الخلقُ إلى الاقتداء به، وكفاه اللهُ من ناوأه من علماءِ وَقتِه، حتى نشر أعلامَ الدين، وأحيا السنة الغرَّاء، فتمكَّنت في البلد أيَّ تمكين- نصَبَ أهل الدنيا له العداوةَ مِن أمراء هذه البلاد،..... وإنما غاظهم ما يرون من ظهورِ الدين وقيام ما درس مِن معالم اليقين، وذَهاب بقاءِ ما هم فيه من الضَّلالِ والباطِلِ والتخمين، مع أنَّ سَلطنتَهم.. مؤسَّسة على قواعِدَ مخُالِفة للشريعة.... فلمَّا أوضح الشيخُ الطريق، واهتدى إليه أهلُ التوفيق... وبقِيَ أهل الدنيا من علماءِ السوء والملوك في طغيانِهم يعمهون،... فجعل أولئك الملوك والعلماء يؤذون الجماعةَ (أتباعه)، ويعترضون كلَّ من ينتسب إلى الشيخ،... ولم يزَلْ كُلُّ من تولى من ملوكِ بلادنا مجتَهِدًا في إطفاءِ ذلك النور، ويكيد بالشيخِ وبجماعته، ويمكُرُ بهم ويحتال في استئصالهم" استطاع الشيخ عثمان بالدعوة أن يوحِّدَ تلك الجماعات المتناثرة في شتى أقاليم الحوصة ويجعل منها جماعةً واحدةً مُتماسِكةً، فأصبح له جَيشٌ قوي، ثم تعرض لولايات الحوصة الإسلامية، فسقطت واحدة تلوَ الأخرى في يدِه، وكان قد قسَّم مملكتَه على ولديه، ومات في هذه السنة بعد أن أسَّس مملكةً كبيرة سُرعان ما هبَّ الإنجليز للتدخل فيها, ولفودي مؤلَّفات كثيرة تجاوزت 150 كتابًا. توفِّي في ولاية سقطو (سوكوتو) بنيجيريا.

العام الهجري : 1355 الشهر القمري : محرم العام الميلادي : 1936
تفاصيل الحدث:

بعد أن رأى الكثيرُ من السوريين أنَّ الكفاحَ المسلَّحَ لا يتكافأُ مع القوات الفرنسية لجؤوا إلى الكفاح الدبلوماسيِّ، فبدأت تظهَرُ الكتلة الوطنية والجمعية التأسيسية التي دعت لوضع دستورٍ للبلاد، وعمَلِ انتخابات نيابية حُرَّة، وإلغاءِ الأحكام العرفية، ثم حصلت تطوراتٌ في إصدار دساتير عديدة، أحدها لدولة سوريا، وآخر لدولة العلويين في اللاذقية، وثالث للدروز، ثمَّ حُلَّت الحكومة المؤقتة، وعملت انتخابات جديدة، وحصل محمد علي العابد على رئاسة الجمهورية، ولكِنْ في أواخر سنة 1935م قام إضرابٌ عام في دمشق استمر خمسين يومًا، وحصلت اضطراباتٌ، واستقالت أكثَرُ من وزارة، وبسبب ذلك تم الاتفاقُ على معاهدة تضع حدًّا للانتداب، فشُكِّلَ وَفدٌ سوريٌّ مكَلَّفٌ بالتفاوضِ مع الحكومة الفرنسية برئاسة هاشم الأتاسي، وعضوية كلٍّ من فارس الخوري، جميل مردم، سعد الله الجابري: ممثِّلين عن الكتلة الوطنية، ومصطفى الشهابي، إدمون حمصي: ممثلين عن الحكومة، ونعيم أنطاكي سكرتيرًا، والقائم مقام أحمد اللحام أحد ضباط الجيش العربي سابقًا خبيرًا ومستشارًا عسكريًّا، التقى الوفدُ بسياسي وزارة خارجية فرنسا، وكانت العقبةُ الأساسية الأولى التي اختلف عليها الطرفان هي قضية توحيد الأراضي؛ فقد أصرَّ الجانِبُ السوري المفاوِضُ على وَحدة الأراضي السورية بالشَّكلِ الذي كانت عليه في عهد العثمانيين، وتوصَّل الطرفان المتفاوضان إلى حَلٍّ وَسطٍ يقضي بقيام دولتين مستقلَّتين في المنطقة سورية ولبنان، وأن يبقى لبنانُ ضِمنَ حدوده الراهنة، مقابِلَ موافقة الوفد الفرنسي على إعادة توحيد إقليمي جبل الدروز وجبل العلويين مع سورية، وأمَّا بالنسبة لسنجق الإسكندرونة فقد أقرَّت فرنسا بتبعيته لسورية، ولكنْ بشرط أن يكون له وضعٌ خاصٌّ يُتَّفَق عليه فيما بعد. وكانت العقبةُ الثانية أمام نجاح المفاوضات هي المتعلقة بالقوات السورية الخاصة بعد توقيع المعاهدة، وأصرَّ الوفدُ السوري على استعادة القوات فورًا؛ نظرًا لأنَّ نفقاتِها كانت من الموازنة السورية طيلةَ السنوات العشر الأخيرة، أمَّا الجانب الفرنسي فكان يرغَبُ بإبقائها تحت قيادة ضباط فرنسيين خلالَ فترة معينة يمكِنُ بعدها تسليمُها إلى الحكومة السورية بعد توقيع اتفاق عسكري معها، فتَمَّ الاتفاق على أنه يجوز للحكومة الفرنسية أن تحتَفِظَ ولمدة خمس سنوات ببعض القوات خارج المدن وبمطارين، وبقوات محدودةٍ ضِمنَ محافظتي جبل الدروز ومنطقة العلويين، على أن تعترف المعاهدةُ باستقلال سوريا. لكِنَّ المعاهدة لم يُنفَّذ منها شيء؛ لأنها لم تُعرَض على البرلمان الفرنسي، واقترح إضافة ملاحق جديدة على المعاهدة، منها إعطاءُ حكم ذاتي للدروز والنصيريين وسكان الجزيرة الفراتية حكمًا ذاتيًّا، وتعدى الاتفاق العسكري الذي يوجِبُ جلاء الجيش الفرنسي عن البلاد بحيث يصبِحُ هذا الوجود دائمًا.

