الموسوعة الحديثية


- أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ بَيْنَا هو يَسيرُ، إذْ حَلَّ بقومٍ، فسمِعَ لهم لَغَطًا، فقال: ما هذا الصَّوتُ؟ قالوا: يا نبيَّ اللهِ، لهم شرابٌ يَشرَبونَه؛ فبعَثَ إلى القومِ فدعاهُمْ، فقال: في أيِّ شيءٍ تنتبِذونَ؟ قالوا: ننتبِذُ في النَّقيرِ، والدُّبَّاءِ، وليس لنا ظُروفٌ، فقال: لا تشرَبوا إلَّا فيما أَوْكَيْتُمْ عليه، قال: فلَبِثَ بذلك ما شاءَ اللهُ أنْ يَلْبَثَ، ثمَّ رجَعَ عليهم، فإذا هُمْ قد أصابَهم وَباءٌ واصفرُّوا، قال: ما لي أراكُمْ قد هلَكْتُم؟ قالوا: يا نبيَّ اللهِ، أرضُنا وَبِيئَةٌ، وحرَّمْتَ علينا إلَّا ما أَوْكَيْنا عليه، قال: اشرَبوا، وكلُّ مُسكِرٍ حرامٌ.
الراوي : بريدة بن الحصيب الأسلمي | المحدث : الألباني | المصدر : صحيح النسائي | الصفحة أو الرقم : 5671 | خلاصة حكم المحدث : إسناده صحيح
الخمرُ أمُّ الخبائثِ، وضَررُها أكثرُ مِن نفْعِها، ويَنبغي للمُسلمِ ألَّا يَشرَبَها بحالٍ، حتى وإنْ كان على سَبيلِ الدَّواءِ؛ فما أسكَر كثيرُه فقليلُه حرامٌ، وكلُّ مُسكِرٍ خمرٌ.
وفي هذا الحديثِ يُخبرُ بُريدةُ بنُ الحُصَيبِ الأسلَميُّ: أنَّ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم "بَيْنَا هو يَسيرُ"، أي: في سفَرٍ، "إذْ حلَّ"، أي: نزَل، "بقومٍ"، وقَبيلةٍ مِن القبائلِ، "فسَمِع لهم"، أي: سَمِع رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لهؤلاءِ القومِ، "لَغَطًا"، وهو الجَلَبةُ والصِّياحُ، والأصواتُ المختلِفةُ المبهَمةُ الَّتي لا تُفهَمُ، فقال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه مُستَفهِمًا: "ما هذا الصَّوتُ؟"، أي: صوتُ اللَّغَطِ والصَّخَبِ الَّذي أسمَعَه، فقالَ صحابةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم الحاضِرون معَه: يا نبيَّ اللهِ، "لهم"، أي: لهؤلاءِ القومِ الَّذين نزَلتَ فيهم، "شَرابٌ يَشرَبونه"، أي: هو السَّببُ في اللَّغَطِ الَّذي تَسمَعُه، "فبَعَث"، أي: أرسَل رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم رجلًا، "إلى القومِ" الَّذين نزَل عليهم، "فدَعاهم"؛ لِيَأتوا النَّبيَّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، فجاؤوا إلى رَسولِ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم، "فقال"، أي: رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "في أيِّ شيءٍ تَنتبِذون؟"، أي: أين تَصنَعون النَّبيذَ؟ والانتباذُ أن يُوضَعَ الزَّبيبُ أو التَّمرُ في الماءِ، ويُشرَبَ نَقيعُه قبلَ أن يَختمِرَ ويُصبِحَ مُسكِرًا، فقال هؤلاء القومُ مُجيبينَ عن سُؤالِ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "نَنتبِذُ"، أي: نَصنَعُ النَّبيذَ "في النَّقيرِ"، وهو جِذْعُ النَّخلةِ، يُنقَرُ ويُجوَّفُ وسَطُه، فيُتَّخَذُ منه وعاءٌ، "والدُّبَّاءِ"، وهو اليَقطينُ إذا يَبِسَ اتُّخِذ وِعاءً، "وليس لنا"، أي: لا يُوجَدُ معَنا، "ظُروفٌ"، وهي جمعُ ظَرفٍ، وهو الوعاءُ مِن الجلودِ يَبْقى فيها النَّبيذُ دونَ إسكارٍ.
فقال رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "لا تَشرَبوا إلَّا فيما أَوْكيتُم عليه"، أي: في الأوعيةِ الَّتي تَربِطون أفواهَها فلا يُسرِعُ فيها الإسكارُ والتَّغيُّرُ، قال بُريدةُ بنُ الحُصَيبِ رَضِي اللهُ عَنه: "فلَبِثَ بذلك ما شاء اللهُ أن يَلبَثَ"، أي: مكَث رَسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم زمَنًا، "ثمَّ رجَع عليهم"، أي: على هؤلاء القومِ، "فإذا هم قد أصابَهم وَباءٌ"، أي: أصابَهم المرضُ، "واصفَرُّوا"، أي: اصفَرَّت أجسامُهم مِن أجْلِ المرَضِ الَّذي حلَّ بهم، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "ما لي أَراكم قد هلَكتُم"، أي: قارَبتُم على الهلاكِ، وتغيَّرَت أجسادُكم؟ قالوا: يا نبيَّ اللهِ، "أرضُنا وَبِيئةٌ"، أي: الأرضُ الَّتي نَعيشُ فيها كَثيرةُ الأمراضِ والوباءِ، "وحَرَّمْتَ علينا"، أي: منَعَتْنا مِن الشَّرابِ، "إلَّا ما أَوْكينا عليه"، أي: إلَّا ما رَبَطْنا عليه في الأوعيةِ، فلم نَجِدْ شَرابًا يُلائِمُ أجسامَنا، فأصابَنا المرَضُ وحصَل لنا الضَّررُ بذلك، قال رسولُ اللهِ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم: "اشرَبوا"، أي: جميعَ أنواعِ الشَّرابِ الَّذي تَصنَعونه في أيِّ وِعاءٍ بشَرْطِ ألَّا يُسكِرَ؛ "كلُّ مُسكِرٍ حرامٌ"، أي: قليلُه وكَثيرُه حرامٌ لا يَحِلُّ لمسلِمٍ أن يَشرَبَ مِنه، وإن كان ذلك للدَّواءِ.
وفي الحديثِ: عَدمُ شُربِ المسكِرِ بحالٍ.
وفيه: رحمةُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم وشفَقتُه بأمَّتِه.
وفيه: تَعاهُدُ النَّبيِّ صلَّى اللهُ علَيه وسلَّم لأصحابِه .