الموسوعة التاريخية

عدد النتائج ( 1596 ). زمن البحث بالثانية ( 0.016 )

العام الهجري : 842 الشهر القمري : رمضان العام الميلادي : 1439
تفاصيل الحدث:

أول من بدأ بالعصيان على السلطان هو تغري برمش الذي استطاع أن يستحوذ على حلب وأعلن عصيانه، فقام السلطان بإنابة غيره على حلب، وبعث بعض الأمراء لتولية الأمراء النواب الجدد، وكانت الأخبار تَرِدُ أن نائب دمشق الأمير إينال الجكمي أيضًا يريد الخروج عن الطاعة، لكن أمره لم يتحقق إلى أن كان يوم الاثنين تاسع رمضان، كان جميع أمراء دمشق وسائر المباشرين بين يدي الأمير إينال، وقد اطمأنَّ كل أحد بأن ملك الأمراء مستمِرٌّ على الطاعة، فما هو إلا أن استقر في مجلسه أشار بالقبض على أعيان أمراء دمشق، فأغلق الباب وقبض على جميع الأمراء والمباشرين، فلما سمع السلطان هذا الخبر اضطرب وتشوش غاية التشويش، وجمع الأمراء واستشارهم في أمر إينال وتغري برمش، فأشار الجميع بسفره، وانفضَّ الموكبُ على أن السلطان يسافر لقتالهما، ثم في يوم الأربعاء ورد الخبر على السلطان أن الأمير قطج أتابك حلب وصل أيضًا إلى حماة، وأن تغري برمش أخذ مدينة عينتاب وقلعتها، وأن عدة من قَبَض عليه الأمير إينال الجكمي من أمراء دمشق تسعة عشر أميرًا، ثم ورد على السلطان كتابُ الأمير فارس نائب قلعة دمشق بأن الأمير إينال الجكمي أمر فنُوديَ بدمشق بالأمان والاطمئنان والدعاء للسلطان الملك العزيز يوسف، ثم في يوم الأربعاء الخامس والعشرين عيَّن السلطان للسفر من أمراء الألوف اثنين، ومن أمراء العشرات عشرة، ثم ورد الخبر على السلطان من الأمير طوغان العثماني نائب القدس بأن إينال الجكمي أطلق الأمراء الذين قبض عليهم قبل تاريخه، وحَلَّفهم للملك العزيز يوسف، ولكن نفرت القلوب بذلك عن إينال الجكمي، وأول من نفر عنه تغري برمش نائب حلب، وقال في نفسه عن إينال: هذا في الحقيقة ليس بخارج عن الطاعة، وإنما قصد بالإشاعة عنه أنه عاصٍ حتى أقدم عليه ويقبض عليَّ تقربًا لخاطر السلطان جقمق، ومن يومئذ أخذ أمر إينال الجكمي في الاضمحلال قليلًا، واستخَفَّ كُلُّ أحد عَقْلَه وتعجَّب من سوء تدبيره، وكاد أخوه سودون العجمي أن يموت قهرًا لَمَّا بلغه عن أخيه إينال ذلك، وهو يوم ذاك من جملة أمراء العشرات بالديار المصرية، ثم ورد الخبر بانكسار تغري برمش وهروبه من حلب إلى الرملة، ثم ورد الخبر على السلطان بأن إينال الجكمي برز بمخيَّمِه من مدينة دمشق إلى ظاهرها، فلما كان يوم الخميس ثالث شوال، عزم هو على الخروج من المدينة بنفسه إلى مخيمه؛ ليسير بمن معه إلى نحو الديار المصرية، فبينما هو في ذلك ركب عليه الأمير قاني باي الأبوبكري الناصري البهلوان أتابك دمشق، وكان ممن وافق الجكمي على العصيان وحسَّن له ذلك ثم تركه ومال إلى جهة السلطان، وركب معه الأمير برسباي الناصري حاجب الحجاب بدمشق، وجميع أمراء دمشق وعساكرها، ولم يبقَ مع إينال من أعيان أمراء دمشق إلا جماعة يسيرة، فلما بلغ إينال الجكمي ركوب هؤلاء عليه، مال عليهم وقاتلهم، فلم يثبتوا له وانهزموا أقبح هزيمة، ثم تراجعوا فحمل عليهم فانكسروا وتمزقوا شذر مذر، ثم إن العسكر المصري وصل إلى الشام وتصادم مع العسكر الشامي بقيادة إينال، وحصلت بينهم وقائع كانت بدايتها بانهزام العسكر المصري ثم تخلى عن إينال أصحابه ومدوا أيديهم إلى النهب في أطلاب النواب لما انهزموا أمام العسكر الشامي، وبقي إينال في أناس قليلة، فحطَّ بهم على العسكر المصري، فثبتوا له وقاتلوه ساعة، وقد تفرقت عنه أصحابه بسبب النهب، فلم يجد مساعدًا، فانهزم بعد أن قتِل من الفريقين جماعة كبيرة جدًّا، فلما أصبح العسكر يوم الخميس ثاني ذي القعدة ورد الخبر عليهم من دمشق بالقبض على إينال الجكمي من قرية حرستا من عمل دمشق ثم في يوم الأحد ثاني عشر ذي القعدة كُتِبَ بقتل إينال الجكمي بسَجنِه بقلعة دمشق، بعد تقريره على أمواله وذخائره، وبقتل جماعة من أصحابه ممن قُبِضَ عليه في الوقعة، وكان قتله بقلعة دمشق في ليلة الاثنين عشرين ذي القعدة، ثم قَدِمَ الخبر على السلطان بأن العساكر توجهت من دمشق في الحادي عشر ذي القعدة إلى حلب؛ لقتال تغري برمش، هذا وأهل حلب يد واحدة على قتاله، ثم إن العسكر المصري بمن معه من العسكر الشامي لما ساروا من دمشق إلى جهة حلب وافاهم الأمير قاني باي محمزاوي وغيره وصاروا جمعًا واحدًا، فلقيهم تغري برمش بجموعه التي كانت معه قريبًا من حماة، في يوم الجمعة السابع عشر ذي القعدة، وقد صفَّ عساكره من التركمان وغيرهم، حتى ملؤوا الفضاء، فلما وقع بصر عسكره على العساكر السلطانية أخذوا في الانهزام من غير مصافَّة، بل حدث بعض التناوش من صغار الطائفتين، فولوا الأدبارَ ومدت العساكر السلطانية أيديها إلى عساكر تغري برمش، فغنموا منهم غنائم لا تُحصى كثرة، ونُهِبَ جميع وطاق تغري برمش وماله، وانهزم هو في جماعة يسيرة من خواصه إلى جهة التركمان الصوجية، ثم قبضوا عليه بعد ذلك، وكُتِبَ بقتل تغري برمش بعد عقوبته ليقِرَّ على أمواله، فعوقِبَ، فأقر على شيء من ماله، نحو الخمسين ألف دينار؛ ثم أُنزِلَ ونودي عليه تحت قلعة حلب، ثم ضُرِبَت عنُقُه.

