الموسوعة الحديثية


- عنْ عُبادةَ بنِ الوَليدِ بنِ عُبادةَ بن الصَّامتِ قالَ: خرَجتُ أَنا وأبي، نَطلبُ هذا العِلمَ في هذا الحيِّ منَ الأنصارِ، قبلَ أن يَهْلِكوا فَكانَ أوَّلَ مَن لَقينا، أبو اليَسَرِ صاحبُ رسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ ومعَهُ غلامٌ لَهُ، وعَليهِ بُردةُ معافريٍّ، وعلى غلامِهِ بردةُ معافريٍّ . قالَ: فقلتُ لَهُ: يا عمُّ، لو أخذتَ بردةَ غلامِكَ، فأعطيتَهُ معافريَّكَ، أو أخَذتَ معافريَّهُ، وأعطيتَهُ بُردَكَ، فَكانت عليكَ حلَّةٌ، وعليهِ حلَّةٌ . قالَ: فَمسحَ رَأسي وقالَ: اللَّهمَّ بارِكْ فيهِ . ثمَّ قالَ: يا ابنَ أَخي أبصَرَتْ عَينايَ هاتانِ، وسَمِعَتْ أذُنايَ هاتانِ، ووَعاهُ قَلبي مِن رَسولِ اللَّهِ صلَّى اللَّهُ عليهِ وسلَّمَ وَهوَ يقولُ: أطعِموهم مِمَّا تأكُلونَ، واكسوهُم مِمَّا تَلبَسون فَكانَ إن أعطيتُهُ مِن متاعِ الدُّنيا أحبُّ إليَّ من أن يأخُذَ مِن حسَناتي يومَ القِيامةِ
الراوي : أبو اليسر | المحدث : العيني | المصدر : نخب الافكار | الصفحة أو الرقم : 16/480 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح

يَا عَمِّ، لو أنَّكَ أَخَذْتَ بُرْدَةَ غُلَامِكَ، وَأَعْطَيْتَهُ مَعافِرِيَّكَ، وَأَخَذْتَ مَعافِرِيَّهُ وَأَعْطَيْتَهُ بُرْدَتَكَ، فَكَانَتْ عَلَيْكَ حُلَّةٌ وَعليه حُلَّةٌ، فَمَسَحَ رَأْسِي، وَقالَ: اللَّهُمَّ بَارِكْ فِيهِ، يا ابْنَ أَخِي، بَصَرُ عَيْنَيَّ هَاتَيْنِ، وَسَمْعُ أُذُنَيَّ هَاتَيْنِ، وَوَعَاهُ قَلْبِي هذا -وَأَشَارَ إلى مَنَاطِ قَلْبِهِ- رَسولَ اللهِ صَلَّى اللَّهُ عليه وسلَّمَ وَهو يقولُ: أَطْعِمُوهُمْ ممَّا تَأْكُلُونَ، وَأَلْبِسُوهُمْ ممَّا تَلْبَسُونَ، وَكانَ أَنْ أَعْطَيْتُهُ مِن مَتَاعِ الدُّنْيَا أَهْوَنَ عَلَيَّ مِن أَنْ يَأْخُذَ مِن حَسَنَاتي يَومَ القِيَامَةِ.
الراوي : كعب بن عمرو | المحدث : مسلم | المصدر : صحيح مسلم
الصفحة أو الرقم: 3007 | خلاصة حكم المحدث : [صحيح]

لم يُفرِّقِ الإسلامُ بيْنَ المؤمنين جَميعِهم أمامَ اللهِ سُبحانَه وتَعالَى؛ فلا تَمايُزَ بالأنسابِ ولا الأحسابِ، ولا بالعِرْقِ ولا باللَّونِ، وإنَّما التَّمايزُ بالعملِ الصَّالحِ والتَّقوى فقطْ.
وفي هذا الحديثِ خُلُقٌ عَظيمٌ مِن أَخلاقِ الإِسلامِ، وَهُو إِكرامُ السَّيِّدِ لِمنْ تَحتَه مِن المماليكِ والخدمِ والأُجراءِ ونحْوِهم، وعَدَمُ البُخلِ عَليهِم في مَلبسٍ أو مَشربٍ، فيُخبِرُ التَّابعيُّ عُبادَةُ بنُ الوَليدِ بنِ عُبادَةَ بنِ الصَّامتِ حَفيدُ الصَّحابيِّ الجليلِ عُبادةَ بنِ الصَّامتِ رَضيَ اللهُ عنه: أنَّ الصَّحابيَّ أَبا اليَسَرِ رَضيَ اللهُ عنه كانَ عَليه بُردةٌ وَمعافرِيٌّ، وعَلى غُلامِه بُردَةٌ ومَعافريٌّ، كما في تَمامِ الرِّوايةِ عندَ مُسلمٍ، والبُردَةُ شَملَةٌ مُخطَّطةٌ، وقيل: كِساءٌ مُربَّعٌ فيهِ صِغَرٌ، والمعافريُّ نَوعٌ منَ الثِّيابِ يُعمَلُ بقَريةٍ تُسمَّى مَعافِرَ، وقيل: هي نِسبةٌ إِلى قَبيلةٍ نَزلتْ تِلكَ القَريَةَ، فكان كغُلامِه في المَلْبسِ، والمرادُ بالغلامِ هنا: العبدُ المملوكُ، فقال له عُبادةُ بنُ الوَليدِ: لَو أنَّك أَخذْتَ بُردةَ غُلامِكَ وأَعطيتَه مَعافِريَك، أَو أَخذتَ مَعافريَه وأَعطيتَه بُردَتَك، فيَكونَ عَلى أَحدِكما بُردتانِ، وعَلى الآخَرِ مَعافريَّان، فكانت عَليكَ حُلَّةٌ وعليه حُلَّةٌ، والحُلَّةُ ثَوبانِ إِزارٌ ورِداءٌ، فهو يُريدُ أنْ يكونَ على كلِّ واحدٍ منهما حُلَّةٌ مُتوافِقةٌ، فمَسحَ أَبو اليَسَرِ عَلى رأسِ عُبادةَ بنِ الوَليدِ ودَعا لَه بالخيرِ فقال: «اللَّهمَّ باركْ فيهِ»، ثُمَّ أَكَّد عليهِ أنَّ ذَلكَ مِن أَمرِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ، فَقالَ: «بَصَرُ عَينيَّ هاتين، وسَمْعُ أُذُنيَّ هاتين، ووَعاهُ قَلبي هذا -وأَشارَ إِلى مَناطِ قَلبِه-»، والمَناطُ: عِرقٌ مُعلَّق بالقَلبِ، كلُّ هذا لتَأكيدِ صِدقِ حَديثِه وقُوَّةِ حِفظِه له، فحَدَّث عن رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ قولَه: «أَطعِموهُم مِمَّا تَأكُلونَ، وأَلبِسوهُم مِمَّا تَلبَسونَ»، أي: ساوُوا بيْنكم وبيْنَهم في الطَّعامِ والشَّرابِ، ولا تَبْخَسوهم حَقَّهم أو تُؤكِلوهم وتُلْبِسوهم الرَّديءَ، ثُمَّ نقَلَه إِلى ذِكرِ الآخِرَةِ، وأَنَّه خَيرٌ للمَرءِ بَذْلُ أَموالِه هُنا مِن بَذْلِ حَسناتِه يَومَ القيامَةِ إنْ ظَلَمَ خَدَمَه.
وفي الحديثِ: الحثُّ على الإحسانِ إلى المماليكِ والخَدمِ.