العام الهجري : 372 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 983
تفاصيل الحدث:

سار الأميرُ أبو القاسم، أميرُ صقليَّة، من المدينةِ يريدُ الجِهادَ، وسببُ ذلك أنَّ مَلِكًا مِن مُلوكِ الفِرنجِ، يقال له بردويل، خرجَ في جموعٍ كثيرةٍ مِن الفرنجِ إلى صقليَّةَ، فحصَرَ قَلعةَ مَلطةَ ومَلَكَها، وأصاب سريتَينِ للمُسلمينِ، فسار الأميرُ أبو القاسم بعساكِرِه ليُرحِّلَه عن القلعة، فلمَّا قاربَها خاف وجَبُن، فجمع وجوهَ أصحابِه، وقال لهم: إنِّي راجِعٌ مِن مكاني هذا، فلا تكسروا عليَّ رأيي. فرجع هو وعساكِرُه، وكان أسطولُ الكُفَّارِ يُسايرُ المُسلِمينَ في البَحرِ، فلمَّا رأَوا المُسلِمينَ راجِعينَ أرسَلوا إلى بردويل، ملِكِ الرُّومِ، يُعلِمونَه ويقولونَ له: إنَّ المُسلِمينَ خائِفونَ منك، فالحَقْ بهم فإنَّك تظفَرُ. فجَرَّد الفرنجيُّ عَسكَرَه من أثقالِهم، وجَدَّ في السير، فأدركهم في العشرينَ مِن المحرم، فتعبَّأ المسلمون للقتال، واقتتلوا، واشتَدَّت الحرب بينهم، فحَمَلَت طائفةٌ مِن الفرنج على القلبِ والأعلام، فشَقُّوا العسكر ووصلوا إليها، وقد تفَرَّق كثيرٌ مِن المسلمين عن أميرِهم أبي القاسم، واختَلَّ نِظامُهم، فوصل الفرنجُ إليه، فأصابته ضربةٌ على أمِّ رأسِه فقُتِل، وقُتِلَ معه جماعةٌ مِن أعيانِ النَّاسِ وشُجعانِهم، ثم إنَّ المنهزمين من المسلمين رجعوا مُصَمِّمينَ على القتال ليظفَروا أو يموتوا، واشتَدَّ حينئذ الأمرُ، وعَظُمَ الخَطبُ على الطائفتين، فانهزم الفرنجُ أقبَحَ هَزيمةٍ، وقُتِلَ منهم نحوُ أربعة آلافِ قَتيلٍ، وأُسِرَ مِن بطارقتهم كثيرٌ، وتبعوهم إلى أن أدركَهم الليل، وغَنِموا من أموالِهم كثيرًا. وأفلَتَ مَلِكُ الفِرنجِ هاربًا ومعه رجلٌ يهوديٌّ كان خصيصًا به، فوقف فرَسُ الملك، فقال له اليهودي: اركَبْ فَرَسي، فإن قُتِلْتُ فأنت لوَلَدي. فرَكِبَه المَلِكُ وقُتِلَ اليهودي، فنجا المَلِكُ إلى خيامِه وبها زوجتُه وأصحابه فأخذهم وعاد إلى روميَّة، ولَمَّا قُتِلَ الأميرُ أبو القاسم كان معه ابنُه جابر، فقام مقامَ أبيه، ورحل بالمسلمينَ لِوَقتِهم، ولم يمكِّنْهم من إتمام الغنيمةِ، فتركوا كثيرًا منها، وسأله أصحابُه ليُقيمَ إلى أن يجمَعَ السِّلاحَ وغَيرَه ويَعمُرَ به الخزائِنَ، فلم يفعل، وكانت ولايةُ أبي القاسم على صقلية اثنتي عشرة سنة وخمسة أشهر وخمسة أيام. وكان عادلًا، حسنَ السيرة، كثيرَ الشَّفَقة على رعيَّتِه والإحسانِ إليهم، عظيمَ الصدقةِ، لم يُخَلِّفْ دينارًا ولا درهمًا ولا عقارًا؛ فإنه كان قد وقف جميعَ أملاكِه على الفُقَراء وأبوابِ البِرِّ.