العام الهجري : 883 العام الميلادي : 1478
تفاصيل الحدث:

كان من قضاء الله عز وجل وما قدَّره في آخر أيام مهرجان كبير عند أهل غرناطة حيث يجتمع فيه جُل أهل غرناطة من رجال ونساء وصبيان وشيوخ وكهول وكثير من أهل القرى حول غرناطة للنزهة، فاجتمعوا في السبيكة من الحمراء وما حولها وامتلأت تلك المواضع بالخلق الكثير، وأقبلت الفرسان وصاروا يتألفون في السبيكة وذلك وقت الضحى، فبينما الناس كذلك في المهرجان إذا بسحابة عظيمة قد أنشأها الله تعالى في السماء فأرعدت وأبرقت وانتشرت من ساعتها بقدرة مكوِّن الأشياء على السبيكة وما قرب منها وعلى غرناطة وما حولها وعلى وادي هداره، وجاءت بمطر عظيم ولم يزل المطر يزداد ويعظم ويكثر حتى صار كالأنهار العظيمة وجاءت السيول من كل ناحية وعظُم أمرها وعاين الناس الهلاكَ مِن عِظَم ما رأوا من شدة المطر وكثرة السيول من كل ناحية، واحتمل السيل الطرق وما حولها وانقطع الناس وحال السيل بينهم وبينها، فكان لا يُسمع إلا بكاء الصبيان وضجيج النسوان وأصوات الرجال بالدعاء إلى الله تعالى والابتهال، إلى أن ارتفع المطر وجاء وادي هداره الذي يشق غرناطة بسيل عظيم احتمل ما على ضفتيه من الأشجار العظام من الجوز واللوز وغير ذلك من الأشجار العظام الثابتة في الأرض، ودخل البلد واحتمل ما على ضفتيه من الدور والحوانيت والمساجد والفنادق ودخل الأسواق، وهدم البناء المشيد ولم يبقَ من القناطير إلا الأقواس، وذهب بكل ما كان عليها من البنيان، ثم جاء السيل بتلك الأشجار العظام التي اقتلعت فتراكمت في البلد في آخر قنطرة منه، فسُدَّت مجاري الوادي فتراكم السيل والشجر في قلب البلد، وعاين الأهالي الهلاكَ ودخل السيل تياره والقيسارية حتى دخل بعض حوانيتها، ووصل إلى رحبة الجامع الأعظم وإلى القراقين والصاغة والحدادين وغير ذلك من الأسواق والدور، فلطف الله تعالى بعباده فنفض السيل بقوة تراكمه بالقنطرة والسور وخرج ذلك كله خارج البلد، وكان هذا اليوم من أعظم الأيام شاهد فيه كل من رآه قدرة القادر القهار الملك العلام سبحانه وتعالى، ولم يسمع المعمَّرون بمثل ذلك اليوم.

العام الهجري : 747 الشهر القمري : جمادى الأولى العام الميلادي : 1346
تفاصيل الحدث:

انشغل السُّلطانُ المَلِكُ الكامِلُ شَعبان بملذَّاته وملاهيه وأعرض عن تدبيرِ الأمور، فتمَرَّدَت المماليكُ، وأخذوا حرم النَّاسِ، وقطعوا الطريقَ، وفَسَدت عِدَّةٌ من الجواري، وكَثُرَت الفِتَنُ بسَبَبِ ذلك حتى بلغ السلطانَ، فلم يعبأ بهذا، وقال: " خلُّوا كُلَّ أحد يعمَلُ ما يريدُ!!"، وقد تظاهر الناسُ بكلِّ قَبيحٍ، فاشتَدَّ الأمرُ على الناس بديار مصر وبلاد الشام، وكَثُرَ دعاؤهم لما هم فيه من السُّخر والمغارم، وتنكَّرت قلوب الأمراء، وكَثُرت الإشاعة بتنكُّر السلطان على الأميرِ يلبغا اليحياوي نائِبِ الشام، وأنه يريد مَسْكَه حتى بلغه ذلك فاحتَرَز على نفسه وبلغ الأمير يلبغا اليحياوي قَتْلُ يوسف أخي السلطان، وقُوَّة عزم السلطان على سَفَر الحجاز موافقةً لأغراض نسائه، فجمَعَ يلبغا أمراء دمشق، وحَلَّفَهم على القيام معه، وبرز إلى ظاهِرِ دمشق في نصف جمادى الأولى وأقام هناك وحَضَر إليه الأميرُ طرنطاي البشمقدار نائبُ حمص، والأمير أراق الفتاح نائب صفد، والأمير أستدمر نائب حماة، والأمير بيدمر البدري نائب طرابلس، فاجتمعوا جميعًا ظاهِرَ دمشق مع عسكرها، وكتبوا بخَلعِ الملك الكامل، وظاهروا بالخروجِ عن طاعته، وكتب الأميرُ يلبغا اليحياوي نائِبُ الشام إلى السلطان: " إني أحَدُ الأوصياء عليك، وإن ممَّا قاله الشهيد رحمه الله لي وللأمراء في وصيته: إذا أقمتم أحدًا من أولادي ولم ترتَضوا سيرتَه جُرُّوه برِجْلِه، وأخرِجوه وأقيموا غيره، وأنت أفسَدْتَ المملكة، وأفقَرْت الأمراء والأجناد، وقَتَلْت أخاك، وقبَضْتَ على أكابر أمراء السلطان الشهيدِ، واشتغَلْت عن المُلْك، والتهيتَ بالنساء وشُربِ الخمر، وصِرْتَ تبيع أخيارَ الأجناد بالفِضَّة " وذكر الأميرُ يلبغا اليحياوي له أمورًا فاحِشةً عَمِلَها، فقَدِمَ كتابه في يوم الجمعة العشرين من جمادى الأولى، فلمَّا قرأه السلطان الكامل تغيَّرَ تغيرًا زائدًا، وكتب الكامِلُ الجوابَ يتضَمَّنُ التلطُّفَ في القول، وأخرجَ الأميرَ منجك على البريد إلى الأمير يلبغا اليحياوي في الثاني عشر، ليَرجِعَه عمَّا عزم عليه، فكَثُرَت القالةُ بين الناس بخروجِ نائِبِ الشَّامِ عن الطاعةِ حتى بلغ الأمراءَ والمماليكَ، فطلب الأمراءَ إلى القلعة وأخَذَ رأيَهم، فوقع الاتفاقُ على خروج العسكر إلى الشامِ مع الأمير أرقطاي، وقَدِمَ كتاب نائب الشامِ أيضًا، وفيه خطُّ أمير مسعود بن خطير، وأمير علي بن قراسنقر، وقلاوون، وحسام الدين البقشمدار- يتضمن: "أنك لا تصلُحُ للمُلكِ، وأنَّك إنما أخَذْتَه بالغَلَبة من غير رضا الأمراء"، وعَدَّد ما فعله، ثم قال: "ونحن ما بَقِينا نَصلُحُ لك، وأنت فما تصلُحُ لنا، والمصلحةُ أن تَعزِلَ نَفسَك"، فاستدعى السلطان الكامل الأمراءَ، وحَلَّفهم على طاعته، ثم أمَرَهم بالسفر إلى الشام، فخرجوا من الغد، ثم إنَّ منجك ساعةَ وصولِه دمشق قَبَضَ عليه يلبغا اليحياوي نائِبُ الشام، وسَجَنه بالقلعة، فبعث السلطانُ الطواشي سرور الزينى لإحضارِ أخويه حاجي وأمير حسين، فاعتذرا بوَعْكِهما، وبعثت أمهاتُهما إلى الأمير أرغون العلائي والأمير الحجازي يسألانِهما في التلطُّفِ مع السلطانِ في أمرهما، ثم عرف الأمير أرغون العلائي والأمير ملكتمر الحجازي بما جرى للسلطانِ من تخوُّفِه منهما فتوحَّشَ خاطِرُ كُلٍّ منهما، وانقطع العلائي عن الخدمة وتعَلَّل، وأخَذَت المماليكُ أيضًا في التنكُّر على السلطان، وكاتَبَ بَعضُهم الأمير يبلغا اليحياوي نائِبَ الشام، واتَّفقوا بأجمعهم حتى اشتَهَر أمْرُهم وتحَدَّثَت به العامة، ووافقهم الأميرُ قراسنقر.

