الموسوعة الحديثية


- لما نَزَلَت آيةُ الدَّيْنِ قال رسولُ اللهِ إنَّ أَوَّلَ مَن جحد آدمُ ، إنَّ اللهَ تعالى لما خلقه مسح ظهرَه ، فأَخْرَج منه ما هو من ذَرَارِيَّ إلى يومِ القيامةِ ، فعَرَضهم عليه
الراوي : عبدالله بن عباس | المحدث : الألباني | المصدر : تخريج كتاب السنة | الصفحة أو الرقم : 204 | خلاصة حكم المحدث : صحيح | التخريج : أخرجه أحمد (2270)، والطيالسي (2815)، وابن عساكر في ((تاريخ دمشق)) (7/391) مطولاً باختلاف يسير
خلَقَ اللهُ تعالى آدَمَ عليه السَّلامُ بيَدِه، وكَرَّمَه وأسجَدَ له ملائكتَه، وخلَقَ منه حوَّاءَ، وجعَلَ منهما الذُّرِّيَّةَ والنَّسلَ، وأجْرى عليهم المَقاديرَ بحِكمتِه، وكما فعَلَ آدَمُ عليه السَّلامُ فعَلَتْ ذُرِّيَّتُه مِن بعدِه؛ مِن النِّسْيانِ وغيرِ ذلك، كما يُخبِرُ عبدُ اللهِ بنُ عبَّاسٍ رَضيَ اللهُ عنهما في هذا الحديثِ: "لمَّا نزَلَتْ آيةُ الدَّينِ"، وهي قَولُه تَعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ ...} الآيةَ [البقرة: 282]؛ "قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: إنَّ أوَّلَ مَن جحَدَ آدَمُ"، والجُحودُ: هو الإنكارُ والتَّكذيبُ بالأمْرِ، "إنَّ اللهَ تعالى لمَّا خلَقَه، مسَحَ ظَهرَه"، أي: مسَحَ اللهُ ظَهرَ آدَمَ بيَدِه سُبحانَه، "فأخرَجَ منه ما هو مِن ذَراريٍّ إلى يَومِ القيامةِ"، والمعنى أنَّ اللهَ سُبحانَه أخرَجَ مِن ظَهرِ آدَمَ بقُدرتِه كلَّ نَسَمةٍ هو خالقُها مِن ذُرِّيَّتِه إلى يومِ القيامةِ، قيلَ: المَقصودُ أنَّ اللهَ أخرَجَ مِثالَه وأمثلةَ أَولادِه في عالَمِ الغَيبِ، "فعرَضَهم عليه"، بمعنى يَنشُرُهم أمامَه ليَراهم.
وفي تَمامِ الرِّوايةِ عندَ أحمدَ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فرَأى فيهم رَجُلًا يُزهِرُ"، أي: يَلمَعُ ويبرُقُ مِن وَضاءتِه ونُورِه، "فقال: أي ربِّ، مَن هذا؟!"، أي: مَن الرَّجُلُ الذي أعجَبَه نورُه، "قال: هذا ابنُكَ داوُدُ، قال: أي ربِّ، كم عُمرُه؟"، أي: ما مِقدارُ عُمرِه وكم سيَعيشُ؟ "قال: ستُّونَ عامًا، قال: ربِّ، زِدْ في عُمرِه، قال: لا"، إشارةً إلى أنَّه سُبحانَه قدَّرَ له عُمرَه، لن يَزيدَه شيئًا، "إلَّا أنْ أَزيدَه مِن عُمرِكَ، وكان عُمرُ آدَمَ ألْفَ عامٍ، فزادَه أربعينَ عامًا"، وبذلك يكونُ عُمرُ داوُدَ عليه السَّلامُ مِئةَ سَنةٍ، وعُمرُ آدَمَ تِسعَ مِئةٍ وأربعينَ سَنَةً، "فكتَبَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه بذلك كِتابًا، وأشهَدَ عليه الملائكةَ"، ولعلَّ ذلك لتَعليمِ اللهِ لخَلقِه الكتابةَ، أو لعلَّه لعِلمِ اللهِ سُبحانَه بما سيَكونُ مِن إنكارِ آدَمَ، "فلمَّا احتُضِرَ آدَمُ، وأتَتْه الملائكةُ لتَقبِضَه"، أي: جاءتِ الملائكةُ إلى آدَمَ لقَبضِ روحِه وإنهاءِ حَياتِه؛ "قال: إنَّه قد بَقيَ مِن عُمُري أربعونَ عامًا"، وفي رِوايةِ التِّرمِذيِّ: "فكان آدَمُ يَعُدُّ لنَفْسِه"، أي: يُقدِّرُ ويَحسُبُ لنَفْسِه سِنَّه وعُمرَه الذي يَعيشُه، "فقيلَ: إنَّكَ قد وهَبتَها لابنِكَ داوُدَ"، فذكَّروه بما أعْطى لداوُدَ مِن العُمرِ، "قال: ما فعَلْتُ"، وهذا جُحودٌ وإنكارٌ ونِسْيانٌ لما وهَبَه مِن عُمرِه لداوُدَ عليه السَّلامُ، "وأبرَزَ اللهُ عزَّ وجلَّ عليه الكِتابَ"، أي: أظهَرَ اللهُ الكِتابَ، "وشهِدَتْ عليه الملائكةُ"، وشهِدَتْ عليه الملائكةُ مرَّةً أُخرى، وفيه إشارةٌ إلى أنَّ آدَمَ عليه السَّلامُ لم يتَذكَّرْ سَريعًا ما نَسيَه، بل ظهَرَ منه ما يُنكِرُ ما تُذكِّرُه به الملائكةُ.
وفي حديثِ التِّرمِذيِّ: ثُمَّ قال النَّبيُّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ: "فمِن يومئذٍ"، أي: مِن ذلك الوَقتِ، "أُمِرَ بالكِتابِ والشُّهودِ"، أي: شرَعَ اللهُ عزَّ وجلَّ تَوثيقَ المُعاملاتِ بينَ النَّاسِ؛ إمَّا بكِتابٍ يُكتَبُ، أو إشهادِ الشُّهودِ؛ حتى لا تَضيعَ الحُقوقُ بينَ النِّسيانِ والجُحودِ.
وفي الحديثِ: إرشادٌ إلى الكِتابةِ والشُّهودِ في المُعاملاتِ، وبَيانُ أنَّ ذلك مِن السُّننِ والشَّرائعِ التي أُقِرَّتْ مع خَلقِ آدَمَ عليه السَّلامُ .