العام الهجري : 449 العام الميلادي : 1057
تفاصيل الحدث:

وقعَ غَلاءٌ وفَناءٌ عَظيمان ببغداد وغَيرِها مِن البلادِ، بحيث خَلَتْ أَكثرُ الدُّورِ وَسُدَّتْ على أَهلِها أَبوابُها بما فيها، وأَهلُها مَوتى فيها، ثم صار المارُ في الطَّريقِ لا يَلقى الواحدَ بعدَ الواحدِ، وأكلَ النَّاسُ الجِيَفَ والنَّتَنَ مِن قِلَّةِ الطَّعامِ، ووُجِدَ مع امرأةٍ فَخِذُ كَلْبٍ قد اخْضَرَّ, وشَوَى رَجلٌ صَبِيَّةً في الأَتُونِ وأَكَلَها، وسَقطَ طائرٌ مَيِّتٌ مِن حائطٍ فاحْتَوَشَتْهُ خمسُ أَنفُسٍ فاقتَسموهُ وأَكلوهُ. قال ابنُ الجوزي يَصِفُ خبرَ هذا الوباءِ: " في جُمادى الآخِرة: وَردَ كِتابٌ مِن تُجَّارِ ما وَراءَ النَّهرِ قد وقع في هذه الدِّيارِ وَباءٌ عَظيمٌ مُسرِفٌ زَائِدٌ عن الحَدِّ، حتى أنَّه خَرجَ من هذا الإقليمِ في يَومٍ واحدٍ ثمانية عشر ألف جِنازةٍ، وأحصى مَن مات إلى أن كُتِبَ هذا الكِتاب فكانوا ألف ألف وستمائة ألف وخمسين ألفًا، والنَّاسُ يَمُرُّون في هذه البلادِ فلا يَرونَ إلَّا أسواقًا فارغةً، وطُرقاتٍ خاليةً، وأبوابًا مُغلقةً، حتى إنَّ البَقرَ نَفَقَت. وجاء الخَبرُ من أذربيجان وتلك البلادِ بالوباءِ العظيمِ، وأنَّه لم يَسْلَم من تلك البلادِ إلا العَددُ اليَسيرُ جدًّا. وَقعَ وباءٌ بالأهواز وبواط وأَعمالِها وغَيرِها، حتى طَبَقَ البلادَ، وكان أكثرَ سَببِ ذلك الجوعُ، كان الفقراءُ يَشوون الكِلابَ، ويَنبُشون القُبورَ، ويَشوون المَوتى ويَأكلُونهم، وليس للناسِ شُغلٌ في اللَّيلِ والنَّهارِ إلا غَسلُ الأمواتِ وتَجهيزُهُم ودَفنُهُم، فكان يُحفَر الحُفَير فيُدفَن فيه العشرون والثلاثون، وكان الإنسانُ بينما هو جالس إذ انشَقَّ قَلبُه عن دَمِ المُهْجَةِ، فيَخرُج منه إلى الفَمِ قَطرةٌ فيموتُ الإنسانُ مِن وَقتِه، وتاب النَّاسُ، وتَصدَّقوا بأَكثرِ أَموالِهم فلم يَجِدوا أحدًا يَقبَل منهم، وكان الفَقيرُ تُعرَض عليه الدَّنانيرُ الكَثيرة والدَّراهِم والثِّياب فيقول: أنا أُريدُ كَسرةً، أُريدُ ما يَسُدُّ جُوعي. فلا يجد ذلك، وأَراقَ النَّاسُ الخُمورَ وكَسَروا آلات اللَّهوِ، ولَزِموا المساجِدَ للعِبادةِ وقِراءةِ القُرآن, وفي يومِ الأربعاءِ لِسَبعٍ بَقِينَ مِن جُمادى الآخرة احتَرقَت قَطِيعةُ عيسى، وسُوقُ الطَّعامِ، والكَنِيسُ، وأَصحابُ السَّقْطِ، وبابُ الشَّعيرِ، وسُوقُ العَطَّارين، وسُوقُ العَروسِ، والأَنماطِيِّين، والخَشَّابين، والجَزَّارين، والتَّمَّارين، والقَطيعَةُ، وسُوقُ مُخَوَّل، ونَهرُ الزُّجاجِ، وسُوَيْقَةُ غالبٍ، والصَّفَّارين، والصَّبَّاغين، وغَيرُ ذلك مِن المواضع، وهذه مُصيبةٌ أُخرى إلى ما بالنَّاسِ مِن الجُوعِ والغَلاءِ والفَناءِ، فضَعُفَ النَّاسُ حتى طَغَت النَّارُ فعَمِلَت أَعمَالَها، فإنَّا لله وإنَّا إليه راجعون".