العام الهجري : 833 الشهر القمري : ربيع الآخر العام الميلادي : 1430
تفاصيل الحدث:

فشا الطاعون في الوجه البحري، سيما في التحريرية ودمنهور، فمات خلق كثير جدًّا بحيث أحصي من مات من أهل المحلة زيادة على خمسة آلاف إنسان، ومن ناحية بورصا زيادة على ستمائة إنسان، وكان قد وقع بغزة والقدس وصفد ودمشق في شعبان في السنة الماضية طاعون، واستمر إلى هذا الشهر، وعُدَّ هذا من النوادر؛ فإن الوقت شتاء، وما عهد فيما أدركناه وقوع الطاعون إلا في فصل الربيع! ويعلل الأطباء ذلك بسيلان الأخلاط في الربيع، وجمودها في الشتاء، ولكنَّ الله يفعل ما يريد، وقدم الخبر بشناعة الطاعون بمدينة بورصا من بلاد الروم، وأنه زاد عدد من يموت بها في كل يوم على ألفين وخمسمائة إنسان، وأما القاهرة فإنه جرى على ألسنة غالب الناس منذ أول العام أنه يقع في الناس الطاعون، حتى سُمعت الأطفال تتحدث بهذا في الطرقات، فلما أهلَّ شهر ربيع الآخر كانت عدة من ورد الديوان فيه من الأموات اثني عشر إنسانًا، وأخذ يتزايد في كل يوم حتى بلغت عدة من ورد الديوان بالقاهرة في يوم الأربعاء آخره ثمانية وأربعين إنسانًا، وجملة من أحصاه ديوان القاهرة في الشهر كله أربعمائة وسبعة وسبعون إنسانًا، وبلغ ديوان المواريث بمدينة مصر دون ذلك، هذا سوى من مات بالمارستان، ومن جُهِّز من ديوان الطرحاء على الطرقات من الفقراء، وهم كثير، قال تقي الدين المقريزي: "وفي هذا الشهر بلغت عدة من ورد الديوان بالقاهرة مائة على أنهم لا يرفعون في أوراقهم إلى الوزير وغيره إلا بعض من يَرِدُ لا كلهم، وفيه نودي في الناس بصيام ثلاثة أيام، وأن يتوبوا إلى الله تعالى من معاصيهم، ويخرجوا من المظالم، ثم يخرجوا في يوم الأحد رابعه إلى الصحراء. هذا والحكام والولاة على ما هم عليه من المعاصي!! لا تنهَ عن خلقٍ وتأتيَ مِثلَه  عارٌ عليك إذا فعلتَ عظيمُ!  وفي يوم الأحد رابعَه خرج قاضي القضاة علم الدين صالح في جمع موفور إلى الصحراء خارج باب النصر، وجلس بجانب تربة الظاهر برقوق، فوعظ الناسَ على عادته في عمل الميعاد، فكثر ضجيج الرجال والنساء وكثُر بكاؤهم في دعائهم وتضرعهم، ثم انفضُّوا قبيل الظهر فتزايدت عدة الأموات عما كانت عليه", وفي شهر جمادى الأولى شنع الموتان السريع بالطاعون، والنزلات التي تنحدر من الدماغ إلى الصدر، فيموت الإنسان في أقل من ساعة، بغير تقدُّم مرض، وكان أكثر في الأطفال والشباب، ثم في العبيد والإماء، وأقله في النساء والرجال، وتجاوز في مدينة مصر الفسطاط المائتين في كل يوم، سوى من لم يرد الديوان، وتجاوز في القاهرة الثلاثمائة سوى من لم يرد الديوان، وضُبِط من صُلِّيَ عليه في مصليات الجنائز فبلغت عدتهم زيادة على ما أوردوه في ديوان المواريث زيادة كثيرة، وبلغت عدة من مات بالتحريرية خاصة إلى هذا الوقت تسعة آلاف، سوى من لم يُعرف، وهم كثُرٌ جدًّا، وبلغت عدة الأموات بالإسكندرية في كل يوم نحو المائة، وشمل الوباء عامة البحيرة الغربية والقليوبية، ثم بدأ يتناقص من شهر رجب، ومات في هذا الوباء على أقل ما قيل مائة ألف إنسان، والمجازِفُ يقول المائة ألف من القاهرة فقط، سوى من مات بالوجه القبلي والوجه البحري، وهم مِثلُ ذلك! وكان هذا الطاعون أعظم من هذه الطواعين كلها وأفظعها، ولم يقع بالقاهرة ومصر بعد الطاعون العام الذي كان سنة 749 نظير هذا الطاعون، وخالف هذا الطاعون الطواعين الماضية في أمور كثيرة، منها أنه وقع في الشتاء وارتفع في فصل الربيع، وكانت الطواعين تقع في فصل الربيع وترتفع في أوائل الصيف.

