الموسوعة الحديثية


- إِنَّما بعثَنِي اللهُ مُبَلِّغًا ، و لمْ يَبْعَثْنِي مُتَعَنِّتًا
الراوي : عائشة أم المؤمنين | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الجامع | الصفحة أو الرقم : 2351 | خلاصة حكم المحدث : حسن

أنَّ عائشةَ قالَت لَهُ يا رسولَ اللَّهِ لا تخبِر أزواجَكَ أنِّي اخترتُكَ فقالَ النَّبيُّ صلَّى اللَّهُ عليْهِ وسلَّمَ : إنَّما بعثَني اللَّهُ مبلِّغًا ولم يَبعثني مُتعنِّتًا
الراوي : أيوب السختياني | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح الترمذي
الصفحة أو الرقم: 3318 | خلاصة حكم المحدث : حسن

أقسَم رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم عِندَما أغضَبه نِساؤُه ألَّا يَدخُلَ عليهِنَّ شَهرًا، مُعتَزِلَهنَّ بذلك القسَمِ، وهذا الحديثُ مُختَصَرٌ مِن روايةٍ أخرى، وفيها يُفسَّرُ اعتزالُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فلمَّا انقَضى الشَّهرُ أنزَل اللهُ عزَّ وجلَّ آيةَ التَّخييرِ، وهي قولُه تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا وَزِينَتَهَا فَتَعَالَيْنَ أُمَتِّعْكُنَّ وَأُسَرِّحْكُنَّ سَرَاحًا جَمِيلًا * وَإِنْ كُنْتُنَّ تُرِدْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَالدَّارَ الْآخِرَةَ فَإِنَّ اللَّهَ أَعَدَّ لِلْمُحْسِنَاتِ مِنْكُنَّ أَجْرًا عَظِيمًا} [الأحزاب: 28- 29]، أي: أُمِرَ النبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم أن يُخيِّرَ نِساءَه بين أن يَبقَين معَه، ويَصبِرْن صَبرًا جميلًا، ولهنَّ الأجرُ عندَ اللهِ، أو يُطلِّقَهنَّ النَّبيُّ صلَّى الله عليه وسلَّم ويُسرِّحَهنَّ ويُعطِيَهنَّ مِن مَتاعِ الدُّنيا ما أرَدْن، تقولُ عائشةُ رَضِي اللهُ عَنها: "فلمَّا مضَتْ تِسْعٌ وعِشْرون"، أي: ليلةً، "دخَل عليَّ النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، بدَأ بي"، أي: بدأ بها في تَخْييرِها، فقال لها النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "يا عائشةُ، إنِّي ذاكِرٌ لك شيئًا فلا تَعْجَلي حتَّى تَستأمِري أبَوَيكِ"، قالَت: "ثمَّ قرَأ هذه الآيةَ"، أي: آيةَ التَّخييرِ، فأجابَت عائشةُ النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "عَلِم واللهِ أنَّ أبَويَّ لم يَكُونا يَأمُراني بفِراقِه"، وهذا مُبالغةٌ منها في إظهارِ مَدى حُبِّ أهلِها لِرَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، قالت: "فقلتُ: أفي هذا أستَأمِرُ أبَويَّ؟!" تُنكِرُ عائشةُ رضِيَ اللهُ عنها أنْ يَكونَ لها اختِيارٌ في هذا؛ قالت: "فإنِّي أريدُ اللهَ ورسولَه والدَّارَ الآخِرةَ"، ثم قالت للنَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بعدَما اختارَتْه: "يا رسولَ اللهِ، لا تُخبِرْ أزواجَك أنِّي اخترتُك"، واختُلِفَ في تَفسيرِ قول عائشةَ هذا وتوجيهِه؛ فقيل: إنَّها قالتْ ذلك حَسدًا لهنَّ من الغَيرةِ على رسولِ اللهِ صلَّى الله عليه وسلَّم، وقيل: إنَّها رضي اللَّه عنها أرادتْ أن يَختارَ نِساؤُه الفِراقَ، ولكن النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم لم يَرْضَ بهذا الطلبِ منها فقال لها- كما في روايةٍ أخرى-: "لا تَسأَلُني امرأةٌ مِنهنَّ عمَّا اختَرْتِ إلَّا أخبَرتُها؛ إنَّ اللهَ تعالى لم يَبْعثني مُعنتًا ولا مُتعنِّتًا، ولكن بَعثَني مُعلِّمًا مُيسِّرًا"؛ فرفع النبيُّ عليه الصَّلاةُ والسَّلامُ بذلك التعنُّتَ عن كلِّ زَوجاتِه وساوى بينهنَّ في الإخبارِ والإرشادِ وفي حُريَّةِ الاختيارِ، وقيل: إنَّها قالتْ ذلك لأنَّها تَعلَمُ أنَّهن سيَفعَلْن مِثلَها إنْ عَلِمْن به، وكأنَّها أرادَت أن يكونَ اختِيارُهنَّ عن قَناعةٍ مِنهنَّ، رَجاءً للخيرِ لهنَّ.
فقال النَّبيُّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "إنَّما بعَثَني اللهُ مُبلِّغًا"، أي: مبلِّغًا للأحكامِ مُفسِّرًا لها، "ولم يبعَثْني مُتعنِّتًا"، أي: مُشدِّدًا، فأُدخِلُ عليهِنَّ الأذى والمشقَّةَ.
وفي الحديثِ: إشارةٌ إلى فَضلِ عائشةَ رضِيَ اللهُ عنها؛ لِبَدئِه صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم بها في التَّخييرِ.
وفيه: بيانُ أنَّ النبيَّ صلَّى الله عليه وسلَّم كان سهلًا ومُيسِّرًا ولم يَكُن صعبًا ولا مُتعنِّتًا.