العام الهجري : 752 الشهر القمري : جمادى الآخرة العام الميلادي : 1351
تفاصيل الحدث:

توعَّكَ السلطانُ المَلِكُ الناصر حسن بن محمد بن قلاوون ولَزِمَ الفراشُ أيامًا، فبلغ الأميرَ طاز ومغلطاي ومنكلي بغا أنَّه أراد بإظهار توعُّكِه القَبضَ عليهم إذا دخلوا إليه، وأنَّه قد اتَّفَقَ مع قشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر المارديني وتنكز بغا على ذلك، وأن ينعِمَ عليهم بإقطاعاتِهم وإمراتهم، فواعدوا أصحابَهم، واتَّفَقوا مع الأمير بيبغا ططر حارس الطير النائب، والأمير طيبغا المجدي والأمير رسلان بصل، وركبوا يوم الأحدِ سابِعَ عشر جمادى الآخرة بأطلابِهم، ووقفوا عند قبة النصر، فخرج السلطانُ إلى القصر الأبلق، وبعث يسألُهم عن سبب ركوبهم، فقالوا: "أنت اتفقت مع مماليكِك على مَسْكِنا، ولا بدَّ من إرسالهم إلينا، فبعث السلطانُ إليهم تنكز بغا وقشتمر وألطنبغا الزامر وملكتمر، فعندما وصلوا إليهم قَيَّدوهم، وبَعَثوهم إلى خزانة كايل، فسُجِنوا بها، فشَقَّ ذلك على السلطان، وقال: " قد نزلت عن السَّلطنةِ "، وسير إليهم النمجاة، فسلَّموها للأمير طيبغا المجدي، وقام السلطانُ إلى حريمه، فبعث الأمراءُ الأمير صرغتش، ومعه الأمير قطلوبغا الذهبي وجماعة؛ ليأخُذَه ويحبِسَه، فأخرجه صرغتمش وقد غطَّى وجهه إلى الرحبة، فلما رآه الخدام والمماليك تباكَوا عليه بكاءً كثيرًا، وطلع صرغتمش به إلى رُواق فوق الإيوان، ووكَلَ به من يحفَظُه، وعاد إلى الأمراء، وكانت مُدَّتُه ثلاث سنين وتسعة أشهر وأربعة عشر يومًا، منها مُدَّة الحجر عليه ثلاث سنين، ومدة استبداده تسعة أشهر، وكان القائِمُ بدولته الأمير شيخو رأس نوبة، ثم تولَّى صلاح الدين صالح بن الناصر محمد بن قلاوون حيث أقيمَ سُلطانًا بعد خَلْعِ أخيه الناصر حسن، وكان عمره أربع عشرة سنة، في يوم الاثنين ثامن عشر جمادى الآخرة، وذلك أنَّ الأمراء لَمَّا حُمِلَت إليهم النمجاة، باتوا ليلة الاثنين بإسطبلاتهم، وبكَّروا يوم الاثنين إلى القلعة، واجتمعوا بالرحبة داخل باب النحاس، وطلَبوا الخليفةَ والقضاة وسائر أهل الدولة، واستدعَوا به، فلمَّا خرج إليهم ألبَسوه شِعارَ السلطنة، وأركبوه فرسَ النوبة من داخل باب الستارة، ورُفِعَت الغاشية بين يديه، وكان الأميرُ طاز والأمير منكلي بغا الفخري آخذَينِ بشكيمةِ الفَرَسِ حتى جلس على التخت، وحَلَفوا له، وحلَّفوه على العادة، ولقَّبوه بالملك الصالح، ونودِيَ بسَلطنتِه في القاهرة ومصرَ.