العام الهجري : 165 العام الميلادي : 781
تفاصيل الحدث:

خرج دحيةُ بن المصعب بن الأصبغ بن عبد العزيز بن مروان الأموي بالصعيدِ ودعا لنَفسِه بالخلافة، فتراخى عنه إبراهيمُ بنُ صالح أميرُ مصرَ، ولم يحفِلْ بأمره حتى استفحلَ أمرُ دحية، وملكَ غالِبَ بلاد الصعيد وكاد أمرُه أن يتِمَّ ويُفسِدَ بلادَ مِصرَ وأمرَها؛ فسَخِطَ المهديُّ عليه؛ بسبب ذلك، وعزله عزلًا قبيحًا، ثمَّ عيَّن موسى بن مصعب بن الربيع الذي اشتغلَ بأمر دحية الأموي، وجهَّزَ إليه جيوشًا لقتاله، ثمَّ خرج موسى بنفسِه في جميع جيوشِ مِصرَ لقتالِ قيسٍ واليمانية، فلمَّا التَقَوا انهزم عنه أهلُ مصر بأجمَعِهم وأسلَموه، فقُتِلَ موسى ثمَّ وَلِيَها عسامة بن عمرو، فبعث عسامة إلى دِحية جيشًا مع أخيه بكَّار بن عمرو، فحارب بكارٌ يوسُفَ بن نصير مُقَدَّم جيش دحية المذكور، وتطاعَنَا فوضَعَ يوسُفُ الرمحَ في خاصرةِ بكَّار ووضع بكَّارٌ الرُّمحَ في خاصرةِ يوسُفُ فقُتِلا معًا، ورجع الجيشانِ مُنهَزِمَينِ.

العام الهجري : 204 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 819
تفاصيل الحدث:

لَمَّا خُلِعَ إبراهيمُ بن المهدي واختفى وانقطعت الفِتَن، قَدِمَ المأمونُ بغداد، وكان قد أقام بجرجان شَهرًا وجعل يقيمُ بالمنزل اليومَ واليومينِ والثلاثةَ، وأقام بالنهروان ثمانيةَ أيام، فخرج إليه أهلُ بيته والقوَّاد، ووجوهُ الناس، وسَلَّموا عليه. وكان قد كتب إلى طاهرِ بنِ الحُسين، وهو بالرقَّة، ليوافيَه بالنهروان، فأتاه بها ودخل بغدادَ مُنتصَفَ صفر، ولباسُه ولباسُ أصحابِه الخُضرة، فلمَّا قَدِمَ بغدادَ نزل الرصافةَ، ثمَّ تحوَّل ونزل قصرَه على شاطئِ دِجلةَ، وأمر القوادَ أن يقيموا في مُعسكَرِهم. وكان الناسُ يدخلونَ عليه في الثياب الخُضر، وكانوا يَخرقونَ كلَّ ملبوسٍ يرونه من السَّوادِ على إنسان، فمكثوا بذلك ثمانية أيام، فتكلَّم بنو العباس وقوَّاد أهل خراسان، وقيل: إنَّه أمر طاهر بن الحسين أن يسألَه حوائِجَه، فكان أوَّلَ حاجةٍ سأله أن يلبَسَ السوادَ، فأجابه إلى ذلك، وجلس للنَّاسِ، وأحضر سوادًا فلَبِسَه، ودعا بخِلعةٍ سوداءَ فألبسَها طاهِرًا، وخلع على قوَّادِه السَّوادَ، فعاد الناسُ إليه.

العام الهجري : 707 العام الميلادي : 1307
تفاصيل الحدث:

قُتِلَ هيتوم متمَلِّكُ سيس على يد بعضِ أمراء المغول؛ وذلك أنَّ هيتوم كان يحمِلُ القطعيَّة إلى المغول كما يحمِلُها إلى مصر، ويحضُر إلى كلِّ سنة أميرٌ من أمرائهم حتى يتسَلَّم الحَملَ، فحضر إليه من أمراء المغول برلغوا، وقد أسلَم وحَسُن إسلامُه، فعزم على بناءِ جامعٍ بسيس يعلَنُ فيه بالأذان، كما تجهَرُ هناك النصارى بضرب النواقيس، فشَقَّ ذلك على هيتوم، وكتب إلى خدبندا بأنَّ برلغوا يريد اللَّحاقَ بأهلِ مصر، وبناء جامع بسيس، فبعث خدبندا بالإنكارِ على برلغوا، وتهدَّدَه وألزمه بالحضورِ، فغضب برلغوا من هيتومِ، وصنع طعامًا ودعاه، ولم يكُنْ عنده عِلمٌ بأنَّ برلغوا اطَّلَع على شكواه منه لخدبندا، فحضر وهو آمِنٌ في جماعةٍ مِن أكابر الأرمنِ وإخوان له، فعندما مدُّوا أيديهم إلى الطعام أخذَتهم السيوفُ مِن كُلِّ جانب، فقُتِلوا عن آخِرِهم، ولم ينجُ سوى أخوه ليفون في نفَرٍ قليل، فلَحِقَ بخدبندا وأعلَمَه بقتل برلغوا لأخيه هيتوم وأمرائِه، وقَدِمَ عليه أيضًا برلغوا، فقَتَله بقَتلِه هيتوم.

العام الهجري : 951 العام الميلادي : 1544
تفاصيل الحدث:

كان تحرير نيس من أيدي الإسبان- بعد اتفاق الفرنسيين مع العثمانيين ضد الإسبان- قد أثار ثائرة النصارى جميعًا في أوروبا ضد هذا التصرُّف الفرنسي، وأخذت الدعايةُ المضادة للمسلمين تجتاحُ أرجاء أوروبا، يحمِلُها الإسبان وغُلاة الصليبية، ويستثمرونها إلى أقصى الحدود، ومن ذلك قولهم: إنَّ خير الدين بربروسا القائدَ العثماني قد اقتلع أجراسَ الكنائس، فلم تعُدْ تَسمع في طولون إلا أذان المؤذنيين, وبقي خير الدين والجندُ الإسلامي بمدينة طولون حتى هذه السنة، وكان شارلكان ملك إسبانيا أثناء ذلك قد هاجم شمال شرقي فرنسا وانهزم تحت جدران شاتوتييري، ثم اضطرَّ للذهاب إلى ألمانيا؛ حيث كانت حركة التمرد البروتستانتي ضد الكاثوليكية بصفة عامة- وضده بصورة خاصة- قد أخذت أبعادًا خطيرة، وأرغمه ذلك بعد أن هوى نجمُه وذبُل عوده نتيجة نكبته أمام الجزائر إلى عقد معاهدة مع ملك فرنسا (في 18 أيلول سبتمبر 1544م) في مدينة كريسبي دي فالوا، ونتج عن هذه المعاهدة جلاءُ خير الدين وقواته عن مدينة طولون, ورجع إلى العاصمة إستانبول.

العام الهجري : 1015 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 1606
تفاصيل الحدث:

دعا الشيخ المأمون ابن السلطان أحمد المنصور السعدي تجارَ فاس فاستسلف منهم مالًا كثيرًا وأظهر من الظلمِ وسوءِ السيرة وخُبث السريرة ما هو شهيرٌ به، ثم تتبَّع قوَّاد أبيه فنهب ذخائِرَهم واستصفى أموالَهم وعذَّب من أخفى من ذلك شيئًا منهم، ثم جهز جيشًا لقتال أخيه أبي فارس بمراكش، وكان عدد الجيش نحو الثمانية آلاف، وأمَّرَ عليه ولده عبد الله فسار بجيوشه فوجد أبا فارس بمحلتِه في موضع يقال له إكلميم، ويقال في مرس الرماد، فوقعت الهزيمةُ على أبي فارس وقُتِل نحو المائة من أصحابِه ونُهِبت محلتُه، وفرَّ هو بنفسه إلى مسفيوة، ودخل عبد الله بن الشيخ مراكش فأباحها لجيشه، فنهبت دورَها واستبيحت محارمَها واشتغل هو بالفساد، ومن يشابِهْ أباه فما ظلم!! حتى حُكِي أنَّه زنى بجواري جدِّه المنصور واستمتع بحظاياه، وأكل في شهر رمضان وشَرِب الخمرَ فيه جِهارًا، وعكف على اللذات، وألقى جلباب الحياء عن وجهه، وكان دخولُه مراكش في العشرين من شعبان من هذه السنة.

العام الهجري : 1377 الشهر القمري : رجب العام الميلادي : 1958
تفاصيل الحدث:

قام وفدٌ نيابيٌّ من سوريا بزيارة مصر ودعا إلى الوَحدةِ بين الدولتين العربيتين وبادلهم وفدٌ مصري الزيارةَ، وكان جمال عبد الناصر يريد الاتحادَ ولا يرى الدَّمجَ، يعني الوحدة، غير أنَّ الوضع في سوريا كان قلقًا جِدًّا، وكان الشعب يريدُ الوَحدةَ؛ لعله يتخَلَّصُ مِمَّا هو فيه من التسلُّطِ العسكري وتحكُّم البعثيِّينَ والشيوعيِّين، وكان رئيسُ الأركان السوري عفيف البزري ذو الميول الشيوعية يعرِفُ رغبة جمال في الاتحاد لا الوحدة، فأراد أن يقترح الوَحدةَ فيرفُضَها جمال فينفردَ هو بسوريا، لكنَّ جمالًا رَضِيَ بالوحدة، وربما أدرك نوايا عفيف، فتم الاتفاقُ على الوحدة في 12 رجب 1377هـ / 1 شباط، وعَيَّن جمال أربعة نواب لرئيس الجمهورية: اثنان من مصر، واثنان من سوريا، أما الوزارة فكانت مركزيةً في القاهرة التي أصبحت عاصِمةَ الجمهورية العربية المتحدة، وهو الاسم الذي اختير لهذه الوَحدة، وأما المجلِسُ التنفيذي ففي القاهرة، وآخر في سوريا، وأطلق على مصر الإقليم المصري أو الجنوبي، وعلى سوريا الإقليم السوري أو الشمالي.

العام الهجري : 861 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1457
تفاصيل الحدث:

في يوم الخميس ثالث صفر ثارت المماليك الأجلاب على السلطان، وأفحشوا في أمرِه إلى الغاية، فبينما هو جالسٌ بقاعة قلعة الدهيشة، وكانت الخدمةُ بطالةً في هذا اليوم، وذلك قبل أن يصلِّيَ السلطان الصبح، وإذا بصياح المماليك، فأرسل السلطانُ يسأل عن الخبر، فقيل له إن المماليك أمسكوا نوكار الزردكاش وهددوه بالضرب، وطلبوا منه القرقلات-جمع قرقل وهو ثوب بغير كمين- التي وعدهم السلطان بها من الزردخاناه السلطانية، فحلف لهم أنه يدفع لهم ذلك في أول الشهر، فتركوه ومضَوا، فلقوا الشيخ عليًّا الخراساني الطويل محتسب القاهرة، وهو داخل إلى السلطان، فاستقبلوه بالضرب المبَرِّح المتلِف، وأخذوا عمامتَه من على رأسه، فرمى بنفسه إلى باب الحريم السلطاني حتى نجا، ثم إنَّ الصياح قوي ثانيًا فعُلم أن ذلك صياح الأجلاب، فأرسل إليهم الأميرُ يونس الدوادار، فسألهم يونس عن سبب هذه الحركة، فقالوا: نريد نقبض جوامكنا- المخصصات- كل واحد سبعة أشرفية ذهبًا في كل شهر، وكانت جامكية الواحد منهم ألفين قبل تاريخه يأخذها ذهبًا وفضة، بسعر الذهب تلك الأيام، فلما غلا سعر الذهب تحيَّلوا على زيادة جوامكهم بهذه المندوحة، ثم قالوا: ونريد أن تكون تفرقة الجامكية في ثلاثة أيام، أي على ثلاث نفقات كما كانت قديمًا، ونريد أيضًا أن يكون عليقنا السلطاني الذي نأخذه من الشونة مُغَرْبلًا، ويكون مرتبنا من اللحم سمينًا, فعاد الأمير يونس إلى السلطان بهذا الجواب، ولم يتفوَّه به إلى السلطان، وتربص عن ردِّ الجواب على السلطان حتى يفرغَ السلطان من أكل السماط، فأبطأ الخبر لذلك عن الأجلاب، فندبوا مرجانًا مقدَّم المماليك للدخول بتلك المقالة إلى السلطان، فدخل مرجان أيضًا ولم يخبِر السلطان بشيء حتى فرغ من أكل السماطِ، فعند ذلك عرفه الأمير يونس بما طلبوه، فقال السلطان: لا سبيل إلى ذلك، وأرسل إليهم مرجانًا المقدَّم يعرفهم مقالة السلطان، فعاد مرجان ثانيًا إلى السلطان بالكلام الأول، وصار يتردُّد مرجان بين السلطان والمماليك الأجلاب نحو سبعة مرار، وهم مصمِّمون على مقالتهم، والسلطان ممتنع من ذلك، وامتنع الناس من الدخول والخروج إلى السلطان خوفًا من المماليك؛ لما فعلوه مع العجمي المحتسِب، فلما طال الأمر على السلطان خرج هو إليهم بنفسه، ومعه جماعةٌ من الأمراء والمباشرين، فلما علموا بمجيء السلطان أخذوا في الرجم، فلما رأى شدةَ الرجم، قصد العودَ إلى الدهيشة، ورسم لمن معه من الأمراء أن ينزلوا إلى دورهم، فامتنعوا إلَّا أن يوصلوه إلى باب الحريم، فعاد عليهم الأمر فنزلوا من وقتهم، وبقي السلطان في خواصِّه وجماعة المباشرين وولده الكبير المقام الشهابي أحمد، فلما سار السلطان إلى نحو باب الستارة، ووصل إلى باب الجامع أخذه الرجمُ المفرط من كل جهة، فأسرع في مشيته والرجم يأتيه من كل جانب، وسقط الخاصكي الذي كان حامِلَ ترس السلطان من الرجم، فأخذ الترسَ خاصكيٌّ آخر فضُرِبَ الآخر فوقع وقام، وشج دوادار ابن السلطان في وجهه وجماعة كثيرة، وسقطت فردةُ نعل السلطان من رجله فلم يلتفت إليها لأنَّه محمول من تحت إبطيه مع سرعة مشيهم إلى أن وصل إلى باب الستارة، وجلس على الباب قليلًا، فقصدوه أيضًا بالرجم، فقام ودخل من باب الحريم وتوجه إلى الدهيشة، واستمر وقوف المماليك على ما هم عليه إلى أذان المغرب، وبات القوم وهم على وجل، والمماليك يكثرون من الوعيد في يوم السبت؛ فإنهم زعموا أن لا يتحركوا بحركةٍ في يوم الجمعة مراعاةً لصلاة الجمعة، وأصبح السلطان وصلَّى الجمعة مع الأمراء على العادة، فتكلم بعض الأمراء مع السلطان في أمرهم بما معناه أنه لا بد لهم من شيء يطيب خواطرهم به، ووقع الاتفاق بينهم وبين السلطان على زيادة كسوتهم التي يأخذونها في السنة مرة واحدة، وكانت قبل ذلك ألفين، فجعلوها يوم ذاك ثلاثة آلاف درهم، وزادوهم أيضًا في الأضحية، فجعلوا لكل واحد ثلاثة من الغنم الضأن، فزيدوا رأسًا واحدًا على ما كانوا يأخذونه قبل ذلك، ثم رُسِمَ لهم أن تكون تفرقة الجامكية على ثلاث نفقات في ثلاثة أيام من أيام المواكب، فرَضُوا بذلك وخَمَدت الفتنة.

العام الهجري : 316 الشهر القمري : ذي الحجة العام الميلادي : 929
تفاصيل الحدث:

رأى النَّاصِرُ أميرُ الأندلس أن تكونَ الدَّعوةُ له في مخاطباته والمُخاطَباتِ له في جميعِ ما يَجري ذِكرُه فيه، بأميرِ المؤمنين، فعَهِدَ إلى أحمد بن بقيٍّ القاضي صاحِبِ الصلاة بقُرطبةَ بأن تكون الخُطبةُ يوم الجمعة مُستهَلَّ ذي الحجة بذلك. ونَفَذت الكتبُ إلى العمَّال فيه، ونُسخة الرسالة النافذة في ذلك: بسم اللهِ الرَّحمنِ الرحيم. أمَّا بعدُ؛ فإنَّا أحقُّ من استوفى حَقَّه، وأجدرُ من استكمَلَ حَظَّه، ولَبِسَ من كرامة الله ما ألبَسَه؛ لِلَّذي فضَّلَنا اللهُ به، وأظهَرَ أثرَتَنا فيه، ورفع سلطانَنا إليه، ويَسَّرَ على أيدينا إدراكَه، وسهَّلَ بدَولتنِا مَرامَه، ولِلَّذي أشاد في الآفاقِ مِن ذِكْرِنا، وعُلُوِّ أمرِنا، وأعلن مِن رجاء العالَمينَ بنا، وأعاد مِن انحرافِهم إلينا، واستبشارهم بدولتنا. والحمدُ لله وليُّ النِّعمةِ والإنعامِ بما أنعَمَ به، وأهلُ الفَضلِ بما تفضَّلَ علينا فيه, وقد رأينا أن تكونَ الدَّعوةُ لنا بأميرِ المؤمنين، وخروجَ الكتب عنا وورودَها علينا بذلك؛ إذ كُلُّ مدعُوٍّ بهذا الاسم غيرِنا مُنتَحِلٌ له، ودخيلٌ فيه، ومتَّسِمٌ بما لا يستحِقُّه. وعَلِمْنا أنَّ التماديَ على تركِ الواجِبِ لنا من ذلك حَقٌّ أضعناه، واسمٌ ثابتٌ أسقطناه. فأْمُرِ الخطيبَ بموضِعِك أن يقولَ به، وأَجْرِ مُخاطباتِك لنا عليه، إن شاء الله. والله المستعان, كُتِبَ يوم الخميس لليلتينِ خلتا من ذي الحجة سنة 316.

العام الهجري : 1233 الشهر القمري : ذي القعدة العام الميلادي : 1818
تفاصيل الحدث:

لَمَّا قبل إبراهيم باشا الصلحَ خرج له من أعيان الدرعية عبد الله بن عبد العزيز بن محمد، والشيخ العالم علي ابن الشيخ محمد بن عبد الوهاب، ومحمد بن مشاري بن معمر، فأرادوا منه أن يصالِحَهم على البلدِ كُلِّه فأبى أن يصالِحَهم إلا على السهلِ، أو يحضُرَ الإمام عبد الله بن سعود فرفضوا، فدخل الرومُ الدرعية ووقعت الحربُ عند مسجد الطريف أيامًا ثم انفَضَّ عن عبد الله بن سعود كثيرٌ ممن كان عنده،  فلما رأى عبد الله ذلك بذل نفسَه للروم وفدى بها عن النِّساء والولدان والأموال، فأرسل إلى الباشا وطلب المصالحةَ، فأمره أن يخرج إليه فخرج إليه وتصالحَ على أن يركَبَ إلى السلطانِ فيُحسِنَ إليه أو يسيءَ، وانعقد الصلحُ على ذلك، ودخل عبد الله منزله وأطاعت البلدُ كُلُّها، فسلّم عبد الله بن سعود نفسَه للباشا في 8 ذي القعدة بعد حصارٍ شديد للدرعية دام ستة أشهر، ثم أرسله إلى القاهرة، واقتاد إبراهيم باشا بعض أمراء آل سعود وأفرادًا من أسرة الشيخ محمد بن عبد الوهاب أسرى، وأرسلهم إلى مصر، ومن هناك أُرسِلَ عبد الله بن سعود إلى استانبول، حيث أُعدِمَ في صفر سنة 1234هـ, وبهذا انتهت الدولةُ السعودية الأولى التي امتَدَّ نفوذُها إلى معظم أنحاء الجزيرة العربية على مدى 77 سنة.

العام الهجري : 161 الشهر القمري : شعبان العام الميلادي : 778
تفاصيل الحدث:

هو شيخ الإسلام، إمام الحفاظ، أميرُ المؤمنين في الحديث، أبو عبد الله سفيانُ بنُ سعيد بن مسروق الثوريُّ التميميُّ، وُلِدَ سنة 97 بالكوفة, وهو سيِّدُ أهل زمانه في العِلم والدين، من كبارِ تابعي التابعينَ, وأحدُ الأئمة المجتهدينَ الذين كان لهم أتباعٌ، مصنف كتاب (الجامع) ولد: سنة 98 اتفاقا، وطلب العلم وهو حدث باعتناء والده المحدث الصادق سعيد بن مسروق الثوري، وكان والده من أصحاب الشعبي، وخيثمة بن عبد الرحمن، ومن ثقات الكوفيين، وعداده في صغار التابعين, ولا يُختلف في إمامة سفيان وأمانته وحفظه وعلمه وزهده. قال يونس بن عبيد: "ما رأيت أفضل من سفيان الثوري، فقيل له: يا أبا عبد الله رأيت سعيد بن جبير، وإبراهيم، وعطاء، ومجاهدا وتقول هذا؟ قال: هو ما أقول، ما رأيت أفضل من سفيان" قال عبد الرحمن بن مهدي: "ما رأيت رجلاً أحسن عقلاً من مالك بن أنس، ولا رأيت رجلاً أنصح لأمة محمد صلى الله عليه وسلم من عبد الله بن مبارك، ولا أعلم بالحديث من سفيان، ولا أقشف من شعبة". وقد ساق الذهبي جملة من اقوال الأئمة والعلماء في الثوري منها: قال ابن المبارك: "كتبت عن ألف ومائة شيخ، ما كتبت عن أفضل من سفيان, وما نعت لي أحد فرأيته، إلا وجدته دون نعته، إلا سفيان الثوري. قال أبو حنيفة: لو كان سفيان الثوري في التابعين، لكان فيهم له شأن. وقال أيضا: لو حضر علقمة والأسود، لاحتاجا إلى سفيان. وقال المثنى بن الصباح: سفيان عالم الأمة، وعابدها. وقال ابن أبي ذئب،: ما رأيت أشبه بالتابعين من سفيان الثوري. وقال شعبة: ساد سفيان الناس بالورع والعلم, وهو أمير المؤمنين في الحديث. وقال ابن عيينة،: ما رأيت رجلا أعلم بالحلال والحرام من سفيان الثوري. وقال أحمد بن حنبل: قال لي ابن عيينة: لن ترى بعينيك مثل سفيان الثوري حتى تموت. وعن حفص بن غياث، قال: ما أدركنا مثل سفيان، ولا أنفع من مجالسته. وقال أبو معاوية: ما رأيت قط أحفظ لحديث الأعمش من الثوري، كان يأتي، فيذاكرني بحديث الأعمش، فما رأيت أحدا أعلم منه بها. وقال يحيى بن سعيد: سفيان أعلم بحديث الأعمش من الأعمش. وقال ابن عرعرة: سمعت يحيى بن سعيد يقول: سفيان أثبت من شعبة، وأعلم بالرجال. وقال محمد بن زنبور: سمعت الفضيل يقول: كان سفيان والله أعلم من أبي حنيفة. وقال بشر الحافي: سفيان في زمانه، كأبي بكر وعمر في زمانهما.". يقال: إن عدد شيوخه ستمائة شيخ، وكبارهم الذين حدثوه عن: أبي هريرة، وجرير بن عبد الله، وابن عباس، وأمثالهم. وقد قرأ الختمة عرضا على: حمزة الزيات أربع مرات. وأما الرواة عنه فقد حدث عنه من القدماء من مشيخته وغيرهم خلق، منهم: الأعمش، وأبان بن تغلب، وابن عجلان، وخصيف، وابن جريج، وجعفر الصادق، وجعفر بن برقان، وأبو حنيفة، والأوزاعي، ومعاوية بن صالح، وابن أبي ذئب، ومسعر، وشعبة، ومعمر وكلهم ماتوا قبله, وغيرهم كثير. قال يحيى بن أيوب العابد: حدثنا أبو المثنى، قال: "سمعتهم بمرو يقولون: قد جاء الثوري، قد جاء الثوري. فخرجت أنظر إليه، فإذا هو غلام قد بقل وجهه - خرج شعر وجهه-. قلت (الذهبي): "كان ينوه بذكره في صغره، من أجل فرط ذكائه، وحفظه، وحدث وهو شاب قال أبو بكر بن عياش: إني لأرى الرجل يصحب سفيان، فيعظم في عيني. وقال ورقاء، وجماعة: لم ير سفيان الثوري مثل نفسه." كان سفيان رأسا في الزهد، والتأله، والخوف، رأسا في الحفظ، رأسا في معرفة الآثار، رأسا في الفقه، لا يخاف في الله لومة لائم, وهو من أئمة الدين، وكان يكثر من ذكر الآخرة, واغتفر له غير مسألة اجتهد فيها، وفيه تشيع يسير، كان يثلث بعلي، وهو على مذهب بلده أيضا في النبيذ. ويقال: رجع عن كل ذلك، وكان ينكر على الملوك، ولا يرى الخروج أصلا ومن أقوله رحمه الله: ما أودعت قلبي شيئا فخانني. قال وكيع، سمعت سفيان يقول: ليس الزهد بأكل الغليظ، ولبس الخشن، ولكنه قصر الأمل، وارتقاب الموت. وقال يحيى بن يمان: سمعت سفيان يقول: المال داء هذه الأمة، والعالم طبيب هذه الأمة، فإذا جر العالم الداء إلى نفسه، فمتى يبرئ الناس وقال عبد الرزاق: دعا الثوري بطعام ولحم، فأكله، ثم دعا بتمر وزبد، فأكله، ثم قام، وقال: أحسن إلى الزنجي، وكده. أبو هشام الرفاعي: سمعت يحيى بن يمان، عن سفيان، قال: إني لأرى الشيء يجب علي أن أتكلم فيه، فلا أفعل، فأبول دما. وقال سفيان: ما وضع رجل يده في قصعة رجل، إلا ذل له. قيل: إن عبد الصمد عم المنصور دخل على سفيان يعوده، فحول وجهه إلى الحائط، ولم يرد السلام. فقال عبد الصمد: يا سيف! أظن أبا عبد الله نائما. قال: أحسب ذاك أصلحك الله. فقال سفيان: لا تكذب، لست بنائم. فقال عبد الصمد: يا أبا عبد الله! لك حاجة؟ قال: نعم، ثلاث حوائج: لا تعود إلي ثانية، ولا تشهد جنازتي، ولا تترحم علي. فخجل عبد الصمد، وقام، فلما خرج، قال: والله لقد هممت أن لا أخرج، إلا ورأسه معي. دعاه المنصور لتولِّي القضاءِ فأبى، ثم طلَبَه المهدي لذلك, فأبى ثم أتي به للمهدي، فلما دخل عليه سلم تسليم العامة ولم يسلم بالخلافة، والربيع قائم على رأس المهدي متكئاً على سيفه يرقب أمر الثوري، فأقبل عليه المهدي بوجه طلق، وقال له: يا سفيان، تفر منا ها هنا وها هنا وتظن أنا لو أردناك بسوء لم نقدر عليك، فقد قدرنا عليك الآن، أفما تخشى أن نحكم فيك بهوانا قال سفيان: إن تحكم فيّ يحكم فيك ملك قادر يفرق بين الحق والباطل، فقال له الربيع: يا أمير المؤمنين، ألهذا الجاهل أن يستقبلك بمثل هذا إيذن لي أن أضرب عنقه، فقال له المهدي: اسكت ويلك، وهل يريد هذا وأمثاله إلا أن نقتلهم فنشقى بسعادتهم اكتبوا عهده على قضاء الكوفة على أن لا يُعترض عليه في حكم، فكتب عهده ودفع إليه، فأخذه وخرج فرمى به في دجلة وهرب، فطلب في كل بلد فلم يوجد. هرب إلى مكَّة أولًا، ثم خرج إلى البصرة وبقي فيها متواريًا حتى مات فيها", وأُخرِجَت جنازتُه على أهلِ البصرة فجأةً، فشَهِدَه الخلقُ، وصلَّى عليه عبد الرحمن بن عبد الملك بن أبجر، ونزل في حُفرتِه هو وخالد بن الحارث. مات وله ثلاث وستون سنة.

العام الهجري : 696 الشهر القمري : صفر العام الميلادي : 1296
تفاصيل الحدث:

بعد أن هرب السلطانُ العادِلُ كتبغا من حسام الدين لاجين وأمرائِه الذين حاولوا قتْلَه، كان قد قَدِمَ قبله إلى دمشق أميرُ شكاره وهو مجروح، ليُعلِمَ الأمير أغرلو نائب دمشق بما وقع، فوصَلَ في يوم الأربعاء آخر المحرم، فكثُرَ بدمشق القالُ والقيل، وألبس أغرلو العسكرَ السلاح ووقفوا خارجَ باب النصر، فوصل كتبغا في أربعةِ أنفس قبل الغروبِ وصَعِدَ القلعة، وحضر إليه الأمراءُ والقُضاة وجُدِّدَت له الأيمان، ثم أوقَعَ الحوطة على أموالِ لاجين، وقَدِمَ في أول صفر الأمير زين الدين غلبك العادلي بطائفةٍ مِن المماليك العادليَّة، وجلس شهابُ الدين الحنفي وزير الملك العادل كتبغا في الوزارة بالقلعةِ، ورتَّبَ الأمور وأحوال السلطنةِ، فاشتهرت بدمشقِ سلطنةُ الملك المنصور حسام الدين لاجين في اليومِ الثالث عشر من محرَّم، وأنَّ البشائِرَ دُقَّت بصفد ونابلس والكرك، فصار كتبغا مقيمًا بقلعة دمشق لا ينزِلُ منها، وبعث الأميرُ سيف الدين طقصبا الناصري في جماعةٍ لكشف الخبر، فعادوا وأخبروا بصِحَّةِ سلطنة لاجين، فأمر كتبغا جماعةً من دمشق، وأبطل عدَّةَ مكوس في يومِ الجمعة السادس عشر صفر، وكتب بذلك توقيعًا قُرِئَ بالجامع، فبعث المَلِكُ المنصور لاجين من مصرَ الأمير سنقر الأعسر وكان في خدمتِه، فوصل إلى ظاهِرِ دمشق في الرابع عشر صفر، وأقام ثلاثةَ أيام، فرَّقَ عِدَّةَ كُتُبٍ على الأمراء وغيرهم وأخذ الأجوبةَ عنها، وحلف الأمراءُ، وسار إلى قارا وكان بها عِدَّةُ أمراء مجرَّدين فحَلَّفَهم وحلَّف عدَّةً من الناس، وكتب بذلك كلِّه إلى مصر، وسار إلى لد، فأقام بها في جماعةٍ كبيرة لحفظ البلاد، ولم يعلَمْ كتبغا بشيءٍ من ذلك، وكان قد وصل الأميرُ سيف الدين كجكن وعِدَّةٌ من الأمراء كانوا مجرَّدينَ بالرَّحبة، فلم يدخلوا دمشق، ونزلوا بميدان الحصا قريبًا من مسجد القدم، فأعلنوا باسم السلطان الملك المنصور حسام الدين لاجين، وراسلوا الأمراءَ بدمشق فخرجوا إليهم طائفةً بعد طائفة، وانحَلَّ أمر كتبغا، فتدارك نفسَه وقال للأمراء: السلطانُ الملك المنصورُ لاجين خوشداشي- زميل مهنتي- وأنا في خِدمتِه وطاعتِه، وأنا أكونُ في بعض القاعات بالقلعةِ إلى أن يكاتِبَ السُّلطانَ ويَرِدَ جوابُه بما يقتضيه في أمري فأدخله الأميرُ جاغان الحسامي مكانًا من القلعة، واجتمع الأمراءُ بباب الميدان، وحَلَفوا للملك المنصور وكتبوا إليه بذلك، وحفظ جاغان القلعةَ ورَتَّبَ بها من يحفَظُ كتبغا، وغُلِّقَت أبواب دمشق كلُّها إلا باب النصر، ورَكِبَ العسكر بالسلاح ظاهِرَ دمشق، وأحاط جماعةٌ بالقلعةِ خَوفًا من خروج كتبغا وتحيُّزه في جهةٍ أخرى، وكثُرَ كلام الناس واختلفت أقوالُهم، وعظم اجتماعُهم بظاهر دمشق حتى إنَّه سقط في الخندقِ جماعةٌ لشدة الزحام فيما بين باب النصرِ وباب القلعة، فمات نحوُ العشرة، واستمر الحالُ على هذا ذلك اليوم، ثم دُقَّت البشائر بعد العصر على القلعةِ، وأعلن بالدعاء للملك المنصور لاجين، ودُعِيَ له على المآذِنِ في ليلة الأحد، وضُرِبَت البشائر على أبواب الأمراء، وفُتِحَت الأبواب في يوم الأحد، وحضر الأمراءُ والقضاة بدار السعادة وحلف الأمراء بحضور الأمير أغرلو نائب الشام، وحلف هو وأظهر السرور، وركب أغرلو والأمير جاغان البريد إلى مصر، وبلغ ذلك الأمير سنقر الأعسر بلد، فنهض إلى دمشق ودخلها يوم الخميس التاسِعَ عشر، وقد تلقاه الناس وأشعلوا له الشموع، وأتاه الأعيان، ونودي من له مَظلمةٌ فعليه بباب الأمير شمس الدين سنقر الأعسر، وفي يوم الجمعةِ أوَّل شهر ربيع الأول خُطِبَ بدمشق للملك المنصور، فلما كان يومُ الجمعة ثامنه: وصل الأميرُ حسام الدين الأستادار بعسكر مصر ليحلِّفَ الأمراء، فحَلَفوا بدار السعادة في يوم السبت تاسِعَه، وقرئ عليهم كتابُ الملك المنصور باستقراره في المُلك وجُلوسِه على تخت الملك بقلعة الجبل، واجتماعِ الكلمة عليه وركوبه بالتشاريفِ الخليفيَّة والتقليد بين يديه من أمير المؤمنينَ الحاكِم بأمر الله أبي العباس أحمد.